الأحد 23 يونيو 2024

الدور الوطني للكنيسة القبطية وبطاركتها العظام

فن26-10-2020 | 21:10

وطنية الكنيسة في اسمها وهويتها : 


من القرون الأولي نجد ارتباط الكنيسة القبطية بالأرض المصرية ، فمنذ اليوم الذي اختارت فيه الكنيسة اسماً لها يعبر عنها لم تجد إلا اسم [القبطية ] أي المصرية لتتحذه اسماُ لها يعبر عن انتمائها للأرض قبل أن تضع وصف عقيدتها [الأرثوذكسية] التي تعبر عن العقيدة فعرفت من وقتها باسم : الكنيسة القبطية الأرثوذكسية . 

ويذكر التاريخ دائما أن الكنيسة حافظت على هويتها المصرية قديما ضد الأباطرة البيزنطيين المخالفين لهم في المذهب حتي أن هؤلاء الأباطرة لما فشلوا في إخضاعها أقاموا بطريركية موازية سميت بالملكية لأنها بأمر الملك وكانت ولاتزال من الروم . 


 وفي أثتاء حروب الفرنجة في العصور الوسطي التي عرفت بالصليبية ، رفض الأقباط الوقوف معهم ضد وطنهم حتى أنهم منعوهم من زيارة المدينة المقدسة بسبب أنهم ملحدون  ، خصوصا بعد وقفة الأقباط في المنصورة مع المسلمين في الدفاع عن البلاد ضد حملة لويس التاسع . 


     كما اتخذ صلاح الدين قبطياً سكرتيراً خاصا له هو صفي الدولة  بن أبي المعالي الملقب بابن شرافي  والذي يذكره المؤرخ القبطي أبوالمكارم بالشيخ الرئيس وكاتب السلطان وأنه مدفون في كنيسة الأمير تادرس المشرقي بحارة الروم. 


وفي العصر الحديث رفض البابا بطرس الجاولي في القرن 19  وصاية قيصر روسيا وهو أقوى إمبراطور أرثوذكسي وقتها ، وسأل السفير الروسي هل القيصر يموت؟ ولما رد بالإيجاب قال له نحن في حمى ملك لايموت وهو الله. 


وفي طقوسها الكنسية  :  اتخذت الكنيسة صلوات خاصة لأجل مصر ولأجل النيل ولأجل الرئيس ولأجل الزروع لأنها في الأساس بلد الزراعة. ففي صلوات القداس الإلهي تخصص أوشية (صلاة) لأجل الرئيس كانت تسمى (أوشية الملك)  تقول فيها :


" أذكر يارب رئيس أرضنا عبدك احفظه في سلام وعدل وجبروت " ... وفي موضع آخر تقول : 


" الرئيس والجند والرؤساء والوزراء والجموع ومداخلنا ومخارجنا زينهم بكل سلام "...


وفي الصلوات التى تصلى في عيد الغطاس لأجل مصر والنيل نذكر الرئيس في صلاة خاصة تسمى (أوشية الرئيس) فنقول : 


 " اذكر يارب عبدك رئيس أرضنا ، احفظه في سلام وعدل وجبروت ، وليخضع له سائر البربر والأمم الذين يريدون الحروب في جميع ما لنا من الخصب.


 والتاريخ : يَذكُر لبابا الإسكندرية دوره في حل الأزمات الدولية ففي عهد المستنصر رسم الخليفة للبطريرك السفر للحبشة ليسألهم أن يطلقوا النيل إلى أهل مصر، فلما توجه البطريرك إليهم وأكرموه وسجدوا له، وقالوا له ما حاجتك؟ فقال أطلقوا ماء النيل إلى أهل مصر فقال ملك الحبشة لأجل محمد نطلق لهم النيل فأطلقوه ووفيّ النيل تلك السنة. ويبدو أن  النجاشي أمر بتطهير مجاري المياه حتي تتدفق بسرعة أكبر وقد كان . 


