الإثنين 20 مايو 2024

في ذكرى ميلاد مؤسس «دار الهلال».. يوسف نوفل يكتب: جرجى زيدان رائد الرواية التاريخية

فن14-12-2020 | 17:49

يعد جورجي زيدان علامة بارزة في الصحافة المصرية، وهو أحد رواد الصحافة في الوطن العربي، ولد زيدان لأسرة مسيحية فقيرة، وكان له 5 أخوة، هم متري، واجيا، إلياس، يوسف وإبراهيم، عانت أسرته من الفقر وظروف صعبة، ربما مكنته لان يكون صامدا أمام عثرات الحياة في مستقبله، واستطاع أن يكون جورجي زيدان الذي لا يجهله أحد اليوم.


تنشر "الهلال اليوم" مقال الدكتور يوسف نوفل 


بقلم الدكتور يوسف نوفل


فى رصد تطور السرد العربى، ومتابعة أوليّاته، وفى محاولة لتجنب ما أسميه "التحمس البيئي"، وفيه ينحاز كل باحث إلى بيئته فيجتهد فى نسبة السبق إليها دون سواها.ـ أجدنى حريصا على الالتزام بالمنهج العلمى الذى يرصد الظواهر، ويحلل أسبابها، ونتائجها دون التحيز لبيئته المحلية، أو لكاتبه المفضّل.

ولقد عنّ لي، فيما سبق من دراساتي، أنْ أتأمل بحث الدارسين لأوّليات السرد، فوجدت الانحياز الواضح فى تلك الدراسات؛ حيث يحاول الدارس انتزاع الريادة لبيئته المحلية، وكأننا فى سباق قبلى، أو تفاخر بيئى ولهذا أفضّل دراسة الأدب العربى الحديث والمعاصر بوصفه رؤية حضارية خلال الحقبة المعاصرة، تعبر عن واقع كلّى متماسك قبْل، وبعْد، التجزيء المكانى الذى فرضه الاستعمار علينا فرْضا،والتمزيق الأدبى الذى فرضه المستشرقون على دراساتنا قسْرا، أى أننى أدْرس تلك الظاهرة، على وجه الخصوص، نظرة كلية خاضعة للتراسل الفنى بين البيئات العربية من المحيط إلى الخليج ،وتفاعله مع التمازج المكانى، والتعاصر الزمانى، باختلاف ألوان الطيف ،وإنْ كان رغم أنْف المستشرقين.

وحين نمضى مع الأوليات الروائية مقتصرين على نوعها التاريخى سنلتقى بعلامات باكرة يظْهر فيها تتابع الروايات التاريخية العربية حسب التسلسل الزمنى المتتابع منذ منتصف القرن التاسع عشر من خلال أمثلة موجزة ، حيث شهدت سنوات:

1852: رواية شهامة العرب، أو السموأل، وامرئ القيس، وكلتيهما لنسيم ملول.

1870:الهيام فى جنان الشام لسليم بطرس البستاني.

1871: زنوبيا لسليم بطرس البستاني.

1874: الهيام فى فتوح الشام لسليم بطرس البستاني.

1880: تحفة الزمان فى أخبار الملك زادبخت بن شهرمان لأسعد صوان،والأمير جوزيف ليعقوب غريب. 1888 : زنوبيا نموذج السيدات لحنّون نمور.

1889: السابع عشر من رمضان، لجرجى زيدان.

1891: المملوك الشارد لجرجى زيدان.

1892: أسيرة المتمهدى لجرجى زيدان.

1893: استبداد المماليك ، وجهاد المحبين ،وكلتاهما لجرجى زيدان.

1895: انتصار المحبين لجرجى زيدان.

1896: أرمانوسة المصرية لجرجى زيدان.

1897: سر مملكة لسليم سركيس.

1898: عذراء قريش لجرجى زيدان.

1901: الحجاج بن يوسف ، وغادة كربلاء ،وكلتاهما لجرجى زيدان.

1902: أسرار القصور لأمين رسلان.

