الخميس 27 يونيو 2024

جيشنا "العسكري" وأزمة "كورونا"

فن27-10-2020 | 21:09

عند متابعتى لأي من المناورات العسكرية الكبرى لقواتنا المسلحة والتى تنفذ فى إطار خطط سنوية أو من خلال إجرائها مع دول صديقة، كنت أجد ضمنها بالضرورة ثلاثة تدريبات غاية فى الأهمية تشد الانتباه لمعنى عميق هو حماية الإنسان من أي تهديد يدركه مهما كان، التدريبات التى أقصدها تخص الكوارث بكل أنواعها سواء كانت نتاج الطبيعة أو بسبب آخر، ثانيا عمليات الإغاثة الإنسانية بمعناها الواسع، ثالثا (الإنقاذ والإخلاء والتطهير) بوسائل سريعة متطورة، والتطهير كان يأخذ عدة أشكال تطهير بعد استخدام أسلحة معينة وتطهير بعد إزالة آثار كوارث أو حوادث وتطهير بعد إخلاء المكان من جثث ومخلفات لو تركت تؤدي إلى انتشار الأوبئة والأمراض …


هذه التدريبات التى يتم القيام بها بشكل دوري ويتطور أداءها من وقت لآخر لمسايرة أشكال   للكوارث المستجدة نتيجة التغيرات المناخية التى تجتاح الكرة الأرضية، كان يصحبها تطوير فى أسلوب الإغاثة والتطهير من معدات وأسلوب معالجة وسرعه إنجاز، هذه المشاهدات لم تجعلنى أشك لحظة واحدة بأن قواتنا المسلحة ستكون أول من يواجه هذا الوباء الخطير (كورونا) لأنه مدرب لاجتياز مثل هذه الأمور التى تصاحب أي عمل قتالى فى ميدان المعركة والأكثر أنها تقوم بإغاثة المدنيين فى كوارثهم ونكباتهم بروح قتالية فدائية أيضا لأن عقيدة قواتنا المصرية صارت (حماية الشعب وحقوقه بكل أنواعها) والتى استجدت وصارت منهج عمل منذ تقلد الرئيس السيسي حكم مصر وأصبح  القائد الأعلى للقوات المسلحة، والذي بدورهم القائد العام وزير الدفاع وهيئة الأركان يؤكدون على تلك العقيدة المستجدة فى كل مناسبة ليعى المواطن مهام قواته المسلحة فى الوقت الحاضر  … 


من هذا المعنى وتلك العقيدة والمهام القتالية والحدودية والإنسانية نقف عند إصدار توجيهات التكليف الذي أصدرها الرئيس على وجه السرعة للقوات لتؤلف (جيش عسكري يقاوم ويجابه ويحارب الوباء الكورونى الذي يهدد العالم ومن ضمنهم مصر) والحقيقة أن الجيش الذي تم تكوينه فى لمح البصر هو عبارة عن جزء من قواتنا ككل ويطلق عليه مسمى (جيش) لأنه تنظيم عسكري يجمع بين المستوى التنظيمي الاستراتيجي والعملياتى، ولا يمكن لأي قوات أن تشكل مثل هذا النوع من الجيش إلا فى الدول التى تمتلك قوات مسلحة كبيرة يمكنها تشكيل مثل هذا الجيش الموكلة له مهمة بعينها وهو عادة يضم عددا من الفرق وقوات احتياطية وإدارية وجوية، ولذا فإن الجيش الذي أوكل الرئيس إلى هيئة العمليات تشكيلة طبقا لموقف طارئ وعاجل تضمن خمس إدارات (هيئة العمليات، الإمداد والتموين، الحرب الكيماوية، الشئون المعنوية، المركبات) طبعا الإمداد والتموين هو المسؤول عن توفير الخدمات الطبية ومستلزماتها والسلع الغذائية وكل اللوجستيات التى يجب توافرها لإدارة الأزمة، كما قامت هيئة العمليات بإعلان حالة الاستعداد القصوي لكل القوات المسلحة …


وربما يسأل البعض إذا ما كانت كل قوات الدول الصديقة التى قامت بتدريبات معنا فى هذا الشأن ومنها على سبيل المثال دولة كبرى مثل أمريكا التى كانت ترعى المناورة الكونية (النجم الساطع) ويتم بها عمليات الإغاثة الإنسانية وغيرها وأيضا إيطاليا كانت من أولى الدول التى تولى اهتماما خاصا لتلك التدريبات فى مناورتها العسكرية معنا، لماذا أخفقت قوات هذه الدول فى إدارة أزمة (كورونا) مما جعلها تتفاقم فى بلدانهم بينما فى مصر تمكنت قواتنا ولله الحمد وقيادتنا العسكرية السياسية من إدارة الأزمة بسرعة ورحابة واحتوت الأزمة إلى حد كبير بحد أدنى من الخساير … 


