الأحد 26 مايو 2024

رحلة إلى الكنيسة المعلقة

فن26-10-2020 | 20:34

ما إن تخطر فكرة الكتابة عن الكنيسة المعلقة في بالك حتى تجد أن خيالك أخذك في رحلة إلى عالم روحاني غريب وأنت تتخيل السيدة العذراء والسيد المسيح، وأنت تسبح معهم في نورانية مطلقة ليس لها حدود فمن القراءات المتعددة التي قرأتها عن كنائس مصر وخاصة الكنيسة المعلقة أو كنيسة العذراء كما يطلق عليها تتكون في مخيلتك ووجدانك صورة حسية لا مثيل لها ثم يتجسد ذلك عندما تزورها بالفعل  فمنذ أن تطأ قدماك محطة مترو ماري جرجس وخيالك يذهب إلى الكنيسة القبطية الأرثوذكسية نتيجة اسم المحطة، وتجد نفسك متحمسا لرؤية هذا المكان الساحر وتتساءل طوال طريقك إلى الكنيسة لماذا سمي هذا المكان بمجمع الأديان ولماذا علقت هذه الكنيسة التي هي بيت القصيد في هذه الرحلة ولماذا أيضا سميت بالكنيسة المعلقة وعلى أي شيء علقت وما هو الطراز المعماري لها.


كل هذه الأسئلة تحملها بين ثنايا عقلك وأنت في طريقك للمعلقة لمعرفة الإجابة عليها وبالرجوع إلى ما كتب وما قيل حول حكاية أثر الكنيسة المعلقة تعتبر واحدة من أقدم الكنائس على مستوى العالم، وبنيت بفكرة هندسية غير موجودة في العالم ومعلقة على برجين كما أن الكنيسة تحمل اسم العذراء مريم، وأشهر شهيدة مصرية من القرن الرابع الميلادي وهي القديسة دميانة.


 تعتبر الكنيسة المعلقة أحد أجمل وأهم آثار مصر القبطية، فعندما تدخلها تشعر أنك تستمع إلى لغة الطقوس القبطية القديمة التى تستخدم فى أداء الشعائر الدينية، كما ترى عبقرية الآثار الحية للتاريخ المصري القديم، وتقع جنوب المتحف القبطي بالقاهرة، داخل حي مصر القديمة، وتضم عند مدخلها 13 عمودًا مذهلاً، يمثلون المسيح والرسل الاثنى عشر.


ومن ناحية أخرى تقع الكنيسة على بعد أمتار قليلة من جامع عمرو بن العاص، ومعبد بن عزرا اليهودي، وكنيسة القديس مينا بجوار حصن بابليون، وكنيسة الشهيد مرقوريوس  أبو سيفين.


لماذا سميت بالكنيسة المعلقة:


سميت بالكنيسة المعلقة لأنها بنيت على برجين كبيرين من أبراج الحصن الروماني الذي بناه الإمبراطور تراجان في مطلع القرن الثاني الميلادي، وأطلق عليه حصن بابليون.  والكنيسة المعلقة على ارتفاع حوالي 13 متراً عن سطح الأرض، وأطلق عليها في القرون الوسطى كنيسة السلالم لوجود 23 درجة تؤدي إليها. 


ويتميز الطابق الثاني بالكنيسة بحوائطه الملونة وعليها نقوش لها طابع خاص بتلك المنطقة الأثرية، وعليها أيقونات قبطية. يصل عدد الأيقونات بالكنيسة 90 أيقونة، تمنحها ثراءً تاريخيا.


أما الإنبل الرخامي داخل صحن الكنيسة، يرجع إلى القرن الرابع عشر ومحمول على مجموعة أعمدة رخامية، وبه قطعة رخامية ترجع إلى القرن السادس عليها شكل صليبين وسقف الكنيسة من الخشب الأثري جدا ومثبت به النجف النـــادر والقناديــل التي تضـاء باستمـرار.


وبرغم مساحتها الصغيرة التي لا تتجاوز 23,5 متراً طولاً و18,5 متراً عرضا و9,5 متراً ارتفاعا، إلا أنك ‏تشعر‏ ‏داخلها‏ ‏بالفخامة والرهبة‏ ‏والخشوع‏، ‏وتحوطك‏ ‏أعمدتها‏ ‏بالروحانيات‏ وترى‏ ‏في‏ ‏أيقوناتها‏ ‏القداسة‏ ‏وتستشعر ‏البركة‏ ‏في‏ ‏كل‏ ‏ركن‏ ‏فيها‏.


ويوجد في جناح الكنيسة الجنوبي باب صغير من خشب الصنوبر المطعم بالعاج، يؤدي إلى ما يسمى بالكنيسة الصغرى، وهي في الحقيقة مقصورة جانبية مشيدة فوق البرج الشرقي للبوابة الجنوبية للحصن وهي تمثل حالياً أقدم الأجزاء المتبقية من البناء الأصلي للكنيسة، وقد عثر في الكنيسة على أيقونة خشبية ترجع إلى القرن الخامس أو السادس الميلاديين عليها منظر دخول المسيح لمدينة أورشليم القدس الآن منتصراً.


