الأحد 24 نوفمبر 2024

العدوان الصاروخى الأمريكى على سوريا واصطياد ترامب داخل الصندوق

  • 12-4-2017 | 12:40

طباعة

بقلم –  د. محمد السعيد إدريس

الغموض والشكوك التى تحيط بجدية الاعتداء على مدينة “خان شيخون” السورية، وبالتحديد من هو المجرم الذى قام بهذا الاعتداء هل هو النظام السورى، حسب الرواية الأمريكية المدعومة من أطراف دولية وإقليمية وعربية كثيرة تقف فى الصف المعادى للنظام، إن لم تكن داعمة للمعارضة بما فيها منظمات إرهابية مثل “داعش” و”القاعدة”.. أم أن المعارضة هى المتهمة بهذه الجريمة، حسب تسريبات ومعلومات روسية فى حاجة إلى دلائل مادية تؤكدها، لا يجد ما ينافسه أكثر من خلفيات ودوافع الرئيس الأمريكى دونالد ترامب باتخاذ قرار توجيه عدوانه الصاروخى ضد سوريا. وما هى التداعيات المحتملة، وإلى أين ستسير الإدارة الأمريكية فى سوريا هل إلى تصعيد سواء كان عسكريًا أم سياسيًا، أم عودة إلى التراجع والنأى بالنفس وترك روسيا تصول وتجول دون منافسة أمريكية؟

الأسئلة المهمة كثيرة، لكن يبقى الأهم يخص الرئيس الأمريكى الذى انقلب على نفسه بين عشية وضحاها بين رئيس يقود تيار الانكماش فى السياسة الخارجية، والتوقف عن التورط فى حروب وصراعات تخدم مصالح أطراف صديقة أو حليفة لا تدفع أثمان ونفقات الأدوار الأمريكية، إلى جانب التركيز على إعطاء الأولوية للقضايا الأمريكية الداخلية التى لها علاقة بالطبقات العمالية والفقيرة، والحرص الشديد على مواجهة المؤسسة الحاكمة “The Establishment “ الذى اعتقد أنها المسئول الأول عن تراجع الحلم الأمريكى وأفول عصر أمريكا مبكرًا.

تمرد ترامب.. وقرار العدول عنه

كثيرون ممن أفزعتهم صدمة فوز المرشح الجمهورى دونالد ترامب برئاسة الولايات المتحدة الأمريكية حاولوا البحث بعمق عن إجابة للسؤال الذى شغلهم: «كيف فاز هذا الرجل الذى لم يجد أحدًا يقول بحقه كلمة طيبة واحدة، خاصة فى أروقة ودهاليز مؤسسة صنع السياسة الأمريكية، ليكون رئيسًا للولايات المتحدة وعلى العكس من كل التوقعات؟». الكل تحدثوا عن «الفوز.. الصدمة» لكن القليل منهم استطاع أن يضع يده على إجابة السؤال الصعب وهى أن سر فوز ترامب يكمن فى الرسالة التى حملها شعار حملته الانتخابية الذى يقول: «سوف نجعل أمريكا عظيمة مجددًا».

وصلت هذه الرسالة الساحرة إلى قلوب وعقول الملايين من أبناء الشعب الأمريكى وخصوصًا هؤلاء المهمشين بعيدًا عن صخب السياسة الأمريكية، لأنها لمست مزيجًا من مشاعر الخوف على بلدهم وإحياء أمل تجديد الحلم الأمريكى أن تبقى الولايات المتحدة «سيدة العالم» رغم ذلك يبقى السؤال الأهم: هل يستطيع ترامب أن يحقق هذا الحلم؟

حرص ترامب على أن يكون عند مستوى هذا السؤال التحدى فى «خطاب النصر» الذى أعلنه فور علمه بنبأ فوزه الانتخابى عندما بعث برسائل طمأنة لمعارضيه بالداخل وبرسائل تصالح مع العالم الخارجى وتعهد أن يعمل على مضاعفة النمو الاقتصادى، وخاطب الأمريكيين بأنه “حان الوقت لنجتمع معًا كشعب متحد”، وأنه “حان الوقت للوحدة ومعالجة الجراح”، كما أكد أنه “سيسعى إلى شراكات مع دول العالم، وأنه لن يسعى للصراع، وسيعمل على بناء أرضية مشتركة مع كل الشعوب”.

