السبت 29 يونيو 2024

"اللعب مع أجهزة الدولة".. فصل جديد من كتاب "الوثائق السرية لحكم الجماعة الفاشية"

فن28-10-2020 | 11:06

تنشر بوابة "الهلال اليوم" فصلاً جديدًا من كتاب "الوثائق السرية لحكم الجماعة الفاشية" والذي جاء تحت عنوان "اللعب مع أجهزة الدولة"

 

تصفية وزارة الداخلية

 ( مباركة أمريكا كانت كلمة السر في تنفيذ الإخوان لخطة حرق أقسام الشرطة.. الجماعة جهزت ملفا بأسماء قيادات شرطة للإطاحة بهم واستبدالهم بالموالين لها)

 

 

قبل 25 يناير كانت الجماعة الفاشية تتعامل مع الداخلية مثلها مثل باقى مؤسسات الدولة.. تعلن على الملأ احترامها بينما تضمر لها شراً.. تتربص بها وتكيد لها وتنتظر الفرصة لتنتقم منها باستهداف مبانيها واستهداف ضباطها وجنودها.. إذا ما شعرت بضغط الداخلية عليها ردت بعنف دون أن تظهر فى الصورة.. الجماعة تستطيع أن تحرك الخارجين من رحمها لتوجع الدولة.. ترعاهم وتمدهم بالسلاح والتدريب لتستغلهم متى احتاجت لهم.. الجماعة الفاشية تعرف جيداً أن أجهزة الداخلية - فى مقدمتها أمن الدولة - ترصد تحركاتها فى الداخل.. ترصد تحركات قياداتها وطرق تجنيدهم للمواطنين واستغلال فقرهم وجوعهم ومناطق الضعف لديهم.. تسيطر عليهم ليكونوا وقودها إذا ما وقعت الحرب بينها وبين الدولة.. وجاءت 25 يناير الفرصة الذهبية للجماعة الفاشية.. أعضاء الجماعة فى بداية الأحداث لم يظهروا فى الصورة بقوة.. دفعت فقط ببعض شبابها فى الأيام الأولى حتى يتبين لها المشهد كاملاً.. كعادتها إذا نجح التحرك قفزوا على النجاح واستثمروه لصالحهم.. أقول كالعادة لأن ما جرى منها فى 25 يناير حدث فى ثورة 23 يوليو المجيدة..

ظلت الجماعة على الحياد أثناء ثورة يوليو، أفهمت كل طرف أنها معه فى انتظار الفائز.. رفضت الجماعة أن تعلن انحيازها للضباط الأحرار خوفاً من فشلهم فى الإطاحة بالملك فاروق، وعندما نجحت الثورة أعلنت الجماعة انحيازها وبعدها بدأت تعمل لتشارك فى الحكم وتقتسم السلطة وإلا سيحولون المشهد إلى بركة من الدماء.. فى الأيام الأولى من 25 يناير اختفت الجماعة ودفعت ببعض شبابها كما قلت.. لكنها ظهرت بقوة فى جمعة الغضب 28 يناير.. ظهرت بعد أن اطمأنت لمباركة أمريكا لـ25 يناير.. أمريكا التى أعلنت بوضوح فى هذا اليوم أنها مع رحيل مبارك.. أعلنت ذلك بعد الخطاب العقيم الذى ألقاه مبارك يوم الجمعة.. الخطاب الذى كان مخيباً لكل التوقعات وأحبط كل المتابعين لـ25 يناير ولكل الذين شاركوا فيها.. ظهرت الجماعة بعد أن اطمأنت لانسحاب الشرطة من الشوارع والميادين ونزول الجيش.. لقد جاءتها الفرصة الذهبية التى تنتظرها طوال تاريخها.. اختفى «بعبعها» من الشوارع.. الآن فقط على الجماعة أن تتحرك بحريتها التامة.. عليها أن تستفرد بجنود وضباط الداخلية وأقسامها المختلفة.. الآن فقط عليها أن تستثمر الفوضى لتحصد كل المكاسب لوحدها فقط.. كان ضباط الداخلية وجنودها قد أنهكوا فى الشوارع فترة كبيرة جداً، وهى الفترة التى بدأت بعد وقوع حادث كنيسة القديسين بالإسكندرية ليلة رأس السنة.. منذ هذا التاريخ وجنود الداخلية وضباطها لم يتركوا الشوارع ليل نهار وهو الأمر الذى أرهقهم ونال من قوتهم وعزمهم وقدرتهم على الصمود.. اختفت الشرطة من الشوارع وبدأت الجماعة تطلق رجالها فى كل مكان وباتجاه كل مؤسسات الدولة والمؤسسات الخاصة.

