الجمعة 17 مايو 2024

مع اقتراب الذكرى المئوية لثورة 1919.. الأزمات الاقتصادية والحماية البريطانية أسباب أثارت سخط المصريين.. واعتقال «زغلول ورفاقه» يفجر الغضب ضد فظائع الاحتلال

تحقيقات22-2-2019 | 15:16

أيام قليلة وتحل الذكرى المئوية لثورة الشعب المصري ضد الاحتلال الإنجليزي عام 1919، تلك الثورة التي جمعت كل أطياف المجتمع، لم تفرق بين مسلم أو مسيحي، بين طالب أو عامل، بين رجل أو امرأة، شارك فيها الجميع رافعين مطلبا واحدا وهو "الاستقلال التام"، بعد أن ضاقوا ذرعا من فظائع الاحتلال.

كان انفجار الشعب المصري الذي بدأ في 9 مارس بعد اعتقال سعد زغلول ورفاقه ونفيهم إلى جزيرة مالطا بالبحر المتوسط حصاد تراكمات بدأت منذ وقوع الاحتلال 1882، وبعد صبر وتحمل ثار الجميع في مشهد حفظه التاريخ والذاكرة المصرية للتلاحم الوطني وكشف مدى الوعي.

حيث لم تكن الأسباب السياسية وحدها وقود ثورة المصريين ضد الانجليز، بل كانت هناك مجموعة من الدوافع الاقتصادية والاجتماعية التي اكتملت بإقدام الإنجليز على نفي زغلول في 9 مارس 1919، لينفجر الغضب ويثور الشعب ضد الاحتلال وتخرج الشرارة الأولى من طلبة كلية الحقوق ثم تتوسع إلى كل الفئات والطبقات والأقاليم.

أوضاع ما قبل الثورة

بعد وقوع الاحتلال البريطاني على مصر عام 1882، ألغت إنجلترا الدستور والبرلمان المصري وقررت حل الجيش باستصدار أمر من الخديوي توفيق، وبعد وقوع حادث دنشواي 1906 بدأت تشتعل الحركة الوطنية ضد الاحتلال، ثم تلاها فرض الاحتلال البريطاني الحماية على مصر بعد اندلاع الحرب العالمية الأولى والذي كان له أثرا كبيرا في إثارة غضب المصريين، والتي ألغت وعد الخديوي عباس حلمي للمصريين بمنحهم الدستور.

وخلال تلك الفترة طغى على الاقتصاد المصري ازدياد النفوذ الأجنبي في البنوك والمصانع والمتاجر، وهبط سعر القطن الذي كان يمثل عصب الاقتصاد المصري هبوطًا جسيمًا على آثر الحرب العالمية الأولي إلى ما يعادل 1.60 جنيها مصريا، وكان سعره قبل الحرب 4 جنيهات، وهو ما كان له تأثيرات وخيمة على المواطنين واضطرهم لبيع المصوغات والماشية والاستدانة من المرابين لسداد ديونهم.

وفي عام 1917، احتكرت الحكومة البريطانية محصول القطن بسعر أقل من السعر الحقيقي، وألغت عقود التصدير وحصرتها في عدد محدود من شركات التصدير الأجنبية، كذلك عام 1918 وحدد سعر شرائه بـ 7 جنيهات تقريبًا، وكان سعر الشراء الفعلي من أصحاب الأقطان 5.3 جنيها، في حين كان السعر العالمي 10.6 جنيها، وبلغت خسارة مصر في هذا العام من القطن 32 مليون جنيها.

لكن كان الحراك الوطني قد ازداد وشمل طبقات كانت بمعزل عنه كالموظفين والفلاحين وكذلك طبقة الأعيان والنساء، مما جعل المجتمع على دراية أكثر بالأوضاع وأكثر قدرة على مواجهة الاحتلال.

 

محاولات التخلص من الاحتلال

سبقت ثورة 1919 محاولتان للتخلص من الإنجليز وتحقيق الجلاء، الأولى حين تشكلت جمعية سرية باسم "جمعية الانتقام" في مايو 1883 اتخذت مقرها في منزل عبد الرازق درويش مدير المدرسة البحرية زمن عرابي، غير أن سلطات الاحتلال هاجمت المقر 20 يونيو 1883واعتقلت الموجودين وتم التحقيق معهم.

أما المحاولة الثانية تمثلت في مصطفى كامل الذي أخذ يخطب مناديا بخروج الإنجليز واستقلال البلاد وقد ساندته فرنسا ليس انتصارا لمبادئ الحرية والاستقلال وإنما انتقاما من إنجلترا التي انفردت باحتلال مصر، فلما اتفقت الدولتان إنجلترا وفرنسا في يناير 1904 على تسوية خلافاتهما بشأن المصالح الاستعمارية المشتركة، وجد مصطفى كامل نفسه بلا سند دولي.

وعاد كامل إلى الخطاب الوطني من خلال تأسيس الحزب الوطني وإصدار جريدة اللواء أواخر 1907، إلى أن مات في فبراير 1908 وتولى قيادة الخطاب الوطني بعده محمد فريد الذي سرعان ما غادر مصر في 1913 إلى ألمانيا هربا من مطاردة سلطات الاحتلال إلى أن مات في الغربة في نوفمبر 1919.

 

اندلاع الغضب

وبعدما اندلعت الحرب العالمية الأولى سبتمبر 1914، فرضت إنجلترا الأحكام العرفية وعطلت الجمعية التشريعية ثم أعلنت الحماية على مصر، وبعد انتهائها نادى الرئيس الأمريكي ويسلون بحق تقرير المصير 1918، وتقرر عقد مؤتمر باريس للصلح، وهو ما رفض الاحتلال البريطاني السماح للوفد المصري المشكل برئاسة سعد زغلول للسفر والمشاركة فيه،

فكان لتأليف الوفد المصري المنوط به السفر إلى مؤتمر باريس للسلام، لمناقشة القضية المصرية بعد انتصار الحلفاء، أثره الكبير كمقدمة أدت إلى اشتعال الثورة، فقد اعتقلت بريطانيا سعد زغلول وثلاثة من زملائه لتشكيلهم الوفد ونفيهم إلى جزيرة مالطا، الأمر الذي أدى إلى بداية الثورة في مارس 1919.

فانطلقت تظاهرات في العديد من المدن والأقاليم المصرية وكانت القاهرة والإسكندرية وطنطا من أكثر تلك المدن اضطرابًا، الأمر الذي أدى السلطات البريطانية إلى الإفراج عن سعد زغلول وزملائه، والسماح لهم بالسفر لباريس، واستمرت المفاوضات فيما بعد حتى انتهت بإعلان تصريح 28 فبراير عام 1922 والذي ألغت بريطانيا فيه الحماية المفروضة على مصر منذ 1914، وفي 1923، صدر الدستور المصري وقانون الانتخابات وألغيت الأحكام العرفية.

لكن لم تستطع الثورة تحقيق الاستقلال التام، فقد ظلت القوات البريطانية متواجدة في مصر، واستمر الكفاح الوطني ضد الاحتلال حتى قيام ثورة 1919، وعقد اتفاقية الجلاء وخروج آخر جندي بريطاني من مصر في 1956.