الجمعة 27 سبتمبر 2024

بعد ٤٤ عاما على تصوير الفيلم داخل بيوت الحى «سُكرية» نجيب محفوظ.. آيلة للسقوط

29-3-2017 | 12:32

تحقيق: محمد السويدى ـ أسامة حمدى

حى السكرية بالدرب الأحمر فى قاهرة المعز..ذلك الحى العريق، الذى دارت حوله أحداث الجزء الثالث من رواية الأديب العالمى الراحل نجيب محفوظ فى رائعته «الثلاثية» وهى بالترتيب «بين القصرين»، «قصر الشوق»، «السكرية» وتم تحويل الجزء الأخير من الثلاثية تلك إلى عمل سينمائى فى العام ١٩٧٣ من إخراج حسن الإمام، سيناريو وحوار ممدوح الليثى، وبطولة يحيى شاهين، ميرفت أمين، نور الشريف، مها صبرى، عبد المنعم إبراهيم، زهرة العلا، محمود المليجى، هدى سلطان، تحية كاريوكا، حسين الإمام، نجوى فؤاد، مديحة كامل، غيرهم..

أحداث الفيلم كان تدور حول عائلة السيد أحمد عبدالجواد، وتحديدا الجيل الثانى والثالث، التى تتمثل فى كل من ياسين وكمال الابن الأصغر، وأولاد البنات عائشة/خديجة، فى سن الشباب والتحولات السياسية والاجتماعية وتأثيرها على نضجهم ومساراتهم الحياتية، حيث يسير عبد المنعم فى اتجاه دينى بحثًا عن الخلاص من وجهة نظره، بينما يرى أحمد أن الخلاص فى السير فى اتجاه اليسار بحثًا عن قيم العدل.

«المصور» قامت بجولة بحى السكرية لرصد واقع وظروف هذا الحى القديم بعد مرور ٤٤ عاما على تصوير الفيلم من داخل الحارات والبيوت والشرفات الموجودة به، التى ظلت حتى الآن شاهدة لتروى تفاصيل العمل الدرامى، الذى عبر عن واقع وظروف سياسية واجتماعية مر بها المجتمع المصرى آنذاك وثقافة سادت بين أفراده.

قبل وصولك لحى السكرية تدخل من بوابة كبيرة عتيقة تفتح على سوق شعبى تُباع فيه جميع السلع ومتطلبات المعيشة، إنها بوابة المتولى والمعروفة أيضا باسم باب زويلة، التى يقع على ناصيتها مسجد المؤيد شيخ ثم تسير بضع خطوات لتنحدر يمينًا حيث تقابلك بوابة آخرى قديمة وضعت عليها لافتة قديمة مكتوبا عليها «واجهة وبوابة وكالة نفيسة البيضا»، وعلى أحجار البوابة ذاتها حُفر اسم «عطفة الحمام»، تلك هى بداية حى السكرية الشهير الآثرى، الذى دارت فيه أحداث الجزء الثالث من رواية الأديب الكبير نجيب محفوظ.

البوابة الكبيرة توصلك إلى حارة ضيقة لا تتسع إلا لفردين يسيران متجاورين، فيبلغ عرضها مترين على الأكثر، من الناحية اليمنى واليسرى من الحارة يوجد بيتان قديمان تسكنهما منذ ذلك الزمان أسُر مصرية شهدت الزمن الجميل، فى أحد هذه البيوت تسكن حتى الآن ٨٢ أسرة مصرية، تستأجر كل منها غرفة بمنافعها من حمام ومطبخ، أو قد يكون الحمام مشترك فى إحداها.

فى بداية الحارة توجد مشربية قديمة آيلة للسقوط، عبارة عن شرفة كبيرة لأحد البيوت قاربت الآن على السقوط لولا قيام أهالى الحارة بتصميم أعمدة من الحديد تحول دون سقوطها، كى تبقى شاهدةً على إهمال تراث أثرى قديم يحكى تفاصيل وذكريات لا تُنسى، كان من المفترض أن يصبح مزارا ينال اهتمام وعناية من جانب من يهمهم الأمر.

تخرج من الحارة الضيقة، التى يبلغ عرضها مترين، بينما يصل طولها إلى ٤٠ مترا تقريبا، لتنتهى إلى عدة حارات متفرعة تتبع أيضا حى السكرية، الذى يقطنه حتى الآن حوالى ٢٥٠٠ فرد.

