الأحد 30 يونيو 2024

قيمة سمير فريد

16-4-2017 | 10:56

بقلم : أشرف غريب

فى زمان عزت فيه الأستاذية كان الناقد السينمائى الراحل سمير فريد كبير الأساتذة ،فى زمان شحت فيه النفوس السوية كان الرجل صاحب نفس رقيقة وروح أرق ، فى زمان غص بأنصاف المواهب وأشباهها كان فريد موهبة حقيقية فى عالم النقد والتأريخ السينمائى.

رحل سمير فريد إذن فأصبح البحث عن الأساتذة أصحاب النفوس السوية والمواهب الحقيقية فى هذا الزمان أقرب إلى المستحيل الرابع ، نعم كان سمير فريد أستاذا ليس فقط لأنه صاحب مدرسة فى النقد ، وإنما أيضا لأنه كان يؤمن بأن أستاذية بلا تلاميذ ، ومن هنا فإن نفسه السوية وروحه الرقيقة لم تكن تبخل على أحد بالتشجيع والإطراء والنصح أيضا والتوجيه ، وكثيرا ما منح الفرص لأجيال لاحقة استطاعت أن تثبت نفسها بفضل الأيادى البيضاء الدائمة التى كان يمدها سمير فريد بكل محبة ونكران للذات .. حاول أن تجرب واسأل عشرة أسماء من العاملين بالمهنة عن هذا الرجل ، حتما ستجد فى نفس كل واحد منهم مكانا خاصا ومميزا لسمير فريد وفضلا كبيرا لا يمكن نسيانه لهذا الرجل ، وأنا شخصيا واحد من هؤلاء .

لن أحدثكم عن مبادرات تشجيعه المتكررة لى منذ بداية طريقى فى هذه المهنة ، ولا عن لفتاته المعتادة مع كل عمل أقدمه، وآخرها هذه المرات الثلاث التى كتب فيها بالمصرى اليوم عن كتابى " الوثائق الخاصة لليلى مراد» ، يكفى أن أذكر أنه حينما توليت رئاسة تحرير الكواكب عام 2012 كان هو فى طليعة المهنئين ، لكنه لم يكتف بالتهنئة ، وإنما عرض - وهو الناقد الكبير - أن يكتب على صفحات المجلة بداية من العدد الأول ، فاستأذنته أن أرجئ نشر مقاله للعدد الثانى لأننى كنت قد استقبلت مبادرة رقيقة أخرى من الكاتب الكبير وحيد حامد بالكتابة فى العدد الأول تحت رئاستى ، وكان من المهم جدا بالنسبة لى نشر مقال وحيد حامد فى العدد الافتتاحى لأن فى ذلك رسالة محددة كنت حريصا على توصيلها لمن كانوا ساعتها يحكموننا باسم الدين ، وتفهم سمير فريد الأمر وأيدنى فيه ، وكتب بالفعل المقال فى العدد التالى مباشرة ، ليس هذا فقط بل أنه عرض أن يرسل للكواكب رسائل خاصة من مهرجان فينيسيا الذى كان على الأبواب ، وهكذا لم تنقطع لفتات سمير فريد الكريمة تجاهى وتجاه كل الذين عرفوه وعرفهم .

وحتى فى مساجلاتنا المنشورة أو غير المنشورة كان الرجل راقيا فى اختلافه ، رقيقا فى عرض وجهة نظره ، متواضعا فى اعترافه بعدم صحة موقفه إذا استدعى الأمر ذلك حتى لو كان أمام أحد تلامذته أو حتى خصومه، إن كان له خصوم ، وكنت دائما أقول له إنه واحد من الذين رسخوا فى عالم الكتابة الصحفية والنقدية آداب الاختلاف وأخلاقياته تماما مثل الراحل الكبير رجاء النقاش ، فكان يرد بأنه تعلم ذلك بالفعل من العظيم رجاء النقاش منذ أن عرفه فى منتصف الستينيات وقت أن كان فريد فى بداية الطريق ، وهذا ملمح مهم من ملامح الأستاذية ومكون أصيل من مكونات النفس السوية التى كان يتمتع بهما كل من رجاء النقاش وسمير فريد .

وليس هناك من شك فى أن عشرات الكتب وآلاف المقالات والدراسات التى كتبها سمير فريد سوف تبقى زادا دائما لكل الباحثين عن الثقافة السينمائية الرفيعة ، أما نحن الذين تعاملنا معه واقتربنا منه فلن تغيب عنا روحه الرقيقة وأخلاقياته الكريمة ومواقفه النبيلة ، وأنا شخصيا سوف أفتقده كثيرا فى كل مرة أشعر فيها بأننى بحاجة إلى سداد رأيه ونبل مواقفه .