الأحد 19 مايو 2024

المشهد الثقافي في شمال سیناء

مقالات16-10-2020 | 13:12

لا شك في أن سیناء تحظى بمكانة متميزة في قلب كل مصري، مكانة صاغتها الجغرافيا، وسجلها التاريخ، فسيناء هي التاريخ العریق الذي سطرته بطولات المصریین وتضحياتهم الكبرى على مر العصور لحمایة هذه الأرض الثریة بكل مقومات الجمال، حیث الطبیعة الآسرة، الرمال الذهبیة، الجبال الشامخة، الشواطئ الساحرة، الوديان الخضراء، وكنوز الجمال والثروة ليس تحت بحارها, وفي باطن أرضها فقط، بل في عقول مثقفیها ومبدعیها.

وعلى المتتبع لمسيرة الحراك الثقافي في شمال سيناء، أو الراصد للمنجز الشعري والسردي فيها، أن يأخذ في الاعتبار أمراً من الأهمية الأخذ به، وهو، أن سيناء مرت بظروف سياسية فرضت عليها عزلة إجبارية حرمتها من مواكبة انفتاح مصر الأم على أوروبا، واكتشاف كُتّابها فن القصة والرواية.

هذه العزلة كان لها الأثر الواضح والجلي في أن يظل الشعر الشعبي الشفهي سيد الموقف، خلال ما يمكن تسميته بمرحلة "الشعراء القدماء"، وأن يظل هذا الشعر طاغيًا في حضوره خلال المرحلة الثانية "الجيل الوسيط "، تلك التي بدأت بعزل الاحتلال البريطاني لسيناء في منتصف الأربعينيات.

ويمثل هذا الجيل الوسيط حلقة الوصل بين الشعراء القدماء وجيل الشباب المحدثين، الذين أخذوا على عاتقهم رسم خارطة الأدب في سيناء، بعد تحريرها عام 1979، متحررين من قبضة عزلة سياسية صنعها المحتل البريطاني، ومن بعده ربيبه الإسرائيلي، اللذين حاولا لفترات طويلة طمس الهوية الثقافية لسيناء، مما كان له أسوأ الأثر في عدم إظهار وجهها الثقافي.

وهذا ما تنبه له هذا الجيل من الأدباء، فجعلوا من عام 1982 بداية لانطلاقة جديدة، كان للمرحوم الشاعر محمد عايش عبيد الدور الريادي فيها، وفى الأخذ بيد أدباء آخرين، شكّلوا فيما بعد سويًا خارطة الأدب في شمال سيناء، وتفردوا به خارج الحيز المكاني، رغم ما تعرضوا له من صعاب كانت كفيلة بدفعهم إلى الإحباط والتراجع، وموت عطائهم الإبداعي، إلا أن إرادتهم كانت أقوى من تلك الصعاب، فقد استطاعوا خلال ثلاثة عقود ونيف، ملء مثالب خارطة الأدب بأجناس أدبية أخرى غير الشعر الذى یُعد الشعراء: حسونة فتحي، عبدالقادر عیاد، عبدالكریم الشعراوي من فرسان عاميته.

فيما تراوحت كتابات: حاتم عبدالهادي السيد، وصلاح فاروق بین شعر التفعيلة والنثر.

أما أحمد سواركة، أشرف العنانى، سامى سعد، سالم شبانة، فقد جاءوا مختلفين نثریًا إلا مع ذواتهم.

وهناك من تصدى لعصف ریاح الحداثة، مدفوعا بقناعات لها قوة إيمانهم بأن لا شعر سوى الفصيح منه، مثل: زكریا الرطیل، محمود فخر الدین.

وعند الحديث حول المنجز السردي: قصة ورواية في شمال سيناء، يمكن التأكيد على أن هنالك بعض الأسماء استطاعت ـ رغم قلتها ـ أن تقدم خلال العقد الأخير عددًا من الإبداعات السردية القصصية والروائية، يُشهد لبعضها بالتميز، ساعدها في ذلك ولوجها عالم "الإنترنت"، هذا العالم الأوسع، والأكثر حرية، والذى أتاح لهم فرصة الانفتاح، على الأساليب والتقنيات السردية الجديدة في العالم، والاستفادة من المنجز الروائي العربي والعالمي، فضلاً عن فرصة التواصل وتلاقح الأفكار مع كُتّاب آخرين.

إلى جانب وعي هذه القلة بأهمية تطوير أدواتها السردية وفق أنساق أسلوبية تتجاوز مرحلة التأثر والتقليد، إلى مرحلة الإبداع الأكثر نضجاً، وتماساً مع هموم الإنسان في سيناء، والاشتباك مع قضاياه، وهو ما أدى إلى تميز منتجهم السردي، وأكد حضورهم على الساحة الثقافية المصرية.

