السبت 29 يونيو 2024

سيناء.. وحساب المثلثات

25-4-2017 | 14:16

بقلم: محمد الشافعى

سيناء فى الجغرافيا شبه جزيرة.. مثلثة الشكل.. أضلاعها الثلاثة من الماء.. البحر المتوسط وخليج السويس وخليج العقبة.. مساحتها أكثر قليلًا من ٦١ ألف كيلو متر مربع.. بما يساوى ٦ ٪ من مساحة مصر المحروسة.. أما سيناء فى التاريخ فهى البوابة الشرقية لمصر.. التى خرجت منها غالبية الفتوحات المصرية فى العصور القديمة والحديثة وأيضا دخلت منها غالبية الغزوات التى استهدفت مصر.. وانطلاقا من هذا المثلث الجغرافى.. ارتبطت سيناء بكثير من «المثلثات» فهى الآن تعيش فى مثلث ضخم ومهم هو «البطولة والتنمية والإرهاب».. وليست بعيدة عن المثلث الأهم.. وهو حتمية زراعتها بالشجر والحجر والبشر.

ويتحرك على أرض سيناء مثلث إنسانى يتمثل فى سكانها من القبائل.. ثم الوافدين من محافظات مصر للعمل.. ثم السائحين الذين يأتون من كل بقاع الدنيا.. وحتى عندما وقع السادات اتفاقية السلام مع العدو الصهيونى عام ١٩٧٩.. وضع سيناء فى إطار ثلاثى هو المناطق أ،ب،ج وانطلاقا من كل هذه «المثلثات» يمكن أن نقف عند بعض النقاط التى تحدد أهم ملامح سيناء فى الماضى والحاضر والمستقبل وهي:

أولًا: ستظل سيناء إلى أن يرث الله الأرض وما عليها «منجم» بطولات المصريين.. فمنذ أن أصبحت مصر دولة مركزية على يد مينا موحد القطرين وحتى الآن.. تحظى سيناء بنصيب الأسد من بطولات هذا الشعب العظيم.. فبطولات أحمس وتحتمس ورمسيس الثانى وغيرهم فى التاريخ القديم.. مازالت محفورة على جدران المعابد.. ومكتوبة على صحفات الكتب.. والأهم أنها ستظل نابضة فى وجدان المصريين وفى العصر الحديث يستحيل على أى إنسان مهما كانت قدراته الموسوعية أن يحصى بطولات المصريين فى حروبهم الحديثة فى ١٩٥٦، ١٩٦٧، وفى حربى الاستنزاف وأكتوبر.. فرغم وجود عشرات بل مئات الكتب.. التى حاولت رصد هذه البطولات.. إلا أن التسجيل والتوثيق سيظل عاجزًا عن إنجاز هذه المهمة العظيمة.. ويكفى أن نعلم أن أكثر من مليون مصرى.. شاركوا فى حربى الاستنزاف وأكتوبر.. وكلهم بلا استثناء أبطال.. وعندما توقف الأعداء عن المواجهة المسلحة مع جيشنا العظيم.. صنعوا «مؤامرة الإرهاب الأسود».. ودفعوه إلى بقعة صغيرة فى سيناء.. كان هذا الإرهاب سببا فى مولد آلاف البطولات على أرض سيناء.. ليثبت جنود اليوم.. أنهم خير خلف لخير سلف.. ولعل عملية «جبل الحلال» تلك العملية النوعية.. تؤكد ذلك وتضيف إلى سجل الشرف للبطولات فى سيناء - بطولة جديدة وعظيمة لا تقل بأى حال من الأحوال عن بطولات حربى الاستنزاف وأكتوبر.

ثانيًا: الإرهاب الأسود إلى زوال.. فلم يسجل التاريخ أى واقعة.. عن انتصار جماعة إرهابية - مهما كانت قوتها- على شرعية الدولة.. ولكن السؤال الأهم هو.. هل هى مصادفة أن يتواجد الإرهاب الحقير فى سيناء.. على نفس المساحة التى طلب الحلف «الصهيو أمريكي» مبادلتها مع مصر.. لإقامة الوطن الفلسطينى البديل؟ إنها بالتأكيد ليست مصادفة.. وعلى مصر أن تعلن ما لديها من معلومات مؤكدة.. عن دعم وتمويل الإرهاب من دول غربية وعربية فهذا «أوان الفضح والتجريس» .. وإذا لم تتوقف هذه الدول.. عن ذلك «السيناريو الشيطانى»، فعلينا جرجرتها إلى المحاكم الدولية.. لمحاكمة قادتها خاصة أن جرائم الإرهاب لا تسقط بالتقادم..

