يعد كتاب
الفيلسوفة والمنظرة الاجتماعية سيمون دي بوفوار، -التي تعتبر أحد أبرز الفلاسفة
وكتاب الوجودية-، "الجنس الآخر" الذي تم إصداره عام 1948، بمثابة دراسة
موسوعية للمرأة، شغفت فيه بالدفاع عن حقوق المرأة وظروفها، فهو أفضل ما نشر عن
الحركة النسوية، وحجر أساس لجميع الحركات النسوية العالمية.
وسعت سيمون دي
بوفوار من خلال الكتاب، أن تكون المرأة
فردا يتمتع بكامل حقوقه فى المجتمع الإنساني، وناضلت المرأة ضد استرقاقها
وعبوديتها وآمنت بأن كل ذلك لن يتم إلا بتغيير كل ما يحيطها، فالأمر يتناول النظام
بالأسرة، ولا يمكن أن تكون المطالبة إلا جذرية تغير الحياة.
واستطاعت بوفوار
أن تتناول قضية المرأة بشكل منهجي، فهى تؤمن بالمرأة وتدافع عن قضيتها ولكنها حين
تتكلم عنها تؤكد أنها لا تتكلم عنها إلا من خلال ظروف ومواقف محددة وبذلك فإنها
تعتمد على منهجية مستمدة من الوجودية، فهي ترفض الحديث عن المرأة بوصفها فكرة عامة
على نحو ما ترفض فى فلسفتها الحديث عن الإنسانية على نحو عام وإنما تتمسك بالموقف
الفردى الخاص بها.
ووفق تجربتها
الشخصية، فليس هناك أنوثة خالدة تفرض على النساء شخصية معنية، وذلك لأن الأنوثة
ليست طبيعة أو ماهية بل هي موقف خلقته الحضارات انطلاقا من بعض المعطيات
الفيسيولوجية، فالمرأة ليست كائنا ثابتا ومتشابها عبر العصور وإنما هناك العديد من
الأسباب والمعطيات التاريخية، الحضارية، الاقتصادية والاجتماعية، قامت تلك
المعطيات بفرض هذا الدور على المرأة، بل
وأقحمتها فى هذا المجال المحدد والمعد مسبقا.
ويضم كتاب
"الجنس الآخر" عددا كبيرا من الموضوعات المتعلقة بالوضع الأنثوي من
الجانب البيولوجي، النفسي والتاريخي للمرأة، والخرافات التى تعيش حول الأنوثة،
وكذا تحديد نظرة الرجل للمرأة وإلى أحوال المرأة حسب أدوار حياتها ووظائفها من حيث
علاقتها بالرجل زوجة وأما، لتنتقل الكاتبة إلى مراحل العمر فى النضح والشيخوخة،
وتختم العمل بالدعوة إلى التحرر والكلام عن المرأة المستقلة التى تعتمد على ذاتها
إقتصاديا، معنويا ونفسيا.
ونفذت سيمون دى
بوفوار، خلال كتاب "الجنس الآخر" إلى المرأة بشكل كلي، لتحلل كل ما كانت
تفكر وتشعر به المرأة حيال المكانة المخصصة لها فى المجتمع، وقد شاعت الأفكار
الأساسية التي ضمها الكتاب بشكل واسع، لأنه لم يكن فكرا نظريا فحسب بل ومنهجا
عمليا تبنته الكثير من الحركات النسائية فى العالم.
وترى دى بوفوار،
أن وضع النساء فى كثير من الحضارات كان مقيدا بأوضاع لم تهيئ لهن مستوى من الوعي
والحرية، بحيث يمكن أن يشاركن الرجال فى صنع العالم الذى يعشن فيه، فهن كن ومازلن
فى وضع طفولي يخضع إلى العبودية، ففي أي عالم قد يكون من صنع الرجال تكون فيه
المرأة خاضعة تماما لسلطته، فهناك الكثير من الأيدلوجيات التي بنيت على أساس أن
الرجل هو الأول، والمرأة تأتي لاحقة له، أما القوانين فقد أعطت الرجل حق الإمتياز
والسلطة على المرأة، وكذلك أيدت الأعراف والأخلاقيات هذا الأمر تماما، مثلما فعل
البناء الإجتماعى وتكوين الأسرة، فأصبحت المرأة بالنسبة للرجل وكأنها شيئ معارض له
وليس جزء يشكل معه كيان المجتمع، فتقول "المرء لا يولد إمرأة، بل يصبح إمرأة"
وأنكرت دى
بوفوار، الادعاء بعدم وجود فوارق بين الرجال والنساء وكانت ضد هذه الفكرة، فلاشك
فى أنه مازال هناك، حتى فى وضع النساء المبدعات الكثير من المواقف، المشاعر
والظواهر الجسيمة الخاصة بكل نوع على حده، فهى تسلم بأن النساء يختلفن إختلافا
عميقا عن الرجال، ومجموعة الفروق هذه لا يمكن إنكارها إلا بإعتناق مذهب نسائي زائف
مبني على تجريد كل ذلك .
