6-12-2025 | 10:40
أماني عزت
مع أولى نسمات الهواء الباردة وانخفاض درجات الحرارة لا يعاني الناس من نزلات البرد والإنفلونزا فحسب، بل هناك مجموعة أخرى تنتظر هذا الفصل بقلق وخوف، هم مرضى الروماتيزم، فكثيراً ما نسمعهم يشكون من تزايد آلام مفاصلهم وتيبسها وتفاقم أعراض أمراضهم المناعية في الشتاء، ولكن ما حقيقة هذه العلاقة؟ هل البرودة هي السبب المباشر أم أن هناك عوامل أخرى خفية.. وكيف يمكن للمريض أن يمر بشهور الشتاء بأقل قدر ممكن من الألم والمعاناة؟ للإجابة عن هذه التساؤلات وغيرها، كان لنا هذا الحوار الشامل مع الدكتور أشرف عقبة أستاذ الأمراض المناعية بكلية الطب عين شمس.
بداية، هل العلاقة بين برودة الطقس وتفاقم آلام الروماتيزم حقيقية أم أنها مجرد شعور ذاتي من المرضى؟
- العلاقة حقيقية جداً وموثقة علمياً ومن واقع الممارسة السريرية اليومية، نحن نلاحظ بشكل واضح زيادة في عدد المرضى في عيادات الروماتيزم خلال فصل الشتاء وشكواهم الرئيسية هي زيادة حدة الألم والتيبس الصباحي، خاصة في المفاصل الصغيرة مثل: اليدين والقدمين وكذلك مفاصل الركبتين والظهر وهذا ليس وهماً، بل له أسباب فيسيولوجية ومناعية.
إذن ما الأسباب التي تجعل البرد عدواً لمرضى الروماتيزم؟
- هناك عدة أسباب متشابكة منها: تأثير الضغط الجوي ففي الطقس البارد والممطر تكون أنسجة الجسم بما فيها أنسجة المفاصل الملتهبة أو المتضررة أكثر حساسية لهذا الانخفاض، ويمكن تشبيه ذلك بمن يعاني من صداع في الجيوب الأنفية عند تغير الطقس لأن انخفاض الضغط الخارجي يؤدي إلى تمدد بسيط في الأنسجة الملتهبة داخل المفصل، مما يسبب تمدد النهايات العصبية وزيادة الإحساس بالألم.
وبسبب انقباض الأوعية الدموية كاستجابة طبيعية للبرد، تنقبض الأوعية الدموية الطرفية في الجلد والأطراف للحفاظ على حرارة الجسم الأساسية وهذا الانقباض يقلل من تدفق الدم إلى العضلات والأنسجة المحيطة بالمفاصل ومع قلة التروية الدموية أي نقص في الأكسجين والمواد الغذائية لهذه المناطق وتراكم أكبر لفضلات العمليات الالتهابية، مما يزيد من الشعور بالألم والتيبس، بالإضافة إلى قلة النشاط الحركي في الشتاء حيث يميل الناس عموماً ومرضى الروماتيزم خصوصاً إلى الخمول وقلة الحركة والبقاء في المنزل، وقلة الحركة تؤدي إلى ضعف العضلات الداعمة للمفاصل وتقليل مرونتها، فالحركة ضرورية لضخ السائل الزلالي داخل المفصل، الذي يعمل كمزلق ويمده بالتغذية.
كما قد يلجأ البعض في الشتاء إلى تناول أطعمة دسمة أو غنية بالملح أو يقلل من شرب الماء بسبب قلة العطش وكلها عوامل قد تساهم بشكل غير مباشر في زيادة الالتهاب.
هل يؤثر الطقس البارد على جميع أنواع أمراض الروماتيزم بنفس الدرجة؟
- ليس بالضرورة، فالأمراض الالتهابية المناعية مثل: التهاب المفاصل الروماتويدي والذئبة الحمراء والتهاب الفقرات التصلبي هي الأكثر تأثراً بشكل واضح، حيث إن البرد لا يزيد فقط من الإحساس بالألم، بل قد يحفز نوبات من نشاط المرض نفسه، أما الأمراض التنكسية مثل: خشونة المفاصل فالتركيز يكون أكثر على زيادة الألم والتيبس بسبب العوامل الميكانيكية التي ذكرناها كقلة الحركة وانقباض العضلات وهناك أيضاً مرضى الفيبروميالجيا أو ألم العضلات التليفي وهم حساسون جداً لأي تغير في الطقس، حيث يزداد إحساسهم بالألم المنتشر والإرهاق.
كثير من المرضى يخشون من أن يكون هذا الألم المتزايد مؤشراً على تدهور الحالة أو فشل العلاج... ما مدى صحة هذا الخوف؟
- هذا سؤال في غاية الأهمية فيجب أن نفرق هنا بين شيئين الألم المتزايد بسبب الطقس ونشاط المرض الحقيقي، فالألم الناتج عن الطقس غالباً استجابة مؤقتة ووظيفية بمعنى أن الالتهاب الأساسي للمرض قد يكون مسيطراً عليه بالعلاج، لكن المفاصل أصبحت حساسة للتغيرات الخارجية، أما إذا كان الألم مصحوباً بتورم واضح واحمرار وسخونة في المفصل واستمرارية التيبس لساعات طويلة بعد الاستيقاظ و ظهور أعراض مثل: الحمى والإرهاق الشديد، فهذه قد تكون علامات على نوبة نشاط للمرض وتستدعي مراجعة الطبيب المعالج؛ لتعديل خطة العلاج ولا يجب على المريض أن يتسرع ويظن أن علاجه لم يعد مجدياً.
