الأحد 24 نوفمبر 2024

"رخام البساتين".. "الجبل هزه الريح"

  • 15-1-2017 | 19:14

طباعة

 

 

 

أشرف المونيا.. صاحب ورشة:

نعمل بنسبه ٢٥ ٪ فقط من طاقتنا الإنتاجية.. والمنطقة الصناعية يعمل بها أكثر من 800 ألف عامل .. وفواتير الكهرباء "زادت 100%"

شريف حسين عبد العزيز..، نحات فى مصنع رخام:

حالة الرواج بالنسبة لمهنة الجرانيت تراجعت بنسبة كبيرة..  وأنا عامل أرزقي في حالة مرضى لا أجد من ينفق علي أولادى بالبلدى "أنا شغال بدراعى"

رمضان الزقم..صاحب مصنع رخام وديكور:

أزمة صناعة الرخام في مصر تكمن في عشوائيتها... ومعظم المصانع تقع في محيط السكة الحديد داخل الحي مما يجعلها مهددة بالإزالة طول الوقت

 

تحقيق: أشرف التعلبي- محمود أيوب- شريف البراموني

تصوير: سامح كامل

 

"الأبيض سيد المكان".. من كافة الإتجاهات يلوح اللون فى الأفق.. غبار أبيض، ولا شيء آخر... مشهد من الواجب أن تلحظه حال إقترابك من المنطقة الصناعية بالبساتين، خطوات عدة داخل المكان ستجعلك محاط بأكوام لا تعد ولا تحصى من الرخام والحجارة البيضاء.. بعضها حوافها مصقولة وجاهزة للبيع.. غالبيتها تنتظر الأيدى المهارة المدربة لتصنع منها شيئا جديدا.. المشهد العام داخل المكان يصور لك أنه هناك عمل شاق تدور عجلاته.. ولا مكان للكسل أو التراخى هنا.

رجال المنطقة الصناعية.. الأبيض لم يتركهم على هيئتهم.. منحهم شيئا من وجوده من هيبته وشقائه أيضا، فالأكسجين فى أقل معدلاته.. والأنفاس اللاهثة أمر سرعان ما ستعتاد أذنيك على الاستماع إليه قادما إليك من كل الإتجاهات... ليبقى وسط كل هذا سؤالا عالقا فى الهواء كحبات الغبار البيضاء، فى انتظار إجابة حقيقية له..وهو " كيف تستمرون فى الحياة تحت هذا الصخب؟!

"لقمة العيش".. الإجابة التى جرت على ألسنة كافة العاملين فى المنطقة الصناعية، لا مكان للطموح هنا.. الأمل هو الآخر خارج نطاق الخدمة.. فقط "لقمة العيش" هى الحاضرة بقوة.. ويمكن القول أنها تنافس الغبار الأبيض وقطع الرخام والطوب الأبيض على مناطق النفوذ فى المنطقة الصناعية.

أشرف المونيا.. مدير  شركة رخام.. ملامحه من الوهلة الأولى تكشف أصوله، ليتضح أنه شاب، مثل مئات غيره، ترك ورائه الصعيد بأوجاعه وأزماته وهمومه بحثا عن حلم، وعندما حط رحاله فى قاهرة المعز، تاه حلمه وسط زحام الحياه، فتمسك بخيط "لقمة العيش".. "أيمن" الذى إلتقته "بوابة الهلال اليوم" فى جولتها داخل المنطقة الصناعية بدأ حديثه قائلا: الجرانيت لا يأتي من منطقة واحدة بل يتم الاستعانة له من منطقة القصير والغردقة وأسوان علي حسب طبيعه الخامة نفسها، وهناك خامات متعددة فمثلا خامة المايكا تأتي من منطقة القصير والجرانيت الأحمر والرمادي من منطقة الغردقة والحجر الجرانيتي، وهناك خامات تأتي من منطقة الواحا.

وأكمل بقوله: تأتي الخامات علي هيئه بلوكات وليست ألواح ويتم تقطيعها بمنطقة شق الثعبان، وبعض الطلبيات يتم تقطيعها بالمصنع حسب المقاس المطلوب، أقوم بتصنيع بعض الألواح للتخزين، لكن المتبع أنه لا يتم تقطيع ألواح الجزانيتب إلا بناء على الطلبية المطلوبة فقط.