كورونا و (رؤساء ذو خلفية عسكرية)


عند ذلك يجب الوقوف على معطيات مبدأ (الثقة والاختيار) لشعب كل دولة، وبمعنى أوضح عندما منح الشعب المصري الثقة لقيادة عسكرية كانت على قمة وزارة الدفاع بعد أزمة حكم فاشى استمر عام فقط ليلفظه المصريون ويخرجون عليه وينادون الجيش وقائدة ليغيثهم وينقذهم من براثن الحكم المتأسلم الديكتاتور شكلا ومضمونا، كان الشعب المصري يعى طبيعة المرحلة التى هو قادم عليها وأنها ستكون سنوات عجاف لمحاربة الإرهاب الذي ولد من رحم (حكم جماعه الإخوان) وليس هذا فقط ولكنه سيحارب حملات من التشكيك والاستخفاف بقدرات الشعب وقيادته السياسية التى اختارها بمحض إرادته لتعبر به أزمات طاحنه ستتوالى فى ظل صراعات وأحداث ونزاعات وحروب شتى منها الاقتصادية والسياسية والعسكرية، من هنا أدرك الشعب المصري لاختياره أن يتوافق ومتطلبات المرحلة الحرجة التى تحوطنا خارجيا وداخليا، وأن لا يتجاوز الشخصية والقيادة العسكرية التى تتوافر فيها الزعامة، وقد كان واستدعينا بالنداءات "المشير السيسي" ليتزعمنا ويأخذ بيدنا ويعبر بنا الأزمات المستحقة علينا بعد أن استردينا هويتنا ووطننا الذي كان قد خطف منا، الشعب المصري الواعى والمستشعر للخطر هو الذي حدد الشخصية الجديرة بالمرحلة وبعد هذا تأتى الإجابة على السؤال السابق ذكرة لماذا قدرنا الله على إدارة الأزمة والمحنة الكورونية فى حين أخفقت جيوش أخرى كانت تشاركنا نفس التدريبات؟ لأن رئيسنا رجل عسكري يعرف جيدا كيف تدار هذه المواقف والأزمات الطارئة بكل مراحلها فلم يأخذ وقت ليعرف إلى من تصدر توجيهاته وتكليفاته والذي أعقبها دور الحكومة لتقوم بدورها ومهمتها بعد أن مهد الجيش لها الطريق فقامت بدورها بإدارة الأزمة على الوجه الأكمل فيما يخص الصحة والتعليم والتموين وكل وزارة تقوم بإدارة الأزمة فيما يخصها، هل هناك أكثر من ذلك تناغم وتجانس مجتمعى يتفاعل فيه المجتمعين العسكري والمدني فى سيمفونية إدارة أزمة بمستوى رفيع ولا ننسى دور الشرطة فى حماية الجبهة الداخلية، تلك هى الإجابة أن العالم يعيش مرحلة البحث عن (الرئيس العسكري) فيما يجابهه العالم من حروب وأزمات من كل الأنواع، فوجدنا مصر وروسيا الدول ذات العدد الضخم من السكان يديرون الأزمة بكل دقة فى حين أخفق رؤساء أخرين وربما يكون هناك قول بأن الصين وبعض الدول مثل كوريا الشمالية تعاملوا مع الأزمة بنجاح ولم يكن زعماءهم عسكريين، ولكن هذا غير صحيح فتلك الدول الحياة العسكرية متغلغلة فى كل مناحى الحياة والجميع ينخرط عسكريا فترة من الوقت ليكون جاهز وقت الاستدعاء والطوارئ وأنه من أهم اختيارهم لزعمائهم أن يكونوا حاصلين على دورات عسكرية رفيعة المستوي لتأهلهم لقيادة البلاد عسكريا وسياسيا …وسنشاهد  شعوب العالم بعد ازمة كورونا وهى تسعى لرجال عسكريين يتراسوهم بعد ان عانوا ويلات الفشل والإخفاق من روءساء مدنيين مع كورونا التى دقت جرس بأن القادم هو زمن (الرؤساء ذو الخلفية العسكرية) لا محال، فترقبوا الربيع الأوروبي بعد كورونا …