فى جمعة الغضب بدا لكثيرين أن أموراً غير طبيعية تجرى على الأرض عكس الأيام الثلاثة الأولى فلم تقع بها أحداث مؤسفة ولم يتم الاعتداء على ممتلكات عامة أو خاصة.. بدأ الاعتداء فى هذا اليوم -جمعة الغضب- وبدأت السرقة والنهب من المولات الكبيرة ومهاجمة المؤسسات ومنها ماسبيرو.. فى هذا اليوم كانت هناك 3 محاولات لاقتحام ماسبيرو رأيتها بعينى وكنت شاهداً عليها.. مجهولون دخلوا ماسبيرو وحرقوا ودمروا سيارات من جهة باب 15 ومن جهة باب 7، وفى المحاولة الأخيرة كانوا يستهدفون استوديو الهواء وكانوا على بعد خطوات منه لإذاعة أول بيان لهم، ولولا الجيش وتدخله لسيطر هؤلاء على المبنى فى غمضة عين.. فالذين حاولوا اقتحام المبنى كانوا يحملون أسلحة متنوعة، ورجال أمن المبنى لا يحملون سلاحاً يمكن به مقاومة هؤلاء رغم تسليح البعض منهم بـ«طبنجات» إلى جانب تسليح بعض المسئولين.. بالتوازى كان غضب الجماعة موجهاً لمن نصّبته عدوا فى وثائقها وتورثه لأبنائها وأعنى بها «الداخلية».. الجماعة هى من حركت الجماهير لتوجه غضبها للشرطة.. هى من استغلت البعض بنجاح لتحقيق هدفها.. هى من استغلت بعض الشخصيات لقيادة تحركها، منهم شخصية لا يمكن لأحد أن يرميها بالانتماء للجماعة.. شخصية صدّرت نفسها للمصريين أنها من المدافعين عن حقوق الإنسان وعن الحريات والكرامة.. شخصية أشرفت على سلسلة بشرية ترتدى تى شيرت عليه صورة خالد سعيد بالإسكندرية.. هذه الشخصية جرى تدريبها فى أمريكا وقطر، وكانت فى مقدمة الصفوف التى تحركت من على كوبرى قصر النيل فى اتجاه وزارة الداخلية.. لكن أوامر جاءتها لكى لا تذهب إلى هناك وأن يكون التجمع فى ميدان التحرير وتوجيه غضب الجماهير إلى الداخلية والحكومة دون رأس السلطة.. وتجمع المتظاهرون فى الميدان يوم الثلاثاء، وتعاملت الشرطة معهم كما كان يتم التعامل معهم من قبل.. بل إن قيادة كبيرة فى الداخلية أعطت أوامر بعدم رش المياه على المتظاهرين لأن بينهم فتيات وسيدات والجو شديد البرودة وهو ما أظهرته التسجيلات التى قُدمت أثناء محاكمة قيادات الداخلية.. المهم أن الشخصية التى تحركت مع المتظاهرين فى هذا اليوم وكانت حجر زاوية نجحت فى تحركها، ونجحت أن تتصدر المشهد السياسى ولم تبرحه حتى حصلت على منصب مستشار سياسى.. أخذت نصيبها بالكامل ثم اختفت من المشهد بعد أن تبين للجميع حقيقتها.

