الأحد 16 يونيو 2024

ظاهرة مرضية تصيب بعض الأطفال .. لصوص لكن ظرفاء

21-4-2017 | 13:09

تحقيق: سمر عيد

جلست جوار زميلتها فى المدرسة ورأت فى يدها حافظة أقلام جميلة، فراقبت من حولها وخلسة مدت يدها فى حقيبة زميلتها وسرقت الحافظة، وما أن انتهى اليوم الدراسى وأثناء سيرها فى الشارع ألقت بالحافظة وتركتها وانصرفت .

مثل هذا المشهد قد يتكرر مع ابنك على الرغم من عدم احتياجه إلى ما يسرق، لكنه قد يكون تعويضا لعاطفة افتقدها أو إهمال يستشعره من جهتك ووالده فيحاول تداركه بالاستيلاء على ممتلكات الغير، وسرعان ما ينقلب إلى شعور باللذة، إنه مرض أو هوس السرقة الذى يدفع الطفل تحت وطأة نزعة الامتلاك إلى سرقة ممتلكات من حوله.

فما طبيعة هذا المرض، وما الأسلوب الأمثل للتعامل مع الأطفال المصابين به، وما دور الأسرة والمدرسة فى ذلك؟!

فى البداية يقسم د. ماجد أرنست رياض، استشارى الأمراض النفسية والعصبية الأطفال الذين يعانون السرقة المرضية إلى مراحل عمرية مختلفة قائلا: لا ينبغى على الأم أن تقلق من سرقة ابنها إذا كان أقل من 6 سنوات لأنه لا يدرك خصوصية الآخرين، لكن بعد هذه السن يبدأ الطفل فى إدراك خصوصياته وممتلكات غيره ويعلم أنه ليس له الحق فى أخذها، ومع دخول الطفل المدرسة يمكننا تعديل سلوكه، أما عند بلوغه سن العاشرة يصعب تعديل هذا السلوك ويمكن أن يتحول الطفل إلى لص حقيقي، وإذا لم يعالج قبل بلوغه 18 سنة فسوف يستمر معه هذا المرض طوال حياته، ومرض السرقة لدى الأطفال لا يمكن علاجه بالأدوية لأنها تكون غير فعالة، بل يجب استشارة طبيب نفسى لتعديل سلوك الطفل، وعلى الأم أن تعلم أن تعديل السلوك يحتاج إلى جلسات كثيرة. ومتى تكون السرقة مرضية؟

يقول د. أحمد على مصطفى، استشارى الطب النفسى وأمراض المخ والأعصاب: هناك نوعان من الأطفال، الأول يعانى الفقر والحاجة ويتطلع إلى ما فى يد غيره ويسعى إلى امتلاكه حتى يصير مثل أقرانه وهنا لا تكون السرقة مرضا بل تكون سلوكا سيئا يجب تعديله، أما النوع الثانى فهو الطفل الثرى المدلل وهنا تكون السرقة مرضية لأنه يجد لذة فى الحصول على ممتلكات الغير أو إلحاق الأذى به، وهذا مرض نفسى يسمى »Kleptomania« ، وقد تكون السرقة مجرد فكرة طارئة، وبعض الأطفال لا يستطيعون التحكم برغبتهم فى السرقة فيندمون على ذلك ويعيدون ما أخذوه إلى صاحبه أو يلقونه فى أى مكان خوفا من الوالدين، لذا على الأم أن تتحرى الدقة وألا تدافع عن ابنها إذا اتهمه أحد بالسرقة دون التأكد من براءته، وعليها أن تبدأ فى علاجه فورا إذا ما تكررت سرقته لأغراض زملائه فى المدرسة أو أصدقائه وجيرانه.

التنشئة الاجتماعية

وتؤكد د. عايدة إسكندر، أستاذة التربية بجامعة الزقازيق أن التربية والتنشئة الاجتماعية لها الدور الأكبر فى تقويم سلوك الطفل، مشددة على ضرورة تعاون المدرسة مع الأسرة لعلاج السلوك الخاطئ لبعض الطلاب، وتعزو سرقة الأطفال إلى أن بعض الأمهات لا يربين أبناءهن على احترام خصوصيات الآخرين والاستئذان قبل أخذ أغراض زملائه أو أشقائه، مؤكدة على أهمية دور الأسرة فى علاج داء السرقة لدى الأطفال وعدم التشهير به بين أقرانه، وعدم معاملته على أنه مجرم، ومنحه الحنان المتمثل فى العطاء الأبوى المفقود الذى هو سبب أساسى فى هذا السلوك، وتحذر من استخدام العنف فى تقويم سلوكهم لأنه يؤدى إلى العناد وتفاقم المشكلة، وتنصح بالاستعانة بمستشار أسرى وتربوى للتعرف على الأسلوب الصحيح للتعامل مع هذه الحالة، لافتة إلى أن الطفل قد يكون مفتقدا للحب والحنان والاهتمام داخل الأسرة، الأمر الذى يدفعه إلى السرقة لتعويض ما ينقصه.

الكرتون والدراما

أما د. أسامة على قناوي، خبير التنمية البشرية فيرى أن أفلام الكرتون والدراما التلفزيونية قدمت اللص فى صورة محببة إلى الأطفال، ما جعله نموذجا وقدوة يسعون إلى تقليده تحقيقا للشهرة والثراء الذى يحققه اللص، مشيرا إلى أن الطفل قد يلجأ إلى السرقة نتيجة الحرمان المادى أو العاطفى أو التدليل المفرط الذى يزيد لديه رغبة التملك، أو الإحساس بالإهمال من قبل الأسرة، فيتخذ من السرقة وسيلة لتعويض هذا الإحساس ولفت أنظار والديه إليه، أو بدافع الانتقام والحصول على مجهود الآخرين دون عناء، وقد تكون سرقة الطفل بدافع تعويض الأم عما تعانيه من اضطهاد داخل المنزل بسبب نظرة المجتمع الذكورية.

مرض اجتماعى

وتقول د. نورا رشدي، عميدة المعهد العالى للخدمة الاجتماعية: داء السرقة مرض اجتماعى قد ينبع من حقد الطفل على زميله أو صديقه وقد ينشأ نتيجة تقليد الطفل لأمه إذا ما رآها تأخذ من نقود والده دون استئذانه أو إخباره، فإدراك السبب الحقيقى وراء دافع السرقة أول خطوات العلاج، مشيرة إلى تعدد الأسباب النفسية لمرض السرقة لدى الأطفال، موضحة أن السرقة إذا كانت بدافع الحرمان كان علاجه عن طريق النصح والإرشاد، أما إذا كانت سلوكا مرضيا فعلينا أولا عدم التشهير بالطفل على نطاق الأسرة أو المدرسة وعرضه على أخصائى نفسى للبدء فى جلسات العلاج، ويمكن علاج هذا الطفل عن طريق اصطحابه إلى جمعيات خيرية ليشعر بلذة العطاء بدلا من متعة السرقة.