الجمعة 27 سبتمبر 2024

فنون الأدب الشعبي وسياق العرض الجماهيري

أخرى16-12-2020 | 12:46

عندما يتعرض الباحث الفولكلوري أو الانثروبولوجي إلى الميدان لجمع مادة متخصصة في فنون الأدب الشعبي فهو أمام سياقين، سياق أحدهما شعبي ، والآخر جماهيري ؛ وهناك بالطبع عدة اختلافات جوهرية فيما بين السياقين ؛ ومن ثم هناك جدلية في قضية الاستلهام من الثقافة الشعبية داخل سياق العرض الجماهيري "الذي يتمثل في فرق الفنون الشعبية " وسنركز في هذا المقال على فرقة النيل للموسيقى والغناء الشعبي كنموذجًا للعروض الجماهيرية التي استلهمت الكثير من الغناء الشعبي وعرضته على المسرح .

وتكمن جدلية الاستلهام من التراث بين مؤيد ومعارض لفكرة إعادة انتاج مواد التراث الشعبي لما في ذلك من تبديل وتحريف وإضافة وأيضًا تخلي لبعض عناصر ومكونات الفنون الشعبية حتى تتناسب مع العرض الجماهيري.

وهناك عدة عوامل يمكن رصدها في هذا الإطار:

أولًا : ديناميات التغير الاجتماعية والاقتصادية والتكنولوجية واندماج الفنان الشعبي داخل المؤسسات الثقافية المختلفة وذلك أثر بكل تأكيد على ما يقدمه الفنان ( المؤدي) للجمهور المتلقي ومدي الضوابط المفروضة عليه

ثانيًا : النزعة الوظيفية كنظرية تثبت علاقة الفنون القولية ومدى تفاعلها مع السياق الاجتماعي وأيضًا الثقافي الذي أبدع هذه الفنون , ومن هذا المنطلق يُمكن للباحث الميداني أن يرصد ردت فعل الجمهور المتلقي الذي يُبدي في بعض الفقرات عدم التفاعل وذلك لأنه ليس ابنًا لهذه الثقافة التي تتمثل في موال قصصي (صعيدي) أو فلاحي فهناك بعض الغموض يحيط بالكلمات أو المصطلحات الخاصة بكل لهجة شعبية والتي تُقدم عبر السياق الجماهيري ستـجعل المؤدي مُجبر على عملية التغيير والاحلال لبعض الكلمات المتأصلة في النص الشعبي الأصيل وحول هذا يقول "دورسون: وأخذ الدارسون يرون علاقة نفاذ وتأثير متبادل بين الثقافتين (الشعبي والجماهيري ) لا علاقة مواجهة وتنافر فالشعب القروي يصب في نهاية الأمر في المدن ويتكيف أبناؤه بدرجات مختلفة مع إيقاع الحياة في المدينة ويجاهدون من أجل الحفاظ على هويتهم الشعبية"

ثالثًا : تكمن مشكلة غاية في الأهمية وهي أن الجيل الحديث نسبيًا ينفصل بشكل واضح عن هذه الفنون والمأثورات الشعبية وغير حاضن لها بل يرى في العرض الجماهيري نوع من فانتازيا الفولكلور .

"ويمكننا أن نرى إضاءات ودراسات علمية رصينة قد ركزت بشكلٍ واضح على مصير المأثورات الشعبية في عالم متغير تغلب عليه النزعة التطورية والتكنولوجية" وهي دراسة د. رشدي صالح باللغة الإنجليزية عنوانها:Influences of media on folklore in Egypt في كتابه Folklore in modern world

