الجمعة 3 مايو 2024

«الكينج» في صُحبة بجماليون وبينلوب وإيزيس (ملف)

فن14-11-2020 | 18:22

الأسطورة هي الجزء الراسخ لدينا عن الشعائر البدائية، فهي تلك المادة التراثية التي تم صياغتها في عصر الإنسانية الأولى والمتوارثة عبر أزمنة غابرة، عبر فيها الإنسان عن كينونته وماهية وجوده في الحياة عبر مزيج من الواقع والخيال، ليتنامى ذاك الخيال الإنساني فيتأصل وجوده في الآداب العالمية بكافة أنماطها.


ارتبطت الأسطورة دائمًا بكل ما هو خارج عن المألوف وخارقًا للعادة في صفات الإنسان والحيوان والطير، فكانت هناك دائمًا الحيوانات الخرافية التى يؤسطرها الإسنان في حكايات مازالت تترد على أذهاننا حتى الآن كطائر الفينيق كما جرت تسميته في الميثولوجيا الإغريقية وهو "طائر يجدد نفسه ذاتيًا بشكل متكرر، فيولد من رماد جسده الذي يحترق كل يوم"، أو طائر العنقاء وغيرها الكثير.


تعلقت الأساطير القديمة سواء أكانت الإغريقية أو الفرعونية، أو الرومانية بمسألة تقديس الآلهة وليس ذلك فقط بل كانت هناك كائنات مقدسة تتخذ مكانتها موازة بمقام الآلهة، فهي تتمتع بمزيج من الصفات الخارقة للطبيعة التي تفوق حد الطبيعة وطبيعة الإنسان، إلا أنهم كانت لهم صفات إنسانية فنراهم ينساقون وراء الحب والجسد ويمرون بالتجارب الإنسانية، كالولادة والموت، وهناك عدد من الكائنات الأسطورية التي تُشبه البشر، حيث الصفات الإنسانية التي تبرز القيم السائدة في المجتمع وترسم وتشكل هويته الإنسانية ومكانتة بين الشعوب السالفة، فمن خلال الموروث الميثولوجي نستطيع التعرف على مراحل تطور تلك المجتمعات وعاداتها وأنساقها المعرفية التي رسمت طرائق حيواتهم في كافة مستوياتها المتغيرة، المتآلفة منها والمتنافرة والتي استطاعت النجاة من مأرب التجاهل والنسيان.


كانت تلك الأساطير الركائز الأساسية التي قامت عليها الفنون بكافة ألوانها، كالفن التشكيلي، والنحت على جدران الكهوف كما يظهر في كهف "لاسكو" بفرنسا والذى يعد واحدًا من أقدم الكهوف الأثرية الزاخرة بالصور والرسوم الجدارية والنقوش المختلفة الأكثر قدمًا فى العالم والتى تعود إلى العصر الحجرى القديم، فقد ألهمت تلك الأساطير والشخصيات الأسطورية الأدباء والشعراء والفنانين على إنتاج أهم روائع كلاسكيات الأدب والموسيقى والهندسة والرسم والنحت والمسرح والسينما التي لم تكن بمعزل يومًا عن الموروث الثقافي الميثلوجي الذى أثرى حركة الفن منذ نشأته.

استطاع العديد من الشعراء من الإستفادة من تلك الموروثات المؤسطرة من بداية الشعر الجاهلي حتى شعراء القرن العشرين كـ"بدر شاكر السياب"، و"صلاح عبدالصبور"، و"محمود درويش"، و"خليل الحاوي"، "أدونيس"، فكانت خلف كل لغة شعرية بنية هائلة من الأقنعة والرموز الإسطورية بكل ما تحمله من تجسيد مشاعره وأهوائه، آماله وتصوراته عن المجتمع الذي يعيش فيه، فقد كان توظيف الأسطورة في الشعر خير وسيلة للهروب من الواقع والوقوع تحت مساءلة السلطة والقانون والعرف والسائد الذي يدحض خيال الشعر، يحجمه ويجعله مسخًا إذا إقترب منه بشكل أقرب.