الجيش  واقتصاد  يناير ٢٠١١ وكورونا


يبقى الشيء الأهم الذي وضعت أزمة (كورونا) تحته خطوط عدة، ألا وهو (الاقتصاد الحر) الذي حكم العالم قرابة الخمسين عاما وما صحبه من نظريات العولمة الفاشلة، ويكفى القول بأنه لولا المشاريع الاقتصادية التى يديرها الجيش المصري تحت مظلته سواء بإدارته بواسطة الهيئة الهندسية وإدارة الأشغال العسكرية أو جهاز الخدمة الوطنية وحتى جيوش المناطق كلها تقوم باكتفاء ذاتى فتزرع وتربى المواشي والدواجن وتقيم المصانع الصغيرة التى تنتج لها الغذاء اللازم وفى الغالب تعمل بالزيادة لتمنح الشعب المصري منه وقت الأزمات ما يحتاج إليه ولا يجعله فريسة للتجار الجشعاء ورأس المال المتوحش الأناني، لدى قيادات قواتنا المسلحة إيمان قوي بأن للشعب حق ورد جميل فى رقبتهم له ويردون ذلك لفترات الحروب التى اجتازتها مصر وكيف كان الشعب يتحمل الجوع ويربط الحزام على بطنه ليوفر ثمن السلاح للجيش وكل ما يلزمه كيف كان يستقطع من مرتبات الموظفين نسبة للمجهود الحربى وهم راضيين ويعلمون أن هذا واجبهم تجاه جيشهم؛ كل هذا جعل الجيش يرى أن عليه واجب لهذا الشعب العظيم  … 


وكانت الفرصة هو ذلك التحويل الذي اتخذته القيادة السياسية فى أواخر السبعينيات باتجاه الدولة إلى الاقتصاد الحر للانفتاح على العالم الخارجي ومجاراته فيما يتبعه، وهنا ظهرت ثغرات فى ثقوب ثوب الانفتاح، وما أن أتى عام ١٩٨٠ وتقلد المشير أبوغزالة قيادة الجيش حتى قام بالحلم الذي كان يراوده فى كل زيارة كان يقوم بها لهذه الدولة أو تلك ووجد أن الحل فى إنقاذ ما استقالت عنه الدولة كدور لها كان متبع مثل التزامها بتوفير فرص عمل للخريجين وتوفير مسكن للمحتاجين، والأهم هو الدخول مع القطاع الخاص فى الإنتاج حتى تمنع الاحتكار والاستغلال والاستئثار، ولكن بانسحاب الدولة صار هذا الدور شاغرا وجد أبوغزالة أن رد الجميل للشعب يكون بأخذ المكان الذي انسحبت منه الدولة بعد أن صار لدية مخزون من تجارب الدول الأخرى التى كانت تتشابه معنا فى الأسلوب الاقتصادي الذي كانت ترعاه الدولة، ولم يمكث فى التفكير طويلا حتى أسس جهاز مشروعات الخدمة الوطنية وكان ميالا كرجل عسكري طموح فى استجلاب سلاح متطور من واقع الدروس المستفادة من حرب أكتوبر وأنه لا يمكن أن يحمل المصريين تبعات هذا الإنفاق بعد معاناتهم من سنوات اقتصاد الحرب ليتلقفهم الانفتاح الاقتصادي وآليات السوق الحر فاعتصرهم، هنا كان البديل لدى أبو غزالة هو توفير نفقات تسليح الجيش وكل ما يلزمه، وأيضا الوفاء بدعم الشعب الذي تحمل الكثير من أجل الجيش وبعد فترة أبوغزالة استمر الجيش فى مشروعاته بشكل محدود حتى جاءت أزمة ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١ وما أعقبها من فوضى وحصار اقتصادي والنيل من مقدرات الدولة بواسطة الغوغائية، يومها كان كل العاملين فى الأجهزة الحكومية والصحف القومية وماسبيرو يتقاضون رواتبهم من عوائد اقتصاد الجيش، وأيضا نأكل من الخضراوات  ومنتجات الألبان واللحوم والأدوية من منتجات الجيش، الذي رد الجميل لنا أضعاف مضاعفة، والأكثر أنه بعد تلك الأزمة الطاحنة وتخلى رؤوس الأموال المصرية عن دورها وتوارى رجال الأعمال الذين استفادوا من البلد كثيرا، عند ذلك طلب الرئيس السيسي مع بداية الفترة الأولى لرئاسته أن يوفوا هؤلاء بجزء مما حققوه للشعب والبلد رفضوا وأعلنوا عليه الحرب فما كان منه إلا أنه توسع فى المشروعات التى تتولاها القوات المسلحة مستخدما الأراضى التى كان يضع رجال الأعمال يدهم عليها وأقام عليها مشروعات سكنية وزراعية وصناعية تخدم الشعب المصري وتشغل الأيدي العاملة المصرية وتحرك الركود الاقتصادي الذي تعانى منه الدولة وعند ذلك شن المنتفعون السابقون حملة شعواء ومعهم الإخوان ضد الجيش ومشروعاته لترجع لهم امتيازاتهم التى لا يستحقونها، ثم تأتى أزمة (كورونا) لتردنا مرة أخرى إلى اقتصاد طاحن لم يسند الشعب فيها إلا اقتصاد مشاريع الجيش ليقضى للشعب احتياجاته بكل مناحى الحياة