مساء جمعة الغضب وبعد أن تأكد للجماعة الفاشية اختفاء الشرطة بالكامل ظهرت بكثافة فى الميدان وبدأت تحرك الجماهير باتجاه مؤسسات الدولة وتنشرهم فى الشوارع والحوارى.. انتشرت الفوضى فشكلت هى والخارجون من رحمها لجاناً شعبية بزعم حماية الناس وممتلكاتهم، هذه اللجان باستثناء القليل منها بدأت تمارس نفوذاً قوياً على الناس.. كانت أشبه بالسلطة التنفيذية، عليك أن تظهر إثبات الشخصية وأن تثبت حسن النية أيضاً.. هى لجان استغلوها فى تأليب المواطنين للخروج باتجاه ميدان التحرير.. استغلوها فى اتجاه حرق أقسام الشرطة وتدميرها واستهداف الجنود والضباط.. حرقوا أقسام الشرطة غلاً وكراهية.. حرقوها انتقاماً منهم.. الأقسام التى حرقوها لم تكن ملكية خاصة للضباط.. هى ممتلكات دولة تقدم خدماتها للمواطنين وتنفذ القوانين، وتدميرها لم يكن مبرراً بأى شكل.. حرق الأقسام تم فى كل محافظات مصر دفعة واحدة.. سيناريو الجماعة لإشاعة الفوضى فى كل مكان.. الفوضى التى تنمو فيها وتستثمرها جيداً.. هى تعرف أن الأمور لو سارت كما ينبغى -بهدوء- لما كان لها أن تصعد هذا الصعود وما وصلت إلى كرسى الحكم.. الفوضى تجعلها تدفع برجالها وميليشياتها ليكونوا أداة لضبط ما كانت سبباً مباشراً فيه، وهى الفوضى.. انهالت الجماعة الفاشية على الشرطة.. حرضت من فى الميدان على قياداتها ورجالها، وما إن وصلت لمجلس الشعب وسيطرت عليه فى المرحلة الانتقالية الأولى حتى بدأت تعمل لهدم جهاز الشرطة وتفكيكه والتخلص من رجاله والدفع برجالها.

بدأت تتقدم بمشروعات قوانين لهيكلة الداخلية حسب مزاجها الشخصى وعلى مقاس التنظيم.. لم تتمكن من تمرير هذه القوانين لأنه تم حل مجلس الشعب سريعاً لكن أبداً لم تنس الجماعة الفاشية أن تحقق مخططها تجاه الداخلية.. مشروعها كشف عنه وقتها أحمد أبوبركة القيادى بحزب الحرية والعدالة التابع لجماعة الإخوان.. خرج ليعلن أن الحزب يدرس إعادة هيكلة وزارة الداخلية وتطبيق برنامجه الانتخابى المتعلق بالجانب الأمنى والذى يتمثل فى فرز وتصنيف جميع الضباط والأمناء واستبعاد كل من يثبت تورطه فى جرائم قتل أو تعذيب أو رشوة أو الامتناع عن العودة لممارسة دوره فى سد الفراغ الأمنى أو نقلهم لوظائف لا تعامل فيها مع الجمهور.. أما العناصر المتورطة على حد تعبيره فسيتم نقلها إلى قطاعات الشرطة الأقل خطورة مثل السياحة والموانئ والجوازات لتخفيف العبء عن باقى القطاعات.. أما الأمر الأهم فى هذا المشروع فهو أن الجماعة سوف تحاول سد العجز وحلاً لمشكلة البطالة فى مصر ستعلن أكاديمية الشرطة ومعاهد أمناء الشرطة عن دورات سريعة لخريجى كليات الحقوق والتربية الرياضية والخدمة الاجتماعية لترشيد عمل قوات الأمن دون إنهاكها فى مهام ليست من اختصاصها كتأمين مسارات المسئولين ومباريات الكرة غير المهمة وتطوير غرف الحجز بالأقسام والمحاكم والنيابات بشكل آدمى.. أقول الأهم لأن الجماعة تريد أن تدفع بأبنائها للانضمام لهذا الجهاز الخطير.. تريد أن تسيطر عليه ليكون جهاز التنظيم الخاص.. كانت تسعى لذلك كما كانت تسعى إلى الدفع بأبناء التنظيم إلى الهيئات القضائية بنفس الطريقة.. كانوا يريدون فتح هذه الأماكن للتدريب لإحلالهم مكان المجندين والمخبرين وغيرهم.. نأتى للجهاز الأهم وهو الأمن الوطنى.. الجهاز الذى يخيف الجماعة ويدخل الرعب لقلبها.. كانت تريد أن يقتصر عمله على حماية الأمن الداخلى من خطر الإرهاب والتخابر مع الخارج، واعتباره جهاز معلومات أمنية وداعماً للقرارات المهمة فى الدولة وقيامه بدوره فى معرفة نبض الشارع دون أن تكون له سلطة فى التعامل مع المواطنين إلا فى حالات الإرهاب والتخابر فقط.

