الثلاثاء 18 يونيو 2024

البابا كيرلس السادس بابا المحبة والسلام

أخبار11-10-2020 | 20:57

في عام 1959، اعتلى البابا كيرلس السادس " 1959-1971 " كرسي الكرازة المرقسية ، وهو بحق آخر عهد ما قبل ثورة التكنولوجيا الحديثة التي قلبت موازين الحياة برمتها رأسا على عقب .


في نفس السنة التي اعتلى فيها قداسة البابا كيرلس السادس الكرسي المرقسي اهتم بخدمة الأقباط في المهجر مبتدءا بدول شرق وجنوب إفريقيا ثم أوروبا ، وفي سنة 1961، انطلق إلى الدول العربية وبدأ بالكويت ، وفي سنة 1962، انطلق إلى كندا والولايات المتحدة الأمريكية ، وفي سنة 1964، أصبح للكنيسة القبطية أول كنيسة في المهجر ، وهي كنيسة مارمرقس في مونتريال بكندا ، وفي سنة 1968، أصبح لنا كنيسة في أسترإلىا ، وفي نهاية حبريتة سنة 1970، كان للكنيسة القبطية 7 كنائس في المهجر، واثنتان في أمريكا في جيرسي سيتي، ولوس أنجلوس ، واثنتان في سيدني وملبورن ، واثنتان في كندا، في تورنتو ومونتريال ، وواحدة في لندن .


كانت روحانية البابا كيرلس السادس سببا في العلاقة الحميمة التي نشأت بينه وبين الرئيس جمال عبد الناصر ، ومن ثم سببا مباشرا فيما حققته الكنيسة القبطية من نهوض برغم الظروف الصعبة التي جازتها في هذه الفترة إثر تحول البلاد إلى النظام الإشتراكي، وموجات التأميم المتلاحقة ، ولقد لخص الأستاذ محمد حسنين هيكل تلك العلاقة بقوله " كانت العلاقات ممتازة بين الرئيس جمال عبد الناصر، والبابا كيرلس السادس، وكان معروفا أن البطريرك كان يستطيع مقابلة عبد الناصر في أي وقت يشاء، وكان البابا كيرلس حريصا علي تجنب المشاكل ".


ولكن نهضة الكنيسة القبطية آنذاك كانت بسبب القرب الشديد للبابا القديس من السماء، حيث الرب الذي بيده قلوب كل الرؤساء.


وفي إحدى مرات زيارة قداستة لمنزل الرئيس جمال عبد الناصر تقدم أبناؤه بحصالاتهم الصغيرة لكي يتبرعوا لبناء الكاتدرائية المرقسية الجديدة في منطقة العباسية، وفي بساطة يندر تكرارها أخرج البابا كيرلس منديله وفرشه في حجره، فوضع أولاد عبدالناصر تبرعاتهم، ثم صره البابا وشكرهم وباركهم، وكان هذا المبلغ هو قيمة مقدم أرض دير مارمينا بمريوط، فكان للرئيس جمال عبد الناصر الفضل في بناء الكاتدرائية الجديدة بالعباسية، والسبق في إنشاء دير مارمينا العجايبي بمريوط.


في شهر يوليو من عام 1965، كان الاحتفال بوضع حجر الأساس للكاتدرائية المرقسية الجديدة بالأنبا رويس بالقاهرة، بحضور الرئيس جمال عبد الناصر، والأمبراطور هيلا سلايسي الأول إمبراطر إثيوبيا، وكان حفل الافتتاح في 25 يونيو سنة 1968، ومما هو جدير بالذكر أن المتنيح نيافة الأنبا صموئيل، أسقف الخدمات الاجتماعية " 1920-1981 " هو صاحب فكرة بناء الكاتدرائية الجديدة، ومحرك الموضوع مع مستشاري رئيس الجمهورية حتى صارت الفكرة واقعا حيا.


