السبت 15 يونيو 2024

«المكونات الجمالية في شعر الحداثة».. كتاب جديد لعصام شرتح

فن22-12-2020 | 19:53

صدر حديثًا عن الهيئة المصرية العامة للكتاب برئاسة الدكتور هيثم الحاج على كتاب جديد بعنوان "المكونات الجمالية فى شعر الحداثة.. بجث فى النقد الجمالي" للدكتور والناقد السوري عصام شرتح.

يتناول الكتاب فكرة أن الحداثة لا شك في أنها اشتغلت على قيم جمالية وفنية فى بنية القصيدة المعاصرة، فهذا التطور الذى طال حركة الحداثة فى  العالم المعاصر قد انعكس على بنيتها الجمالية، فما نلاحظه فى الواقع الشعرى اليوم من تنام لحركة القصيدة فى شكلها الإبداعى ما هو إلا نتيجة حتمية لهذا التطور المعرفى والحس الجمالى فى تشكيل القصيدة، فالقيمة الجمالية ليست فى شكل القصيدة وتغايراتها التشكيلية فحسب، وإنما فى مغرياتها ومحفزاتها الجمالية.

حاول الدكتور عصام شرتح، من خلال هذا الكتاب البحث فى بعض التجارب الشعرية المؤثرة فى مسار القصيدة الحداثية من حيث التقنيات والوظائف والمؤثرات ومن أبرز هؤلاء الشعراء "عز الدين المناصرة"، "شوقى بزيع"، "جوزف حرب"، "حميد سعيد"، "على جعفر العلاق"، "محمد سعيد العتيق"، وقد اتسمت هذه التجارب الشعرية بأنها أحرزت تغييرًا ملحوظًا فى التقنيات الجمالية للقصيدة وكذلك فى البنى التشكيلية لها، فامتازات بمؤثراتها الحساسة، فالقصيدة لا تحقق إثارتها إلا بتناميها جماليًا وإكسابها مرجوجها الإبداعى الخلاق.

يأتى الكتاب فى 285 صفحة من القطع المتوسط، ويتكون من ستة فصول يناقش فيها الكاتب فى الفصل الأول منه "المرجعية الجمالية فى قصائد محمد سعيد العتيق" فيبدأ فى تحديد المرجعيات اللغوية التى يملكها الشاعر فى تشكيل القصيدة لإبراز ملمحها الجمالي، وخلق مؤشراتها النصية البليغة فى القصيدة، ثم المرجعيات الفنية التى تتحكم فى شكل القصيدة، فلولا امتلاك الشاعر لمرجعية فنية مؤثرة تساهم فى خلق تشيكيلات شعرية مؤثرة التى تنطوى على كثير من القيم الجمالية التى حركت القصيدة، أيضًا يحدد المرجعية الثقفية للقصيدة فالشعر ماهو إلا ثقافة وتجربة غنية وإفرازات معرفية عديدة، التى تظهر من خلال ثقافة الصورة أو ثقافة الصورة البصريةللأشياء وتمثيلها شعريًا، أيضًا يضع "شرتح" فى الحسبان المرجعية التشكيلية التى تعتبر جوهر العملية الإبداعية وكذلك المرجعية الرؤيوية، فالعشر لابد أن يعبر فى جوهره عن رؤية وموقف من الحياة التى تأتى ضاربة لكل جوانب الحياة ومناحيها بكافة مستوياتها، كذلك يخوض الكاتب حديثه عن القصيدة بتحديد المرجعية المشهديةوكذلك المرجعية التارييخية الصوفية لها.

ويناقش عصام شرتح، في الفصل الثاني "إستطيقا الزمن الروائي" والشعرى فى قصائد"أولئك أًصحابى" لحميد سعيد، ويرى الكاتب أن تلك القصائد تمتلك الإنفتاح الإستطيقى الزمكانى الذى يمنحها فى الرؤوي وتكثيف الإيحاءات، فهى لا تقع ضمن المتخيلات الشعرية ولا ضمن المسرودات الروائية الباهتة والمكرورة والمستعادة، فهذا التلاقح الفنى الخصيب بين شعرية الرواية وروائية الشعر تتعدى فضائها الزمني الروائي لتحيا بزمنها الإبداعي.

