الخميس 27 يونيو 2024

جولة المصارحة

10-5-2017 | 13:24

بقلم –  حسين هريدى

سبق للرئيس عبد الفتاح السيسى منذ أن أصبح رئيسا للجمهورية فى يونيه ٢٠١٤ أن زار المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ودولة الكويت ومملكة البحرين خلال الثلاث سنوات الماضية، لكن السيد الرئيس قام خلال الأسابيع الأخيرة بأول جولة خليجية بدأت بزيارة السعودية فى الشهر الماضى ثم أعقبها بزيارة للإمارات فى بداية الشهر الجارى، ثم توجه للكويت والبحرين فى الفترة من ٧ وحتى ٩ مايو.

 

مما لاشك فيه أن فى كل هذه الزيارات نوقشت أغلب الملفات المتعلقة بالعلاقات الثنائية خصوصا فيما يتعلق بجوانبها الاقتصادية والتجارية والمالية والاستثمارية، ومن حسن الطالع أن الزيارة للكويت تزامنت مع موافقة مجلس النواب المصرى على قانون الاستثمار الذى طال انتظار صدوره على مدى العامين الماضيين، ليس فقط فى مصر وإنما فى الخليج وسائر أنحاء العالم.

لكن هذه الجولة الخليجية للسيد الرئيس لم تتمحور أو تتركز على المسائل المتعلقة بالعلاقات الثنائية بين مصر والدول الخليجية، وإنما تركزت على قضايا ذات طبيعة إستراتيجية تتعلق بمصر أولا ثم ما هو أبعد من الحدود المصرية ليشمل مصير المشرق العربى فى المستقبل بما فى ذلك القضية الفلسطينية.

جاءت هذه الجولة الخليجية بعد أن بدأ الرئيس السيسى يتحدث علانية عن موضوع الدول الراعية للإرهاب، وتشديده على ضرورة اضطلاع المجتمع الدولى بدوره فى مواجهة هذه الدول. بطبيعة الأمر لم يذكرها بالاسم وإنما ليس من الصعب التكهن بها، وإحداها دولة خليجية لا تخجل من إعلان وقوفها إلى جانب جماعات يعلم القاصى والدانى أنها جماعات إرهابية تمارس الإرهاب وتروع المجتمعات بحجج واهية شتى، ورئيس هذه الدولة الخليجية وفى كل محفل عربى وآخره القمة العربية العادية فى البحر الميت بالأردن فى نهاية مارس الماضى يتهم مصر دون أن يسميها بأنها تحارب جماعات سياسية معارضة بحجة محاربة الإرهاب، وكان يقصد بذلك جماعة « الإخوان المسلمين».

ومن الواضح أن الرئيس السيسى ما كان قد أشار إلى دول تقف وراء العمليات الإرهابية فى مصر فى غياب توافر أدلة دامغة على تورطها فى تقديم الدعم المادى والعسكرى للجماعات الإرهابية، بل نذهب أبعد من ذلك ونقول تشجيعها على الدفع بعناصرها من العراق وسوريا للتوجه الى ليببا ومنها إلى مصر.

والجدير بالذكر فى هذا الصدد أن الرئيس السيسى صرح وقبل جولته الخليجية بأن مصر قادرة على الرد، وهو تصريح المراد منه توجيه تحذير لهذه الدول أن القاهرة لديها من الوسائل الكفيلة برد الصاع صاعين، إلا أنها تريد بداية استنفاذ كافة السبل من أجل إقناع هذه لدول بوقف دعمها للإرهاب داخل مصر، وهى الرسالة التى حملها الرئيس السيسى فى جولته الخليجية، وليس بالضرورة أنه قال إن مصر سترد وإنما كشف الحقائق المؤسفة والمحزنة أمام القادة فى الخليج يدفعهم للحديث بكل الجدية الواجبة مع هذه الدولة العضو فى مجلس التعاون الخليجى لكى تعيد النظر فى سياستها الرامية إلى زعزعة أمن واستقرار مصر.