أما قوات الأمن المركزى فسوف يتم تخفيض أعدادها توفيراً للنفقات من جانب، وللاستعاضة عنهم بأعداد أقل كثيراً من ذوى المؤهلات المتوسطة من جانب آخر، والأهم هنا الاستعاضة عنهم.. الجماعة مع كل مؤسسة أو قطاع كانت تريد لأبناء التنظيم أن يكونوا موجودين، وهنا لم تنس وهى تدشن لمشروعها أن تعلن للناس أن ذلك يتم لمصلحتها الشخصية ولحماية حقوقها وحريتها، وهو كلام اكتشف الناس زيفه بممارسات الجماعة الفاشية طوال الوقت، ولأن محمد مرسى مندوب الجماعة فى الرئاسة لم يكن ليتحرك إلا بتعليمات من مكتب الإرشاد والحزب، فقد أعلن أنه يريد هيكلة الداخلية، وأن هذه الخطوة سوف تتم بإشراف جهاز المخابرات العامة والتى أسند رئاستها لمن أقسم على المصحف أمامه فى مشهد غريب لم نره من قبل.. هيكلة تشمل كل قطاعات جهاز الشرطة من إدارات وأفراد وأمناء وضباط.. هيكلة تبحث فى مرتبات من ينتمون لهذا الجهاز، ونقل إدارات غير شرطية لكنها تابعة لجهاز الشرطة خارجه.. فى خطوة اعتبرها كثيرون تعدياً على القانون ومخالفاً للأعراف التى تمنح وزير الداخلية والمجلس الأعلى للشرطة حق إعادة هيكلة الوزارة إذا لزم الأمر، والأهم هنا هو أن مرسى كان يريد نقل تبعية جهاز الأمن الوطنى لرئاسة الجمهورية، وهو ما قوبل برفض شديد من قبل الذين ينتمون لهذا الجهاز، بل إن عدداً كبيراً منهم تقدم باستقالته بعد فوز مرسى بالرئاسة، وهو أمر طبيعى جداً.. لقد وجدوا أن الأمر لن يستقيم.. فبعد أن كانوا يتابعون هذه الجماعة ويراقبون تحركات أبنائها وقياداتها سيعملون تحت رئاستهم.. كانت الجماعة تريد أن تختطف هذا الجهاز لصالحها.. كانت تريد أن يعمل ضد منتقديها ومعارضيها، والأهم أن تستحوذ على كل ملفات الأمن الوطنى -أمن الدولة سابقاً- الخاصة بالمنتمين لها والخارجين من رحمها.. كانت تريد أن تضع يدها على أجهزة التنصت لكى تستغلها ضد المعارضين لها والمنتقدين لممارساتها الفاشية.. أرادت الجماعة العبث بالجهاز لكنها اصطدمت بقوة رجاله الذين وقفوا ضد مخططاتهم.. رجاله الذين غيروا محل إقامتهم خوفاً من التصفية الجسدية بعد أن ظهر اعتراضهم على ما تريده الجماعة.. رفضوا أن يتركوا أماكنهم، ورفض بعضهم أوامر قياداتهم.

