الخميس 16 مايو 2024

الجيش المصرى فى عهد الاحتلال العثمانى

فن31-10-2020 | 20:54

في ليلة 22 من ديسمبر 1832 بعد أن حقق إبراهيم باشا أو كما أطلق عليه أهل الشام " إبراهيم المصري " انتصارة الساحق الثالثي في كوتاهية في 21 ديسمبر 1832, وقبلها في عكا في مايو 1832 وقبلها في حمص في يناير 1832على الأتراك العثمانيين وأسر الصدر الأعظم وبعد أن أصبح الجيش المصري في وسط الأناضول وعلى مسافة 330 كيلومتر من الأستانة عاصمة العثمانلي وقف القائد العظيم, ابن محمد علي باشا على أحد جبالها ينظر باتجاه الأستانة عاصمة العثمانيين الأتراك الذين أرسوا في بلادهم وفي مصر لمئات السنوات ومنذ 1517 تاريخ كبير من المؤامرات والدسائس, وتاريخ أطول من وحشية قانون "نامه" الذي أجاز قتل الإخوة والآباء والأبناء والأحفاد للسلطان القادم بها ليجلس على كرسي الدم في الأستانة.


نظر إبراهيم باشا ومعه قادته وجنوده المصريون وقد عقدوا العزم لاستكمال التقدم نحو الأستانة وخلع السلطان الضعيف محمود الثاني, وإنهاء تلك الإمبراطورية المتهالكة ورجل أوروبا المريض والتي أصبحت لا تقوى على الدفاع عن نفسها أو أراضى العرب والمسلمين.


تذكر إبراهيم باشا مع ضباطه وجنوده المصريون وهم فوق تلك الهضبة مرتفعة الهامة كهاماتهم كيف دخل سليم الأول العثمانلي مصر بعد أن اتفق مع الخونة من مماليك الشام مثل خاير بك للانقلاب العسكري أثناء معركة مرج دابق 1516على السلطان المملوكي قنصوه الغوري وقتلوه أثناء المعركة و هو ممتطيا جواده, ثم ساعد بعض الخونة من الممالليك بعد أخذ الوعود من سليم الأول على تفكيك جيش المماليك بقيادة طومان باي في معركة الريدانية 1517، وإعدام طومان باي على باب زويلة بعد أن رفض أن يكون حاكما لمصر تحت حكم العثمانلي فأوصى خاير بك سليم الأول بقتله لأنه وطني ويحبه المصريون.


وخلال استعداد إبراهيم باشا للتقدم نحو الأستانة, أرسل محمد علي باشا إلى ابنه إبراهيم باشا ليثنيه عن التقدم وعقد اتفاقية كوتاهية 8 أبريل 1833، برعاية أوروبية بعد دخول القياصرة الروس لمنع سقوط العثمانيين في أيدي المصريين. 


أقرت تلك الاتفاقية على سيطرة الجيش المصري على الشام وجدة ومصر والسودان وكريت مع عودة الجيش المصري إلى الشام وإعطاء خراج الشام للعثمانيين 


ولكنها لم تكن بالنسبة للسلطان محمود التركي إلا فرصة لتضميد الجراح وتكوين جيش جديد بأسلحة متفوقة ودعم الجيش العثمانلي بمستشارين ألمان وأهمهم البارون مالوتكه. 


أما إبراهيم باشا والذي اتخذ حلب السورية مقرا له فقد قام مع أبيه بتطوير وزيادة أعداد الجيش المصري.. هذا الجيش الذي أسسه محمد علي باشا بمدرسة حربية في أسوان بها ألف دارس واستعان بسليمان باشا الفرنساوي الخبير الفرنسي من جيش بونابرت لتأسيس الجيش على أحدث الأنظمة, فقد قرر محمد على أن يصنع ويؤسس كل شيء من أجل بناء هذا الجيش, فأسس المدارس العسكرية في الصعيد والقاهرة سواء أسوان أو مدرسة الجند في بني عدي والنخيلة وجرجا، ومدرسة البيادة ( المشاة ) في الخانكة وأخرى في السواري، ومدرسة المدفعية في طرة، والفرسان في الجيزة، ومدرسة أركان الحرب للقادة العظام بالخانكة، ومعسكر تدريب جنود البحرية في رأس التين، وديوان الجهادية لتنظيم شؤون الجيش المصري، ومصانع السفن في بولاق والإسكندرية وقام بتصنيع البنادق والأسلحة الخفيفة حتى المدافع مختلفة الأعيرة, كما أرسل المعلمين إلى أوروبا ليدرسوا ما يطور الجيش المصري, وكل ذلك كان هدفه إنشاء جيش قوي يعتمد على الحداثة وبعد أن عاش الشعب المصري خلال الاحتلال العثماني لقرون ينتشر في أرضه ظلمات الجهل المتعمد للمصريين.