وأكدت دى بوفوار،
على أن فرصة المرأة لنيل الاستقلال فى رأيها تكمن فى التقدم نحو الإشتراكية، فالمرأة
حين تساهم مع الرجل فى النضال والحركات التقديمة، فإنها فى الوقت نفسه تخدم قضية
المرأة بشكل عام، وحين يزداد تطور المجتمع نحو التصنيع ستزداد الحاجة إلى العمال
فيزداد عدد الوظائف التي سيتاح للمرأة أن تشغلها، كما أنها ستنهى تدريجيا مركزية
الرجل وشعوره بأن وجوده أسمى من المرأة، إذ يكون الإحساس بالسمو فى مجتمع يعتمد
على المساواة أمر لا يمكن نيله إلا بالكفاح والعمل والإلتزام.
كما تنتقد دى
بوفوار، النساء اللواتى يحتمين بالقيم التى وضعها الرجال وحين تواتيهن فرصة التحرر
يخترن النكوص والإحجام ويرفضن إختيار المسؤولية، وهو ما تعده من وجهة نظر الأخلاق
الوجودية" خطئًا أخلاقيا"، فالنكوص عن تحمل مسؤولية الحرية هو بعينه
الشر الأخلاقى وهو رأى يتفق مع المذاهب الفلسفية التى تفسر النشر على أساس من حرية
الإرادة، فخضوع الإنسان خضوعا غير واع
لقواعد السلوك الجاهزة، بوصفها قيما مطلقة، يعني تخليه عن حريته التي هى
جوهر وجوده، إذ تنشأ الروح المبتذلة التى يسميها سارتر بـ"روح الجد"
التي ينبغي تركها لأنها تعد القيم معطيات عالية مستقلة للذات الإنسانية.
وهاجمت دى
بوفوار، هذه الروح وتنتقدها حيث أن فى ظلها، تنحسر عن الإنسان روح القلق والشك إزاء
القيم الجاهزة، فيتهرب من حريته فى إبداع القيم الحقيقة وهو الأمر بنفسه الذى ذهب
إليه هيجل ومن بعده كيركيجارد ونيتشه، كما تأخذ على المرأة الذى تحول موقفها
النسائى إلى نوع من التحدى بحيث يكون الرجل عدوا لها، وتحاول أن تؤكد ذاتها ضده،
فمثل هذا الموقف لا يعد كفاحا حقيقيا، لأن كل كفاح يفترض وجود ما يخاطر به،
والأحرى على المرأة فى مثل هذه الحالة أن تتخلى عن حياتها المشتركة معه، لأنها فى
هذه الحالة أشبه بالعدمى الذى لا يجد مبررا للوجود.
يذكر أن الجمعية
العامة للأمم المتحدة، حددت 16 يوما للاحتفال باليوم العالمي للقضاء على العنف ضد
المرأة والذى بدأ منذ يوم الخميس 25 نوفمبر، وسوف يختتم نشاط الحملة فى 10 ديسمبر
الجاري، والذى يتزامن مع اليوم العالمي لحقوق الإنسان، حددت الجمعية موضوع اليوم
الدولي لهذا العام وهو "تحويل العالم إلى البرتقالى: مولوا، واستجبوا،
وامنعوا، واجمعوا"، وذلك من أجل رفع الوعي حول مدى المشكلات التى تتعرض لها
المرأة حول العالم مثل الاغتصاب والعنف المنزلى، وغيرها من أشكال العنف المتعددة.