هنا أتذكر أنه عندما خرج غالبية المتظاهرين على الجماعة بعد الإعلان الدستورى وبعد ممارساتهم الفاشية واجهوا الخروج بالعنف، وأطلقوا ميليشياتهم لاصطياد من يزعجهم وكان من بينهم زميلى وصديقى الشهيد الحسينى أبوضيف.. الذى دفع حياته ثمناً لمواجهته هذه الجماعة.. فى الليلة التى أطلقت فيها الجماعة رصاصاتها وأصابته فى رأسه وتم نقله إلى مستشفى الزهراء التعليمى بالعباسية.. ذهبت إلى هناك مباشرة وكان حوله جميع أصدقائه.. كانوا بجواره يومياً رغم أنه لا يشعر بأحد.. كان الضابط المكلف بحراسة المستشفى متعاطفاً معنا.. كان يستضيفنا فى مكتبه ثم حكى لنا أنه تم نقله إلى هنا عقاباً له من قياداته.. ثم حكى لنا سبب نقله.. قال إنه كان مكلفاً بحراسة أحد مقرات حزب الحرية والعدالة، وكانت المهمة ثقيلة على قلبه فكان يجلس على مقهى بجوار مقر الحزب أثناء الخدمة، وذات يوم كان رئيسه يمر فلم يجده فاتصل به فقال له إنه يأكل بجوار المقر.. عاد واتصل به مرة أخرى وطلب منه أن يذهب للمقر ليراه أعضاء حزب الحرية والعدالة، وهنا ثار الضابط ورفض وقال له «إزاى يا فندم بعد ما كانوا بيجروا قدامى لما يشوفونى.. عايزنى أوريهم نفسى دلوقت.. مش حاعمل كدا».. ثار الضابط وهو يعرف أنه يعرض نفسه للمساءلة.. كان رئيسه رحيماً به واكتفى فقط بنقله لمستشفى الزهراء التعليمى بالعباسية، وارتضى الضابط بمهمته الجديدة وكانت أحب إلى قلبه من حراسة مقرات حزب الحرية والعدالة.

كانت الجماعة الفاشية سعيدة بما يجرى أمامها.. سعيدة وهى تتحكم فيمن كانت تخافه وتخاف الاقتراب من منشآته، وهى فى الحكم لم تكن تكف عن إيذاء هذا الجهاز وتشويه صورته.. كانت تحمّله مسئولية خروج المتظاهرين عليها وعدم حماية الشرطة لمقرات أحزابها ومكتب الإرشاد.. كانت تتهم الشرطة بالتقصير لكى يكون مبرراً للدفع بميليشياتها بشكل أكبر.. كانت تحاول صبغ هذه الميليشيات بصبغة رسمية لكى يستتب لها الأمر.. تشتعل المظاهرات والجماعة تحمل الداخلية المسئولية.. كلما اشتدت وزاد الحصار من قبل المواطنين تخرج لتوجه غضبها على الشرطة من خلال قياداتها فى الجماعة وفى مجلس الشورى.. نوابهم اتهموا الشرطة بترك أماكنهم فى الشوارع والميادين فى إطار خطة ممنهجة حسب زعمهم.. خرج علينا الخارجون من رحمها مثل «البناء والتنمية» الذراع السياسية للجماعة الإسلامية، زاعمة أن سلبية الشرطة أمّنت مظاهرات المواطنين على الجماعة دعماً للثورة المضادة وتقوية للانفلات الأمنى بالإضافة -ويا للعجب- إعطاء الفرصة للخارجين عن القانون للعبث بمؤسسات الدولة، ووصفوا ذلك -ويا للعجب أيضاً- بأنه جريمة فى حق الوطن.. كانت الجماعة والخارجون من رحمها تريد لجهاز الشرطة أن يعمل لحسابها لا لحساب الوطن كما تدعى.. الجهاز الذى كانوا يعترضون عليه لأنه وحسب زعمهم جهاز يعمل ضد المواطنين يريدونه الآن أن يعمل ضدهم، وأن عدم تصديه لمظاهرات الخروج عليها يعد خيانة للوطن وانسحاباً من الميدان.. الخارجون من رحمها يخرجون من كل مكان يعيدون الكلام مرة أخرى بضرورة هيكلة وزارة الداخلية.