السؤال المهم بهذا الخصوص هو بالفعل ما الذى حدث فى أمريكا؟ هل ما حدث كان مجرد تصويت انتخابى على شخص مرشحين أحدهما يمثل الحزب الديمقراطى والآخر يمثل الحزب الجمهوري؟ أم أن التصويت كان على أشياء أخرى أكثر أهمية، وبوضوح أكثر أن التصويت كان على أمريكا نفسها، أى نموذج الحياة والسياسة والحكم فى أمريكا بقيمه وسياساته وآلياته؟ أما السؤال الأهم فهو: هل ما حدث يعتبر شأنًا أمريكيًا خالصًا، أم أنه مؤشر لتيار من التحولات والقيم السياسية الجديدة لها جذور ولها امتدادات فى مجتمعات أخرى وخاصة المجتمعات الأوربية الأمر الذى من شأنه أن يجعل ما يمكن اعتباره ربيعًا أمريكيًا أكبر وأوسع من ذلك بكثير والتعامل معه على أنه “ربيع عالمى”؟

الإجابة على هذه الأسئلة تعيدنا مجددًا للبحث عن إجابة للسؤال المحوري: ما الذى حدث فى أمريكا أن لم يكن الذى حدث ليس مجرد التصويت لأحد المرشحين؟

هناك منظوران للإجابة على هذا السؤال، الأول منظور طبقي- اجتماعى، والآخر منظور عرقي- عنصرى، والمنظوران يكملان بعضهما البعض، وهما يعتبران من أبرز نتائج ومخرجات موجة “العولمة النيوليبرالية” أى العولمة المرتبطة بنموذج الرأسمالية الليبرالية الجديدة التى أخذت طابعًا “توحشيًا” عقب انهيار النظام العالمى ثنائى القطبية وسقوط الاتحاد السوفيتى وتعامل الغرب الرأسمالى والأمريكى بالأخص مع هذا السقوط باعتباره “انتصارًا نهائيًا وتاريخيًا للرأسمالية”.بعدها جاء اجتياح موجة العولمة النيوليبرالية للعالم كله وفرضت شروطها ومنظماتها وآلياتها على كل العالم، وعلى الأخص “اتفاقية الجات” التى فرضت حرية التجارة، ووضعت قيودًا على إرادات الدول وسياساتها الحمائية لاقتصادياتها وجعلت نفوذ الشركات الكبرى يتفوق على سلطات الدول.

من بين نتائج هذه العولمة المرتبطة بـ “النيوليبرالية” (الليبرالية الجديدة) كان انتقال الصناعات الكبرى كثيفة العمالة من الولايات المتحدة وبلدان أوربية إلى دول شرق آسيا حيث العمالة الرخيصة، الأمر الذى أدى إلى انتشار البطالة فى صفوف الملايين من العمال الأمريكيين والأوربيين، كما أدى إلى إفقار الطبقة المتوسطة. كما أدت التداعيات الاقتصادية بعد عام ٢٠٠٨ (الأزمة المالية – الاقتصادية الأمريكية الكبرى التى هزت كيان النظام الرأسمالى فى الولايات المتحدة) إلى اتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء، وغابت المساواة، وانتشرت البطالة بين ملايين الشباب، ودفعت بالكثيرين إلى تحت خط الفقر، وتحولت مجتمعات هذه الدول إلى ما يعرف بـ “مجتمعات الخطر”.

