الخميس 27 يونيو 2024

«اللعب مع أجهزة الدولة».. فصل جديد بكتاب «الوثائق السرية لحكم الجماعة الفاشية»

فن29-10-2020 | 10:41

تنشر بوابة "الهلال اليوم" فصلاً جديداً من كتاب "الوثائق السرية لحكم الجماعة الفاشية" والذي جاء تحت عنوان "اللعب مع أجهزة الدولة".


تشـــــــــــويه رجال «الرقابة الإدارية»

(فشلوا فى اختراق الجهاز فأطلقوا أبناء الجماعة والخارجين من رحمها للنيل منه) 

لم تترك جماعة الإخوان أى مؤسسة بالدولة فى حالها.. لم تسلم من التربص بها ومحاولة تشويه صورتها وتشويه رجالها.. فى الحلقات السابقة توقفنا -وبالتفصيل- أمام تربص الجماعة الفاشية بالأزهر والكنيسة والتيارات الدينية.. توقفنا أمام محاولاتها النيل من وزارة الداخلية والمخابرات والجيش المصرى.. كان من بين مؤسسات الدولة هيئة الرقابة الإدارية.. الهيئة التى لم تسلم من إيذاء الجماعة الفاشية.. الهيئة التى كانت الجماعة تخشاها قبل 25 يناير.. كانت تتجنب الكلام عنها بسوء.. بل كانت تغازلها متى أتيح لها ذلك.. مغازلة على طريقة باقى مؤسسات الدولة.. الغزل فى العلن بينما فى الباطن تضمر شراً لهذه المؤسسات بهدف هدمها.. تبدل الحال تماماً بعد 25 يناير وأعدت الجماعة الفاشية خطة للنيل من الرقابة الإدارية ومن قياداتها.. خطة بدأت تنفيذها على الأرض عندما وصلت للحكم.. حاولت فى البداية استخدام الهيئة فى ملاحقة أعدائها أو المناهضين لها دون وجه حق، واصطدمت الجماعة برفض رجال الهيئة لما تريده.. مثلها مثل باقى مؤسسات الدولة..

كان الرفض موجعاً للجماعة فأطلقت -وكالعادة- أبناءها وأبناء الخارجين من رحمها للهتاف ضد الرقابة الإدارية.. راحت وسائل الإعلام الموالية لها تروج لأكاذيب من عينة أن قادة الرقابة الإدارية تستروا على فساد رجال النظام السابق لها.. فعلوا ذلك تمهيداً للتخلص من رجال الرقابة الذين تصدوا لها ورفضوا ممارساتها.. بدأوها بضباط أكفاء كانوا أبطالاً فى كشف قضايا فساد تحولت إلى رأى عام.. ضباط اصطادوا رؤوساً كبيرة تربطهم علاقة بشكل أو بآخر بالجماعة الفاشية، ولما وصلت الجماعة للحكم بدأ أقارب هذه الرؤوس بتحريض الجماعة الحاكمة للتخلص من هؤلاء الضباط وسحب الملفات المهمة منهم.. لم تكتف الجماعة بهذا وإنما وضعت اللواء محمد فريد التهامى رئيس هيئة الرقابة الإدارية آنذاك هدفاً لها.. قررت التخلص منه لتكون رسالة لباقى الضباط: «إما الانصياع التام وإما مصيركم مثل مصير التهامى».

