الأحد 5 اكتوبر 2025

مقالات

روح أكتوبر في الشعر والرواية و المسرح: قراءة في الذاكرة الأدبية

  • 5-10-2025 | 12:29
طباعة

مثّلت حرب أكتوبر 1973م،  لحظة فارقة في التاريخ المصري والعربي؛ لم تكن مجرد مواجهة عسكرية انتهت بانتصار أعاد لمصر والعرب كرامتهم وأرضهم، بل كانت أيضًا حدثًا ملهمًا فجّر طاقات الإبداع الأدبي والفني، وأعاد للأدب المصري والعربي رسالته في التعبير عن آمال الأمة وانتصاراتها، وكانت حدثًا حضاريًا وروحيًا غيّر صورة الأمة عن نفسها بعد سنوات من الانكسار.

هذا البُعد النفسي والاجتماعي وجد انعكاسه العميق في الأدب، وبخاصة في الشعر والرواية والمسرح؛ حيث تحولت "روح أكتوبر" إلى طاقة إلهام غذت خيال الكتاب والشعراء والمبدعين لعقود طويلة لبناء الهوية الوطنية. 

أولاً: روح أكتوبر في الشعر:

مع اللحظة الأولى للعبور، وجد الشعراء أنفسهم أمام حدث تاريخي يستدعي القصيدة الوطنية. كتب عبدالرحمن الأبنودي (1938-2015م) قصيدته الشهيرة  "أحلف بسماها وترابها " والتي أقسم فيها بالوطن، واستدعاء روح التضحية، والتأكيد على الوحدة والوطنية، والانتصار كرمز للكرامة وأن مصر هي الباقية رغم كل التحديات. التي مزجت العامية بالبطولة الشعبية، فيما جعل صلاح عبد الصبور (1931-1981م) من أكتوبر لحظةً للتأمل في مصير الإنسان المصري وصلابته، كما كتب صلاح جاهين (1930 - 1986م) صاغ بموهبته المتدفقة صورة شعرية ووجدانية لحرب أكتوبر؛ حيث جعل النصر جزءًا من وجدان الشعب، وربط بين الانتصار العسكري والهوية والكرامة الإنسانية،  وأحمد عبد المعطي حجازي قصائد تُعيد صياغة العلاقة بين الشعب والجيش، وتجعل من المعركة تعبيرًا عن وحدة الإرادة الوطنية، ورأى أن الحرب بداية لمشروع حضاري يجب أن يتجاوز حدود المعركة العسكرية إلى تحرير الإنسان العربي من التبعية والخذلان،  كما قدّم شعراء العامية، مثل أحمد فؤاد نجم (1929-2013م )، لغة قريبة من الشارع المصري، فصارت قصائدهم كالأغاني التي تبث الحماس في القلوب.

فنجد شعر الحماسة الوطنية قدّم صورًا للجنود كأبطال أسطوريين، يقاتلون دفاعًا عن الأرض والعرض، بينما شعر المقاومة وسّع الدلالة ليجعل من أكتوبر رمزًا لتحرير فلسطين، وصورة لصراع العرب مع الاحتلال، أما الشعر الغنائي الشعبي، كما في الأغاني الوطنية، نقل روح أكتوبر إلى وجدان الملايين بلغة بسيطة جعلت النصر جزءًا من الحياة اليومية.

ومع ذلك، لم يقتصر الشعر على التمجيد، بل تناول آلام الفقد وتجربة الحرب بما تحمله من ثمن إنساني باهظ، ليقدّم صورة أكثر اكتمالًا للنصر.

ثانيًا: روح أكتوبر في الرواية:

لم يقتصر الأمر على الشعر، بل جاء السرد الروائي ليعكس التجربة العميقة للمقاتلين على الجبهة، وقد تجسدت روح أكتوبر في الرواية بطرق متعددة :

الرواية التسجيلية اعتمدت على رصد وقائع الحرب وتوثيقها، مثل أعمال جمال الغيطاني ( 1945-2015م)، الذي يُعد من أبرز الأدباء الذين وثقوا حرب أكتوبر، إذ خاض التجربة مباشرة مراسلاً عسكريًا على الجبهة، فانعكست مشاهداته في أعمال قصصية وروائية، فكتب " المصاير والمصائر"، و " وأرض أرض "، و" الرفاعي"، جمعت بين التوثيق والخيال الفني، ورصدت ملامح الجندي المصري العادي الذي صار أيقونة للبطولة.