"أشرف" تابع حديثه بقوله: أما الماكينة المستخدمة للتقطيع تسمي " ماكينة منشار تقطيع رخام " هي ماكينة يدوية الصنع، صناعه مصرية يعمل عليها ١٠ عمال، وقبل ثورة يناير بلغ عدد العمال نحو ٢٥ عامل ، وأغلب الطلبيات التى تأتى إلينا تكون إما من القري السياحية  والبلوكات الجديدة والفيلات الجديدة والقصور أ,والعمارات الجديدة.

وعن متوسط أجر العامل فى اليوم، أوضح أنه "تراجع كثيرا  عن الأعوام السابقة لارتفاع الأسعار التي تضاعفت بنسبة ٤٠٪ ، المتر كان بـ٦٠ جنيه اما فتعدى حاجز الـ  ٨٥ جنيه، وكل حسب الخامة وحسب نوعيه صناعتها، حسب المقاسات .

وحول عدد الورش الموجودة فى المنطقة، قال: الورش بالمنطقة تتعدي الـ٥٠٠٠ ورشة منهم ٧٠ ٪ ورش مرخصة والباقي غير مرخص ويطلق عليهم  " تطفل علي المهنه" أو دخيل، وأريد أن أشير هنا إلى أنه لا يمكن لأي شخص العمل بهذه الحرفة، فهناك عامل وهناك صنايعي، والعامل هو من يقوم بتحميل البضائع ونقلها من مكان لأخر، لكن الصنايعى هو من يقف علي الماكينة ويسمي نشار ، وهناك النحات ومهمته مساواة البلاطة وسندتها.

يبلغ عدد العاملين بمنطقة البساتين نحو٨٠٠ ألف عامل، منهم صناعية ونشارين وعمال – والحديث لا يزال " المونيا " وهناك عمالة تأتي من خارج المنطقة مثل محافظتي المنيا وأسيوط بنسبه نصف عدد العماله، وجميعها لا تستقر بمنطقة شق الثعبان فهناك منطقة ١٥ مايو أيضا،ومنطقة شق الثعبان تبلغ مساحتها ٢٠٠ ألف فدان وهو ما جعلها تستوعب عدد ضخم من العمالة والمصانع ، والعمالة الاساسية تقطن بالمنطقة ذاتها ويسمى صنايعي قديم.

 

وعن  أبرز المشاكل التي تواجههم قال:  ارتفاع أسعار الكهرباء بنسبة ٢٠٠٪ تقريبا، حيث كانت منذ فترة قريبة ١٠٠٠ جنيه ، والآن تضاعف المبلغ ٢٠٠٠ و٣٠٠٠ جنيه،  لأن محاسبتى تتم على أننى صاحب عداد تجارى،  لأننى أمتلك رخصة للورشة،  فى حين تأتى فاتورة المصنع ٦٠٠٠٠ جنيه شهريا، والورش غير المرخصة فيتم محاسبتها كل ٣ شهور مبلغ حتي لا يتم تحرير محضر ضدة ويسمى "صنايعي ممارس".

"أشرف"فى سياق حديثه إشتكى من عدم وجود تأمين علي الصنايعي، حيث قال:  في حالة وجود إصابة للعامل او الصناعي لا يوجد تأمين صحي له وتلك معاناة حقيقية، لانه العامل لا يعمل بشركة، وما يزيد الأمر سوءا عدم وجود مستشفي عام رغم أن البساتين دائرة لا يستهان بها ، وأقرب مستشفي يتوجه إليها ساكني الدائرة هي مستشفي أحمد ماهر بشارع بورسعيد بمنطقة السيدة زينب وهي بعيدة عن المنطقة، وهناك مستشفي اليوم الواحد لكنها ليست عامة، وبالتالي لا يمكن اللجوء اليها في حاله إصابة العامل بجروح نظرا لإرتفاع اسعارها، وأيضا هناك المستشفي العسكري وتقع بمنطقة كورنيش المعادي وهي بعيدة عن سكان المنطقة .