وعرفت الكنيسة المعلقة أيضا باسم كنيسة العمود وهذا الاسم كان وقت معجزة نقل جبل المقطم في‏ ‏عهد‏ ‏الخليفة‏ ‏المعز‏ ‏لدين‏ ‏الله‏ ‏الفاطمي حيث ظهرت العذراء مريم للأنبا إبرام على عمود داخل الكنيسة المعلقة لإرشاده  وسمي بعد ذلك عمود السيدة العذراء.


وتقع واجهة الكنيسة بالناحية الغربية على شارع مارجرجس، تأخذك بوابتها إلى ممر مملؤة حوائطه بصور على جانبيه للبطاركة وأعضاء المجمع المقدس عبر تاريخ الكنيسة القبطية، فيما تبدو الجدران مرصعة بـالأيقونات القبطية كشاهد على تاريخ الحقبة المسيحية في هذه المنطقة حيث بنيت في القرن الثاني الميلادي، وتعتبر أقدم الكنائس في مصر وأجملها في طرازها المعماري.


كما بنيت الكنيسة المعلقة على أنقاض مكان احتمت فيه العائلة المقدسة السيدة مريم العذراء، المسيح طفلا والقديس يوسف النجار، وهى إحدى محطّات رحلة العائلة المقدّسة فى أثناء السنوات الثلاث التى قضتها العائلة فى مصر هربا من هيرودس الروماني، حاكم فلسطين آنذاك، والذى كان قد أمر بقتل الأطفال خوفا من نبوءة أشارت إلى خطر يهدد الدولة الرومانية والتي كانت تقول إن طفل سيولَد فى بنى إسرائيل سيمثل خطرا كبيرا على الدولة الرومانية بينما يرى البعض أن موقع الكنيسة كان مكانا لقلاية، وهو مكان للخلوة والعبادة، وكانت تعيش فيها إحدى الراهبات فى واحد من السراديب الصخرية المحفورة فى هذا المكان.


الكنيسة المعلقة تصبح مقرا لبابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية؟


كان البطريرك خريستودولوس هو أول من اتخذ الكنيسة المعلقة مقرا لبابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، وقد دفن بالكنيسة عدد من البطاركة فى القرنين الحادى عشر والثانى عشر، وتوجد  حتى الآن لهم صور وأيقونات بالكنيسة تضاء لها الشموع.


بينما كانت تقام محاكمات الكهنة والأساقفة، ومحاكمات المهرطقين أو المشكوك في أمرهم أيضا، فى هذه الكنيسة، والتى تعتبر مزارا تاريخيا ودينيا مهما للأقباط نظرا لقدمها التاريخى وارتباط المكان برحلة العائلة المقدسة، ووجودها بين كنائس وأديرة مهمة وتحمل تاريخ وأسماء قديسين وبطاركة مهمين فى تاريخ الكنيسة المرقسية وكهنوت كرسى مارمرقس الرسول.


تجديد الكنيسة:


تم تجديد الكنيسة عدة مرات في المرة الأولى خلال خلافة هارون الرشيد حينما طلب البطريرك الأنبا مرقس من الوالي الإذن بتجديد الكنيسة، ومرة في عهد العزيز بالله الفاطمي الذي سمح للبطريرك أفرام السرياني بتجديد كافة كنائس مصر، ومرة ثالثة في عهد الظاهر لإعزاز دين الله.


ثم بدأت عملية ترميمها مرة أخرى عام 1998، والتى شملت الجانبين المعمارى والإنشائى لها، بتكلفة حوالى 102 مليون جنيه تقريبا، ومشروع ترميمها شمل أيضا معالجة الآثار الناتجة عن زيادة منسوب المياه الجوفية أسفلها عن طريق مشروع متكامل لخفض منسوب المياه تحت الأرض، إلى جانب ترميم الرسوم الجدارية والأيقونات.


وشملت عملية الترميم داخل الكنيسة التطوير وتحديث منظومة التأمين بداخلها، حيث تم تزويدها بكاميرات للمراقبة وتأمين مداخلها ومخارجها، وتركيب تكييف مركزي للحفاظ على درجة الحرارة والرطوبة بالكنيسة، كما تم عمل صيانة للمداخل والمخارج وتحسين الشكل العام حتى يعود إلى طبيعته الأثري،. وفي نهاية جولة بالكنيسة المعلقة، تجد نفسك تخرج من الكنيسة من فوق حصن بابليون وتنزل وسط مشاهد ممتعة أخرى طوال طريقك لن تجدها سوى في هذا المكان المقدس.