وأخبار الملوك والخلفاء تذكر لنا علاقات محبة وود تربطهم وبطاركة الكنيسة القبطية : 


فبسبب الصلة القوية بين الخليفة أحمد  ابن طولون والبابا شنودة الثاني الـ 55 (+ 880م )  صارت صداقة مع رهبان دير القصير بجبل طرة وبخاصة راهب اسمه أنطون  وقد استخدم المسيحيون في أعمال الإدارة، وفي الطب والهندسة وغيرها من الأعمال وبرع بعضهم في هذه الأعمال حتى حاز شهرة واسعة ولعل أشهرهم المهندس القبطي النابغ سعيد بن كاتب الفراغاني وينسب إلى بلدة فراغان ) مركز ديرب نجم بالشرقية) الذي تولى عمارة مقياس النيل في جزيرة الروضة في سنة 860م الذي أمر بعمارته الخليفة المتوكل، وقال المؤرخ أبو المكارم عنه :" ...ابن كاتب الفراغاني وكان هذا الفراغاني تولى عمارة مقياس النيل في 247 هجرية. 


+ وفي عهد الخليفة الحافظ ( 1131 – 1149م ) المعاصر للبابا غبريال بن تُريك الـ 70 (+ 1145م) كان يزور كنيسة السيدة العذراء مريم المرتوتي الواقعة الآن بالمعادي على النيل ويأكل من أكل الرهبان ويغدق عليهم. 

+ وفي العصورالحديثة زار الملك فاروق البابا مكاريوس الثالث سنة 1945م، والرئيس جمال عبد الناصر زار البابا يوساب الثانى وزار أيضا البابا كيرلس السادس، وزار الرئيس مبارك الكاتدرائية في جنازة فكري مكرم عبيد، والرئيس السيسي يزور البابا تواضروس للتهنئة بعيد الميلاد كل عام .  

 

وفي القرن التاسع عشر يرفض البابا بطرس السابع الـ 109 الشهير بالجاولي (+1852م ) الحماية القيصرية من روسيا على الأقباط، وكان قيصر روسيا في أوج مجده والمدافع عن الكنائس الأرثوذكسية في أوروبا وسأل الرسول الذي جاء يعرض عليه ذلك وهو أحد أقارب القيصر - بكل بساطة : هل ملككم يموت أم يعيش إلى الأبد؟ فاستغرب السفير السؤال ورد : طبعا يموت مثل كل بني البشر فأجاب البابا بطرس على الفور نحن نفضل أن يكون حامي الكنيسة هو راعيها الإله الحقيقي الذي لايموت. فانصرف رسول القيصر.


دور البابا كيرلس الخامس في القرن العشرين : 


وفي فترة ثورة 1919م كان على رأس الكنيسة البابا كيرلس الخامس الذي جلس على الكرسي المرقسي من سنة 1874م ولمدة 52عام  تقريبا حتى سنة 1927م . وكان رجلا وطنيا له مشاركته الإيجابية في كل مسائل الوطن في مواجهة الاحتلال البريطاني ونفوذه فقد بارك التحام الأقباط مع سعد باشا في سعي كامل للاستقلال والتلاحم والمشاركة الوطنية، وقد شهد اللورد كرومر في ذلك الوقت ضمن تقريره بشهادة تاريخية عن الالتحام الوطني بين الأقباط والمسلمين فقال : إن الفرق الوحيد بين القبطي والمسلم هو أن الأول مصري يعبد الله في كنيسة، في حين أن الثاني مصري يعبد الله في مسجد. 


وقد رفض البابا كيرلس الخامس مساومة المندوب السامي البريطاني الذي زاره يساومه على حماية التاج البريطاني للأقليات في مصر، فرد عليه قائلا :


إن الأقباط والمسلمين منذ أقدم العصور يعيشون جنبا إلى جنب في البيت وفي المصلحة الواحدة ويشربون من نيل واحد ... ولن نطلب حماية نحن الأقباط إلا من الله ومن عرش مصر.  


     وهذا الأمر لم ينساه الخديو توفيق ولا الإنجليز ففي سنة 1893م ، صدر أمر بنفي البابا كيرلس الخامس إلى دير البرموس بوادي النطرون ونفي أنبا يؤانس مطران البحيرة إلى دير أنبا بولا بالبحر الأحمر. وسرعان ما رجعا تحت الضغط الشعبي من المصريين. حتى قال أحد الكتاب الإنجليز وهو مستر ليدر: 


" من الواضح أن البطريرك الذي استُبعد بأمر المندوب السامي (لورد كرومر) قد أثبت في 

النهاية أنه سيد الموقف واضطرت الحكمة العالمية التي استند إليها الحاكم السياسي لمصر 

أن تنحني أمام التأثير الكهنوتي المرهف". 