الجماعة لا تنسى من يزعجها.. لا تنسى من يقف أمام مخططاتها، و«التهامى» قبل أن يتولى رئاسة الرقابة الإدارية سنة 2004 كان رئيساً للمخابرات الحربية، وهو جهاز تعرف الجماعة أهميته القصوى.. تعرف أن من بين مهامه متابعة كل القضايا المتصلة بالأمن القومى من الناحية العسكرية، ومتابعة القضايا المدنية التى ترتبط بشكل غير مباشر بالأمن العسكرى، والأهم أنه يتصدى لتسلل أعضاء الجماعة والجهاديين إلى القوات المسلحة، وكلها مهام تؤرق الجماعة التى تربطها علاقات بدول خارجية سواء كانت عربية أو أجنبية، وتتلقى أموالاً بطرق غير شرعية لإثارة الفتن فى البلاد وإشعال الحرائق وغيرها.. لقد وضعت الجماعة «التهامى» على قائمة الذين يجب تصفيتهم والتخلص منهم.. لكن قبل التصفية لا بد من تشويه الصورة.. الانتقام من سمعة رئيس الجهاز وبالتالى تلويث سمعة الجهاز بأكمله، وهو ما كانت تسعى له الجماعة الفاشية.. لقد جاءت هذه الجماعة بضابط كان قد استقال من الجهاز واستدعوه فى الرئاسة وجلس معه رئيس الديوان وقتها؛ السفير رفاعة الطهطاوى، ومعه نائب الرئيس محمود مكى، وسمعوا منه كلاماً مرسلاً لا دليل عليه.. لكن الجماعة الفاشية لم تكن فى حاجة إلى دليل.. فقط حكايات ثم تصدر قرارها.. أبلغ محمد مرسى (مندوب الجماعة فى الرئاسة) «التهامى» بألا يذهب لمكتبه للانتهاء من التحقيقات التى تتم بمعرفة النيابة العامة فيما قاله الضابط المستقيل من كلام مرسل ضد رئيس الرقابة الإدارية.. الضابط الذى حاول أثناء حكم الجماعة أن يدفع الزملاء للاعتصام محرضاً لهم على إثارة الفتن داخل الجهاز.. فعل ذلك لأنه حاول أن يعود بعد استقالته لكنّ المسئولين فى الجهاز رفضوا عودته، وهو ما جعله يقرر هدم المعبد على الجميع، فتقدم ببلاغات تعددت فيها الاتهامات والتى تأكد أنها كيدية.. لا يحتاج اللواء فريد التهامى إلى شهادة تنصفه، فتاريخه يعرفه كثيرون.. تاريخه يشهد على نزاهته واحترامه لنفسه وللمكان الذى ترأّسه.. مثلما احترم الجهاز الذى كان يتولاه قبل الرقابة الإدارية.. لكن ما قاله الضابط وجد هوى لدى الجماعة الفاشية، ليس بهدف تشويه سمعة «التهامى» وحده، بل الهدف تشويه جهاز الرقابة الإدارية والنيل من الدور الذى يؤديه.. فمارسوا ضغوطهم عبر وسائل الإعلام الموالية لهم وعبر مجلس الشعب الذى كانوا يسيطرون عليه.

فشلت الجماعة فى ألاعيبها.. فشلت فى السيطرة على الرقابة الإدارية.. فشلت فى أن تحول الهيئة إلى أداة من أدواتها لتركيع خلق الله الذين يناهضونها ويقفون ضد ممارساتها.. فشلت فى أن تنال من سمعة الجهاز أو تؤثر فى عقيدة من يؤمنون بدوره المهم.. فشلها لم يجعلها تكف عن التربص بالرقابة الإدارية.. لم تكف عن ترويج الأكاذيب حتى الآن.. لقد فقدت الجماعة عقلها عندما نجح غالبية المصريين فى إزاحتها عن الحكم.. فقدت عقلها لأنها لم تتمكن من أن تنتقم من كل مؤسسات الدولة بعد، ولما أزيحت من كرسى الحكم لم تغير عقيدتها، بل تحارب حتى الآن بكل ما أوتيت من قوة.. الجماعة تعرف قبلنا أنها تروج لأكاذيب.. تعرف أن ما قالته عن الرقابة الإدارية بعد 25 يناير وأثناء حكمها لمصر السنة الكبيسة غير حقيقى.. فالجهاز أدى دوره قبل 25 يناير وهناك الكثير من قضايا الفساد التى جرى ضبطها وكان أبطالها مسئولين كباراً من محافظين ووزراء وغيرهم.. هناك قضايا كثيرة قدموها بعد 25 يناير.. فالجهاز لا يكف عن مواصلة العمل ليل نهار.. لكن الجماعة لا تريد أن تصدق سوى نفسها.. تطل برأسها منذ فترة للتطاول على الرقابة الإدارية.

