الإثنين 3 فبراير 2025

فن

«الثورة بالمنظور الغربى».. من كتاب «أحجار على رقعة الأوراسيا»

  • 13-12-2020 | 10:34

طباعة

تنشر بوابة «الهلال اليوم» جزءًا من الفصل الخامس من كتاب «أحجار على رقعة الأوراسيا»، للكاتب عمرو عمار، والصادر عن دار «سما» للنشر والتوزيع، وجاء فيه:

الثورة بالمنظور الغربى

أُرخ لثورة (تيين آن من) على أنها ثورة طلابية وعمالية، طالبت بالديمقراطية والحرية، لكن دائمًا هناك حقيقة أخرى تقف خلف الأحداث، حيث كان الهدف إسقاط الرئيس الصينى (دنغ شياو بينغ) باستخدام أحد المقربين له، وهو الأمين العام للحزب الشيوعى الصينى (زهاو زيانج) الموالى للولايات المتحدة الأمريكية، من أجل فتح الأسواق الصينية لشركات وول ستريت، ودمج الاقتصاد الصينى فى مدارات الكوربوقراطية).. (زهاو زيانج) تمت إقالته من منصبه، بعد إخماد الثورة، وتم وضعه تحت الإقامة الجبرية بمنزله، حتى وفاته عام 2005.


وعلى هذا، لم تختلف بكين كثيرًا عن موسكو، بعد تحلل الاتحاد السوفيتى، حيث كان النزاع داخل الحزب الشيوعى الصينى الحاكم يقع بين تيارين؛ أحدهم من القوميين المتمسك بالهوية الصينية، فى مواجهة تيارٍ مؤيد لليبرالية الجديدة، يريد الدوران فى الفلك الأمريكى، على غرار (ميخائيل جورباتشوف) آخر رئيس للاتحاد السوفيتى، ومن بعده (بوريس يلتسين) فى روسيا ما بعد السوفيتية.


ولهذا طارت الدولارات من أمريكا وبريطانيا، وهونغ كونغ، لتصل إلى أوكارها المعروفة فى الصين؛ تشترى الخيام والأطعمة، وأجهزة الكمبيوتر والطابعات، ومعدات الاتصالات المتطورة، وراحت وسائل الإعلام الغربية المملوكة للكوربوقراطية، تبث أخبارًا مضللة، حول حقيقة ما يحدث فى الصين، والتستر على استخدام المتظاهرين للغازات السامة، والخانقة، وأيضًا إخفاء عمليات توجيه المتظاهرين للتخريب والعنف، من قبل (جين شارب) ومساعده (روس جينكينز) من داخل معهد ألبرت آينشتاين(1).


وفشلت ثورة (تيين آن من) وبالرغم من ذلك، ظلت المخططات الأنجلوأمريكية، فى سعيها لزعزعة استقرار الصين، قائمة مع كل دورة من دورات الزمن، سواء بدعم قادة الأويغور الانفصاليين، فى شمالى غربى البلاد، أو بمساندة الجماعة الانفصالية فى التبت، بزعامة (دالاى لاما) أو حتى بتنظيم ثورة المظلات فى هونج كونج عام 2014، بغرض فصل الجزيرة عن بكين، وأيضًا تقديم الدعم الكامل للنظام فى تايوان، بما يضمن عدم عودة الجزيرة إلى البيئة الصينية.


الأويغور على طريق الحرير

يحتوى المشروع العملاق الخاص بالطريق البرى للمبادرة الصينية (الحزام الاقتصادى وطريق الحرير) على ثلاثة خطوط سكك حديدية فائقة السرعة، تربط العديد من المقاطعات الصينية، بكامل رقعة الأوراسيا، عبر ممراتٍ اقتصادية تحقق التعاون المشترك والمنفعة المتبادلة بين الصين ودول الأوراسيا، أما الخط الثانى (الممر الاقتصادى الشمالى الغربى للصين) فيبدأ من (أورومتشي) عاصمة مدينة )شينغيانغ الأويغورية) ويربط دول آسيا الوسطى، بدول أوروبا الغربية.

