أحيي منظمة العمل الدولية غدا الأربعاء اليوم العالمي لمكافحة عمل الأطفال لعام 2019 ، وذلك تحت شعار " يجب ألا ينشغل الأطفال بالعمل في الحقول، ولكن بتحقيق أحلامهم " ، حيث لا يزال 152 مليون طفل ضحايا ظاهرة عمل الأطفال ، التي تنتشر في جميع قطاعات العمل تقريبا ، خاصة قطاع الزراعة الذى يستأثر بـ 7 من كل 10 أطفال عاملين٠
وتحتفل المنظمة العمل الدولية هذا العام بمرور 100عام من الدفع بقضية العدالة الاجتماعية وتعزيز العمل اللائق. وسيكون اﻟﻴﻮم اﻟﻌﺎﻟﻤﻲ ﻟﻤﻜﺎﻓﺤﺔ ﻋﻤﻞ اﻷﻃﻔﺎل بمثابة النافذة التي ينظر من خلالها إﻟﻰ ما أُحرز من تقدم خلال الـ١٠٠ ﺳﻨﺔ من دﻋﻢ ﻣﻨﻈﻤﺔ اﻟﻌﻤﻞ اﻟﺪوﻟﻴﺔ ﻟﻠﺒﻠﺪان في ما يتصل ﺑﻤﻌﺎﻟﺠﺔ ظاهرة ﻋﻤﻞ اﻷﻃﻔﺎل.
ولا يزال موضوع حماية الأطفال ضمن دستور منظمة العمل الدولية (في الديباجة) منذ تأسيسها في عام 1919، حيث كانت إحدى أولى الاتفاقيات التي اعتمدتها منظمة العمل الدولية هي اتفاقية بشأن الحد الأدنى للسن في الصناعة (رقم 5 ، 1919 ). وتتطلع دول العالم اليوم إلى تحقيق المقصد 8.7 (الغاية السابعة من الهدف الثامن ) من أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة الذي ينص على اتخاذ تدابير فورية وفعالة للقضاء على السخرة وإنهاء الرق المعاصر والاتجار بالبشر لضمان حظر واستئصال أسوأ أشكال عمل الأطفال، بما في ذلك تجنيدهم واستخدامهم كجنود، وإنهاء عمل الأطفال بجميع أشكاله بحلول عام 2025 . ودعماً لتحالف 8.7، يجب اتخاذ إجراءات فورية لمعالجة ما تبقى من تحديات تعيق المجتمع الدولي عن السير بثبات في طريقه نحو القضاء على عمل الأطفال. وحدد تقرير أصدرته منظمة العمل الدولية حديثًا السبل التي ينبغي السير عليها في ما يتصل بانتهاج السياسات وتقرير الاستجابات.
كما أن عام 2019 هو معلم لمرور 20 عاما على اعتماد اتفاقية منظمة العمل الدولية الاتفاقية رقم 182: اتفاقية بشأن حظر أسوأ أشكال عمل الأطفال والإجراءات الفورية للقضاء عليها، (1999). ولم يتبق سوى عدد قليل من الدول التي لم تصدق على تلك الاتفاقية بعد. ولذا فقد غدت هذه الاتفاقية قريبة من التصديق العالمي لها.
وفي هذا اليوم العالمي، تدعو منظمة العمل الدولية إلى تصديق الاتفاقية رقم 182 والاتفاقية رقم 138 : اتفاقية منظمة العمل الدولية بشأن الحد الأدنى لسن الاستخدام، ( 1973( وتنفيذهما تنفيذا كاملا. كما تشجع كذلك على تصديق بروتوكول عام 2014 الملحق باتفاقية العمل الجبري ، الذي يحمي البالغين والأطفال على حد سواء.
كانت منظمة العمل الدولية قد دشنت اليوم العالمي لمكافحة عمل الأطفال في عام 2002 لتركيز الاهتمام على مدى انتشار ظاهرة عمل الأطفال في العالم، والعمل على بذل الجهود اللازمة للقضاء على هذه الظاهرة. ففي 12 يونيو من كل عام ، يجمع اليوم العالمي الحكومات ومؤسسات أرباب العمل والعمال والمجتمع المدني، بالإضافة إلى ملايين الأشخاص من جميع أنحاء العالم لإلقاء الضوء على محنة الأطفال العاملين وكيفية مساعدتهم.
ويمكن تعريف تشغيل الأطفال أو عمالة الأطفال على أنها، التحاق الطفل بعمل يحرمه من طفولته، وقدراته، وكرامته، ومن شأنه إحداث الضرر بالنمو البدني، والعقلي له، والتأثير في حالته الاجتماعية، والنفسية، والمعنوية، وحرمانه من فرصة التعليم، والذهاب إلى المدرسة، أو وضعه في موقف الجمع بين الالتزام بالمدرسة، والعمل المكثف الطويل، والمجهد في الوقت ذاته، علماً بأن أسوأ أشكال تشغيل الأطفال تتمثل باستعبادهم، وعزلهم عن عائلاتهم، وتعريضهم بشكل مباشر، أو غير مباشر للمخاطر، والأمراض، وتركهم؛ للدفاع عن أنفسهم في وسط لا يعرف الرحمة، أو العدالة.