وحول الأصوات التى تشير إلى إصابة السوق بحالة من الركود، نفى "أشرف" الأمر، وأكمل قائلا: نحن نعمل بنسبه ٢٥ ٪ فقط من طاقتنا الإنتاجية، ولكن ما يميز المنطقة هي الديكورات بالأعمال الحجرية ، والحجر الفرعوني ، ولهذا أطالب الحكومة بالتسويق الخارجي بمعارض خارج مصر، مثلما كان يحدث في العهود السابقة كان يتم تصدير منتجاتهم لدولة ليبيا.

فيما قال شريف حسين عبد العزيز ، نحات فى مصانع رخام: حالة الرواج بالنسبة لمهنة الجرانيت تراجعت بنسبة كبيرة، وأنا عامل أرزقي في حالة مرضى لا أجد من ينفق علي أولادى، بالبلدى "أنا شغال بدراعى"،  وحالة الركود عندما تحدث أكون أنا من ضمن الذين يدفعون ثمنها.

وعندما تطرق الحديث إلى المشكلات التى يعانى منها سكان منطقة البساتين، قال "شريف":  البطالة ارتفعت بشكل رهيب بالمنطقة،  إضافة إلى تدهور حالة التعليم بعد ارتفاع عدد التلاميذ بالفصل ليصل الي ١٢٠ تلميذ، ولذا فانه يقوم بتعليم أبنائه بنفسه.

فى ذات السياق قال رمضان الزقم، صاحب مصنع رخام وديكور :  أكثر من 70% من سكان حي البساتين يعملوا في مجال صناعة الرخام لأنهاصناعة لها تاريخ طويل مرتبط بأهالي الحي، فمنذ القدم كان يعمل سكان في المحاجر الخاصة باستخراج الرخام من الجبل، ومع تطور الزمن أصبح هناك العديد من المصانع الخاصة بتقطيع الرخام وعمل الديكورات الخاصة بالأرضيات والحوائط

  "الزقم" أوضح أيضا أنه هناك أكثر من 300 مصنع داخل حي البساتين لكن اغلبها لا تمتلك الأدوات الكافية لاعتبارها مصانع متخصص في مجال ديكورات الرخام مشددا إن غالبيتها مصانع غير رسمية " تحت بير السلم "  ولا تمتلك عمالة مهر، ة مؤكدا ان العدد المصانع التي يمكن اعتبارها متخصص في مجال الديكور ولديها الإمكانيات لإنتاج منتج متميز لا تتجاوز عشر مصانع.

صاحب مصنع الرخام ألمح – فى سياق حديثه- إلى أن أزمة صناعة الرخام في مصر تكمن في عشوائيتها، وأكمل بقوله:  هى للأسف الشديد المهنة غير منظمة رغم أن حى البساتين هو الأشهر في تلك الصناعة على مستوى الجمهورية إلا أن العشوائية في الصناعة واستخدام الماكينات "البلدي " وهى ماكينات غير متطورة ساهم في انخفاض وقلة المنتج بشكل كبير

"الزقم" شدد أيضا على أن  معظم المصانع تقع في محيط السكة الحديد داخل الحي مما يجعلها مهددة بالإزالة طول الوقت ، مشيرا إلى أنه في عام 2011 وبعد قيام الثورة صدر قرار بإزالة تلك الورشة باعتبارها منطقة عشوائية، لكن بعد لقاء اللواء حمدى بدين خلال فترة قيادة المجلس العسكري عقب ثورة يناير مع اصحاب الورش والمصانع تم التراجع عن القرار بشكل ودي فقط الأمر الذى يعنى أنها مهددة بالإزالة فى أى وقت.

وعن دور الحي في تنظيم تلك الصناعة قال :  للأسف الشديد دور الحي سلبي في تلك القضية ، وأصحاب المصانع تقدموا باقتراح لنقل الورش وتنظيمها بمنطقة صقر قريش لا ان الحي والمحافظة لم تستجيب لهذا المقترح رغم أنه سيدر دخل كبير للدولة، وفى الوقت الحالى يمكن القول أن صناعة الرخام تمر بأزمة كبير نتيجة أن غالبية الرخام يتم استيراده من الخارج الوضع الذي نتج عنه ارتفاع سعره بشكل كبير تجاوز أكثر من ضعف ثمنه تقريبا مع انخفاض هامش الربح ، ولابد من تخفيض هامش الربح حتي أتمكن من إقناع العميل بشراء المنتج.