كانت أصداء تلك التحولات شديدة فى دول جنوب القارة الأوربية خاصة اليونان وفرنسا، ولم تسلم ولايات أمريكية عديدة من هذه التداعيات التى حولت ملايين المواطنين إلى معارضة للنظام وللسلطة وللمؤسسات الحاكمة ومن بينها الأحزاب الكبيرة التى كانت شريكة فى الحكم وهجرتها إلى أحزاب وقوى سياسية أخرى تعمل ضد النظام رأوا أنها “لم تلوث بالسلطة”، نجاح الحزب الوطنى الاسكتلندى، والانسحاب البريطانى من الاتحاد الأوربى، وفوز فرانسوا فيون بالجولة الأولى فى الانتخابات التمهيدية لحزب الجمهوريين الديجولى، وارتفاع شعبية مارين لون رئيسة حزب “الجبهة الوطنية” الأكثر رجعية ويمينية وعنصرية فى فرنسا، ثم، وهذا هو الأهم هو فوز دونالد ترامب برئاسة الولايات المتحدة، هذه كلها مؤشرات مهمة لهذه التحولات.

أغلب الذين صوتوا لدونالد ترامب لم يصوتوا له باعتباره مرشح الحزب الجمهورى، بل لأنه ضد الحزب الجمهورى وضد كل من ترشحوا باسم هذا الحزب، اختاروا ترامب من بن ١٦ مرشحًا جمهوريًا يمثلون، فى نظر هؤلاء الناخبين، مؤسسة الحكم التى باتت مرفوضة. معظم هؤلاء الناخبين كانوا من الطبقة العاملة ومن ملايين الناخبين غير الجامعيين، كل هؤلاء تمردوا على مؤسسة الحكم وأحزابها لأن سياسات هذه المؤسسة أفقرتهم وجعلتهم فريسة للبطالة القاسية. استطاع ترامب أن يجتذب كل هؤلاء الناخبين الساخطين والمتمردين والمطالبين بالتغيير لأن خطابه المعارض للسلطة وللمؤسسة الحاكمة بشقيها الديمقراطى والجمهورى وجد آذانًا صاغية عند هؤلاء.

هذا الذى حدث فى الانتخابات الأولية للحزب الجمهورى وفرض ترامب مرشحًا للحزب رغم أنف قياداته، حدث أيضًا بالنسبة للناخبين المحسوبين على الحزب الديمقراطى عندما صوتوا للمرشح اليسارى (الاشتراكى) بيرنى ساندرز الذى حصل على أصوات الطبقة العاملة لتمرده أيضًا على مؤسسة وقوى الحكم، لكن هيلارى كلينتون استطاعت أن تفوز بترشيح الحزب الديمقراطى لأن القاعدة الانتخابية الأوسع لهذا الحزب هى من المتحمسين للخطاب السياسى لهذا الحزب، وخاصة دعمه للتعددية وحقوق الأقليات والمرأة والحريات الاجتماعية وهؤلاء كلهم صوتوا للمرشحة كلينتون، لكن عندما دخلت كلينتون فى المواجهة أمام ترامب صوتت كل الطبقة العاملة ومعهم كل الذين يعانون البطالة والفقر والتمييز من ناخبى الحزبين الجمهورى والديمقراطى لصالح ترامب رغم برنامجه السياسى اليمينى فى عملية تمرد سياسى تكاد تكون الأولى من نوعها فى الولايات المتحدة.

أما المنظور العرقى - العنصرى الذى ساهم فى انتصار ترامب فكان تمرد الناخب الأمريكى على وجود الملايين من الأجانب من ذوى الأصول غير الأمريكية الذين يشاركونهم فرص الحياة التى أضحت بائسة وضيقة. فقد طرح ترامب، شعارات استعلائية أثارت نشوة الملايين من هؤلاء الأمريكيين المتعصبين ضد المهاجرين الذين يعتبرونهم منافسين لهم فى العمل وفى المكتسبات الاجتماعية، كل هؤلاء توحدوا جميعًا تحت راية الانتماء العرقى، وشعارات ترامب بطرد ملايين المهاجرين، لذلك صوتوا جميعًا له رغم كل ما بينهم من تمايزات واختلافات طبقية ومهنية وثقافية.