ارتبط الفنان الكبير "محمد منير" "الكينج" بسعيه الحثيث لتقديم صورة المصري القديم المرتبط بأًصوله الأولى، فتغنى بلغته النوبية العديد من أغانيه الشهيرة، فجاء مُحملًا بتلك الخصوصية التي منحته إياها جذوره النوبية النابضة بكل تفردها الفني والاجتماعي، فكتب له الشاعر الكبير "عبدالرحمن الأبنودي" أغنية من السيرة الهلالية وهي أغنية "يونس" التي تعتبر من أهم ما قدم محمد منير خلال رحلته الفنية الطويلة.


أما عن توظيف الأساطير فقد قدّم "منير" ثلاث أغنيات كانت بمثابة توظيف للأساطير الإغريقية والفرعونية، فقد كتبت له الشاعرة "كوثر مصطفى" أغنية "يا بنت ياللى يتغزلي قفطانه"، من ألبوم "حواديت"، إنتاج 2004، واستطاعت كوثر مصطفى أن توظف ملحمة "الأوديسة" الإغريقية، فتروي الملحمة بشكل متقطع، قصة بنيلوب زوجة أوديسيوس.


عندما قام بعض النبلاء بمحاصرة قصرها، ومطالبتها بالزواج من أحدهم، وعرضوا الكثير عليها، قامت بإقناعهم بالانتظار حتى تنتهي من خياطة ثوب العرس، فكانت تقوم بحياكته في النهار أمامهم، أما في المساء فتقوم بحل ما حاكته، منتظرة عودة زوجها أوديسيوس، عندما عاد أوديسيوس، قامت بإعطائه قوسه، فقام بجمع النبلاء إلى وليمة وقتلهم.


استطاعت الشاعرة كوثر مصطفى أن تتماهى مع قصة "بنيلوب" فجاءت كلمات الأغنية تقول "يا يا بنت ياللى بتغزلى قفطانه، غزل الصبح ليه ع الليل تحلى خيطانه، يا يا غنوة خايفة تغني، يا طيرى اللي شارد مني، ضيعتى الليالي والقمر مستني، ضيعتي الليالي تغزلي وتحلي، يا يا بنت ياللى بتغزلي قفطانه، غزل الصبح ليه ع الليل تحلى خيطانه".


كما قدّم " منير" من خلال مسلسل "على عليوة" الذي تم إنتاجه في عام 1992 تتر المسلسل وبعض أغانيه الناجحة كانت منهن أغنية " إيزيس" من أشعار حمدى عيد، والتي توظف بين كلماتها أسطورة "إيزيس وأوزوريس الفرعونية"، حيث تدور القصة حول حادثة قتل الإله "أوزوريس" فرعون مصر، كان "أوزوريس" إلهاً للخير ورمزاً للخصب في عقيدة المصريين القدماء، حيث ورث ملك "رع" وأصبح إله كل شيء في العالم، وقد تزوج أخته "إيزيس" التي كانت خصبة وزواجها مثمراً.


بينما أختها "نفتيس" التي تزوجت "ست" إله الشر كانت عقيمة لا تلد، فدبّت الغيرة في أوصالها وأرادت أن تكون خصبة كإيزيس، وظنت أن سبب عقمها يرجع إلى "ست" الذي يمثل الأرض الجدباء، وكان "ست" يبغض أخاه "أوزوريس" وأراد أن يمكر به فدبّر له مكيدة لاغتياله، فأقام له حفلاً مع بعض الآلهة الأخرى، وأعد تابوتاً جميلاً كسوته من الذهب بحجم الإله الشاب وحده، وأقبل "ست" وزعم أن هذا التابوت هبة منه لأي إله من الحاضرين يصلح لأن يكون مرقداً له.