الجماعة الإسلامية مرة ثانية تعقد اجتماعاً لكيفية مواجهة ما سمته بالتصدى لسلبية الشرطة حضره مساعد وزير داخلية سابق وأساتذة جامعات وعبود الزمر عضو مجلس شورى الجماعة الإسلامية.. طالبوا مرة أخرى بإعادة هيكلة الأمن الوطنى وإصلاح وتطهير وزارة الداخلية، وطالبوا بضرورة إنشاء إدارة خاصة بمكافحة البلطجة تتكون من متطوعين من أبناء المحافظات المختلفة تكون مهمتها الحفاظ على الأمن الداخلى.. لم ينس عبود الزمر - ويا للعجب- أن يحذر السياسيين فى جبهة الإنقاذ الوطنى وغيرها من تقديم غطاء سياسى لمن يقوم بعمليات عنف فى الشوارع وعلى الجميع التبرؤ من أعمال العنف.. سبحان الله قاتل السادات يدعو للتخلى عن العنف ويداه ملطختان بالدماء.

كلما اشتدت المظاهرات تجن الجماعة فتضرب فى كل اتجاه دون تمييز.. تنهال على مؤسسات الدولة التى تحكمها يميناً ويساراً.. تطلق أبناءها لتشويه الصورة بهدف إزاحة من لا تريدهم، وبهدف إحكام قبضتها على هذه المؤسسات.. الداخلية هدف ثمين.. لا بد من عقابها وعقاب من يخالف تعليماتها.

لقد تركت 25 يناير جرحاً فى الداخلية.. الطريقة التى تخلت فيها عن مهامها أثرت فى أداء رجالها.. كانت الثغرة التى استغلتها الجماعة فى تشويه صورة الشرطة والضغط لتقديم قيادات الداخلية للمحاكمة.. لكنها فشلت فى تحقيق ما تريده بعد أن تبين للجميع أن ما تقوم به لصالح التنظيم لا صالح الوطن.. الجماعة التى كانت تحرض على الداخلية تريدها الآن أن تعمل بقوة ضد المتظاهرين حماية لها وحفاظاً على وجودها على كرسى الحكم.. طوال السنة الكبيسة لحكمها وغالبية المصريين يضيقون بها وبممارساتها.. خرجوا عليها وبدأت الأعداد تتضاعف فاتهموا الداخلية بالتقصير وجرى الإطاحة باللواء أحمد جمال الدين وزير الداخلية وجاءوا باللواء محمد إبراهيم مكانه.. كان أداء اللواء محمد إبراهيم محيراً لنا جميعاً وفى مقدمتنا رجال الشرطة أنفسهم.. بدا وكأنه يستجيب لطلبات الجماعة ويرضخ لتعليماتها والتى كان يتلقاها وينفذها وكأنه أدى مهام وظيفته كما ينبغى.. فبدأ الضغط عليه شخصياً من رجاله مما دفعه للتفكير فى استقالته لولا أن أموراً جرت غيرت وجهته تماماً وأثنته عن الاستقالة.. أقول إن أداء اللواء محمد إبراهيم كان محيراً ربما لأنه جاء بعد أحمد جمال الدين صاحب الأداء الرائع والوطنى.

