الإثنين 29 ابريل 2024

ملتقى الفكر الإسلامي: العدل كلُ لا يتجزأ وهو أساس الحضارات والاستقرار

الملتقى

دين ودنيا29-4-2021 | 21:42

دار الهلال

أكد ملتقى الفكر الإسلامي أن النبي (صلى الله عليه وسلم) كان أنموذجًا عمليًا وتربويًا في تطبيق العدل، مشيرا إلى أن العدل كلُ لا يتجزأ وهو أساس الحضارات والاستقرار، وبه تتحقق الراحة النفسية للمجتمعات وتساس الرعية ويسعد الناس وتستقيم الحياة، وهو خلق العظماء وصفة الأتقياء ودأب الصالحين وطريق الفلاح.

جاء ذلك في الحلقة السابعة عشر لملتقى الفكر الإسلامي، اليوم الخميس، الذي ينظمه المجلس الأعلى للشئون الإسلامية تحت رعاية وزير الأوقاف الدكتور محمد مختار جمعة، في إطار التعاون والتنسيق بين وزارة الأوقاف المصرية والهيئة الوطنية للإعلام؛ لنشر الفكر الإسلامي الصحيح، ومواجهة الفكر المتطرف، وتصحيح المفاهيم الخاطئة، وجاءت بعنوان: "العدل"، وحاضر فيها كلٌ من: الدكتور بكر زكي عوض عميد كلية أصول الدين الأسبق جامعة الأزهر، والدكتور نوح العيسوي رئيس الإدارة المركزية لشئون المساجد والقرآن الكريم.

وفي بداية كلمته، أكد الدكتور بكر زكي عوض أن الإسلام جاءَ لإخراج الناس من جَور الأنفس إلى عدلِ الإسلام، حيث إنّه بالعدلِ قامت السماوات والأرض، واتَّصف الحقّ سبحانه به، ونفَى عن نفسه ضدَّه وهو الظلم. قال تعالى: "إِنَّ اللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ"، وقامَ دين الإسلام على العدلِ، فقال تعالى: "وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً"، فهو صِدق في أخباره، عَدل في أحكامه، لا يقِرّ الجورَ والظلم ولا العدوان، بل هو دائمًا مع الحقِّ أينما كان، يأمر بالوفاء بالعقودِ والعهود حتى مع الكفّار.

وأشار عوض إلى أن مظاهر العدل في شهر الصيام تتجلى لنا في فرض الصيام علينا مثلما فُرِض على الأمم السابقة، قال تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ"، كما أن من مظاهر العدل في ارتباط الصوم بشهر هجري وهو شهر رمضان أن الإنسان عندما يصوم لا يصوم في الصيف فقط، أو الشتاء فقط، وإنما يصوم في جميع أيام العام كله.

وأضاف أن العدل مأمورٌ به في كلّ الأحوال؛ لأن مقامَ العدلِ في الإسلامِ عظيم، وثوابَه عند الله جزيل، فالعادِل مستجَابُ الدعوة، والله يحِبّ المقسطين، وصاحِبُ العدل في ظلِّ الرحمن يومَ القيامة، والحاكم والمسؤول مأمور بالعدل: "إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ"، وسواء كان الحكمُ قضاءً أو قِسمةً أو حكمًا على أفرادٍ أو جماعَات أو تَصنيفًا أو جَرحًا وتعديلًا، كلُّ ذلك يجب أن يكونَ بالعدل، مؤكدًا أنه يجِب على الوالد أن يعدِل بين أولاده في العطايا والمعامَلة، فلا يفاضِلُ بينهم بالهِبات، وقِصّة النعمانِ بن بشير رضيَ الله عنه مشهورة في هذا، وقد ردّ النبيّ عليه الصلاة والسلام عطيّتَه حين لم تحصُلِ المساواةُ بين كلِّ الأولاد، وكذلك يجب على الزوجِ أن يعدلَ بين أزواجه، وأن يساوِيَ بينهنّ في المبيت والنّفقَة والحقوق الزوجية.