في حفل افتتاح الكاتدرائية ألقى الرئيس جمال عبد النصر خطابه الذي جاء فيه:


"يسرني أن أشترك معكم في إرساء حجر الأساس للكاتدرائية الجديدة، وحينما تقابلت أخيرا مع البابا في منزلي، فاتحته في بناء الكاتدرائية، وأن الحكومة مستعدة للمساهمة في هذا الموضوع، ولم يكن القصد من هذا فعلا المساهمة المادية،ولكني كنت أقصد الناحية المعنوية، فإن كل المواطنين جميعا سواسية لا فرق بين مواطن ومواطن، ففي المدارس الدخول بالمجموع، وجميع الترقيات في الدول بالأقدمية لغاية الدرجة الأولى، مفيش فرصة للمتعصبين أنهم يتلاعبوا، ونحن نفخر والحمد لله بأن بلدنا ليست فيها طائفية أو تعصب أو انقسام، عايزين كل واحد في بلدنا يثق في نفسه، ويثق أن البلد بلده، بلد المسلم وبلد المسيحي 100%، وأرجو الله أن يدعم المحبة بين ربوع هذا الوطن، وأن يدعم الإخاء، وأن يوفقكم جميعا، والسلام عليكم ورحمة الله" 

لقد دافع البابا كيرلس السادس عن الحقوق العربية في مدينة القدس وانتهاكات إسرائيل للأماكن المقدسة، وأرسل خطابا إلى البابا بولس السادس بابا روما بخصوص الأوضاع في القدس المحتلة قال فيه: "لا يخفى ما أحدثه القرار الذي اتخذته إسرائيل بضم القدس القديمة إليها من هزة عنيفة في مشاعر العرب عموما مسيحيين ومسلمين، وليس أشق على ضمير الإنسان ووجدانه من عمل عدواني يمس عقيدته ومقدساته، إننا طلبنا وما زلنا نطالب،متجهين إلى الله وإلى الضمير العالمي، ونسأل أيضا مساندة قداستكم ومعاونتنا لنكون صفا واحدا في نصرة هذه القضية العادلة، وأن تعود القدس إلى الوضع الذي كان قائما قبل العدوان الأخير".


في سنة 1969 أقام قداسة البابا كيرلس السادس صلاة تبريك الأرض التي سيقام عليها مبنى "مطبعة ميناء الخلاص" في أرض الأنبا رويس خلف معهد الدراسات والكلية الإكليركية، وهي معروفة حاليا باسم مطبعة الأنبا رويس، أما آلات الطباعة والتجليد فقد أهديت من اتحاد الكنائس الإنجيلية في ألمانيا إلى المعاهد الدينية بالكنيسة القبطية.


هنا تجدر الإشارة إلى أن بداية عصر الطباعة في بلاد الشرق العربي كانت في مطبعة دير قزحيا جنوب طرابلس في لبنان سنة 1610، وهو أقدم أديرة لبنان، ويتبع الكنيسة المارونية، أما في مصر فكانت أولى المطابع هي تلك التي حملتها معها الحملة الفرنسية على مصر سنة 1798، ولكن تلك المطابع رجعت إلى فرنسا مع رحيل الحملة الفرنسية عن البلاد سنة1801، ولم تظهر المطابع في مصر بعد ذلك إلا مع مطبعة بولاق سنة 1821، والتي استوردها محمد علي باشا، وعهد إلى نيقولا مسابكي، الإشراف على استيرداها وإدراتها، وكانت أول مطبعة شعبية في مصر هي المطبعة الأهلية التي استوردها من الخارج البابا كيرلس الرابع "أبو الإصلاح" سنة 1860، في عهد الوالى سعيد باشا، وبعد أكثر من مائة عام هاهي مطبعة الأنبا رويس بمقر البطريركية تدور آلاتها لتنشر النور بالكلمة.


في مارس سنة 1971، أي في السنة التالية لرحيل جمال عبدالناصر، انتقل إلى الأمجاد السماوية قداسة البابا كيرلس السادس الذي ستظل ذكراه أبدا في الكنيسة المصرية، لتطوى صفحة هامة من تاريخ مصر وكنيستها الوطنية.