تخلصت الجماعة من اللواء أحمد جمال لأسباب كثيرة منها حرق مقرات الإخوان المسلمين، وقد حمّلته الجماعة المسئولية كاملة لأنه لم يحمِ هذه المقرات.. حمّلته المسئولية فقد كانت تتعامل مع مقرات الإخوان على أنها من مؤسسات الدولة التى يجب على الداخلية حمايتها.. لكن أحمد جمال الدين لم يكن أبداً مؤمناً بأنه يجب عليه أن يحمى هذه المقرات ويحمى أعضاء مكتب الإرشاد بأى صورة كانت.. أيضاً لم تنس له الجماعة أنه تصدى ليس لأولاد أبوإسماعيل وإنما تصدى لحازم صلاح أبوإسماعيل نفسه، وأبوإسماعيل كان يد الجماعة التى ترعب الخصوم وتحاصر المحكمة الدستورية وتحاصر مقرات الصحف وتهاجمها بالمولوتوف والأسلحة النارية والبيضاء، وكان تصدى أحمد جمال الدين له جريمة لا تغتفر.. لكن الأهم من كل ذلك أن جمال الدين سعى طوال فترة وجوده وزيراً للداخلية أن يستقل بوزارته بعيداً عن الجماعة.. فى هذه الفترة كان الرئيس عبدالفتاح السيسى يتولى وزارة الدفاع، ونجح فى أن يعيد الانسجام مرة أخرى بين الجيش والشرطة وأن يزيل أثر ما تركته 25 يناير.. لا أحد يمكنه أن ينسى الصورة الشهيرة التى جمعت بين الرئيس السيسى واللواء أحمد جمال.. كان الاثنان يلتقيان دائماً سواء فى مقرات تابعة للشرطة أو تابعة للجيش.. كان السيسى واعياً بما جرى فى 25 يناير.. كان مدركاً لحجم الخسائر التى لحقت بجهاز الشرطة من حرق لمقرات أقسام الشرطة وسرقة الأسلحة.. لذلك لم يكن غريباً أن يساند ويدعم أحمد جمال فى مهمته.. ليتجاوز حرق الأقسام وسرقة الأسلحة ومده بكل ما يحتاجه لكى تعود الشرطة قوية مرة أخرى.. فنجح جمال الدين ورغم الظروف الصعبة أن يحقق نجاحاً فى إعادة الأمن بنسبة كبيرة.. أيضاً لم ينس الإخوان ولا رئيسها المعزول ما حدث أمام قصر الاتحادية بعد خروج المصريين على حكم الجماعة فى ديسمبر.. وقتها طلبت الجماعة أن يتعامل جمال الدين ورجاله بالعنف مع المصريين، لكنه رفض وشعر الذين خرجوا أن الشرطة لن تتعامل معهم بالقوة بأى شكل من الأشكال.. لن تلجأ حتى للمياه أو القنابل المسيلة للدموع، وحدث أن وجد المتظاهرون الطريق مفتوحاً أمام قصر الاتحادية وعندما اقترب المتظاهرون من الأسلاك الشائكة التى وضعتها الجماعة حماية لمندوبها فى القصر لم تتعامل الشرطة معهم بل وتركت مواقعها وذهبت لحال سبيلها.. هذا التحول الرائع فى أداء الشرطة يحسب لأحمد جمال الدين كما يحسب للقيادات الوسيطة والتى لعب عدد كبير منها دوراً كبيراً فى إزاحة الإخوان من على كرسى الحكم، ولما جاء محمد إبراهيم خلفاً لجمال الدين حسبه كثيرون على الجماعة ولو لم يضغط شباب الضباط والقيادات الوسيطة لجرى هدم ما تم بناؤه أيام جمال الدين.. قبل 30 يونيو وجدنا أنفسنا أمام محمد إبراهيم آخر.. وزير قرر فى لحظة أن ينحاز لرجاله وللمصريين، وأصبحت المهمة ثقيلة جداً بعد إزاحة الإخوان من الحكم.. فالجماعة وأنصارها أعلنوا الحرب على هذا البلد.. قرروا تصفية رجال الشرطة والجيش والتخلص من المواطنين الذين خرجوا عليها.. بل تعرض هو شخصياً لمحاولة اغتيال نجا منها بأعجوبة.. أصبحت المعركة شرسة وقامت الجماعات الإرهابية باستهداف رجال الشرطة واصطياد الكبار منهم للتعليم على الداخلية وتوصيل رسالة بأنها قادرة على فعل أى شىء.. لا أحد ينكر أن الداخلية تخوض حرباً شرسة مع الجماعات الدينية المتطرفة.. لا أحد ينكر عليها ما تقدمه من أرواح جنودها وضباطها فداءً لنا وللوطن.. أظن أن قيادات الداخلية تعرف جيداً أنها أمام معركة طويلة لن يتم حسمها بين يوم وليلة.. حرب استنزاف طويلة سينتصر فيها صاحب النفس الطويل وهو ما تراهن عليه الجماعات المتطرفة.. تراهن على لحظات استرخاء الداخلية ومن ثم تنقض عليها وتوجه ضرباتها الموجعة.. تراهن على أن الداخلية لن تكون فى حالة استنفار دائمة.. تحشد قواها وتشحن جنودها معنوياً ومادياً وتجهزهم بأحدث الأسلحة ومن هنا تتسلل وتزرع متفجراتها فى هدوء لتحصد أرواح أبرياء من الشرطة ومن مواطنين أبرياء لا ناقة لهم ولا جمل.. لكن الجماعة لا تفرق بين المواطنين ورجال الشرطة.. الجماعات المتطرفة تضعهم فى سلة واحدة.. فالمواطنون هم من خرجوا على محمد مرسى وحكم جماعة الإخوان الفاشية والشرطة هى من ساندت ودعمت وحمت خروج المواطنين لتنجح ثورة 30 يونيو.. ثورة لم يكن لها أبداً أن تتم لولا الجيش والشرطة.. كان خروج المصريين على الجماعة سيصبح مثل باقى مظاهراتهم التى سبقت 30 يونيو وجميعها لم تُفضِ لشىء سوى التمهيد للحظة الذروة فى هذا اليوم المنشود.

