في
الليلة
الظلماء
يُفتقد
البدر
وها
قد
فقدنا
البدر
.. لا
يا
سيدى
لست
كأي
واحد
فينا
يتركنا
ويروح
لحاله
ولمصيره
المحتوم
.. لا
.. أنت
بالذات
دون
أي
غيرك
لغيابك
وقع،
ولموتك
هلع،
ولحزنك
ورع،
وفى
رثائك
يسقط
الدمع
يبلل
الحبر
والورق
لتغدو
الكلمات
المتشحات
بالسواد
مغسولة
بالوفاء
والحنين
والأنين..
سألتك
يوماً
عن
دموعك
فقلت
لي
إنك
بكيت
مرتين..
“الأولى في جنازة عبدالناصر لأنه كان صديقاً قريباً منى للغاية، وسيبقى أبداً اعتقادي بأنه ليس فقط إنساناً عظيماً وإنما تاريخ عظيم” والمرة الثانية عند علمك بوفاة السادات وأنت في ليمان طرة في اليوم التالي لمقتله “لأننا
كنا
معزولين
داخل
الأسوار
عزلا
كاملا
عما
يجرى
خارجها،
وعندما
صدرت
التعليمات
بإمكانية
نقل
الخبر
إلينا
أتانا
مأمور
السجن
لينقل
لنا
نبأ
الوفاة
على
أنها
نتيجة
أزمة
قلبية،
فوجدتني
لا
أستطيع
التحكم
في
دموعي
ولابد وأنها كانت المرة الثالثة يا أستاذي التي أبكتك عندما أبلغت وأنت في الخارج بحريق مزرعتك في برقاش عقب فض اعتصام رابعة والنهضة بساعتين بقرار إرهابي من جماعة الإخوان الذين أعلنوا ما أسموه القائمة السوداء بأسماء الكتاب الذين دعموا الفض وضمت في المستهل اسمك الرنان ليشتعل الحريق الذى أتى على كل كنوزك من الكتب والمخطوطات والمراجع والمذكرات التي بلغت ثمانية عشر ألف كتاب إلى جانب اللوحات الفنية النادرة التي كان بينها أروع لوحات الفنان كنعان والتي نزل اقتناؤك لها برداً وسلاماً على القلب لأنها أصبحت من بعد مكمنها في الحرز الأمين والعرض الجميل، ومن هنا كانت وجيعتنا واحدة عندما التهمت ألسنة نار الإخوان كل غال علينا وثمين.
وعلى ذكر الدموع فقد جعلتها يا أستاذي يوماً تترقرق فى عيني عرفانا بالجميل عندما هبط فجأة الأمر العلوى من فوق بإزاحتنا بين يوم وليلة من مواقعنا كرؤساء تحرير، فأزحت القلم والورق، وصورة الغلاف، وحملت حقيبتي، وانطلقت إلى بيتي ويمين الله لم تكد تطأ قدمي عتبته، حتى كان الأستاذ على التليفون يواسيني.. يشجعني.. يشد من أزري .. يقسم ألا أحد يهمه غيرى في كل من استبعد عن منصبه، وأن مجالات العمل الصحفي كلها مفتوحة أمامي للتصدي.. ووضعت السماعة ووضعت حمل حقيبتي، وتنفست الصعداء، فعلى نبرات صوته الذي أسقط دمعي أزحت هماً كبيراً، كان يقرض سنين العمر ويزرعني كل أسبوع في الإعصار.. وكان لى ميلاد جديد في صحافة المقال.. وها أنت برحيلك بذاتك بشخصك بهيكلك بعظمتك بعبارتك بعمقك بفكرك بقلمك بعطائك بثاقب رؤيتك، باحتوائك، تحرق القلب من جديد، وتقطع خيط الحديث للأبد، وتحرق أسلاك المعارف واليقين، لينتهي زمن جميل كنت فيه مؤتنسه بوجودك ولو من بعيد، وأبداً لن أسمع لمن عهدته يسدد خطاي يقرص أذني أو يقرظني من جديد.. ووالله يا سيدى يا أستاذي يا معلمي وموجهي عندما اصطدمت بنبأ رحيلك شعرت بالتقهقر للخلف وكأنما صوبت نحوى لكمة في الصميم، وكأنني كنت فوق قمة جبل دحرجتني الصاعقة للسطح، وكأنني قد زرعت فجأة في كهف الشيخوخة الثلجي، فقد كان وجودك يغلفني بمشاعر أنني لم أزل تلميذة صغيرة أرفع الإصبع للسؤال فيأتيني جواب الأستاذ كالحلوى مكافأة على يقظتي لدوام السؤال والتساؤل .. الآن أصبحت وحدي متوحدة في مهب الريح عارية الظهر خاسرة السند خاوية العناية والرعاية والصح والخطأ والشطب والإعادة والتذنيب والمسطرة ووشى للحيط..مفتقدة الأستاذ ..