بناء على ذلك، ما النصائح الأساسية التي تقدمها لمرضاك لمواجهة شتاء بلا ألم؟
- نعمل على خطة شاملة نسميها «الشتاء بلا روماتيزم»، وتشمل الملابس والتدفئة، حيث نؤكد على أهمية التدفئة الجيدة وخاصة تدفئة أطراف اليدين والقدمين بارتداء القفازات والجوارب الصوفية، واستخدام كمادات الماء الدافئ وليست الساخنة على المفاصل المؤلمة يمكن أن يريحها بشكل كبير، والابتعاد عن مصادر البرد المباشر والحرص على أن تكون درجة حرارة المنزل مستقرة ومريحة.
ثم ممارسة الرياضة بانتظام هذا هو الركن الأهم ونشجع المرضى على ممارسة التمارين داخل المنزل إذا كان الطقس قاسياً، تمارين المدى الحركي لتحسين مرونة المفاصل، وتمارين التقوية للعضلات، والتمارين الهوائية الخفيفة مثل المشي على السير الكهربائي أو اليوجا كلها مفيدة جداً، بالإضافة إلى السباحة في ماء دافئ تعتبر من أفضل الرياضات على الإطلاق لمرضى الروماتيزم.
وننصح بتناول نظام غذائي مضاد للالتهابات والإكثار من الخضراوات والفواكه الغنية بمضادات الأكسدة، والأسماك مثل: السلمون والسردين الغنية بأوميجا-3 التي لها خصائص مضادة للالتهاب، واستخدام الزيوت الصحية مثل: زيت الزيتون وفي المقابل، ننصح بالتقليل من السكريات المصنعة واللحوم الحمراء والأطعمة المقلية والتي قد تزيد من حدة الالتهاب،بالإضافة إلى الحفاظ على ترطيب الجسم من خلال شرب كميات كافية من الماء طوال اليوم، حتى لو لم يشعر الشخص بالعطش، فالجفاف يمكن أن يزيد من تركيز المواد الالتهابية في الجسم ويزيد من التيبس.
وأخيرا، من المهم جداً أن يلتزم المريض بالأدوية الموصوفة له، سواء كانت مسكنات للألم أو الأدوية المعدلة للمرض ولا يجب التوقف عن أي دواء دون استشارة الطبيب والعمل على إدارة التوتر والنوم الجيد، فالتوتر والقلق يزيدان من الإحساس بالألم، وممارسة تقنيات الاسترخاء مثل: التأمل والتنفس العميق والحصول على قسط كافٍ من النوم المريح هامان جداً لكسر دائرة الألم.
هل هناك دور لبعض الفيتامينات مثل فيتامين «د» في هذه الفترة؟
- فيتامين «د» له دور مهم جداً في الشتاء حيث تقل فرص التعرض لأشعة الشمس المصدر الرئيسي لتكوين الفيتامين في الجسم، ونعلم أن نقص فيتامين «د» شائع جدا في مرضى الروماتيزم ويرتبط بزيادة نشاط المرض وشدة الألم؛ لذلك ننصح بفحص مستوى فيتامين «د» بانتظام وتناول المكملات حسب إرشادات الطبيب.
ما أكثر شيئا تود أن يفهمه مريض الروماتيزم عن التعامل مع مرضه في الشتاء؟
- أود أن يفهم المرضى أنهم شركاء في علاج أنفسهم فالمرض معهم طوال الحياة، والطبيب يزودهم بالخريطة والدليل، لكنهم هم من يقودون السفينة، والشتاء محطة صعبة في رحلتهم ولكن بفهم السبب واتخاذ الإجراءات الوقائية الاستباقية وليس التفاعلية بعد ظهور الألم، يمكنهم اجتياز هذه المحطة بأمان، فالألم هو جرس الإنذار وليس الحكم النهائي، استمعوا لأجسامكم، حافظوا على حركتكم والتزموا بخطتكم العلاجية ولا تترددوا في التواصل معنا عند الحاجة، فالحياة مع الروماتيزم ممكنة ومليئة بالنشاط حتى في أصعب الفصول، إذا أُحسن إدارتها.
في الختام، هل هناك رسالة أخيرة تود توجيهها للمجتمع ليكون أكثر دعماً لمرضى الروماتيزم؟
نعم، أتمنى أن يدرك المجتمع أن آلام الروماتيزم حقيقية وغير مرئية في كثير من الأحيان لا تحكموا على شخص من مظهره الخارجي قد يبدو الشخص طبيعياً تماماً، لكنه يعاني من ألم مبرح يمنعه من ممارسة أبسط مهامه وكونوا متعاطفين، قدموا الدعم المعنوي وافهموا أن تقلبات المزاج أو الحاجة للراحة أحياناً هي جزء من معاناتهم مع المرض والدعم الاجتماعي والنفسي هو دواء لا يقل أهمية عن الدواء الكيميائي.