هذه الدوافع الطبقية – الاجتماعية أولًا والعنصرية اليمينية ثانيًا هى التى وفرت الفوز لدونالد ترامب، لكن ظل السؤال المهم وهو هل ترامب هو الرجل المثالى للتمرد الذى يريدونه ضد مؤسسة الحكم؟ أم أنه الاختيار الخاطئ، وأنه بحكم معتقداته لن يكون نصيرًا للعمال وهو الرجل الذى ينتمى إلى طبقة كبار الأغنياء والأثرياء فى العالم ولن يكون الرجل الذى يحارب ضد سياسات العولمة النيوليبرالية، كما أنه لن يكون زعيمًا لسياسات تتعارض مع مصالح الطبقات الغنية لصالح الطبقات الفقيرة، كما أنه لن يستطيع لأسباب كثيرة طرد ملايين المهاجرين، وعندها سيدرك كل هؤلاء الأمريكيين الذين صوتوا له بحماس أن تمردهم الذى قاموا به على مؤسسة الحكم لم يحقق نتائج كانوا يأملونها، وأن ربيعهم لم يأت بعد، وعليهم أن يسعوا مجددًا للبحث عنه وعن آلياته الأجدر على تحقيقه أن كانوا جادين فى تمردهم.

العدوان الصاروخى يقدم الإجابة

جاء العدوان الصاروخى الأمريكى الذى اتخذه دونالد ترامب ضد سوريا مساء يوم الخميس الماضى (٦/٤/٢٠١٧) ليجيب وبصوت مرتفع عبر عنه بطلاقة ٥٩ صاروخًا من طراز توما هوك فجر الجمعة (٧/٤/٢٠١٧) سقطت بأوامر من ترامب على قاعدة الشعيرات الجوية العسكرية قرب مدينة حمص السورية.

دخل ترامب الصندوق بإرادته ووجد نفسه ينساق وراء مخططات “المؤسسة الحاكمة” التى جاء إلى البيت الأبيض من أجل إسقاط هيمنتها على القرار السياسى الأمريكى.

قبل ثلاثة أشهر فقط لم يكن موقف ترامب من الأزمة السورية على هذا النحو من الحدة، ربما كان موقفه مختلفًا تمامًا وخاصة بالنسبة للرئيس بشار الأسد حسب ما روت عنه “تولسى جابارد” عضو الكونجرس الأمريكى عن ولاية هاواى، وهى من الحزب الديمقراطى، وشاركت بقوة فى حملة الانتخابات الرئاسية الأمريكية إلى جانب المرشح اليسارى للحزب الديمقراطى “بيرنى ساندرز” وفى منافسة كل من هيلارى كلينتون ودونالد ترامب، وربما هذا ما لفت أنظار ترامب ورجاله إليها، حيث بحث مع فريقه عقب فوزه فى الانتخابات إمكانية إقناع جابارد بتولى منصب حكومى بارز فى إدارته الجديدة لكنه التقاها، رغم اعتذارها، عندما علم بنيتها للسفر إلى لبنان وسوريا واحتمال لقائها بالرئيس السورى بشار الأسد.

فقد صرحت هذه السيدة بأنها التقت الرئيس ترامب قبيل سفرها إلى لبنان وسوريا، الذى تصادف أن يتزامن مع حفل تنصيب ترامب رئيسًا للولايات المتحدة، وأنه تحدث معها كثيرًا حول رحلتها وسألها سؤالًا مباشرًا: هل ستلتقين الأسد فى دمشق؟

وعندما أجابت على سؤاله بقولها: على الأرجح! قال لها ما نصه: “اسأليه إن كان مستعدًا للتواصل معنا، وأنا مستعد للاتصال به هاتفيًا، ولكن، ليكن معلومًا منذ الآن أن التعاون سيكون عنوانه (قتال داعش) سيجد أن مطلب إطاحته من منصبه ليس فى دائرة اهتماماتى، وهذا المطلب سيختفى من التداول تدريجيًا. أما التواصل المباشر وإلغاء العقوبات فهما أمران يحتاجان إلى وقت، والمهم أن تعرف كيفية تصرفه ومدى استعداده للتعاون معنا بمعزل عن الروس والإيرانيين.. نحن يجب أن نغير سياستنا تجاه الأسد.. الاحتواء المباشر قد يكون مفيدًا، الرجل صمد فى موقعه.. الواقع يقول لنا أنه يجب أن نتعامل معه إذا كنا نريد مواجهة داعش فعلًا”.