«المصور» التقت يسرى حسن على، ٦٨ عاما، على إحدى نصبات الشاى بحارة السكرية والذى بدأ حديثه قائلًا: «الناس اتغيرت مبقتش زى الأول، الناس كان زمان بتخاف على بعض، وحنينة على بعض، لو حد طبخ أكلة لازم الحارة كلها تاكل منها، كانت الست توزع من الأكل اللى طبخته على بيوت الحارة كلها، وكنا نتجمع كلنا ونأكل مع بعض، لكن حاليا مفيش كل واحد يهمه نفسه ومصلحته بس، وشباب اليومين دول ميعرفش حد ولا يعرف الأصول والجيرة».

وأضاف: «من أفضل الأوقات فى السنة شهر رمضان، وحتى الآن بيكون للأيام شكل مختلف لو واحد ماشى فى الحارة والمغرب أذن مش بيوصل بيته إلا لما يكون فطر فى بيت واحد من الجيران، وكلنا بنعمل عرق سوس وتمر هندى وبلح ونوزع على بعض، ونعيش أجواء فرحة رمضان وكرم الشهر المبارك، وبرضو العيدين عيد الفطر والأضحى الناس بتعيد على بعض وتزور بعضها «.

وذكر: «أنا أتولدت هنا وولادى مشيوا وسكنوا بعيد عن هنا، لكن أنا مش عاوز أمشى حابب أنى أكمل حياتى هنا وأموت هنا، لأنى مرتبط نفسيا بالسكرية، ولما اتعمل الفيلم كنت شاب صغير، كنت بأشوف الممثلين والكاميرات وهى بتصور الفيلم «.

وواصل حديثه: «العيشة زمان كانت رخيصة، وأنا واخد أوضة فى بيت قديم إيجار قديم كنت أدفع ١٥ قرش ايجار، وفيه سكان كانوا يدفعون ٢٠ قرشا و٣٥ قرشا، وأنا حاليا بدفع ٨٥ قرشا لأن البيت مملوك للأوقاف».

واستطرد: «شيخ الحارة كان اسمه عم فؤاد كان يستلم الاستدعاء بتاع الجيش زمان للشباب، وكانت الأفراح تقام فى الحارة وشباب الحارة يزفوا العروسة لما تنزل من الحنطور لحد لما توصل أوضتها، والسكرية طلع منها مشاهير زى المغنيين الشعبيين أشرف المصرى وفوزى العدوى».

من جهته قال سمير دسوقى، ٤٠ عاما: «حارة السكرية كان فى أولها سبيل اشتهرت به اسمه سبيل نفيسة البيضا ومشهور برضو بعطفة الحمام، وكانت مشهورة بحمام السكرية أو وكالة السكرية، وكان فيها سكن العساكر، والفيلم مشاهد منه اتصورت هنا ولسه موجودة البيوت والشرفات اللى فى الفيلم لحد الآن».

وتابع: «زمان الحياة كانت جميلة مكنش فيه تلاجات عند البيوت إلا عندنا احنا وكانت أمى تملى التلاجة ميه ساقعة وتخلينى أوزع على البيوت علشان الناس تفطر ميه ساقعة فى رمضان، وفى الصيف الجيران يخزنوا عندنا ميه ساقعة وياخدوها آخر النهار «.

وأشار هانى فرج، ٤١ عاما إلى أن حارة السكرية بها أسماء مشهورة ما زالت تُذكر حتى الآن مثل «فرج شحاتة وخالد أوشة وعم محمد شوقى العجلاتى».

وأكمل بقوله: «السكرية فيها مقام شيخ مشهور بنعمله مولد كل سنة وهو شيخ مبروك سكن فى السكرية من زمان ومات ودفن فيها والناس عملت له مقام تقرب منه تشم رائحة العطر والمسك تفوح منه».

وأوضح عيد شحاتة محمد،٥٣ عاما، صاحب نصبة شاى بشارع السكرية: «النصبة دى ورثتها من أبويا، وعمرها حوالى ٦٠ سنة وهى شاهدة على تصوير أحداث فيلم السكرية فى نفس المكان موجودة وزباينها من الحارة، وطلعوا ولادهم بيشربوا من عندى، وأنا جددتها واشتريت فيها كل المشروبات اللى الزباين عاوزاها، والناس هنا طيبين وولاد بلد وكل الناس عارفة بعضها والغريب وسطنا بنعرفه من أول ما يدخل الحارة وبنقف جنب بعض وقت الشدة والضيق، لكن أحيانا الشباب الصغير اللى لسه طالبع مش بيقدر الناس الكبيرة ويبقى طايش وعاوز يجرى بالموتسيكلات ومش يحترم حد «.