 

وشينغيانغ مدينة حكم ذاتى تقع فى أقصى الشمال الغربى للصين، يعيش بها ما يزيد عن 12) مليون) مسلم صينى من عرق أويغورى، ومن أصولٍ تركية، وهى موطن (الحزب الإسلامى التركستاني) الأويغورى، الإرهابى، الانفصالى، التابع لتنظيم القاعدة، والممول من قبل وكالة الاستخبارات المركزية.


وهذا الحزب عرف سابقًا باسم (حركة تركستان الشرقية الإسلامية) وهى حركة مسلحة أويغورية انفصالية، تدعو إلى إنشاء دولةٍ إسلامية مستقلة، فيما تسميه هى تركستان الشرقية، أى (تشينغيانغ) وتكافح هذه الحركة من أجل الحصول على استقلال المدينة، وقد نفذت عدة عمليات إرهابية بالصين خلال فترة تسعينات القرن المنصرم.


وتأسست هذه الحركة الانفصالية من قبل (حسن محسوم) الشهير بـ (أبى تركى التركستاني) قبل أن ينقل مقر الحركة إلى كابول، أواخر التسعينات، تحت سيطرة حركة (طالبان) وتنظيم القاعدة، وبإشرافٍ مباشر من الوهابية السعودية، وبعد مقتل التركستانى، على يد الجيش الباكستانى عام 2003، انتقلت رئاسة الحركة إلى الأويغورى (أنور يوسف توراني).


 تورانى هاجر إلى أمريكا عام 1988، وأصبح أول عرق سياسى أويغورى فى عام 1995، حينما أسس فى واشنطن دى سى، منظمة حقوقية باسم (مركز الحرية الوطنى فى تركستان الشرقية) ويُعد تورانى أول أويغورى يطلق حركة استقلال تركستان الشرقية، من الولايات المتحدة، حينما أعلن من هناك حرب الاستقلال عن الصين، من أجل استرداد الأرض المحتلة.


وأما المنظمة الحقوقية التى يترأسها تورانى، فكانت تتلقى دعمًا مباشرًا من الرئيس بيل كلينتون، ومن بعده بوش الأب، وعبر هذه المنظمة تمكن تورانى من عقد تحالفات مع الزعيم التبتى الانفصالى (دالاى لاما) والرئيس التايوانى (تشن شوى بيان) فى محاولةٍ لكسب دعمهم وإنهاء احتلال بلاده.


وفى العام 2004، نصب تورانى نفسه رئيسًا لحكومة تركستان الشرقية فى المنفى، مقرها واشنطن دى سى، على غرار القائد الأعلى للبوذيين التبتيين وزعيم التبت (دالاى لاما) حينما أعلن نفسه رئيسًا لـ (حكومة التبت فى المنفى) من الهند، وعلى الرغم أن وزارة الخارجية الأمريكية أدرجت هذه الحركة على قوائم الإرهاب، إلا أنها تحظى بإمدادات سرية من الأسلحة الأمريكية!.


وهذه الحركة مدعومة فى المقام الأول من قبل أنقرة، تحت حكم أردوغان، منذ كان يشغل منصب رئيس بلدية إسطنبول، آنذاك كان قد ألقى خطابه الشهير عام 1995، قال فيه:

"إن تركستان الشرقية (شينغيانغ الصينية) ليست فقط موطنًا للشعوب التركية، ولكن أيضًا مهدًا لها، إنها التاريخ التركى، الحضارة والثقافة".


كما كان الداهية (جرهام فولر) هو حلقة الوصل بين الحركة وتركيا، منذ كان يعمل كمدير محطة وكالة الاستخبارات المركزية فى أنقرة عام (2) 1994.