فى الفصل الثالث يتحدث الكاتب عن "تحولات الشعرية من المقصدية إلى الإنفتاح الدلالى فى شعر شوقى بزيغ"، فيرى أن حدود الإنفتاح الحوارى التناصى فى قصائد "شوقى بزيع" يشكل مرجعيًا دلائليًا كاشفًا عن مصدر حراكها الرؤيوى وعلاقتها النصية الفاعلة التى توجه مساراتها النصية، وعلى الرغم من أن لكل شكل تناصى أسلوبه، وخاصيته النصية التى تميزه عن بقية الأِشكال التناصية فى القصيدة، كما أن رصد تحولات الشعرية على مستوى مسألتى القصيدة والإنفتاح الدلالى فى شعر"شوقى بزيغ" بدت فى المستوى الفنى السامق لقصائده مما يدل على مقصدية فنية دقيقة وقدرة تشكيلية عجائبية تعى مسؤوليتها فى إنتاج كل ماهو جمالى  وإستثنائى فى رصد تحولات القصيدة.

يتطرق"شرتح" فى الفصل الرابع إلى "مفاتيح نصية مهمة فى شعر عز الدين مناصرة"، فيحدد الرموز الأسطورية التى استطاع الشاعر"عزالدين مناصرة" خلق جوها الأسطورى ويكسب الأسطورة ملامح حداثية يعرى من خلالها الواقع ويتطلع إلى الأفق البعيد، فإن أبرز ملمح فى تجربته الشعرية هو توظيفه للموروث العربى والشعبى خصوصًا "إمرؤ القيس"، "زرقاء اليمامة"، حيث له القدرة على مباغتة القارئ بإستلهام الحدث الأسطورى والتلاعب بالشخصية الأسطورية بما يخدم جوهر الرؤية وعمق مردودها الإيحائى، كما يستطيع الكاتب أن يلتقط دلالات الإغتراب بأشكاله المختلفة فى قصائده، فهو يعد من الدوائر الدلالية الكاشفة عن عمق تجربة الشاعر،كذلك يحدد من خلال عدة قصائد النظرة الثورية التعروية الحادة،التشكيل البصرى .

فى الفصل الخامس بعنوان"سحر الإبداع وخصوبة الشعرية عند على جعفر العلاق"، حيث يرى الكاتب أن مقومات الإبداع الشعرى لدى الكاتب مرت فى خمس مراحل، لكل مرحلة سماتها الخاصة وشكلها الفنى، ففى المرحلة الألى كان أبرز ما كا يمزه احتفاؤه بالشكل الفنى للقصيدة حيث العناية الفائقة باللغة وغرابة الصورة الشعرية، فى المرحلة التى تليها يحتفى"العلاقط بالعبد البصرى النفسى لقصائده بإدخال بعض التقنيات الفنية الجديدة كالتلاعب فى شكل الخط وتوزيع الكلمات على بياض الصفحة، وفى المرحلة الثالثة تميزت فيها إنتاجه الشعرى بالعمق والتخييل الشعرى وحنكته فى الإنتقال من صورة إلى صورة ومن موضوع إلى آخر، أما فى المرحلة الرابعة ظهرت فيها بوادر الإكتمال والنضج الفنى لديه من حيث الرؤية والفعالية اللغوية وتطويعها بما يخدم جمالية الحس الفنى للقصيدة، أما فى المرحلة الأخيرة تتأكد فيها قوة الدفقة الشعرية وخصوصية الأداء وعمق التجربة وأبرز ما يميزها التأنق الفنى والخبرة الجمالية.

وأخيرًا فى الفصل السادس بعنوان"جمالية القصيدة المقطعية عند جوزف حرب" ..قصيدة "دوارة السنونو" أنموذجًا، والتى من خلالها يرى الكاتب أن شعرية القصيدة لدى"جوزف حرب" تتميز بالشاعرية حيث تنوع الصور المحفزة لشعريتها وغالبًا ما تكون الصورة المحرك الأساسى لتفعيل قصائده جماليًا لتخلق متعتها وتناميها الجمالى، وغالبًا ما توظف الطبيعة بكل مظاهرها الجمالية من ظلال وأخيلة وأوزان ليخلص قصيدة اللوحة لتبدو كقصيدته وإن كانت مقطعية أشبه بلوحات جزئية تمتزج فيها بينها نسق اللوحة الكلية مما يضفى عليه مزيدًا من التنوع والخصوبة الجمالية.