تتجه الأنظار اليوم الأحد إلى إيطاليا حيث تشهد انتخابات في إقليم "إميليا رومانا" الشمالي، معقل لتيار اليسار، والتي يطمح من خلالها اليمين المتطرف إلى تحقيق فوز تاريخي يمكنه من استعادة نفوذه في الحكم، وتهديد استقرار الحكومة الائتلافية التي تجمع بين الحزب الاشتراكي الديمقراطي وحركة "خمس نجوم".
وتكتسب هذه الانتخابات أهمية ملحوظة على الساحة الإيطالية حيث يراهن وزير الداخلية الأسبق ورئيس حزب "الرابطة" اليميني المتطرف، ماتيو سالفيني، على الفوز في انتخابات هذا الإقليم أملا في العودة إلى السلطة بعد خروجه منها في أعقاب انهيار الائتلاف الحكومي بين حزبه الرابطة وحركة "الخمس نجوم" في أغسطس الماضي، وهو ما أدى إلى إشعال الأزمة السياسية في البلاد.
وبعد أن نجح الحزب الاشتراكي الديمقراطي في تشكيل ائتلاف حكومي جديد مع حركة خمس نجوم في سبتمبر 2019، تبددت آمال سالفيني في إجراء انتخابات تشريعية مبكرة قد تمكنه من الانفراد بالسلطة، وانتقل من مركز الحكم إلى صفوف المعارضة. لذلك يمثل هذا الاقتراع الانتخابي فرصة ذهبية له لاستعادة نفوذه، وتحقيق انتصار تاريخي في إقليم لم يفز فيه التيار اليميني منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
وفي سبيل تحقيق ذلك، كرس سالفيني كافة جهوده من أجل جذب أصوات الناخبين في "إميليا رومانا"، الذي يعد ثاني أغنى الأقاليم في إيطاليا، حيث قام بجولات انتخابية على مدار عدة أسابيع في جميع أنحاء الإقليم، ونظم العديد من التجمعات الشعبية بشكل يومي، مستخدما أعظم مهاراته الشعبوية لكسب تأييد الجماهير. كما أعلن الزعيم اليمين المتطرف الأسبوع الماضي أنه في حالة فوزه بانتخابات إقليم "إميليا رومانا"، فإنه سيتوجه إلى مقر رئاسة الوزراء حاملا مذكرة لرئيس الوزراء، جوزيبي كونتي، تطالبه بالرحيل عن منصبه.
ومما زاد من آمال سالفيني في الفوز، تعرض حركة "خمس نجوم" إلى هزات عنيفة وصراعات داخلية خلال الفترة الماضية أثرت على استقرارها وتماسكها، وكان من بينها إعلان 15 من نواب الحركة تمردهم، فضلا عن مجموعة الاستقالات المتتالية التي شهدتها الحركة وكان آخرها لوزير الخارجية، لويجي دي مايو، الذي أعلن استقالته من رئاسة الحركة مع استمرار عمله بالحكومة، وذلك قبل أيام قليلة من هذه الانتخابات الإقليمية الحاسمة.
من جانبه، قلل رئيس الوزراء كونتي من أهمية فوز الرابطة في "إميليا رومانا"، وتوقع ألا يؤدي مثل هذا الفوز - في حالة حدوثه - إلى إسقاط حكومته، مؤكدا أن الاقتراع لا يشمل إلا إقليم "إيميليا رومانا" وبالتالي لن تكون له أية انعكاسات وطنية.
ومع ذلك يرى فريق من المراقبين أنه في حالة فوز حزب الرابطة فإن ذلك سيساهم في تفاقم حالة التوتر داخل الحكومة الائتلافية، حيث يتوقع أن يلقي الحزب الديمقراطي باللوم على حليفه "خمس نجوم" لرفض الأخير تقديم مرشح موحد في هذه الانتخابات، وهو ما قد يؤدي إلى تشتت الأصوات ضد حزب سالفيني. كما أن مثل هذه النتيجة ستؤدي حتما إلى انهيار حركة خمس نجوم التي تعاني بالفعل من تصدع داخلي وغياب قيادة موحدة تساعدها على لملمة أوراقها واستعادة مكانتها، وهو ما قد يهدد الحكومة بفقد غالبيتها في مجلس الشيوخ ويهييء الأجواء لعقد انتخابات تشريعية مبكرة قد تدفع بسالفيني إلى سدة الحكم من جديد.
وبشكل عام، لايتوقع المراقبون أن يكون هذا هو السيناريو المرجح في انتخابات اليوم حيث من المتوقع خسارة مرشحة حزب الرابطة لصالح مرشح الحزب الديمقراطي الاشتراكي لاسيما في ظل تعزيز الاتجاه المقاوم لحزب الرابطة بفضل الدعم المقدم من الحركة الشعبية المعارضة لسالفيني، والتي أطلقت على نفسها "حركة السردين".
وحركة "السردين"، تأسست قبل شهرين في بولونيا عاصمة إقليم إميليا رومانا، كحركة شعبية معارضة لليمين المتطرف ولا تنتمي إلى أي حزب سياسي، وهي تحمل شعار "السردين" في لافتاتها. وخلال الأسابيع الماضية، نجحت هذه الحركة في حشد أعداد هائلة من الجماهير ونظمت عدة مظاهرات مناهضة للتيار اليميني المتطرف ومنددة بخطاب "الكراهية والتقسيم" الذي يتبناه سالفيني.
في ضوء ما سبق، وبعيدا عما ستؤول إليه انتخابات اليوم، فإن المشهد الإيطالي يبدو معقدا في المرحلة الراهنة خاصة في ظل الصعوبات التي تواجهها الحكومة الائتلافية الحالية التي تقودها مجموعة من القوى والتيارات المتناحرة لم يعد يجمعها سوى الخوف من الذهاب إلى انتخابات مبكرة قد تصل بسالفيني إلى الحكم، هو ما يعكس ضعف هذه الحكومة وهشاشة مكانتها وعجزها عن اتخاذ قرارات مهمة سواء على الصعيد الداخلي للبلاد أو على مستوى الخارج، وهو ما ينذر - وفقا للمراقبين - بقرب انفجار أزمة جديدة على الساحة الإيطالية قد لا تطلقها انتخابات اليوم ولكن يتوقع أن تخرج إلى النور في أقرب فرصة.