واستطرد: « السكرية عشت فيها شبابى ومش بفكر أنقل منها، وغيرت عنوانى وكتبته السكرية رسمى فى بطاقة الرقم القومى، أنا بعتز إنى من السكرية، وآكل عيشى هنا فى الحارة، والحمد لله نصبة الشاى فاتحة البيت وبصرف منها على العيال» .

بعد الحديث مع «أهل السكرية»، أجرت «المصور» جولة داخل أكبر بيوت السكرية والمكون من طابقين بها ٨٢ شقة ( أى ربع سكان السكرية )والتى لا تزال يسكنها أهالى المنطقة، حيث تصعد سلالم مرتفعة مظلمة لا تكاد ترى درجات السلم عند صعودك لترى النور فور وصولك لسطح البيت المقسم إلى غرف متجاورة يفصلها جدار، وأمام كل غرفة يوجد صنبور ماء وبُنى أسفله حوض من الطوب والأسمنت مخصص لغسل الوجه فور الاستيقاظ من النوم.

وتجد على سطح البيت الذى شهد تمثيل بعض من مشاهد العمل الدرامى فى «فيلم السكرية» العشش الهزيلة المبنية من الصاخ والخشب وجريد النخل والأقفاص، والتى اشتكى عدد من الأهالى من خطورة اشتعالها فى أى وقت، ما يهدد حياة السكان بالبيت.

وعلى سطح البيت انتشرت القمامة بشكل كثيف حيث يقوم السكان بالقاء فضلات الأكل ومخلفات الاستخدامات المنزلية فى شيكارة فوق سطح المنزل، لتتراكم أكوام من القمامة عبر سنوات.

سمير دسوقى، الذى رافق «المصور» فى جولتها، عقب على الأمر بقوله: «مفيش اهتمام من الحكومة بالبيوت هنا، ممكن عود كبريت يولع فى المنطقة كلها علشان العشش من الخشب وجريد النخل، والزبالة ملت سطح البيوت ومفيش حد بيحاول يساعد الناس الغلابة، والناس هنا مطحونة وملهاش حد «.

وأوضح: «البيت ده فيه أسر ساكنة وهو مهدد بالانهيار فى أى وقت وفيه جانب من البيت اقترب أن ينهار لولا ستر ربنا على الناس الغلابة اللى ساكنة، لأن البيت مش من الاسمنت هو الطوب الطفلى القديم «.

«المصور» التقت الحاجة نفوسة سيد مصطفى، ٧٥ عاما التى قالت: «أنا مولودة هنا وساكنة هنا فى هذا المنزل العتيق، وعندى ولدين سكنوا بعيد مش فى السكرية وبقبض معاش ٦٠٠ جنيه، وبدفع ايجار ٣٧ قرش، وجوزى الله يرحمه كان شغال فى صناعة الشباشب، ومشاهد الفيلم اتصورت هنا فى البيوت اللى هناك، وأنا عشت فى البيت ده ذكريات حلوة، كنت أروح سوق المغربلين أشترى طلبات البيت».

وتابعت: «السكن بتاعى غرفة وصالة والحمام وحوض قدام الغرفة، وفى الشتاء المطر بيخر علينا ويغطى الأجهزة الكهربائية بغطاء بلاستيك والأرضية كلها بتبقى ميه لأن السقف من الخشب، ولما بيكون المطر شديد بسيب البيت وأمشى بخاف يقع علينا «.

«أم محمد»، ٣٠ عاما، ربة منزل، التقطت طرف الحديث من «الحاجة نفوسة»، وأكملت قائلة: «جوزى راجل أرزقى شغال فى حرفة خياطة الجزم، عندى محمد فى رابعة ابتدائى، وريتاج فى حضانة، وبعت دهبى واشتريت مشمع علشان السقف ومية المطر متنزلش على الأجهزة الكهربائية تبوظها، وبنيت حيطة علشان تفصل بينى أنا وجوزى والعيال، وبطالب بسكن يلمنا أنا وعيالى علشان البيت قديم هيقع علينا عاوزة أوضة فى مكان بره البيت القديم خايفة يقع على العيال، وعاوزة معاش نعيش به علشان جوزى أرزقى يوم بيوم ومفيش».