وتابع عوض: "العدل يحقق الراحة النفسية للجميع، كما أن العدل كلٌّ لا يتجزأ، وعند تطبيقه لا يعرف أجناسًا ولا ألوانًا ولا أنواعًا ولا أديانًا، وإنما يعرف شيئًا واحدًا وهو إحقاق الحق وإبطال الباطل".

وفي كلمته، أكد الدكتور نوح العيسوي أن خُلق العدل من الأخلاق العظيمة الكريمة المحببة إلى النفس، فهو يبعث في النفس الأمان والطمأنينة إذا تم تطبيقه في الحياة، فلا يخاف المظلوم من عدم إنصافه، ولا يجد الظالم إلا أن يكف ظلمه عن البشر، ولذلك أمرنا الله تعالى بإقامة العدل مهما كانت درجة القرابة، والبعد عن اتباع الهوى مهما كانت درجة الغنى أو الفقر، فسبحانه ولي الجميع، فقال تعالى في محكم آياته: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَن تَعْدِلُوا وَإِن تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا"، فالآية أمر من الله بإقامة العدل حسبةً لله وألا نجعل بُغضنا لقوم أو لأي أحد سبب في ظلمه ومنعه حقه الذي أوجبه الله تعالى.

كما أكد العيسوي أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) كان خير من أقام العدل وحكم بالقسط بين الناس أيًا كانت مكانتهم، حتى مع غير المسلمين فقد كان صلوات ربي عليه ينصفهم إن كان الحق معهم، فقال (صلى الله عليه وسلم) مبينًا قيمة العدل: "إن المقسطينَ في الدُّنيا على منابرَ من لؤلؤٍ يومَ القيامةِ بينَ يدي الرحمنِ بما أقسطوا في الدُّنيا"، هذه هي منزلة المقسط العادل يوم القيامة، فما أروعها من مكانة عالية ينالها كل من تخلق بهذا الخلق الرفيع.

وأضاف العيسوي: "يتجلى لنا عدل الرسول (صلى الله عليه وسلم) في هذا الموقف العظيم، حين قال (صلى الله عليه وسلم): "من حلفَ على يمينٍ وَهوَ فيها فاجرٌ ليقتطعَ بِها مالَ امرئٍ مسلمٍ لقيَ اللَّهَ وَهوَ عليْهِ غضبان" فقالَ الأشعثُ بنُ قيسٍ: "فيَّ واللَّهِ كانَ ذلِكَ كانَ بيني وبينَ رجلٍ منَ اليَهودِ أرضٌ فجحدني، فقدَّمتُهُ إلى النَّبيِّ (صلى الله عليه وسلم) فقالَ لي رسولُ اللهِ (صلى الله عليه وسلم): "ألَكَ بيِّنةٌ؟" قلتُ: لاَ، فقالَ لليَهوديِّ: "احلف"، فقلتُ: يا رسولَ اللهِ إذًا يحلفَ ويذْهبَ بمالي"، فنجده صلوات ربي عليه لم يحكم لقيس المسلم الموحد بالله بأرضه الذي أخذها اليهودي لأنه ليس معه بينة، ورضي بحلف اليهودي الكاذب فالأرض تحت يده وأقسم أنها له، فصلوات ربي عليك وعلى آلك وصحبك أجمعين".

وفي ختام كلمته، أكد العيسوي أن النبي (صلى الله عليه وسلم) حذرنا من أن نأخذ ما ليس لنا، ومن يفعل ذلك فقد اقتطع لنفسه قطعة من النار. فقال صلى الله عليه وسلم: "إنما أنا بشرٌ، وإنكم تختصمون إليَّ، ولعلَّ بعضَكم أن يكون ألحنَ بحُجَّتِه من بعضٍ فأقضي له على نحوِ ما أسمعُ، فمن قضيتُ له بحقِّ أخيه شيئًا فلا يأخذُه، فإنما أقطعُ له قطعةً من النارِ"، فما أحوجنا أن نقتدي برسول الله (صلى الله عليه وسلم) في أقواله وأفعاله، وأن نتخلّق بخلق العدل حتى يشملنا ربنا سبحانه وتعالى بعنايته ورعايته ورحمته.

Dr.Randa
Dr.Radwa