الجمعة 17 مايو 2024

مدير متحف مكتبة الإسكندرية: المصريون القدماء كتبوا سيرتهم الذاتية

31-10-2018 | 17:09

 قال مدير متحف الآثار بمكتبة الإسكندرية الدكتور حسين عبد البصير إن المصريين القدماء كتبوا سيرتهم الذاتية بداية من عصر الدولة القديمة إلى العصر اليوناني – الروماني على أسطح التماثيل واللوحات وجدران المقابر والمعابد والتوابيت والصخور.


وأضاف عبد البصير - اليوم الأربعاء- أن جذور السيرة الذاتية عميقة في التاريخ المصري القديم، وربما تعود إلى لوحات الأسرة الأولى التي حمل أصحابها العديد من الألقاب مرورا بلوحات (حسي رع) الخشبية من الأسرة الثالثة، وصولا إلى سيرة (متن) في بداية الأسرة الرابعة، مشيرا إلى أن أول سيرة قديمة تقدم نوعا من الفن القصصي هي سيرة (دبحن) من نهاية الأسرة الرابعة.


وتابع أنه في عصر الأسرة الخامسة، يخبر صاحب السيرة كثيرا عن نفسه، ويمكن تقسيم هذا النوع من السير إلى نوعين: "سيرة مثالية" تتفق كلية مع مفهوم "ماعت" الأخلاقي، وتقدم صاحبها بجمل تقليدية طويلة تعني بإظهاره كشخص مثالي، والنوع الثاني يسمى "سيرة ذات حدث" ويصف خبرات صاحب السيرة والحدث (الأحداث) التي مر بها في حياته خصوصا الوظيفية، ومن خلالها يمكن استنتاج التاريخ.


وأوضح عبد البصير أنه منذ نهاية الأسرة الخامسة، بدأت السيرة في تقديم حياة أصحابها الوظيفية بتفاصيل عديدة مثل عهود الملوك الذين خدموهم ويطلق عليها "سير الوظيفة"، واستمرت في الأسرة السادسة، لافتا إلى أن السيرة الذاتية للأسرة الخامسة أكدت العلاقة المتفاعلة بين الملك والنبيل صاحب السيرة، على عكس سيرة الأسرة السادسة التي ركزت على أعمال أصحابها وكانت خير مقدمة لسير عصر الانتقال الأول، التي عبرت عن التشرذم السياسي الذي مرت به مصر في تلك الفترة العصيبة من تاريخها القديم.


وأردف مدير متحف الآثار بمكتبة الإسكندرية قائلا إنه مع توحيد البلاد في عصر الدولة الوسطى، ظهرت روح جديدة في السيرة الذاتية تستند إلى القيم الأخلاقية، بينما امتلأت السيرة في عصر الدولة الحديثة بالأحداث التاريخية، نظرا لفتوحات مصر العسكرية في الشرق الأدنى القديم وأفريقيا.

وأضاف أن كتابة السيرة الذاتية لم تزهر كثيرا في عصر العمارنة، على عكس عصر الرعامسة الذي شهد اهتماما كبيرا بالعقيدة الجنائزية؛ ذلك التوجه الذي يستمر ويزدهر في سير عصر الانتقال الثالث والعصر المتأخر والعصر اليوناني – الروماني.


وتابع عبد البصير أن السيرة الذاتية القديمة ركزت على أهم معالم مسيرة المسئولين الوظيفية والمحطات البارزة في حياتهم، حيث كتب عدد كبير من الموظفين سيرهم كالكهنة ورجال الدين والفنانين والأطباء والوزراء والموظفين المدنيين والعسكريين بدرجاتهم الوظيفية والموظفين الإداريين كالمشرفين على القصر الملكي أو الحدود المصرية أو بلاد النوبة.


وأوضح أن درجات وأطياف الموظفين الذين كتبوا سيرتهم الذاتية في مصر القديمة تنوعت، فكان من بينهم موظفون من كبار رجال الدولة وموظفون من درجات وطبقات وظيفية أدنى منهم، غير أن جميعهم انتمى إلى صفوة المجتمع المصري القديم، ولم تكتب السيرة لغير هذه الطبقة الإدارية الحاكمة، منوها بأنه لا توجد سير ذاتية تخص عامة الشعب، وكذلك لم تنتشر سير النساء من الطبقة العليا إلا في العصر المتأخر والعصر اليوناني – الروماني.


وبيَن عبد البصير أن الغرض من كتابة مثل هذه السير الذاتية هو إضفاء مسحة من التقوى والورع على صاحبها في أعين الآلهة وأفراد عائلته ومجتمعه والأجيال التالية؛ وذلك حتى لا تندثر سيرة الموظف وحتى يكون سجل إنجازاته في الوظيفة والحياة فخرًا له ولعائلته، وحتى يرث أفراد أسرته منصبه من بعده، وينعموا بالامتيازات التي تمتع بها صاحب السيرة في الحياة الدنيا والتي يأمل أن تستمر بعد وفاته.