الخميس 23 مايو 2024

علياء زين الدين تكتب: «روبن هود»

فن16-10-2020 | 21:32

بقلم علياء زين الدين


إذا أردت أن تصبح حُرًّا فاقتنِ حصانًا، وإذا أردت أن تكون أكثر حريةً فاحصل على طائرة، وإذا أردت أن تَتَحَرَّرَ أكثر فعليك أن تقاتل. يقول بابلو إسكوبار، مؤسس وقائد منظمة إجرامية، وسياسي كولومبي أحرق نصف أمواله لتدفئة ابنته: الحياة قذرة، فلا تكن مقتولًا وتطلب الشفقة، بل كُنْ قاتلًا واطلب المغفرة.

 يقوم الشر على خُطًى ثابتة ومراوغة، أمّا الخير فيُقْبِل ويُدْبِر في خطواته؛ لأنه يعتمد على المتطوعين الذين يركنون إلى الدفاع، ثم لايجدون طريقة أفضل للدفاع سوى طريقة الشر نفسه. نلاحظ ذلك عند الكثير من مشاهير الخير في العالم مثل روبن هود.

هل الغاية تبرر الوسيلة؟! الخارجون على القانون اعتمد عليهم روبن هود في السطو على الأغنياء، وفي معاقبة المجرمين المُتَخَفِّين وراء حَيْثِيَّاتهم الاجتماعية، بدءًا من رجال الدين وانتهاءً بالملك ذاته. ولكن أهل القرية لم ينظروا إليهم باعتبارهم أشخاصًا خارجين على القانون، يعيشون في غابات شيروود، يسطون على ممتلكات الغير ومطلوبون للعدالة. بل نظروا إليهم باعتبارهم أبطالًا يدعمون الفقراء والمساكين الذين لا يعبأ بهم أحد، ويتم سلب حقوقهم في العيش تحت نُظُم وأسماء متعددة يفرضها الأغنياء وذوو النفوذ.

قصة أقرب لأن تكون شعبية، حدثت في القرون الوسطى، لم يُستدل على كاتبها، كقصة ألف ليلة وليلة. وبعد التنقيب في مدونات القرون الوسطى للبحث عمَّا إذا كانت الشخصية حقيقية أم لا، وجدت أغنية روبن هود والراهب قبل 500 عام.

اختلفت النسخ التي كُتبت عن روبن، فبينما نجده - في بعض النسخ - رجلًا شريفًا حرمه رجال الكنيسة من أملاكه، نجده في نسخٍ غيرها محاربًا في الحملات الصليبية، تم سلب أراضيه في غيبته، وفي نسخٍ ثالثة نجده مجرد شخص مغرور ومتهور يقود مجموعة من القتلة. 

قصة روبن هود تُشبه - في تاريخنا العربي - قصة أبو الفقراء عُروة ابن الورد شاعر وفارس من عبس. أبوه من الأثرياء، لكنه فضل حياة الصعاليك الخارجين على سلطة القبيلة. كان مع صعاليكه يشنون الغارات على البخلاء، الذين لا يمدون يد العون، ولا يراعون ضعفًا ولا قرابةً ولا حقًّا من حقوقهم. فلم يَغْزُ كريمًا، ولم يؤثر نفسه بغنائم دون صعاليكه. يقول عُروة في ذلك:

وإني امــــــــــــرؤٌ عافي إنائي شركـــــــــةٌ      وأنت امــــــــــــــــرؤٌ عافي إنـــــــائـــــك واحـــــــــدُ

أتـهـــــــــــزأ مني أن سَمِنْتَ وأن تـــــــــرى  بجسمي شُحُوب الحقِّ، والحقُّ جاهــــــدُ

قال معاوية بن أبي سفيان: لو كان لعروة بن الورد ولد لأحببت أن أتزوج إليهم.

وقال عبد الملك بن مروان: من قال إن حاتمًا أسمحُ الناس فقد ظلم عُروة ابن الورد.

الصعاليك، أو الخارجون على القانون، لهم دائمًا قصصهم الإنسانية التي تنحرف - بقصد أو من دون قصد - عن ثقافتنا البشرية السامية. أذكر أنني تلقيت وأنا في مرحلة دراستي للثانوية خبرًا صادمًا، إحدى فتيات المدرسة كانت رائعة الجمال غزيرة الثقافة، تشاجرت مع زوجة أخيها، وفي ذروة غضبها وَجَدَتْ مسدس الأخ أمامها، فوَجَّهَتْه - في لحظة غير واعية - إلى زوجة الأخ الحامل وأردتها قتيله. كانت فتاة هادئة ومهذبة، حميدة السمعة والسلوك، أرادت الدفاع عن الظلم الذي حاق بأمها، لم تكن تقصد القتل، ولكن القتل قتلها هي أيضًا حين غادرت المدرسة إلى المجهول. غالبًا، لا أحد منا يختار أن يكون مجرمًا، لكن الجريمة تختار بعناية من تريده. إنها فلسفة مخيفة،  طرحها من قبل ألبير كامو في روايته "الغريب".

هل نرى روبن هود في صورة البطل؟، أم هل نسامح عُروة لاختياره حياة الصعلكة في البرِّيَّة، والخروج على العدالة، وأخذه القصاص بنفسه ممن لا يستطيع القانون تجريمهم؟. وما هو الخير الذي يجعل كل واحد منا مُشَرِّعًا ومُدافِعًا لَدُودًا عنه؟، كيف يتم اختراق القوانين رغم كل ما يدعيه أحدنا من الخير؟، وروبن!! أين يوجد في عصرنا روبن؟!.      


نشر المقال بالتعاون مع مجلة عالم الكتاب - عدد 44 - مايو 2020