أزيحت الجماعة فبدأت تعيد كلاماً مرسلاً سبق أن رددته كثيراً وهى فى الحكم، وقدمته للنيابة العامة وهى فى الحكم، وتم حفظه وهى فى الحكم.. تعيده الآن فى إطار هدفها الأكبر، وهو  التشكيك فى مؤسسات الدولة ومن ثم التأثير على المواطنين، فلربما يصدّقون ما تردده عبر قنوات ومواقع نعرف أنها موالية لهم وبتمويل من دول أجنبية وعربية.. الجماعة لا تتعامل بعشوائية كما يظن البعض.. لا تخطو خطوة واحدة إلا وقد حسبت نتائجها جيداً.. هى تعرف أن الإلحاح فى الإعلام يؤدى إلى نتائج ولو بعد حين.. لن تملّ من تكرار الأكاذيب، فهى تراهن على الوقت، وتراهن على أن البسطاء ربما يتعاملون مع ما تروجه فيما بعد على أنه حقيقة.

ما تفعله الجماعة الفاشية لم يعد ينطلى على أحد.. ما تروّجه لم يعد طريقه سهلاً إلى المصريين.. تأكد لهم خداعها وتجارتها بآيات الله ورفعها لشعارات لا تعمل بها.. ما تفعله لن يوقف ما تقوم به الرقابة الإدارية.. الجهاز الذى لا يكف عن اصطياد المرتشين والفاسدين وناهبى أراضى الدولة وخيراتها طوال 55 سنة، هى عمر الجهاز منذ إنشائه عام 1964.. الجهاز الذى يعمل الآن بكامل طاقته خاصة بعد 30 يونيو.. الجهاز الذى مُنح صلاحيات واسعة حتى لا يتم إجهاض القضايا التى يتم ضبطها وتقديم أصحابها للمحاكمة.. المصريون يرون الآن أنه لا يمر يوم إلا وتقوم الرقابة بإعادة ملايين الجنيهات للدولة، بل أعادت لها أراضى منهوبة.. ضربات الرقابة متلاحقة ومكثفة.. ضرباتهم دائماً موجعة.. لا فرق لديهم بين وزير وخفير.. بين مسئول كبير وموظف صغير.. لا فرق بين مؤسسة خاصة ومؤسسة عامة.. بل لا يفرق معهم أبداً أن تمتد أيديهم لأكبر الجهات فى الدولة.

لقد لاحظنا فى الفترة الأخيرة القضايا التى فجرتها الرقابة الإدارية.. اصطادت الكبار من وزير إلى نائب محافظ، ومن مستشار إلى موظف صغير.. بل استهدفت وظائف رغم صغرها لكنها الباب الرئيسى فى الفساد.. مثلاً ألقت الرقابة القبض على مديرى عموم إدارة السماح المؤقت وإدارة المعاينة والفحص بجمرك العبور ومأمور جمرك اتفقوا مع أحد المستوردين على تزوير مستندات رسمية ليضيع على الدولة ما يقرب من 25 مليون جنيه، والقبض على شخصين حاولا إضاعة 110 ملايين جنيه ثمن فيلا لأحد أفراد أسرة محمد على آلت للدولة، وألقت القبض على مسئول مشتريات وضبطت فى بيته فقط 155 مليون جنيه وكمية من الذهب.. وألقت القبض على رئيس الإدارة المركزية للطريق الدائرى التابعة للهيئة العامة للطرق والكبارى ومعه مهندس، ومستشار بمحكمة استئناف الإسكندرية متلبساً برشوة لإخراج متهمين فى قضية جلب مخدرات... كما ألقت القبض على مأمور ضرائب وقت تلقيه رشوة 100 ألف جنيه نظير تخفيض الضرائب المستحقة على إحدى الشركات وقيمتها 4 ملايين جنيه.. كما ضبطت وكيل مصلحة الخبراء بوزارة العدل أثناء تقاضيه رشوة 350 ألف جنيه.. بالإضافة إلى قضية نائب محافظ الإسكندرية وقضية مجلس الدولة وبطلها مسئول المشتريات الذى وجدت فى بيته فقط أكثر من 150 مليون جنيه لن تجدها فى خزانة بعض البنوك.