والجدير بالذكر أن إطلاق مصطلح عمالة، أو تشغيل الأطفال على شكل معين من العمل قد يختلف من بلد إلى آخر، ومن قطاع إلى آخر، حيث يتحدد ذلك وفق معايير خاصة وهي : عمر الطفل، ونوع العمل، وساعات العمل، والظروف التي يتم فيها العمل، والأهداف التي تسعى إلى تحقيقها الدولة.
وتشير التقديرات العالمية لعمل الطفل لعام 2017، إلى أن عدد الأطفال في أنحاء العالم كله، والذين تتراوح أعمارهم بين 5 سنوات و17 سنة، يبلغ حوالي 218 مليون طفل، منهم نحو 152 مليونا يخضعون للتشغيل، والعمل، ونصف هؤلاء الأطفال العاملين ، أي نحو 73 مليوناً يعملون في مجالات العمل الخطرة نسبياً. وبلغ عدد الأطفال العاملين في القارة الأفريقية حوالي 72.1 مليون طفل؛ وفي الدول العربية نحو 1.2 مليون طفل؛ كما بلغ عددهم في الدول الآسيوية والمحيط الهادئ حوالي 62.1 مليون طفل؛ وفي القارتين الأمريكيتين 10.7 مليون نسمة ؛ ونحو 5.5 مليون طفل في دول أوروبا وآسيا الوسطى.
وبلغت نسبة الأطفال العاملين في أفريقيا مقارنة بالعدد الإجمالي لأطفال أفريقيا حوالي 19.6%، أي بنسبة طفل عامل واحد من كل 5 أطفال؛ وفي الدول العربية تراوحت بما يقارب 2.9%، وبمتوسط طفل عامل واحد من كل 35 طفلاً ؛ أما في دول أوروبا وآسيا الوسطى، فقد بلغت النسبة 4.1% ، أي حوالي طفل واحد من كل 25 طفلاً ؛ وفي القارتين الأمريكيتين كانت النسبة 5.3% ، أي نحو طفل واحد من كل 19 طفلاً ؛ بالإضافة إلى أن النسبة في دول آسيا ومنطقة المحيط الهادئ بلغت حوالي 7.4% ، أي بما يساوي طفلاً واحداً من كل 14 طفلاً.
في حين بلغت نسبة الأطفال العاملين الذين تتراوح أعمارهم بين 5- 11 سنوات نحو % 50 من إجمالي الأطفال العاملين، أي حوالي 152 مليون طفل ؛ ونحو 28% أي 42 مليوناً ممن تتراوح أعمارهم بين 12- 14 سنة ؛ وبنسبة 24% أي 37 مليوناً للأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 15- 17 سنة. وكانت الغالبية العظمى من الأطفال العاملين بالمهن الخطرة من الفئة العمرية 15- 17سنة، وحوالي 25% أي 19 مليوناً ممن تقل أعمارهم عن 12 سنة . وبلغ عدد الأطفال العاملين من فئة الذكور حوالي 88 مليون طفل، منهم حوالي 62% يعملون في الأعمال الخطرة، أما الأطفال من الإناث فيصل عددهم إلى 64 مليون بنت.
وتتركز الغالبية العظمى من عمالة الأطفال في قطاع الزراعة، وبنسبة بلغت حوالي 71% من إجمالي الأطفال العاملين، حيث يتمثل هذا القطاع في أعمال صيد الأسماك، وتربية الماشية، وتربية الأحياء المائية، والأنشطة في الغابات؛ كما يعمل حوالي 17% من الأطفال في قطاع الخدمات ؛ وبنسبة 12% منهم في القطاع الصناعي، مثل مجال التعدين.
وكشفت تقارير منظمة الفاو ، عن ارتفاع نسبة عمالة الأطفال في قطاع الزراعة في السنوات الأخيرة نتيجة زيادة العنف والكوارث الناجمة عن المناخ. وأشارت التقارير إلي أن عدد الأطفال العاملين في القطاع الزراعي زاد حول العالم بشكل كبير منذ العام 2012، من 98 مليونا إلى 108 ملايين، بعد أكثر من عقد من الانخفاض المتواصل وقد أدت النزاعات الممتدة والكوارث الطبيعية ذات العلاقة بالمناخ، وما تبعها من الهجرة القسرية، إلى دفع مئات آلاف الأطفال للعمل.
وفي هذا الصدد ، قال"دانيال غوستافسون" نائب المدير العام لمنظمة الفاو ، في رسالة له بهذه المناسبة ، إنه وبعد سنوات من التراجع المضطرد، بدأ تشغيل الأطفال في المزارع وفي الحقول، في الارتفاع مرة أخرى، مدفوعاً جزئياً بزيادة الصراعات والكوارث الناجمة عن المناخ. محذرا من أن هذا الاتجاه المثير للقلق لا يهدد فقط رفاهية ملايين الأطفال فحسب، بل يقوض الجهود الرامية إلى القضاء على الجوع والفقر في العالم.