هذا هو نص ما قاله ترامب لعضو الكونجرس الأمريكى تولسى غابارد، التى زارت دمشق فعلًا والتقت الرئيس الأسد وتجولت فى دمشق وزارت حلب، وحصلت من الأسد على وثائق دامغة تؤكد التورط المباشر لأمنيين أمريكيين، بطلب من إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، فى دعم الإرهابيين فى سوريا، والمؤكد أنها أوصلت كل ما توصلت إليه من معلومات وحقائق حول الحرب الدامية فى سوريا إلى الرئيس ترامب، فضلًا عن اللجان المختصة فى الكونجرس الأمريكي.

المشهد الذى فرض نفسه على الرئيس ترامب وإدارته فور حدوث الاعتداء بالأسلحة الكيميائية على مدينة خان شيخون جاء مختلفًا تمامًا مع المشهد الذى سيطر على الموقف الأمريكى من الأزمة السورية طيلة الشهرين الماضيين وبالذات من تنامى قناعة أمريكية بالتخلى عن مطلب إسقاط حكم الأسد كشرط للحل السياسى كما تريد أطراف حليفة مثل تركيا والسعودية ودول خليجية أخرى.

ما حدث من الإدارة الأمريكية والرئيس ترامب ضد سوريا لا يمكن اعتباره إلا جريمة كاملة الأركان، بدأت بتصريحات مثيرة للمندوبة الأمريكية فى الأمم المتحدة خلال الجلسة الطارئة لمجلس الأمن بناء على طلب أمريكى – بريطانى – فرنسى للبحث فى جريمة الاعتداء بأسلحة كيميائية على مدينة “خان شيخون” أظهرت فيها العزم الأمريكى الأكيد على شن عدوان على سوريا، عندما ألمحت إلى إمكانية التحرك فى سوريا من خارج الإطار الأممى، وعندما قالت أنه “عندما تفشل الأمم المتحدة بشكل دائم فى واجبها بالتصرف بشكل جماعى، فهناك أوقات فى حياة الدول نكون فيها مضطرين للتحرك من تلقاء أنفسنا”. يومها أدان الرئيس الأمريكى ترامب ما أسماه بـ “الهجوم البشع والمريع الذى وقع فى سوريا” وأعلن أن “سلوكه تجاه الأسد قد تغير”، وبعد ذلك بدأت الآلة العسكرية الأمريكية تتحرك، باجتماع ترامب مع كبار مستشاريه العسكريين واستمع إلى الخطط المعروضة عليه لضرب سوريا، واختار ما اعتبره الهدف الأقرب إلى ما يريد تحقيقه سياسيا، ووقع العدوان الصاروخى على قاعدة “الشعيرات”، وبعدها سافر إلى منتجعه فى فلوريدا، ومن هناك وجه “خطابًا للأمة” قال فيه “انتصرت للعدالة”.

مزاعم الرئيس ترامب أنه “انتصر للعدالة” مفضوحة بالمطلق فدماء أكثر من ستمائة عراقى من أهالى الموصل الذين قتلتهم غارات للطيران الأمريكى منذ ما لا يزيد عن ثلاثة أسابيع لم تجف بعد، وهذا ما حرص الرئيس الروسى فلاديمير بوتين على تعريته، عندما اعتبر هذه الهجمات “محاولة لتشتيت الأنظار عن ضحايا فى العراق”. الأمر الواضح والمؤكد أن هذا العدوان الأمريكى على سوريا ليست له أدنى علاقة بالمبادئ والأخلاقيات والقيم الإنسانية، كما أن الملايين التى قتلت والتى هجرت فى سوريا من جانب منظمات إرهابية مدعومة أمريكيًا ومن دول إقليمية وأخرى عربية تساندها واشنطن تنفى تمامًا مثل تلك المزاعم الأخلاقية، لكن العدوان الأمريكى على سوريا له علاقة مباشرة بالمصالح الأمريكية الجديدة فى سوريا والعراق.