أستاذي..
هيكل
.. محمد
حسنين
هيكل..
رئيس
التحرير
ورئيس
مجلس
الإدارة
ومشيد
صرح
الأهرام
بيتنا
وقلعتنا
وجامعنا
وجامعتنا
وملعبنا
وحديقتنا
ونادينا
وصحيفتنا
الذي
مرت
عليه
من
بعدك
عهود
وعقود
لكنك
من
بعدك
كنت
راعياً
وموجهاً
وناقداً
وخبيراً..
وكأنه
اليوم
الذي
جلست
فيه
أسألك
عن
الاعتزال
الذي
أعلنته
يوماً
لشعورك
بالمرض
ورجعت
فيه
عندما
منّ
الله
عليك
بالشفاء..
أجبتني
: “كل واحد منا عنده ثلاثة أشياء.. عنده عمره الافتراضي، أي زمنه الطبيعي.. ثم ماذا يستطيع أن يساعد به هذا الزمن، وماذا يقدم أيضا لمساعدة عقله.. وأنا من أنصار القول إلى الأمام.. امش طالما أنت قادر على المشي، وانتج طالما أنت قادر على الإنتاج.
ويحضرنى السؤال الملح عن الممكن والمستحيل لتجيبني بأن “ليس
هناك
ممكن
مطلق
ولا
مستحيل
مطلق،
وإنما
هناك
فقط
ما
هو
إنساني،
وما
هو
ممكن
في
هذه
اللحظة
بعدها
بساعة
يدخل
في
دوائر
عدم
الإمكان،
هذا
إذا
ما
كنا
نتكلم
في
مطلقات
وهى
ما
لا
نملكها،
أما
إذ
تكلمنا
فيما
هو
إنساني
فهذا
مرتبط
بظروف
وتوقيت
ومناخ،
فأنا
أعتقد
مثلا
أن
ثورة
52 لم تكن ممكنة إلا في لحظتها.. اللحظة مهمة جداً لأن المسألة مسألة توقيت وتوافق بين الأشياء والعناصر والعوامل.. نابليون لم يكن ممكناً إلا بعد الثورة الفرنسية.. جمال عبدالناصر كان مستحيلا بدون الفترة السابقة وبالتحديد حريق القاهرة.. البابا شنودة لم يكن ممكناً إطلاقا بدون التجربة الغريبة لاحتجازه في دير، ولم يكن ممكناً أن يأخذ الاهتمام إلا بذلك.
خلاصة
القول
إن
الممكن
والمستحيل
ليسا
من
المطلقات،
فإذا
كنا
نتكلم
عنهما
كذلك
ينتقلان
من
اختصاص
الإنسان
إلى
الله
وحده..
لكن
الممكن
والمستحيل
كقضية
إنسانية
يبقيان
معلقين
بالظروف
والتوقيت
والمناخ..
ويبقى
كيف
يمكن
دفع
الممكن
إلى
أقصاه..
وكيف
يمكن
الوصول
بالممكن
إلى
مداه..
وهذه
هي الإرادة
الإنسانية،
مع
فهم
التوقيت..
وأعقب
بالسؤال
فيما
إذا
كانت
تجربة
السجن
في
حكم
المستحيل
أم
الممكن
فيجيبني
الأستاذ
الذى
ذاق
مرارته:
“أعتقد أن سجن أي كاتب سياسي في العالم الثالث قضية واردة .. في العالم الخارجي ليس هناك سجن إلا لجريمة.. وعندما أعود لوقائع التحقيق السياسي الذي أجراه معي المدعي الاشتراكي لا يتقبل العقل ما جرى .. يسألني عن رأيي .. إن رأيي حر لا يشكل جريمة ولا يدعو للاعتقال طالما لا يدعو إلى تكوين تنظيم إرهابي ولا أقود مظاهرة .. أنا رجل أعتقد في أمور أضعها على الورق وأعرضها على الناس ليتقبلوها أو يرفضوها بمقدار ما يجدون فيها من أشياء تهمهم.. لكن مالك أنت وهذه العلاقة.