وها هو الجيش المصري الذي دخل وانتصر في معارك مختلفة وأراضي مختلفة ومناخ مختلف في كل من الحجاز للقضاء على الحركة الوهابية بقيادة أحمد طوسون وإبراهيم باشا أبناء محمد علي باشا  سنة 1811، والسودان للقضاء على بقايا المماليك في دنقلة واستكشاف منابع النيل الأزرق، والمورة وأثينا للقضاء على ثورة اليونانيين ضد العثمانلي سنة 1820، وبطلب منه والتي انتهت بضرب وإغراق السفن الحربية المصرية والتركية في معركة نفارين البحرية سنة 1827 مما أكد لمحمد علي أن استمراره لنجدة العثمانيين الضعفاء لن تجدي وأنه قد حان وقت زوال إمبراطوريتهم أو قطع أيديهم عن مصر.


وفي 15 يونيو 1839 كسر السلطان العثماني اتفاقية كوتاهية وقام بالهجوم على الجيش المصري في موقعة نصيبين أو "نزيب" ولما لا؟ , فلقد اعتاد العثمانلي على الخيانة والمؤامرة, فحشد جيشا من 17 فرقة مشاه و 9 فرق فرسان160 مدفع في جيش قوامه 65000 ضابطا وجنديا تحت قيادة الصدر الأعظم حافظ عثمان باشا، ولم يتفاجأ إبراهيم باشا فهو يعرفهم جيدا, وكان الجيش المصري مستعدا لهم بـ 14 فرقة مشاه و 8 فرق فرسان و 160 مدفع بجيش قوامه 50000 جندي.


فكانت المعركة الرابعة والأخيرة بين الجيشين والتي حذر البارون مالوتكة العثمانيين أن إبراهيم باشا سيلتف من أحد الأجناب، وأن عليهم مواجهته أثتاء التفافه في معركة تصادمية, ولكن خوف العثمانيين من مواجهة الأسد المصري في العراء جعلهم يتحولون للدفاع في مدينة نصيبين, وبالفعل التف إبراهيم باشا يسارا بالقوة الضاربة من الفرسان بعد تثبيت المواجهه مع الأتراك بفرق المشاه والمدفعية التي دكت الجيش العثماني لتحصد منهم الآلاف وليتحطم الجيش العثمانلي حتى مرحلة ما قبل الإبادة لهم, فكان القتلي للعثمانلي 50000 منهم 12 ألفا ماتوا غرقا في نهر الفرات أثناء فرارهم.


الأسرى والغنائم: أسر 15 ألف أسير من الجيش العثماني، وغنيمة 144 مدفع + 35 مدفع آخر من حصون بيرة جك وصناديق ذخائر، و20 ألف بندقية.


بينما كانت خسائر الجيش المصري 4000 بين قتيل وجريح، ومما زاد فداحة الهزيمة للأتراك وفاة السلطان محمود الثاني كمدا, واستسلام الأسطول التركي للأسطول المصري ودخوله ميناء الإسكندرية مهزوما ومندحرا ليصبح الأسطول المصري بانضمام سفن وفرقاطات الأتراك أقوى أسطول بحري في البحر المتوسط.


بعث إبراهيم باشا لأبيه يطلب منه السماح بالتقدم وإنهاء الأمر باحتلال الأستانة فهي الفرصة الكبرى لإنهاء هذا المحتل إلى الأبد.


ولكن رفض محمد علي باشا التقدم مقتنعا بما حقق حتى لا يستفز أوروبا, في ذلك التوقيت بعث السلطان الطفل عبدالحميد بمراسيل للتفاوض مع محمد علي باشا, ولكن استشعر الأوروبيون بالخطر المحدق بقيام إمبراطورية مصرية على أنقاض الإمبراطورية العثمانية الضعيفة مما قد يهدد أوروبا مستقبلا وسياسات التوازن التي وضعها الأوروبيون التي لا تسمح بظهور قوة عظمى أخرى. 


فأرسلوا رسالة بها اتفاق دول أوربا الكبرى على عدم التفاوض مع محمد علي باشا, وأنهم قد وضعوا اتفاقا ملزما في لندن ناقش ما أسموه "مسألة الشرق" ووضعوا على محمد علي شروطا باحتفاظه بملك مصر والسودان وراثيا وعكا مدى الحياه فإذا لم يستجب خلال عشرة أيام سيذهب عنه حكم عكا, وإذا لم يستجب لعشرة أيام أخرى فسيتركون للسلطان العثمانلي مسألة عزلة نهائيا, مرت الأيام العشرون وفي النهاية كان التفاوض باستمرار حكم أسرة محمد علي لمصر واستقلالها الجزئي عن العثمانلي، وهنا التساؤل, ماذا لو سمح لإبراهيم باشا بالتقدم نحو الأستانة؟, وقد تم تكريمه في فرنسا بوضع الأعلام المصرية والفرنسة في طريق قوس النصر الفرنسي، وكتبوا على قوس النصر كلمة "إلى المنتصر في قونية ونزيب, إلى بطل مصر"


فالشعب المصري دائما ما يبحث عن قائد عظيم ليلتف حوله ويؤيده و ينصره, ولما لا, أليسوا خير أجناد الأرض.