1903: فتْح الأندلس لجرجى زيدان.

1904: أورشليم الجديدة ،أو فتْح بيت المقدس لفرح أنطون ، وشارل وعبد الرحمن ،وشجرة الدر ،وكلتاهما لجرجى زيدان.

1905: أبو مسلم الخرسانى لجرجى زيدان، وأسرار الثورة الروسية لخليل سعادة .

1906: العبّاسة لجرجى زيدان، وأسرار مصر لنقولا حداد.

1907: أمير لبنان ليعقوب صروف ، والأمين والمأمون، ومحمد على، وكلتاهما لجرجى زيدان.

1908: أحمد بن طولون ،وعروس فرغانة لجرجى زيدان.

1909 : عبد الرحمن الناصر لجرجى زيدان.

1910: عبد الرحمن الناصر لجرجى زيدان.

1911: الانقلاب العثمانى لجرجى زيدان.

1912: فتاة القيروان لجرجى زيدان،ووفود النعمان على كسرى أنوشروان لمحمد عزة دروزة،والفتاة الأرمنية فى قصر يلدز لعقيل أبو الشعر.

1913: صلاح الدين ومكائد الحشاشين لجرجى زيدان .

1919و1920: روايات عديدة بعنوان يبدأ بـ"واقعة..." لأمين الكيلاني.لمعروف الأرناءوط.

وفى تأمل هذا العدد الذى نكتفى بالإيجاز فيه دون لجوء للإحصاء والحصر،نلاحظ :

كثرة عدد منْ حاولوا الريادة ، وحاولوا الكتابة الفنية لجنس أدبى يظهر فى صورة فنية جديدة على غير ما ألفْناه فى القصة العربية التراثية القديمة، بما فى محاولات الريادة من تفاوت درجات الفن ، وآلياته .

ونلاحظ ـ بداية ـ أنّ همّ الريادة كان حلْم جيل بأكمله . لا حلم فرد واحد، أو عدد محدود من الأفراد ، الأمر الذى لا يجعلنا نحسب أن كوكبتهم منحصرة فيمن سبق من أعلام . بل يضاف إليهم أضعاف عددهم من بيئات عربية شتى ممن تنسب لهم الريادة من عراقيين ،وسوريين ،ولبنانيين، وفلسطينيين ، ومصريين ،كميخائيل نعيمة فى «العاقر» ،وفرانسيس مراش ، ونعمان عبد القساطلي، وشكرى العسلي، وسليمان فيض الموصلى والفلسطينى خليل بيدس، والمصرى محمد حسين هيكل، وخليل خوري، ومحمود خيرت، وأمثالهم ممن فصلنا الحديث عنهم فى دراسات سابقة.

كما نلاحظ أن الصفات التى توافرتْ فى الرائد يمكن تلخيصها فيما يلى:

1ـ الاستمرارية، والتتابع، التى تدل على تدفق مشروع فنى لدى مبدعه، بحيث لا يكاد يمرّ عام إلا وقد أصدر رواية أو أكثر من رواياته المتتابعة.

2ـ الكثرة والتراكم، اللذان يدلان على ثراء الكاتب فنّيا.

3ـ فضلا عن مستوى البناء الفنى الذى يميز هذا عن ذاك.

وللباحث هنا أن يحكم ـ بصدق ، وبمنهج علمى بحْت ـ أن تلك الصفات توافرت فى جرجى زيدان(1861ـ191) فى الرواية التاريحية، وهو ما نراه متحققا لدى جرجى زيدان، الذى حرص على مداومة الإصدار، فلا يكاد يمر عام دون أن تشهد الساحة الثقافية ميلاد عمل روائى له، أو أكثر من عمل روائى ، وهى سمة يتمتع بها دون غيره ، على نحو ما يرى متتبع أعماله ومراقبة تواريخ صدورها ، حيث أبدع منذ سنة 1894 أكثر من عشرين رواية تاريخية ،طبعت طبعات عديدة ،وشاعت فى أرجاء المعمورة بين أيدى قرّاء العربية، وتداولها أبناء من أجيال متتابعة متلاحقة فى أرجاء الدنيا ، هذا فضلا عن مستواها الفنى ، وصداها لدى الدارسين؛ إذْ حذا ـ عن قصد فنى واضح ـ حذْو الأب الحقيقى للرواية التاريخية عالميا فى نماذجه الرائدة أمثال :الإنجليزى الاسكتلندى " وولتر سكوت" (1771ـ 1832)،والفرنسى "إسكندر ديماس الأبّ .