وهنا
أذكر
تعبيراً
قاله
لي
أحد
أولادي بعد خروجي من السجن.. قال لي : “كانت لك دائما أمامنا وفي عيوننا صورة معينة ويمكن السجن كان لمسة ضرورية لاستكمال هذه الصورة”.. وسألت صاحب الفكر السياسي إذا ما كان وقتها متوقعا من السلطات اعتقاله فسرد لي وقائعا تاريخية : “في عام 80 زادت حملة الرئيس السادات تجاهي بشكل حاد.. وكنت مع زوجتي في سويسرا وكان معنا هنري كيسنجر وآخرون وسألني: ما علاقتك الآن بالسادات؟ واقترح أن يكتب له في هذا الأمر، فرجوته ألا يتدخل بيني وبين رئيسي.. بعدها ذهبنا إلى باريس وسألني ميتران نفس السؤال، وكانت أول سنة له في الرئاسة، فقلت له إن الرئيس السادات مشغول الآن عنى بالجماعات الدينية.. لكن حملة السادات زادت وبعدها طلع قانون العيب الذى كان يسميه مستشارو مجلس الدولة “قانون هيكل” .. فى هذا الوقت كنت بمحض المصادفة فى زيارة سريعة فى لندن، وحضر لزيارتي أكثر من شخص لنصيحتي بألا أعود لمصر .. كان أول شخص “دنيس
هاملتون” رئيس مجموعة التايمز الذى قال لى إنه يستشف من الحملة ضدى أننى قد اعتقل فى القريب، ولقينى كيسنجر الذى يقيم فى فندق “كلاريدج” نفسه الذى أنزل فيه وسمعت منه كلاما مشابها، وأتى “أبان
جيلمور” وكان وقتها وزير الدولة بوزارة الخارجية البريطانية وقال لى إن التقارير التى وصلتهم تشير إلى تحرك قريب ضدى، وسألنى أن أبقى لفترة فى إنجلترا، فأجبته بأن تأشيرة إقامتى قاربت من الانتهاء فقد كانت لشهر واحد، فقال إنه سيرسل أحد معاونيه لأخذ الباسبور ليعطونى ستة أشهر إقامة.. حقيقة أن حديث الثلاثة جعلنى أعاود التفكير.. بعدها بيومين علمت بوجود الملك حسين فى لندن، ونحن أصدقاء رغم ما هناك من خلافات فى الرأى، لكن ما حدث يومها أن اتصلت به تليفونيا فأجابونى بأنه سيقوم بالاتصال بى.
وبعد قليل تحدث قائلا إنه سيمر لزيارتى فى “الكلاريدج” وكان بالمصادفة كما قال يصطحب ابنته للطبيب لإصابتها بمرض جلدى بسيط والعيادة بالقرب من الفندق.. وأتى لنتحدث ليقول لى وسط الحديث: إنك ذهبت إلى أكثر من مكان فى الشهور الأخيرة لكنك لم تأت إلى الأردن.. قلت له: الحقيقة ليس لدى شغل كثير فى الأردن.. فعاد يقول: تأتى للمكوث معنا قليلا.. قلت معتذراً بجامعات الأولاد، فأجابنى بأن فى الأردن أيضا جامعات.. وأضاف “والله
أنا
شايف
مزاج
فخامة
الرئيس
تجاهك
على
غير
ما
يرام..
فكر
جيداً
ونحن
بلد
لسنا
فى
حدة
بيروت
أو
.. أو
تعالى
فترة
فى
الأردن” .. ورتبنا السفر إلى القاهرة فى الصباح التالى فحقيقة لم أكن مستعداً أبداً أن أكون لاجئا سياسياً.. وحصل السجن .. بعدها بسنة!
ولأنه
نجيب
محفوظ
كان
دوماً
بمثابة
ولعى
وغرامى
ومقصدى
فى
أى
مما
يكتبه
فسألت
الأستاذ
هيكل
فيما
قاله
أديبنا
الكبير
من
أنه
عند
نشره
لروايته
“أولاد حارتنا” فى الأهرام كان يحتمى بك لقربك من عبدالناصر وقتها، وتلك الرواية بالذات منعت بعدها من مصر، فشرح لى الأستاذ أصل الحكاية بقوله “لم
يكن
هناك
تهديد
حتى
تكون
هناك
حماية..
