الثلاثاء 4 يونيو 2024

أفلام عبد الرحمن الشرقاوي.. ترسم ملامح "سينما المقهورين"

فن11-11-2020 | 20:09

في ذكرى الراحل العظيم عبدالرحمن الشرقاوي لا يُمكن إغفال أعماله السينمائية، والتي جاءت لتُحوّل كلماته إلى صورة حيّة تخطف عقول ومشاعر المُتفرجين، كما فعلت كلماته بالقراء من قبل؛ ولا يختلف إبداعه كسيناريست عن براعته كأديب، فقد قدّم لمن جاء بعده درسًا في حرفية الكتابة للسينما، سواء كان العمل كاملًا من كتابته مثل رائعته "الأرض"، أو مأخوذًا عن واحدة من روائعه مثل فيلم "جميلة"؛ أو حتى كان مجرد مشارك فى صناعة عمل ضخم مثلما شارك فى سيناريو فيلم "الرسالة".

اتسمت سينما عبدالرحمن الشرقاوى -عبر امتداداتها التاريخية- بالانحياز للمهمشين والمقهورين، وهو ما رأيناه بداية من "محمد أبوسويلم"، الفلاح الذى أغرقت دماؤه أرضه وهو يرفض التخلى عنها، إلى "جميلة بوحيرد" الفتاة الثائرة التى تبذل روحها من أجل استقلال وطنها، وحتى أوائل المسلمين الذى عانوا أقسى لحظات الضعف والهزيمة أمام عُتاة قبائل العرب، حتى تحقق النصر لدعوة نبيهم العظيم. ليظل الإنسان البسيط والحقيقى فى الوقت ذاته هو البطل إلى الأبد فى حكايات الشرقاوى التى استمرت رغم رحيله.

 في رواية "الأرض" التي صدرت عام 1954، يبرز انحياز الشرقاوى -كأي فلاح مصرى أصيل- لطبقة البسطاء من أهل القرى سواء أصحاب الأراضى القليلة التى لا تتجاوز بضعة قراريط أو أولئك العاملين عليها بالأجرة اليومية، واعتبرها العديد من النقاد النموذج الأبرز لمذهب الواقعية الاشتراكية.

تحولت الرواية إلى عمل سينمائى عام 1970، من إنتاج المؤسسة المصرية العامة للسينما وإخراج يوسف شاهين، وبطولة محمود المليجي، وعزت العلايلي، وتوفيق الدقن، نجوى إبراهيم وغيرهم؛ ورغم أن المليجى كان قد قرر عدم خوض التمثيل مرة أخرى بعد سقوط فيلم فاطمة رشدى "الزواج على الطريقة الحديثة" من بطولة سعاد حسنى وحسن يوسف، إلا أن شاهين أعاده مرة أخرى؛ ليُحقق الفيلم - الذى عرضه الأول فى 10 يوليو من العام نفسه - نجاحًا ساحقًا استمر لعقود، حتى أنه فى احتفالية مئوية السينما المصرية عام 1996 تم تصنيفه فى المركز الثانى ضمن أفضل مائة فيلم فى تاريخ السينما المصرية فى استفتاء النقاد.

دعا الشرقاوي في هذا العمل الهام إلى التمسك بالأرض والثورة والدفاع عن المبادئ والانتماء؛ ورغم أن الفيلم يحكى عن نضال الفلاحين المصريين ضد الإقطاعيين إلا أنه يحمل العديد من المضامين والإسقاطات على واقعنا الحاضر. تدور أحداث الفيلم فى إحدى القرى المصرية فى عام 1933، والتى يفاجأ أهلها بقرار حكومى بتقليل نوبة الرى إلى خمسة أيام فقط بدلًا من عشرة، فيبلغ العمدة الفلاحين أن نوبة الرى أصبحت مناصفة مع أراضى محمود بك الإقطاعي، والذى يستولى بدوره على أراضيهم؛ يجتمع رجال القرية للتشاور ويتفقون على تقديم عريضة للحكومة من خلال محمد أفندى ومحمود بك، لكنه يستغل الموقف وتوقيعاتهم لينشئ طريقا لسرايته من خلال أرضهم الزراعية. هكذا يثور الفلاحون دفاعًا عن أرضهم بقيادة المُناضل القديم محمد أبوسويلم الذى شارك فى ثورة 1919، ويلقون الحديد فى المياه، فترسل الحكومة قوات الهجانة للسيطرة على القرية، ويتم انتزاع الأراضى منهم بالقوة وكذلك يتم إعلان حظر التجوال، ويتصدى محمد أبوسويلم للأمن؛ ليسحل على الأرض، وهو يحاول التشبث بالجذور، فى المشهد الشهير، والذى لايزال عالقا بأذهان كافة من شاهدوا الفيلم.