لم يكن لأحد أن يقف أمام ما تفعله الرقابة الإدارية.. فهى تمارس عملها بحرية تامة وتضرب بكل قوة مهما كانت الجهة ومهما كان حجم المسئول.. تمارس الهيئة عملها بحرية لأسباب كثيرة، فى مقدمتها الضوء الأخضر الذى منحه الرئيس عبدالفتاح السيسى لها.. منحها الحرية فى فعل ما تراه صائباً لإصلاح كثير من الأمور.. منحها الضوء فى أن تراقب وتفتش وتمنع الفساد حفاظاً على أموال الدولة.

لقد قلت هنا من قبل إن الرئيس السيسى لا يفوّت أى مناسبة إلا ويشير للرقابة الإدارية بأن تنطلق وتمارس عملها كما يجب.. كان الرئيس يعنى ما يقوله، خاصة فى المشروعات التى يتم افتتاحها، وجميعنا يذكر ما قاله الرئيس لرئيس الرقابة عند افتتاح محور الضبعة عندما رأى خللاً فى أحد مشروعات الطرق: «يافندم مش عايز أستلم مشروع إلا بعد موافقة الرقابة.. أريد المشروعات متكاملة وليس بها أى ثغرة».. كان الرئيس حريصاً على دعم هذا الجهاز ليمارس عمله بقوة وهو يضع أمامه جملة «لا أحد فوق القانون».. الرسالة كانت واضحة تماماً.. لا أحد يظن أنه محصّن، ولا أحد يظن أن منصبه سيحميه إذا ما سوّلت له نفسه وامتدت يده للمال العام أو ممتلكات الدولة.. الرئيس نفسه لم يحمِ موظفاً فى «الرئاسة» استغل وجوده فى هذه المؤسسة المهمة، بل أعطى تعليماته بمحاكمته فوراً.. لم يتستر الرئيس على موظف فى الرئاسة، وهذه هى الرسالة الأهم لكل الجهات والأجهزة، وإذا كانت الرقابة الإدارية لم تهدأ طوال الفترة الماضية فهى سوف تتحرك وبقوة فى الفترة المقبلة.. بل سيكون لديها مزيد من الحرية وهى تمارس عملها خاصة بعد التعديلات التى أجريت على قانون الرقابة الإدارية.. تعديلات تمنحها صلاحيات أوسع حتى لا تصطدم بثغرات ينفذ منها الفاسدون ولصوص المال العام.. بالقانون الجديد انتقلت تبعية الرقابة الإدارية من مجلس الوزراء إلى رئاسة الجمهورية مباشرة، إضافة إلى تمتعها بالاستقلال الفنى والمالى والإدارى.. ترفع تقاريرها مباشرة إليه وترفعها للبرلمان ومجلس الوزراء.. أيضاً الموافقة على إنشاء الأكاديمية الوطنية لمكافحة الفساد لدعم التعاون مع الهيئات والأجهزة المختصة بمكافحة الفساد فى الدول الأخرى.. تعديلات كثيرة أجريت على قانون الرقابة الإدارية، أهمها حذف شرط الموافقة المسبقة على إحالة كبار المسئولين للتحقيق، وهى من الثغرات التى كان ينفذ منها الفاسدون.. لقد سبق وأن قلت هنا نصاً إن هذه التعديلات تمكّن الرقابة الإدارية من حربها على الفاسدين وهى فى ظنى لا تقل عن الحرب على الإرهاب.. هى الحرب التى لو نجحت فيها تماماً لأعادت إلى هذا البلد وجهه المشرق.. ربما استيقظنا ورأينا هذا البلد وقد خلا من الفساد.. ربما استيقظنا فلم نجد بيننا مرتشين أو مستغلين لمناصبهم فى تحقيق مصالح شخصية!.