أولا
عبدالناصر
كان
يقدر
نجيب
محفوظ
وهو
يعرف
ذلك
تماما،
ولقد
قرأت
الرواية
ورأيت
فيها
عملاً
أدبياً
بديعا،
وأدركت
ما
قد
تحدثه
من
حرج،
ولهذا
وللمرة
الأولى
فى
الأهرام
تنشر
رواية
يومياً
لأنى
أردت
أفرغ
من
نشرها
سريعاً
قبل
أن
يتنبه
أحد
بأن
هناك
محظوراً،
وبالفعل
بعدها
وصلت
إلى
الجزء
الـ40 بدأت الضجة الكبرى، ومع بداية الضجة كانت الرواية قد انتهت .. كل أعمال نجيب محفوظ النقدية مثل (اللص والكلاب) و(السمان والخريف) و(ميرامار) نشرت فى الأهرام وأنا رئيس تحريره وفى عصر جمال عبدالناصر ودون أن تحذف منها كلمة واحدة”.
وعدت
“أنكش” الأستاذ بسؤاله عن هجوم توفيق الحكيم عليه؟ فأجابنى مستنكراً: “لم يحدث إطلاقا أن هاجمنى توفيق الحكيم، بل على العكس كان كثير المدح لى، بل دائما.. الإشكال الذى حدث بيننا فى فترة من الفترات بسبب كتابه (عودة الوعى)”، والسبب فى زعلى منه أن الرئيس السادات كلمنى قائلا: هل تعرف أن توفيق الحكيم يكتب حاجة يهاجم فيها عبدالناصر .. أجبته لا أظن.. وذهبت بدورى أسأل الحكيم فرد بالنفى، وقتها كان الرئيس السادات يهاجم توفيق الحكيم بعبارات الحبر الأسود والحقد الأسود، وذلك لأن الحكيم كتب بيانا مع الأدباء أثناء وجودى فى الصين، ووصل البيان لوزير الإعلام وقتها وكان الدكتور عبدالقادر حاتم، وعند عودتي فوجئت بالضجة الصاخبة حول البيان الذى اتهمنى الرئيس السادات بالعلم به، وهذا غير صحيح فلم يكن لدى أى فكرة عنه.. فى ذلك الوقت قال لى الرئيس السادات عن حكاية ما يكتبه الحكيم من هجوم على الرئيس عبدالناصر.. بعدها بأسبوعين أرسل لى الرئيس السادات فصلا كاملا من كتاب توفيق الحكيم جاءت به المباحث العامة ليقول لى ضابطها هذا هو الذى يقول لك إنه لم يكتب.. فذهبت لتوفيق الحكيم لأقول له أليس هذا ما كتبت؟! .. فجاء رده: هذه حاجة تجريبية .. وكان زعلى أننى عندما سألته لم يقل لى وخبأ عنى، وهذا هو ما آلمنى رغم أنه ذكرنى فى كتابه مادحا أكثر من مرة.. أما ما بداخل الكتاب إذا كان هذا هو رأيه فهو حر فيه وأنا لا أعترض .. وعندما كتب “بنك القلق” وقرأت القصة قال لى إنه لا يريد نشرها متخوفا مما جاء فيها.. قلت له لقد كانت عندك الشجاعة لكتابتها، وأنا عندى الشجاعة لنشرها.. وبالفعل تم النشر لتثير غضب المشير عبدالحكيم عامر وقتها الذى أثار ضجة كبيرة فقد كانت الرواية تحوى نقدا لاذعا للمخابرات.. كلمنى الرئيس عبدالناصر يسألني عنها لأنه لم يقرأها، فقلت له إننى أعلم ما بها من نقد للمخابرات.
