الأربعاء 27 نوفمبر 2024

مدرسة سيد فرغلى

  • 14-3-2017 | 10:46

طباعة

بقلم : أشرف غريب

عندما انضممت إلى أسرة تحرير الكواكب فى منتصف الثمانينيات كان هناك قطبنان كبيران يديران المجلة تحت قيادة الراحلة العظيمة حسن شاه رئيس التحرير فى ذلك الوقت ، هذان هما الأستاذان غنيم عبده وسيد فرغلى نائبا رئيس التحرير ، كنا ننظر إليهما نظرة التلميذ الذى يبتغى رضاء أستاذه وانتزاع اعترافه بالمهنية والكفاءة ، وكان لكل منهما أسلوبه الخاص فى التعامل معنا كجيل شاب يبحث له عن مكان فى بلاط صاحبة الجلالة ، كان الأول غنيم عبده يفترض أن كل واحد فينا جيد إلى أن يثبت العكس ، بينما كان الثانى سيد فرغلى يفترض فيمن أمامه أنه سيىء إلى أن يثبت العكس ، وهذا معناه أنه وسط حالة التشجيع التى يحتوى بها غنيم عبده تجارب الصحفيين الشباب كان من الممكن أن ينفذ إلى الصفوف الأمامية من لا يستحق هذه المكانة أملا فى أن يثبت كفاءته فى فرصة أخرى قادمة . أما سيد فرغلى فرغم قسوة المعيار الذى اختاره لنفسه ، أو الأسلوب الذى ارتآه فى التعامل معنا فكان يضمن أن من أعطاه صك الكفاءة والفرصة الكاملة هو بالفعل يستحقها ، ومن هنا فإن كلمة " برافو " كانت عزيزة جدا عليه ، لكنه إذا قالها أصبحت وساما على صدر هذا الصحفى الشاب ، وفتحت له كثيرا من الأبواب المغلقة على الأقل فيما يتعلق بفرص النشر على صفحات المجلة.

وكان سيد فرغلى من أوائل الذين نبهونا إلى ضرورة وجود علاقة قوية بين الصحفى الفنى ومصدره ، وإلى أهمية التواجد بفعالية داخل هذا الوسط الملىء بالحيوية والحركة ، كنت إذا سألته مثلا عن نجلاء فتحى قال لك إنها تستقل طائرة الثامنة مساء الغد فى طريقها إلى لندن ، وسوف تعود بعد أربعة أيام فى طائرة الثالثة عصرا ، وإذا أتيت له على سيرة فريد شوقى بادرك بقوله إنه كان عند طبيب الأسنان بالأمس يضع طربوشا لضرسه اليمنى ، وإذا جاءت سيرة محمود ياسين أفادك بأنه يقرأ حاليا سيناريو فيلم كذا عرضه عليه المنتج فلان وسيناريو كذا بعث به المنتج علان ، وهكذا كان الراحل يعرف دبة النملة فى الوسط الفنى ومحيطا بكل ما يدور فيه موظفا ذلك فى خدمة المادة الصحفية التى يكتبها ، أو حتى تلك التى كنا نكتبها نحن ، ولا أنكر أننى استفدت كثيرا من هذا ، ومن ميله إلى التكثيف فى الكتابة والنفاذ إلى فكرته من أقرب الطرق .

ولا أدعى أننى كنت المقرب له أثناء فترة عمله بالمجلة قبل خروجه إلى المعاش ، كانت هناك أسماء أخرى تحظى بذلك رغم الاحترام المتبادل بيننا ، ولكن حدث شىء مدهش بعد خروجه إلى المعاش ، فقد وصل الدفء فى علاقتنا الإنسانية إلى مداه ، وأصبحت الأكثر قربا إليه من أبناء جيلى ، والأكثر تواصلا معه عادة بمبادرات طيبة منه فى مواقف ومناسبات مختلفة ، وحينما توليت رئاسة تحرير الكواكب عام 2012 كان أول الزائرين لى مهنئا وسعيدا بأن أحد أبنائه قد نال شرف قيادة المجلة التى كان هو شخصيا من أهم دعائمها على مدى أكثر من أربعين عاما ، وعندما مارس الزمن هوايته المعتادة معه ، وزحف " الزهايمر " تدريجيا إلى ذاكرته كان رقم هاتفى من حسن حظى أقرب إلى ذاكرته من أرقام أخرى كان من الممكن أن تحظى بهذا الشرف ، وكثيرا ما كنت أسعد بتلك المحادثات المطولة التى تحول فيها هذا الجبل العتيد إلى طفل بسيط لا يريد من هذه الحياة إلا الونس والإحساس بوجوده حتى لو كان بشكل لا إرادى .

لقد كان الراحل سيد فرغلى الذى افتقدناه قبل أيام أحد الأسماء المهمة التى ارتبط بها تاريخ مجلة «الكواكب» وصنع للمجلة مع مجموعة الأسماء اللامعة من الرواد الأوائل مجدا عظيما ألقوه بين أيدينا كجيل لاحق ، وبات علينا الحفاظ عليه ، بل وتحقيق كل أحلامهم العريضة التى كانوا يتمنونها لهذا الكيان.

    أخبار الساعة

    الاكثر قراءة