تقاسم المصالح والنفوذ مع روسيا

هكذا عادت الولايات المتحدة إلى سابق عهدها، وتراجع ترامب عن مشروعه السياسى وانتصرت المؤسسة الحاكمة التى تدفع ترامب للعودة إلى العراق كى يسيطر ويستثمر ويحصل على أثمان غزو جيش بلاده للعراق بدلًا من أن يدفع أثمان جرائم ارتكبها هذا الجيش عندما دمر الدولة والمجتمع فى العراق، لكن الجديد هو العودة أيضًا للمنافسة فى سوريا، وهنا نعود إلى السؤال المهم: إلى أين يتجه ترامب فى سوريا هل إلى تصعيد عسكرى أم إلى تنسيق مع روسيا ضمن إطار التنافس؟

تأمل خطط المواجهة العسكرية الأخيرة وما أعقبها من اتصالات وتطورات تؤكد أن الولايات المتحدة لا تريد أن تتورط عسكريًا فى سوريا، وإن كانت لا تنفى إمكانية معاودة توجيه الضربات عند اللزوم، واشنطن حريصة أيضًا على عدم التصعيد مع روسيا بدليل أنها أبلغتها بقرار الضربة الصاروخية، وتعرف أن موسكو أبلغت دمشق والاثنان أخذا كل الاحتياطيات اللازمة للحد من الخسائر المادية والبشرية، ويبدو أن هذا كان مستهدفًا أمريكيًا. يؤكد ذلك أن المستشارين العسكريين وضعوا أمام ترامب ثلاثة خيارات للرد على ما اعتبروه اعتداء بالأسلحة الكيميائية ارتكبه الجيش السورى ضد مدينة “خان شيخون” هي: قصف عدد من القواعد الجوية السورية، أو الاكتفاء بقصف قاعدة الشعيرات، أو الخيار الثالث الأصعب وهو ما اسموه بـ “خيار قطع الرأس” والمقصود به قصف القصر الرئاسى حيث يقيم الرئيس بشار الأسد، واختار ترامب الخيار القل ضررًا وهو الاكتفاء بقصف قاعدة الشعيرات على أساس أنها كانت مركز انطلاق الطائرات التى قصفت خان شيخون بالأسلحة الكيميائية.

الواضح أيضًا أن واشنطن ركزت على الهدف السياسى وليس العسكرى، وبالتحديد أن تعلن عودتها كشريك فى القرار السورى، ووضع نهاية للتفرد الروسى، وإعادة ضبط المسار السياسى، مع تطور جديد أفصحت عنه نيكى هايلى المندوبة الأمريكية فى الأمم المتحدة وهو جعل تغيير النظام أحد الخيارات الأمريكية مجددًا وكانت هايلى قد حددت فى مقابلة مع برنامج “ستيت أوف ذا يونيون” بثتها شبكة “سى إن إن” أن أولويات واشنطن هي: هزيمة تنظيم “داعش”، والتخلص من النفوذ الإيرانى فى سوريا، وإزاحة الرئيس بشار الأسد.

ثلاثة أولويات تصطدم مع أولويات روسيا وإيران، الأمر الذى يعنى أن الصراع السياسى سيزداد سخونة، وأن مسار التسوية الذى تشرف موسكو على إدارته فى “أستانة” و”جنيف” قد يواجه اضطرابات ربما تنكشف أبعادها خلال زيارة وزير الخارجية الأمريكى “ريكسى تيلرسون” التى من المقرر أن تكون قد بدأت أمس الثلاثاء ١١ أبريل الجارى، حيث سيلتقى الرئيس فلاديمير بوتين ونظيره الروسى سيرجى لافروف.

 

    الاكثر قراءة