وتمكنت الحركة من ضرب جذورها فى مدن اللاذقية وحلب وإدلب، أثناء الحرب السورية التى اشتعلت منذ العام 2012، بتخطيط من وكالة الاستخبارات المركزية، واستخبارات حلف الناتو، جنبًا إلى جنب مع استخبارات تركيا والسعودية، وبمساعدة جيش النصرة، الذى نظم للحركة أول معسكرٍ لها على الأراضى السورية، وتم إطلاق موقعٍ ناطق باللغة التركية، مقره فى تركيا، من أجل تجنيد المجاهدين الأويغوريين للقتال فى سورية، وتعد عمليات هدم الكنائس فى منطقة (جسر الشغور) بمحافظة إدلب السورية، من أهم الأنشطة الإرهابية التى يتباهى بتنفيذها الحزب، وقد قتل زعيمه (أبو رضا التركستاني) على يد قوات الجيش السورى فى مايو 2015.

وعلى هذا، فرع الحركة فى سورية، ذو القومية الأويغورية، وعقيدة أصولية، ووحدة تركية طورانية، هى جزء من الحزب الإسلامى التركستانى )الأم) فى الصين كما ذكرنا، كما أصبح جزء من جيش النصرة، فرع تنظيم القاعدة فى سورية، وجيش الفتح، ويتحالف مع حركة طالبان الباكستانية، وتنظيم القاعدة، وحركة أوزباكستان الإسلامية، ومقره منذ العام 2018 فى مدينة إدلب، بعد رحيله عن اللاذقية وحلب، وقد بدأ الحزب بالفعل حشد صفوفه، مع حركة (طالبان) على حدود أوزباكستان وتركمانستان، فى الأول من يوليو عام 2017، دون تسمية الهدف من هذه الحشود.(3)


وإذا تحركت هذه المجموعات الانفصالية الإرهابية، من مدينة إدلب السورية، إلى مدينة شينغيانغ الصينية، وتحالفت مع الجماعات الجهادية المرابطة فى وادى فرغانة بوسط آسيا، مدفوعة بآلةٍ إعلاميةٍ غربية - عربية مأجورة، ربما تنجح واشنطن فى زعزعة استقرار الصين، وقطع طريق الحرير على الجانب الشمالى الغربى له.


وهذا يعد من أهم العوامل التى تعكر صفو العلاقات التركية- الصينية، وتدفع بكين إلى التحفظ على دمج أنقره بطريق الحرير؛ على اعتبار أن تركيا لا تتحكم وتدير فرع حركة تركستان الشرقية، فى إدلب فحسب، بل تدير وتشرف على الأنشطة الإرهابية لجميع التنظيمات المسلحة التى تم نقلها من جميع المدن السورية التى تم تحريرها من قبل الجيش العربى السورى، واحدة تلو الأخرى، منذ العام 2018.


وعلى الجانب الآخر من شاطئ الإرهاب العالمى، سعت الولايات المتحدة الأمريكية منذ تسعينات القرن الماضى إلى تجميع جيوشٍ من جحافل القوات الناعمة، من المدنيين الأويغور المنشقين عن الحكومة الصينية، حيث تعمل كمنصاتٍ إعلامية وحقوقية، من أجل تهيئة المجتمع الدولى لطبيعة الظلم الواقع على الأويغور من النظام فى الصين.


وبالطبع تبدو هذه المنابر وكأنها تعمل كبوق ناطق بأهداف ومصالح الأويغور، فى شتى بقاع الأرض، وفى حقيقة الأمر هى مجرد أداة خبيثة تنفذ أجندة جيوسياسية أمريكية، وبالتأكيد حينما يتم توصيل الدائرة الكهربائية لهذه الجماعات الإرهابية الأويغورية التابعة لـ(الحزب الإسلامى التركستاني) ستمنح بكين النسخة الخاصة بها من الحرب، وحينها ستوفر هذه المنابر المغموسة فى دولارات الاستخبارات المركزية، الغطاء الشرعى لهؤلاء الإرهابيين، والترويج لهم فى المحافل الدولية على أنهم محاربين من أجل الديمقراطية.

    أخبار الساعة

    الاكثر قراءة