الرواية الرمزية أعادت إنتاج الحرب بوصفها صراعًا وجوديًا، فجعلت من أكتوبر علامة على انتصار الهوية على التهديد الخارجي، ورمزًا للحرية والانبعاث الحضاري.

الرواية النفسية اهتمت بتجربة الفرد داخل الحرب، وصورت أثرها في الجنود والأسر، كاشفة التحولات العميقة التي أحدثها الحدث في النفوس.

الرواية الوطنية الجامعة قدّمت صورة للتلاحم الشعبي، فأظهرت أن النصر لم يكن عسكريًا فحسب، بل كان مشروعًا جماعيًا صنعته الأمة بأكملها، وتحولت شخصية المقاتل في الأدب إلى رمز للعزة والكرامة، يواجه الهزيمة بانتصار، واليأس بالأمل.

ثالثًا: روح أكتوبر في المسرح: 

قام المسرح المصري بدوره،  لم يتأخر عن الاحتفاء بروح أكتوبر. فقدمت خشبات القاهرة عروضًا جسدت روح الانتصار، مثل مسرحية "حدث في أكتوبر" لإسماعيل العادلي وهي أول الأعمال المسرحية التي تناولت حرب أكتوبر، ومسرحية " النار والزيتون " لألفرد فرج؛ حيث امتزجت الدراما بالرسالة الوطنية. كانت الأعمال المسرحية تنقل للجمهور، خاصة الشباب، كيف تحولت الهزيمة في 1967 إلى نصر مبين في 1973، لترسخ دروس الإرادة والتحدي.

رابعًا: البعد المشترك بين الشعر والرواية والمسرح:

تلتقي التجارب  الشعريّة والروائيّة والمسرحية عند عدة دلالات أساسية:

1ـ استعادة الكرامة، وعودة الثقة بالنفس بعد هزيمة 1967م.
2ـ الذاكرة الجماعية، بترسيخ الحرب في وجدان الأمة بوصفها لحظة خلاص.
 3ـ البُعد العربي، بتصوير النصر كخطوة في مسار التحرر العربي المشترك.
 4ـ المزج بين الواقعي والرمزي؛ حيث لم يكن الأدب مجرد تسجيل للمعركة، بل تحويلها إلى معنى روحي عميق.

إن حضور روح أكتوبر في الشعر والرواية لم يكن مجرد تفاعل آني مع حدث سياسي، بل كان إعادة بناء للوعي الوطني وإحياءً للأمل الجمعي. فالأدب هنا لم يقتصر على التوثيق، بل تجاوز ذلك ليعيد صياغة صورة الأمة عن ذاتها، وليحوّل لحظة النصر إلى رمز مستمر في الوجدان الثقافي. وهكذا ظلّت روح أكتوبر حيّة في الكلمة الشعرية والروائية، شاهدة على أن الانتصار ليس سلاحًا وجنودًا فقط، بل هو أيضًا ذاكرة ومعنى وهوية.

إن المتأمل في الأدب بعد أكتوبر يلحظ أن الكُتاب لم ينظروا إلى الحرب باعتبارها معركة حدود فقط، بل كحدث وجودي رسم ملامح الهوية الوطنية. ومن هنا صارت روح أكتوبر رمزًا للقدرة على الحلم والإنجاز، سواء في مواجهة التحديات الداخلية أو في مواجهة الأعداء الخارجين. أخيرًا يبقى الأدب شاهدًا على روح أكتوبر، وذاكرة تحفظ لنا تفاصيل الانتصار في كلمات تضيء العقول والقلوب. لقد علمنا أكتوبر أن البندقية والقصيدة شقيقتان في معركة الوجود، وأن الأدب حين يتنفس من روح النصر، يظل خالدًا في وجدان الشعوب.

أخبار الساعة

الاكثر قراءة