ثالثًا: التنمية تعنى العمران.. وقد تعلمنا فى قرانا أن العمران يطرد “العقارب والثعابين السامة».. ونؤكد على أن هذا العمران قادر أيضًا.. على طرد الإرهاب ووأد المطامع الصهيونية.. وبكل الصراحة قد تأخرنا كثيرًا فى تنمية سيناء.. ومن المعروف أن الرئيس الأسبق حسنى مبارك.. قد تعرض لضغوطات كبيرة من الملف الصهيو أمريكي.. لكى يوقف خطط تنمية سيناء وقد نجحت هذه الضغوطات.. فى وقف استزراع ٦٢٠ ألف فدان جاهزة للزراعة ٢٢٠ ألف فدان غرب القناة، ٤٠٠ ألف شرق القناة.. كما أدى هذا التوقف إلى ردم ترعة السلام.. وقد تخلصت مصر بعد ثورة ٣٠ يونيه من تلك الضغوطات وبدأت عمليات تنمية سيناء بخطوتين مهمتين الأولى ازدواج المجرى الملاحى لقناة السويس.. والثانية إنشاء الهيئة الاقتصادية لمحور تنمية قناة السويس.. ورغم ذلك مازالت خطوات التنمية بطيئة جدًا.. بل أحيانًا تتراجع للخلف مثلما حدث عند انسحاب خمسة من الخطوط الملاحية العملاقة.. من ميناء شرق التفريعة بعد قرار غير مدروس من وزير النقل بزيادة الرسوم.. وتنمية سيناء لابد وأن تنطلق من مخطط عملاق للتنمية الصناعية.. خاصة أن الكثير والكثير من المواد الخام موجود على أرض سيناء.

رابعًا: مساحة سيناء أكبر من مساحة الدلتا.. بما يعنى قابليتها لاستيعاب الملايين من السكان.. فإذا ما علمنا أن كل سكان سيناء يتراوحون ما بين ٧٠٠ - ٥٠٠ ألف نسمة فقط.. يصبح وضع هذه المساحة الشاسعة داخل «المثلث الذهبى».. فرض عين على كل مسئول فى هذه الدولة.. والمثلث الذهبى يعنى زراعتها بالشجر والحجر والبشر.. بما يؤكد على حتمية التنمية.. وضرورة تسريع إياقعها.. والبحث عن أفكار جديدة ومبتكرة لملامح هذه التنمية.. وقد طرحنا أكثر من مرة بالكتابة وبالحوارات الإعلامية.. ضرورة تحويل سيناء إلى «ملخص بليغ» لكل محافظات مصر.. عن طريق نقل مجموعات سكانية من كل محافظة.. لكى يعملوا فى مجال عملهم إلاشهر.. فأهل دمياط يعملون فى الأثاث.. وأهل الدلتا يعملون بالزراعة.. وأهل كفر الشيخ يعملون فى الصيد.. وأهل الأقصر وأسوان يعملون فى السياحة.. وأهل الصعيد يعملون فى المقاولات والمعمار.. إلخ.

وتقدم هذه الفكرة البسيطة فوائد كثيرة.. أهمها خلخلة التكدس السكانى فى محافظات الدلتا.. ثم قدرة المنقولين إلى سيناء على البدء الفورى فى أعمالهم الجديدة.. مستثمرين ما لديهم من خبرات فى نفس المجالات.. والأهم أن هذه الكتل السكانية ستمثل رقمًا صعبًا ضد الإرهاب والمطامع الصهيونية.

خامسًا: فشل القائمون عى أمر السياحة فى مصر.. على مدى سنوات طويلة.. فى تسويق المزايا اللامحدودة لسيناء.. وذلك لأنهم استسهلوا واعتمدوا على السائح الروسى بالأساس.. ثم السائح البريطانى والألمانى.. وعندما غاب السائح الروسى لأسباب كثيرة.. منها الطائرة الروسية التى تم إسقاطها فوق سيناء.. غابت السياحة تمامًا.. وعلى مدى أكثر من عام ونصف منذ سقوط الطائرة وحتى الآن.. لم يستطع القائمون على أمر السياحة فتح أسواق جديدة رغم وفرتها.. فى الصين واليابان وجنوب شرق آسيا.. والدول العربية.. إلخ. مما يستلزم البحث عن مسئولين أصحاب أفكار مبتكرة.. تجعل من سيناء درة تاج السياحة فى العالم.

سادسًا: كنا نشعر بكثير من الظلم.. لأن اتفاقية السلام مع العدو الصهيونى.. أوقفت التواجد العسكرى المصرى الكامل عند المنطقة «أ» فقط.. ولكن مؤامرة الإرهاب التى صنعوها.. جعلت السحر ينقلب على الساحر.. حيث اندفع الجيش المصرى العظيم بكامل تشكيلاته.. ليقاوم الإرهاب وليهزمه بمشيئة الله.. ومن المؤكد أن هذه القوات الباسلة لن تترك مواقعها بعد القضاء على الإرهاب.. بما يعنى أن عمليات التنمية يجب أن تنطلق وبأقصى سرعة.. لأن أجواء الأمن والأمان التى تسيطر على الغالبية العظمى من أرض سيناء.. ستعم كل المساحة قريبًا.. والاستثمارات بكل أنواعها تبحث أولًا عن الأمن والأمان.. ثم المناخ المشجع لعملية الاستثمار.. وخلق هذا المناخ يحتاج إلى استراتيجية واضحة المعالم.. ووضوح فى الرؤى الاقتصادية.. وهى أشياء مازالت غائبة عن الأداء الحكومى.. ولعل احتفالاتنا بأعياد سيناء تكون الدافع الأكبر لتحقيق الانتصار الاقتصادى المنتظر.