فقال إن عبدالحكيم ذهب إليه غاضباً وطلب منى أن نحضر إليه معاً أنا والمشير لنسوى المسألة حتى لا يكون هناك توتر فى الأجواء.. وحتى يحين الموعد أرسلت للرئيس بروفة لما سوف ينشر من الفصل القادم فى “بنك
القلق” .. والتقينا عنده أنا والمشير عامر فقال لنا الرئيس : أنا لم أقرأ ما كتب من القصة ولن أقرأ الجديد فيها.. وقال موجهاً كلامه للمشير الذى كان يرى القصة مساساً وتشكيكاً فى المخابرات.. قال الرئيس إنه إذا كان توفيق الحكيم قد كتب فى عصر الملكية “يوميات نائب فى الأرياف” فمن غير الممكن أن تمنع له قصة فى العصر الجمهورى .. وأكملنا نشر القصة، ولا شىء حدث رغم تخوف الحكيم .. ولقد كانت هناك بالطبع مشاكل وتجاوزات، لكن كل شىء يجب أن يوضع فى حجمه فى وقته بالمقارنة مع مثيله فى أوقات أخرى.. ولا ينسى أحد أن الأهرام وقتها قد حارب معارك ضد كل التجاوزات.. هناك البعض داخل الأهرام الذين جرى تخويفهم من جانب بعض الأجهزة فى قضايا الرأى، وكان كلهم من داخل الأهرام وليس مكان آخر مثل الدكتور جمال العطيفى الذى كتب عن سيادة القانون واعتقل لمدة خمسة أيام وقلبنا الدنيا .. وحمدى فؤاد اعتقل هو الآخر بسبب نشره لبعض الأخبار .. كان الأهرام يعلم أنه فى معركة مع بعض الأجهزة المتجاوزة، لكننا فى النهاية كنا مع فكرة التغيير، وفكر الثورة”.
وكأنه
كان
استشعاراً
عن
قرب
عندما
سألت
الأستاذ
هيكل
عما
كان
من
مدى
توقعه
لفوز
الدكتور
بطرس
غالى
بمنصب
السكرتير
العام
للأمم
المتحدة،
فأجابنى
بأنه
لم
يكن
متوقعاً
له
قبل
أن
يوضع
اسمه
فى
كشف
الخمسة
المرشحين
عن
أفريقيا،
وأن
الرئيس
موبوتو
رئيس
زائير
من
أشار
إليه
بالتقدم
للترشح،
حيث
استأذن
بطرس
غالى
القاهرة
قبل
التقدم..
وفى
الوقت
الذى
لم
يكن
هناك
من
يعتقد
فى
نجاحه
كان
هيكل
يرى
أنه
سيفوز
بالمنصب
بنسبة
لا
تقل
عن
90% لأنه من الصعب مقارنته بالآخرين، ويعقب الأستاذ باختصار: “الدكتور بطرس متسق مع آرائه.. فى علاقتنا معاً نحن مختلفان سياسياً لكن بيننا كثير من الود عندى وعنده”
وسألته
السؤال
العويص
الذى
فحواه
أن
وفاة
عبدالناصر
كان
خلفها
جريمة
وأن
المخابرات
الإسرائيلية
قد
استخدمت
في
ذلك
مادة
سامة
تؤثر
فى
جسد
الضحية
عن
طريق
الملامسة
فأجابنى
“لا أزال أظن أن الوفاة طبيعية حتى يثبت العكس.. أنا حضرت وفاة عبدالناصر وكنت موجوداً إلى جوار سريره وكتبت عن ذلك .. وهناك أقوال بالفعل عن أن المخابرات الأمريكية CIA لديها نوع من السموم يجعل الوفاة تبدو طبيعية، لكنى لا أقدر أقول غير ما رأيته بعينى.. أنا عارف أنه كانت هناك محاولات عديدة جدا لاغتياله، وذلك أمر طبيعى، لكن ما رأيته لا يقيم لدى دليلا يدعونى إلى الشك، وحتى أجد دليلا أو وثيقة أو حاجة تجعلنى أشك، فالشك هنا يجعلنى أبدأ على الأقل فى البحث والتدقيق وقراءة الملابسات بعمق.. لكنى حتى الآن ليس لدى”.
ولم
تزل
تحضرنى
عبارات
الأستاذ
التى
حفظتها
عن
ظهر
قلب
لتكون
زادى
وزوادى
عندما
استحضره
فى
غيبته
بالسمع
والبصر..
قال:
“هناك خلط شديد يحاول أن يجعل من الوطنية نوعاً من الهيستريا، فالوطنية ليست حفل زار أو حلقة ذكر .. حب الوطن ليس بالكلام ولكن بالأفعال لناس هذا الوطن.. لست رجلاً لكل العصور.. الشعب لم ينهزم ولهذا أسميتها النكسة التى تتعثر فيها وتقع وتستجمع قواك وتقوم، والشعب قد استجمع قواه وعبر..
ويظل صدى ما أسمعنيه يوماً يعيش فى أذنىّ عندما قالها لى من بعد ما كتبت له برجاء حار بألا يعتزل ويترك الميدان شاغراً.. قالها وعجبت بها عندما قال : “لقد أبكتنى كلماتك” .. طيب يا أستاذ هيكل ماذا بيدىّ الآن وقد اعتزلتنا نهائياً لتترك لنا نحن أمر البكاء!..