وقال أيضا: صناعة الرخام تعتمد على الكهرباء بشكل أساسي سواء كانت مصانع تمتلك أدوات عمل متطورة او ورش صغيرة فالجميع يعمل بالكهرباء، ومع انتشار الورش أصبح التحميل كبير على خطوط الكهرباء القديمة التي لم يتم تطويرها ما يجعل المصانع تتوقف عن العمل أكثر من مرة نتيجة انقطاع التيار، إلى جانب جانب الارتفاع الكبير الذى شهدته فواتير استهلاك الكهرباء الوضع الذي يتسبب في ازمة كبيرة نتيجة ضعف مقدرة أصحاب المصانع والورش على تسديدها في ظل انخفاض الطلب على المنتج النهائي نتيجة ارتفاع السعر .

وحول وجود هيكل أو كيان تنظيمى للعمال وأصحاب المصانع والورش فى المنطقة، أوضح "الزقم" أنه لا يوجد أي شكل تنظيمي للعاملين في هذا المجال ، مرجعا السبب في ذلك إلى نقص الوعى بين أصحاب الورش والمصانع والعمال فيما يتعلق بهذا الأمر.

على الجانب الآخر قال رمضان حجازي صاحب ورشة رخام: حى البساتين شهد تطور كبير من كونه قرية تعتمد على الزراعة منذ اكثر من 80 عام أي احد اهم المناطق الصناعية في مصر ،  وهذا التطور نشأ عن هجرة عدد كبير من سكان الصعيد الى القاهرة بحث عن لقمة العيش واستطاعوا ان يستقروا بحي البساتين والعمل في تلك المهنة بداية من المحاجر الى العمل في الورش والمصانع

وعن المناطق الفقيرة الكائنة فى الحى، قال:  حى البساتين مثله مثل بقية إحياء مصر يضم الغني والفقير ، ولكن هناك مناطق اكثر فقرا بالحي مثل بئر ام سلطان وجزء من الخيالة ، وفى المقابل هناك العديد من الجمعيات والمؤسسات الأهلية والخيرية عملت داخل تلك المناطق وقدمت العديد من الخدمات للحي مثل رصف الشوارع والمساهمة في توصيل مياه الشرب للمنازل.

"حجازى" شدد أيضا على أن حي البساتين يعد حيا صناعيا من الدرجة الأولى ويستطيع التنافس على مستوى الشرق الأوسط إذا قدمت الدولة الدعم لصناعة الرخام في الحى، موضحا أن تلك الأزمة الحقيقية التى تعانى منها صناعة الرخام تتمثل فى أنها صناعة عشوائية وقدراتها المادية محدودة، مشيرا – فى الوقت ذاته- إلى أنه إذا قامت الدولة بتقنين وضع الورش والمصانع وإقراض أصحابها ستكون هناك طفرة في الإنتاج تساهم في انتعاش الاقتصاد القومي وتجعل حي البساتين واحدا من الأحياء الصناعية على المستوى العالمي، ويمكن أيضا حدوث اكتفاء ذاتي للعديد من الصناعات وعلى رأسها الرخام وتقليل الواردات من الصين الى جانب ان الحي سيكتسب سمعة عالمية في تلك الصناعة خاصة انه يمتلك المهارة التي تأهله لذلك لكن ينقصه الإمكانيات.

وأكمل بقوله: الأزمات التى سبق وأن تحدثت عنها جعلت الصناعة مهددة بالانقراض خاص بعدما استطاعت الصين غزو تلك الصناعة في مصر فبعدما كانت تستورد الرخام المصنع من مصر أصبحت تمتلك مصانع في مصر يعمل بها عمال قادمين صينين وتبيع منتجها في السوق المحلي الى جانب تصديره للخارج ، والعامل الصيني أكثر جدية في العمل من العامل المصري والذي يبحث عن الربح السريع دون بذل مجهود فانتشر داخل الحي التوك وتوك والذي يقبل عليه الشباب الآن لأنه يدر دخل كبير يتجاوز المائة جنيه في اليوم بينما العمل في الرخام يدر 80 جنيه فقط.

 

 

    الاكثر قراءة