نجحت ثورة 30 يونيو فبدأت الجماعة والخارجون من رحمها فى توجيه عملياتها الإرهابية تجاه الشرطة ومنشآتها.. استهدفت مديرية أمن القاهرة، فالمديرية هى المبنى الأهم بعد مبنى الوزارة وتعد رمزاً للداخلية.. لم يمر وقت طويل حتى وقع تفجيران بجوار جامعة القاهرة أى فى حرم مديرية أمن الجيزة.. الجماعات الإرهابية تقترب أكثر.. تريد أن تنال من هيبة الدولة فتقوم بالتعليم على أهم الأجهزة فيها.. حدث أيضاً أنها ذهبت إلى قصر الاتحادية قبل 30 يونيو وزرعت قنابلها لتنفجر ليس فى وجه رجال شرطة ومواطنين أبرياء لكنها انفجرت فى وجه الدولة.. بعدها زرعت الجماعة والخارجون من رحمها قنابل فى قسم شرطة المنتزه بالإسكندرية وانفجرت القنابل دون وقوع إصابات.

منذ ثورة 30 يونيو والجماعة لم تكف عن توجيه عملياتها ضد الشرطة ورجالها، وأظن أنها لن تكف رغم ضربات الشرطة لها فى كل مكان.. لكن عملياتها لن تثنى رجال الشرطة عن أداء مهامهم تجاه هذا الوطن.

    الاكثر قراءة