ولقد استمد جرجى زيدان مصادرأعماله من منابعها التاريخية ، واستلهمها بدقة ، ونهل ـ عربيا ـ من مناهل أعلام العصر من أمثال : إبراهيم اليازجى ،وعبد الله البستاني، وأمثالهم، ثم ـ وهذا هو الأهم ـ أنه اهتدى ـ فى وقت باكر ـ إلى النافذة الحقيقية التى أطل منها الفن القصصى العربى الحديث ، ألا وهى نافذة الصحافة ،فلم يقتصر على اشتراكه فى تحرير صحيفة الزمان اليومية لصاحبها "علكسان صرافيان"سنة 1884 ،وإدارته أعمال مجلة المقتطف التى صدرت منذ سنة 1876 حتى 1952 ، وذلك فيما بين مايو 1886ـ 1888، لم يكتف بذلك، وبمثله . بل طمح إلى أجنحة النشر ، وتوسيع سماواته ،فأنشأ سنة 1891مطبعة التأليف مع مواطنه نجيب مترى المتوفى سنة 1928، والذى أسس دار المعارف سنة 1892،ولما انفضّتْ الشركة احتفظ جرجى زيدان بالمطبعة ، وأسْماها مطبعة الهلال، لتستمر حتى الآن فى دار الهلال ،وليصدر مجلة الهلال،ثقافية شهرية سنة 1892 ،حاملة أقلام مشاهير العصور ،ولتواصل مسيرتها فى الأدب والثقافة، والقصة حتى الآن ،وقام على تحريرها حتى فارق الحياة بين أوراقه فى 21/7 سنة 1914،وفيها نشر لكثير من الكتّاب ، كما نشر رواياته ، واستقر نشرها فى روايات الهلال منذ الإصدار الأول فى يناير 1949متابعا مسيرته بإصرار وعناد ،حتى استحق الظفر بالحكْم الصادق الذى أطلقه أنيس الخورى المقْدسى ( إمام هذا الفن )،والفوز برأْى سهيل إدريس :" أنه، دون منازع، خالق الرواية التاريخية" ، وحتى قال عنه المنفلوطى:

" كنت أقرأ ذلك الأسلوب العذب الذى يكتب به فأتخيله مرآة نقية ،قد ارتسمت فيها نفس الكاتب ،جليّة واضحة لا غموض فيها "، وليثبت حقا أن الصحيفة والمجلة والدورية الأدبية هى الجناح الذى انطلقت منه الفنون الحديثة من خلاله ، وعلى رأسها القصة، والمقال .

وهكذا سجّلتْ العقود الماضية من عمْر ثلاثة قرون أعمال جرجى زيدان فى مجالات الصحافة ،والتاريخ ،والدراسات الأدبية، والرواية التاريخية التى شقّتْ طريقها لدى المتلهفين عليها، الشغوفين بها، متبوّئة مكانتها الشهيرة فى نوع أدبى مهمّ هو الرواية التاريخية، وصار الحكْم بتقديرها مسلّما به لدى الدراسين والباحثين ، ولدى القراء والمتلقين، سواء اتفقوا مع منهج جرجى زيدان، ورؤيته الفنية.


فيما أثار من قضايا ومشاكل، وتناول من أحداث ومواقف، وصور من شخصيات ونماذج ـ أمْ اختلفوا معه، وتلك قضية أخرى ناقشناها فى عدد سابق من مجلة الهلال (يناير 2012 ،ص 132 ـ135)، ولا محلّ لإعادة الحديث عنها الآن.