وتعتبر تجربة كتابة القصة القصيرة من التجارب الأدبية الحديثة في شمال سيناء، حيث بدأت أولى التجارب القصصية في الظهور أواخر الثمانينات، بعد تأسيس نادى أدب العريش عام 1980، حيث أصدر بعض أعضاء النادي أول مجموعة قصصية مشتركة عام 1989، حملت عنوان "الحب وقصص أخرى"، ومن ثم توالت إصدارات الأعضاء، حيث أصدر القاص حسن غريب خمس مجموعات قصصية (الانحدار إلى أعلى1993 ،  تجاعيد على حجر من ذهب2002،  اتجاه إجباري 2004، امرأة تعزف على الأسلاك الشائكة 2006 ، عينان في الأفق الشرقي 2009.

وأصدر القاص زين العابدين الشريف أربع مجموعات قصصية (حدث في العريش1999 ، نِباح وهمسات2002، لم يعد متاحًا2004 ، أحزان عابرة 2017.

وهناك من لم يُصدِر له سوى مجموعة واحدة، مثل محمود طبل "الوجه الحسن 2001"، مصطفى آدم "حصاد الأرغول 2013 "، مسعد أبو فجر "سِدرة وادى السيل "، سعيد رمضان "الأحراش"، صابر جمعة سعيد "رجل قتل أبناءه 2012، فاطمة أحمد مجموعة "هى والثعبان والحب 2015.

وساهم كاتب هذه السطور "عبدالله السلايمة" في الحراك السردي بمجموعتين قصصيتين (أشياء لا تجلب البهجة 2000، أوضاع محرّمة" 2016.

وكما هي عادة الكثير من الكُتّاب، كانت القصة القصيرة هي المحطة الأولى لكُتّاب الرواية في شمال سيناء، قبل أن تغويهم الرواية، ويجدوا فيها مساحة أكبر من الحرية لرصد ما يحدث حولهم بشكل أكثر راحة، وتفاصيل أكثر دقة.

فمن بين كُتّاب القصة من لم يكتفِ بما أنجزه من نتاج قصصي، بل حاول إثراء المشهد الثقافي في شمال سيناء خلال العقد الأخير بعدد من الروايات، التي ترصد هموم وقضايا المجتمع في سيناء، والتغيرات الاجتماعية والسياسية التي مر بها، ومازال يعانى منها.

ويمكن التأريخ لميلاد الرواية في شمال سيناء بعام 2000، حين أصدر كاتب هذه السطور باكورة أعماله الروائية "بركان الصمت"، وما بين هذه الرواية التي تُعَدّ تاريخياً أولَ رواية تصدر في سيناء، وروايتي الأخيرة "حكايات العابرين2019، شهد المكان خلال هذه الفترة إصدار عدد من الروايات.

ويعتبر كاتب هذه السطور الأكثر إسهامًا في هذا الشأن، حيث أصدر ست روايات، صدر منها بركان الصمت 2000، قبل المنحنى بقليل  2004، صحراء مُضادة  2012، فضلاً عن رواية قيد الطبع" خطايا مقصودة ، ورواية انتهيت من كتابتها مؤخرًا "حكايات العابرين".

ولم تخلُ الساحة من كتاب آخرين، حيث أصدر مسعد أبو فجر رواية "طلعة البدن" في طبعتين، الأولى عام2006، والثانية 2009، وصدر لإسراء عبدالحميد روايتان، رواية "شين"2016، ورواية" إنما الحب ما ثبت 2017".

وهناك البعض من الشعراء ممن خلع عباءة الشعر، ولجأ إلى النص الحكائى الأكثر قدرة على استيعاب ما يرغب في التعبير عنه، مثل حاتم عبدالهادي السيد، حيث اصدر روايتين، " كونشيرتو الحب 2014، دماء على جسر التايمز 2016.

 

وكذلك كريم سامى برواية "غرفة السيد بحر2010، وسامى سعد بروايتيه " تلة الذئب" 2012، و "السراديب" 2015 عن دار شرقيات بالقاهرة.

 

ولكى تكتمل تفاصيل وملامح خارطة الإبداع السينائي، لابد من الإشارة إلى الفن التشكيلي، فقد استطاعت نخبة من فناني شمال سیناء التشكیلیین على رأسهم الفنان المعروف مصطفى بكير، الوصول بهذا الفن إلى مستوى الاحتراف، حیث حاز على عدة جوائز أهمها: جائزة مهرجان الفنون التشكيلية لفناني العالم في موسكو عن لوحة "الصمود"، وعدة جوائز محلیة.

 

ومن المفترض أن يكون هذا حال المسرح، إلا أن تردى حال المؤسسة الثقافية، وسوء الأوضاع الأمنية، انعكسا بالسلب على هذا الفن الراقي، فاتسعت الفجوة بينه وبين حلم الشارع السينائي، في حركة مسرحية تتماس مع واقعه وهمومه وتطلعاته.