واستلقى كل إله في التابوت ليجرب حظه دون جدوى، إلى أن جاء دور "أوزوريس" وما أن رقد فيه حتى أغلق عليه الغطاء، ثم ألقوا التابوت في نهر النيل، وطفا حتى بلغ البحر الأبيض المتوسط، علمت "إيزيس" بمصير زوجها وهي من مصر أخذت تبحث عنه في كل مكان، وعندما استدلت "إيزيس" على مكان زوجها ومضت إلى "بيبلوس"، وكانت "إيزيس" في تلك المدة قد اتخذت صورة النسر "رمز الحياة"، وحوّمت حول العمود العظيم القائم وسط القصر، وطافت بجثة زوجها وأخذت تناجي روحه، فتحولت بقوتها السحرية إلى روح ترى من أمامها ولا يراها أحد، ثم حدثت المعجزة فقد حملت إيزيس بالروح دون أن يمسها بشر.


حملت في أحشائها الطفل "حورس" وهربت به في أحراش الدلتا إلى أن كبر فحارب الشر وانتقم لأبيه وخلّص الإنسانية من شرور عمه "ست"،  وتأتي كلمات أغنية "منير" منذ منطلق الأسطورة فيقول: "يا إيزيس يا إيزيس، يا إيزيس ما تدوريش ولا تسأليش ولا تتعبيش، أرجوك تانى ما تحلميش، أصل الحقيقة تبقى في الآخر حقيقة، دايمًا تعيش عنوان لعالم خان ولا يختشيش، لملمينى علمينى واكتبينى حروف لإسمك، جمعينى جمعينى وارسمينى زي رسمك، واكتبي من فوق جبين البسملة، وأرسمى فوق ننى عينى الزلزلة، وعلقينى نبات عنيكى خمسة وخميسة، وحجاب وكتاب يخبط كل باب ويكون جواب للمسألة أما أغنية "الطول واللون والحرية" التي كتب كلماتها الشاعر "عصام عبدالله"، ويعبر من خلالها عن العشق عندما يصبح حب العقل وحب الروح والجسدي حب مطلقًا لا تحكمه حواجز.


وجاءت الكلمات والفيديو المصور للأغنية يوظف أسطورة "بجماليون" الإغريقية والتي تدور قصتها حول بجماليون وهو نحاتًا بارعًا من اليونان، عازفًا عن حب النساء، فقد فقد شغفه بحبهن وتجنب مجالستهن، فقد كان يرى النساء مخلوقات ناقصة، ولا يجب أن يضيع وقته في رفقتهن، فقد كرس حياته لفنه الذي برع فيه، فصنع تمثالاُ جميلاً لإمراءة منحوتًا من العاج، فقد أراد أن يقدم المرأة في صورة مثالية بدون عيوب، حاول أن يصنع من خلال تماثله نموذج كامل للمرأة، وهذا ما ظهر فى الفيديو المصور للأغنية، فقد أنتج عملاً مثاليًا، فريدًا يأخذ عين الناظرين، حتى أنه قد وقع في غرامه وأحبه حبًا جمًا، فرسم ملامح المرأة بشكل مبهر، الأمر الذي جعله يدعو أفردويت "ربة الحب" عند الأغريق ويتضرع إليها فى المعبد، فاستجابت "أفردويت" له، وذهب إلى منزله ليعانق تمثاله الأسير ليجده قد تحرر من سكونه، وبعثت فيه الحياة وأسماه "جالاتيا" وقد جاءت كلمات الأغنية تنطلق من جوهر إسطورة "بجماليون" فتقول "مش عايز احبك مش عايز مش داخل سجنك مش جايز، مش جايز ادوب فيكي وبيكي ده أنا اموت في عنيكي من همسه أنا عارف نفسي وتلبيتي بعشق ليليكي من لمسه،ده هنسي في شفايفك اسمي أنا فاهم في كنوز العفة، انا ممكن اجريلك دمي أنا حاسس دمي حيتصفي، بالظبط الشعر اللي بحبه الطول واللون والحرية، ده مهفف على وشك لعبة أوصفلك أيه يغمي عليا".

    Dr.Randa
    Dr.Radwa