وأضاف غوستافسون ، أنه من المرجح أن يستمر الأطفال الذين يعملون لساعات طويلة في تضخيم صفوف الجياع والفقراء، نظراً لأن أسرهم تعتمد على عملهم، وهذا ما يحرم الأطفال من فرصة الذهاب إلى المدرسة، الأمر الذي يمنعهم من الحصول على وظائف ودخل لائق في المستقبل.
ويعد الفقر هو السبب الرئيسي لعمالة الأطفال في الزراعة ، إلى جانب محدودية فرص الحصول على التعليم الجيد ، وعدم كفاية التكنولوجيا الزراعية والوصول إلى عمالة البالغين ، والمخاطر والمخاطر العالية ، والمواقف التقليدية تجاه مشاركة الأطفال في الأنشطة الزراعية.
وف مجال الزراعة الأسرية ، والمصايد الصغيرة وتربية الماشية ، قد تكون مشاركة بعض الأطفال في الأنشطة غير الخطرة إيجابية حيث تساهم في نقل المهارات بين الأجيال والأمن الغذائي للأطفال. لكن من المهم التمييز بين الواجبات الخفيفة التي لا تضر بعمل الأطفال والطفل ، وهو عمل يتداخل مع التعليم الإلزامي ويضر بالصحة والنمو الشخصي ، استناداً إلى ساعات العمل وظروفه وعمره ، والأنشطة المنجزة والمخاطر التي تنطوي عليها .
وحذر تقرير لمنظمة " الفاو " من أن هذا الاتجاه المقلق لا يهدد فقط رفاه ملايين الأطفال وإنما أيضاً يقوض الجهود الرامية إلى القضاء على الفقر والجوع، مشيراً إلى أن بعض عائلات اللاجئين السوريين في لبنان على سبيل المثال، تدفع أطفالها للعمل لضمان بقائها على قيد الحياة ويقوم الأطفال اللاجئون بمهام مختلفة في بيوت الدفيئة لإنتاج البندورة وحصاد محاصيل البطاطس والتين والفاصوليا وغالباً ما يواجهون مخاطر وتهديدات متعددة من بينها المبيدات الحشرية وعدم النظافة في مواقع العمل ودرجات الحرارة المرتفعة والإنهاك الجسدي نتيجة القيام بأعمال صعبة لفترات طويلة.
وتقول الفاو " بما أن أكثر من 70 % من الأطفال العاملين حول العالم يعملون في الزراعة، فمن الضروري جدا دمج مسألة عمالة الأطفال في السياسات الزراعية الوطنية ومعالجة هذه القضية على مستوى الأسر، وإلا فإن الفقر والجوع سيتفاقمان في المناطق الريفية وعلينا كسر هذه الحلقة المفرغة إذا ما أردنا تحقيق تقدم نحو أهداف التنمية المستدامة".
وعن عمالة الأطفال في الزراعة في العديد من البلدان ، أشارت الفاو إلى أن عمل الأطفال يعد مشكلة زراعية. حيث يعمل 60 % من جميع الأطفال العاملين في الفئة العمرية 5-17 سنة في الزراعة ، بما في ذلك الزراعة وصيد الأسماك وتربية الأحياء المائية والغابات والماشية، وهذا يصل إلى أكثر من 98 مليون فتاة وفتى.
كما تشير إلى أن غالبية الأطفال العاملين أي 67.5% من أفراد الأسرة غير مدفوع الأجر، وتكون هذه النسبة أعلى في الزراعة ، ويتم دمجها مع الدخول المبكر إلى العمل ، أحياناً ما بين 5 و 7 سنوات من العمر.
وتعتبر الزراعة واحدة من أخطر القطاعات الثلاثة من حيث الوفيات المرتبطة بالعمل والحوادث غير المميتة والأمراض المهنية. خاصة أن حوالي 59 % من جميع الأطفال الذين يعملون في أعمال خطرة تتراوح أعمارهم بين 5 و 17 عاماً يعملون في الزراعة.
ومن أبرز الزراعات - إلى جانب الرعي والأسماك - التي ينخرط فيها الأطفال : زراعة قصب السكر (19 دولة)، وزراعة القطن (18 دولة)، وزراعة البن والقطن (16 دولة لكل منهما)، والرعي (13 دولة)، والأسماك (11 دولة)، وزراعة الأرز (9 دول).
وقد صادقت 181 دولة على اتفاقيات منظمة العمل الدولية بشأن عمالة الأطفال، وتلزم هذه الاتفاقية حكومات الدول بوضع قائمة وطنية للأعمال الخطرة، المحظورة على الأطفال، مما يعكس التزاماً عالمياً بإنهاء عمالة الأطفال بجميع أشكالها.