-       الدراسة الثانية لرشدي صالح أيضًا تحت عنوان المأثورات الشعبية والعالم المعاصر 1972 وقد ركزت تلك الدراسة على قضية تغير عناصر التراث الشعبي بفعل متغيرات الحياة الحديثة ويلخص هذه العملية المركبة ويقول ‘‘ إنَّ الكثير من المأثور الشعبي الموروث يتعرض للاندثار والتعديل والكثير منه يمر بعمليات الملاءمة وإعادة ترتيب العناصر أو تعديلها والإضافة إليها ، كما أن مأثورات شعبية متوالية تولد لمواجهة ظروف الحياة الجديدة فالتوسع في الاستخدامات التكنيكية وتغيير ملامح البيئة وتعميم التعليم وتعريض عقل الإنسان وخياله لسطوة التنميط وجبروت وسائل الاتصال الجمعي الحديثة ، كل ذلك يتتبعه الباحثون في ثقافات الأمم وينبهون على أثره على أصالتها ‘‘

 

فرقة النيل للموسيقى والغناء الشعبي

-       تتبع فرقة النيل حاليًا لإشراف جهاز الثقافة الجماهيرية ، وهذه الفرقة قد تغير اسمها عبر مراحلها منذ أن أسسها زكريا الحجاوي والتي تعود إلى حقبة الخمسينات من القرن العشرين ، وكانت البداية عندما أوفد الأديب يحي حقي رئيس مصلحة الفنون في ذلك الوقت ، زكريا الحجاوي لعمل جولة إلى أقاليم مصر للبحث عن بعض المؤديين الشعبيين بغرض تكوين فرقة تتبع وزارة الإرشاد القومي في تلك الفترة ، وكان ذلك بهدف مشاركة مصر في مناسبات التبادُل الثقافي مع الدول الأخرى، فقد أثمرت رحلة الحجاوي في نجوع وقرى وأقاليم مصر ضم العديد من المؤديين الشعبيين وقاموا بأول عرض شعبي بمسرح حديقة الأزبكية وكان الحفل بمناسبة عيد الثورة في يوليو 1955 ، ثم قدمت الفرقة عروضًا دائمة فيما بعد في المناسبات القومية والدينية كموالد الأولياء وفي ليالي رمضان ، وكان للفرقة سرداق في الحسين "وأطلق علية اسم سرداق الحجاوي " وقد عُرفت هذه الفرقة في المرحلة الأولى باسم فرقة (الفلاحين) وكان يطلق عليها احيانًا فرقة الحجاوي ، وتعتبر هذه هي البداية والنشأة الأولى لفرق الفنون الشعبي التي ترعاها الثقافة الجماهيرية ، ويذكر رشدي صالح " ولا يفوتنا أن ننوه بفرق الفنون الشعبية كفرقة (ليل يا عين) التي كانت محاولة سباقة في هذا الميدان ثم فرقة الفلاحين التي تعينها وزارة الثقافة والإرشاد والتي قدمت عروضًا في مناسباتنا القومية والعامة وعندما نذكر أن ثورة 23 يوليو هي التي رسمت حدود هذه المرحلة وميزتها عن المرحلة السابقة ,فإننا نعني أنها خلقت ظروفًا موضوعية تاريخية للتطور الفكري والاجتماعي الذي فرض ويفرض الاتجاه إلى حياة الشعب وميراثه وفنونه بهدف دعم وتأصيل الطابع القومي وربط الحاضر بالماضي وبالمستقبل وإثراء حياتنا بهذا التراث الذي أبدعته أجيال متوالية من الآباء والأجداد"

 

ويقول عبد الرحمن الشافعي عن بدايات الفرقة " فرقة النيل للفنون التقليدية هي الفرقة الأم لفرق الآلات الشعبية التابعة للثقافة الجماهيرية تكونت بعد رحلة الحجاوي إلى قرب مصر لتجميع الفنانين الشعبيين من مطربين ومداحين وراقصين ومؤدي سيرة ولاعبين شعبيين من مختلف أرجاء مصر , واستطاع الحجاوي أن يُقدم هؤلاء للحياة الفنية حيث قدم محمد طه ، خضرة محمد خضر ، جمالات شيحة وغيرهم وانتزع احترام المثقفين لهؤلاء الناس "