 كذلك يرى البعض أن نص عبدالرحمن الشرقاوى المسرحى "مأساة جميلة" هو العمل الأبرز طيلة مسيرته الأدبية، والذى جسّد قصة المناضلة الجزائرية جميلة بوحيرد وكفاحها ضد الاحتلال الفرنسي. وسلّط فيه الضوء على مأساة عشرات الآلاف من ثوار الجزائر الذين بذلوا أرواحهم حتى نالوا الاستقلال؛ وصارت المسرحية نص سينمائي عام 1958 تعاون فيه الشرقاوى مع كبار الكتاب لوضع السيناريو التنفيذى له، وعلى رأسهم نجيب محفوظ، ويوسف السباعي، وعلى الزرقاني، وغيرهم؛ وجاء الفيلم من بطولة وإنتاج الفنانة ماجدة، وشاركها البطولة رشدى أباظة، أحمد مظهر، وزهرة العلا، صلاح ذو الفقار، كريمان، وهو أيضًا من إخراج يوسف شاهين.

 وفى فيلم "الرسالة"، وهو الأشهر فى العالم عن الدين الإسلامي، كان للكاتب الكبير عبدالرحمن الشرقاوى فرصة الاشتراك مع نخبة من الكتاب المصريين والأجانب، فى كتابة سيناريو الفيلم، وعلى رأسهم الكاتب الهولندى هارى كريج، والأمريكى هارى كيجاف، وتوفيق الحكيم، وعبدالحميد جودة السحار، ومحمد على ماهر، ليصنعوا معًا رائعة من روائع الأفلام التى تناولت ملحمة النبي محمد، منذ جاءه الوحي وحتى نصره العظيم على أهل مكة؛ وقد بلغت تكلفة إنتاج الفيلم بنسخته العربية والإنجليزية حوالى 17 مليون دولار، وحققت النسخة الإنجليزية وحدها عشرة أضعاف هذا المبلغ، وترجم الفيلم إلى 12 لغة ووزع فى العالم أجمع وحصل على جائزة الأوسكار لأفضل موسيقى فى عام 1978.

ومن ضمن روايات الشرقاوى التى تم تحويلها لأعمال درامية، رواية "الشوارع الخلفية"، والتى تحولت لفيلم، ثم مسلسل تليفزيونى يحمل نفس الاسم. جاء الفيلم من بطولة ماجدة الخطيب، ونور الشريف، وسناء جميل، محمد توفيق، وراوية عاشور، رجاء حسين، أشرف عبدالغفور، وغيرهم، ومن سيناريو وحوار عبدالمجيد أبوزيد، ومن إخراج كمال عطية؛ وقد كانت أغلب الأفلام المأخوذة عن نصوص أدبية فى ذلك الوقت تُظهر إما انحياز الشكل الفنى للعمل الأدبى بقوة، أو الاختلاف عنه. أما معادلة الجمع بين الاتجاه الفكرى للأديب واجتهاد الفنان السينمائى فقد تحققت فى الفيلم، حيث وجدت العلاقة بين المفردات المرئية فى النص الأدبى لرواية الشرقاوى ونظيراتها من مفردات مرئية فى الفيلم السينمائي، فالنص زاخر بوصف المرئيات التى أفاد منها المخرج، وربما طبقها حرفيًا فى كثير من المشاهد.