وللبابا كيرلس الخامس دور وطني مشرف ، في أنه فتح الكنيسة المرقسية الكبرى بالأزبكية وهي – في هذا الوقت – مركز للبطريركية القبطية ومقر البابا، فتحها لمشايخ الأزهر وسائر القوى الوطنية للعمل الوطني ولإلقاء الخطب الوطنية. ففي يوم 21 ديسمبر 1920، يجتمع نحو أربعة آلاف رجل في الكنيسة بقيادة القمص باسيليوس وكيل البطريركية ومعه خمسة من الآباء الكهنة بعد أخذ بركة البابا كيرلس، وفي اليوم التالي تجتمع نحو ألفان من السيدات في نفس المكان منددن بالاحتلال ويرسل الجميع احتجاجهم لرئيس الوزراء والمندوب السامي.


 وهذا الأمر سجله الأديب العالمي نجيب محفوظ في رواياته وبعضها تحول إلى أفلام سينمائية تُخلد الحدث وسمحت الكنيسة بتصويرها في الكنيسة المرقسية مكانها التاريخي،  بل وظهر فيها رجال دين أقباط حقيقيون جوار الممثلين عاصروا هذه الأحداث منهم مثلا القمص ميخائيل أبوالدقون والقمص منقريوس وغيرهم وهم من أقربائي بالجسد. 


دور البابا شنودة الثالث : 


وفي الوقت المعاصر لا ننسى أبداُ الدور الوطني المهم الذي لعبه البابا شنودة الثالث من وقت جلوسه على كرسيه سنة 1971م، إلى وفاته سنة 2012م، وبإيجاز شديد نذكر المواقف التالية : 


+ زيارته للجبهة لرفع الروح المعنوية لجنود مصر سنة 1974م، وكانت مصرخرجت من نصر أكتوبر  لتتعافى من نكسة 1967م، وألقى كلمة تشجيع لحنودنا الأبطال  ولم يذكر التاريخ زيارة أي بابا من باباوات الإسكندرية زيارة الجبهة إلا في عهد البابا شنودة الثالث. 


+ كلمته الخالدة التي سجلها التاريخ بأحرف من نور : " إن مصر ليست وطناُ نعيش فيه إنما وطن يعيش فينا ". وهذه المقولة في الأساس كلمة لمكرم عبيد باشا سمعها البابا في شبابه ولكنه سجلها في ذاكرته وفي نفسه وعاش بها، فكانت النسبة إليه أكثر من النسبة لقائلها الأساسي. وعاش بهذا المنهج طوال حياته فكان صمام أمان لكثير من الأزمات التي مرت بها البلاد وكادت تعصف بسلامها الداخلي لولا حكمة قداسته. 


+ وقوفه العادل في شرح القضية الفلسطينية لقادة الدول التي يزورها وحق الشعب الفلسطيني في أرضه، وقد وقف موقفا عادلا حينما قامت السلطات الإسرائيلية بالقبض ثم ترحيل المطران كابوتشي متهمة إياه بنقل الأسلحة للفلسطينين. وموقفه من كارتر الرئيس الأمريكي حينما كلمه عن حق الفلسطينين واحتلال إسرائيل لأرضهم فرد كارتر كيف تتكلم عن شعب الله المختار فرد البابا شنودة بحكمته وتلقائيته إن كانوا هم شعب الله المختار فماذا نكون أنا وأنت؟ وشرح له الأمر من إنجيل يوحنا. وفي حصار أبوعمار ياسر عرفات حشد في الكاتدرائية مؤتمرا لتأيده واتصل به تليفونيا أمام الشعب وأعلن تأييد الكنيسة القبطية له، وكان أبوعمار من الرؤساء الأوائل الذين كانوا يزورون البابا في مقره، ثم جعلتها الدولة أساسية لكل الرؤساء القادمين من الخارج. 


+ وللبابا شنودة كلمة شهيرة جدا عن إسرائيل في نظر المسيحية، في نقابة الصحفيين يوم 5 ديسمبر 1971م، في عهد على الجمال وحافظ داود وقد طبعتها النقابة. كما أنه منع الأقباط من زيارة القدس مع أنه أمر صعب على نفوسهم لأجل القضية الفلسطينية.