تنطلق غدا من أمام معبد الملكة حتشبسوت بالبر الغربي بمحافظة الأقصر عروض (أوبرا عايدة) ، والتي عرضت لأول مرة في القاهرة في 24 ديسمبر عام 1871، بطلب من الخديوي إسماعيل عقب افتتاح قناة السويس.
وتعود عروض أوبرا عايدة لمعبد حتشبسوت بعد غياب أكثر من ٢٠ عاما ،و تشهد مشاركة متميزة من نجوم عالمية ساطعة في مجال العمل الأوبرالي ستتألق في سماء الأقصر، حيث يقدم عروضها اكثر من 80 عازفا من أوركسترا أكاديمية (لفيف) السيمفونية في أوكرانيا، بقيادة المايسترو الأوكرانية أوكسانا لينيف، أول إمرأة ترأس أوبرا جراز في النمسا، وبمشاركة 70 موسيقيا ضمن الكورال الوطني الأوكراني (دومكا)، وإخراج المخرج المسرحي الألماني مايكل شتورم.
وأوبرا عايدة، هى أول أوبرا يضعها عالم في تاريخ مصر القديم، حيث كتبها أوغست مارييت باشا عالم الآثار الفرنسي ومدير الآثار المصرية في ذلك الوقت، ووضع موسيقاها الموسيقار الايطالي فيردى ، وكان مارييت قد قضى ستة أشهر في صعيد مصر ينسخ بمنتهى الدقة نقوشا وتفاصيل فنية على صفوف أعمدة المعابد، كي يستفيد منها في إخراج عمله ليكون الأقرب علميا للطبيعة الفنية للنص التاريخي.
وعلى نقيض الاسطورة الرائجة تاريخيا ،لم تعرض أوبرا عايدة عند افتتاح دار أوبرا القاهرة الخديوية، احتفالا بافتتاح قناة السويس، بسبب عدم الانتهاء من تجهيزها ، لذا قدمت أوبرا أخرى في الأول من نوفمبر عام 1869 وهي أوبرا "ريجوليتو" المقتبسة من قصة للأديب الفرنسي فيكتور هوجو "الملك يلهو"، وهي أيضا من تلحين الموسيقار الإيطالي فيردي.
ووقع مارييت العقد مع فيردي نيابة عن الخديوي في 29 يوليو عام 1870 بعد ٨ أشهر من افتتاح قناة السويس نظير 150 ألف فرنك فرنسي بالذهب، ونص العقد على أنه إن لم تعرض أوبرا عايدة في القاهرة في يناير عام 1871، فمن حق فيردي عرضها في مكان آخر بعد مضي ٦ أشهر من الموعد المتفق عليه، لكنه تغاضى عن هذا الشرط.
واختار مارييت باشا اسم "عايدة" عنوانا لعمله لما يحمله الأسم من دلالة مصرية، مستلهما أحداثها من تاريخ مصر القديم، فقصتها تجسد صراعا بين "الواجب والعاطفة"، وتروي قصة أميرة حبشية أسيرة في مصر، تصبح وصيفة لـ "آمنيريس"، ابنة الملك الفرعون، وتقع الفتاتان في حب رجل واحد "راداميس"، القائد الحربي المصري، الذي يبادل عايدة حبا كبيرا.
ويستمر القالب الدرامي في سرد الأحداث بعد أن تفسد الأمور نتيجة اندلاع حرب بين مصر والحبشة، وتنتصر مصر ويطلبون من راداميس الزواج من ابنة الفرعون مكافأة له على الانتصار، فيسعى إلى الهرب مع حبيبته عايدة، ويفشي بعض الأسرار العسكرية لها عن دون قصد، فيعتبرونه خائنا لواجبه العسكري ويحكم عليه بالدفن حيا، وتلحق به عايدة وتموت بين ذراعيه في قبرهما.
ولم تكن "أوبرا عايدة" الأولى التي تستلهم تاريخ مصر القديم في أحداثها المسرحية، فقد سبقتها "الناي السحري" لموزار، والتي قدمت في باريس في 20 أغسطس 1801 بعنوان "أسرار إيزيس"، فضلا عن أوبرا "موسى" للموسيقار روسيني عام 1827، و"الابن الضال" لدانيل فرانسوا إسبري أوبير عام 1850.
وحققت أوبرا عايدة عند عرضها في القاهرة أول مرة في 24 ديسمبر عام 1871 نجاحا غير متوقع، ثم عرضت في فبراير عام 1872 في لاسكالا في ميلانو، وبارمي في وسط إيطاليا، بعدها قررت باريس عرضها على مسارحها مع استخدام ديكورات وملابس جديدة، الأمر الذي أثار دهشة فيردي نفسه وقال "هل ما يصلح للإيطاليين لا يصلح للفرنسيين؟" .
وألهمت أوبرا عايدة الكثير من الموسيقيين وكتاب المسرح لوضع أعمال مستوحاة من تاريخ مصر القديم، مثل الموسيقي الفرنسي فيكتور ماسييه في "ليلة كليوباترا" عام 1884، والكاتب المسرحي فيكتوريان ساردو في "كليوباترا" عام 1890.
واستمر تقديم أوبرا عايدة سنويا على مسرح دار الأوبرا المصرية "الخديوية"، حتى احترقت بالكامل عام 1971، وشهدت منطقة الأهرامات أضخم إنتاج للعرض عام 1987، عندما شارك فيه 1600 فنان على مسرح مساحته 4300 متر مربع ، وحضره 27 ألف متفرج واستمر تقديمه على مدار ثمانى أمسيات متتالية.
كما قدمت عروض أوبرا عايدة عام 1994 أمام معبد حتشبسوت في الدير البحري بالأقصر متخذة من عمارة المعبد خلفية لها، ومازالت تجتذب عروض أوبرا عايدة في مصر والعالم الكثير من الجمهور فضلا عن إثراء المنافسة بين المخرجين والقائمين على تنظيمها لتقديم كل ما هو جديد من الناحية الفنية.