المثير للاهتمام فى هذا الصدد أن الأصوات بدأت تتعالى فى واشنطن بشأن اللعبة المزدوجة التى تقوم بها الدولة المشار إليها، فهى منضمة لكل التحالفات الدولية والعربية التى تحارب الجماعات الإرهابية، لكنها تساند فى ذات الوقت جماعات إرهابية بعينها فى سوريا وليبيا، أما فى مصر فهى تعد الداعم والمساند الأول للجماعات التى تحارب الجيش والشرطة والدولة وحتى المجتمع المصرى ذاته، ويطالب البعض فى العاصمة الأمريكية بوقفة مع هذه الدولة الخليجية والضغط عليها لتقلع عن تقديم جميع أنواع الدعم والمساندة للإرهاب.

وتأتى التحذيرات المصرية قبل أسبوعين من الزيارة التى سيقوم بها الرئيس الأمريكى دونالد ترامب للسعودية فى ٢٣ مايو الجارى حيث من المقرر أن يجتمع بقادة دول مجلس التعاون الخليجى فى اجتماع، ثم يعقد اجتماعا آخر مع زعماء دول إسلامية لبحث سبل مكافحة الإرهاب ومواجهة الفكر المتطرف، وهو الأمر الذى سيعزز من الموقف المصرى فى هذا السياق.

من ناحية أخرى، ترتبط جولة السيد الرئيس فى الخليج بمجموعة من التغييرات والتطورات فى المشرق العربى وعلى صعيد القضية الفلسطينية تستدعى التشاور مع قادة الخليج قبل زيارة ترامب المشار إليها بعاليه، وزيارته لإسرائيل ولرام الله بعد انتهاء زيارته للرياض.

من الواضح أن الهدف من الجولة التى سيقوم بها الرئيس الأمريكى فى المنطقة تستهدف تشكيل تحالف إقليمى يضم الولايات المتحدة وإسرائيل من جانب والدول العربية « السنية « حسب الوصف الأمريكى والإسرائيلى من جانب آخر.الهدف هو احتواء إيران ومكافحة الجماعة الإرهابية المعروفة باسم « الدولة الإسلامية».بعض الدول الخليجية متحمسة لإنشاء مثل هذا التحالف والدخول فى مواجهة مفتوحة لا أحد يعرف مداها مع إيران على حساب مصالح إستراتيجية عربية أكثر أهمية وأكثر إلحاحا.وفى هذا الصدد. التساؤل المطروح يتعلق بمدى تأثير تشكيل مثل هذا التحالف الإستراتيجى مع كل من الولايات المتحدة وإسرائيل على الأوضاع الحالية فى العراق وفى سوريا واليمن ؟ وماهو تأثيره على قدرة النظام العربى على مساعدة القوى السياسية فى ليبيا على الاتفاق على حكومة واحدة فى إطار عملية الصخيرات؟ والسؤال الآخر والذى لا يقل فى أهميته وخطورته عما تقدم، هو ما تأثير كل ذلك على القضية الفلسطينية ؟ منذ ١٥ فبراير الماضى عندما استقبل نتناياهو فى البيت الأبيض والرئيس ترامب يتحدث عن عزمه مساعدة كل من الفلسطينيين والإسرائيليين للتوصل إلى اتفاق لحل القضية الفلسطينية، والكل يسأل عن التفاصيل وعن المرجعية التى ستستند إليها الجهود الأمريكية على هذا الصعيد، ونحن فى انتظار إجابات واضحة لا لبس فيها، فعلى سبيل المثال وليس الحصر هل واشنطن ترامب متمسكة بحل الدولتين أم لا ؟ ما هو مصير الرباعية الدولية الخاصة بالشرق الأوسط؟

يخشى البعض من أن التحالف المزمع تأسيسه فى الشرق الأوسط الغرض السياسى منه هو دمج إسرائيل والدول العربية « السنية» إذا أستعرنا الوصف الأمريكى الإسرائيلى فى منظومة إقليمية فوق عربية تقفز على الحل الشامل والعادل والدائم ليس فقط للقضية الفلسطينية، بل لأزمة الشرق الوسط برمتها . ليس هذا فقط وإنما تنصيب إسرائيل على مقدرات ومصائر الشرق الأوسط، وهو وضع يصعب لمصر القبول به، اليوم ومستقبلا.

عندما استقبل ترامب السيد محمود عباس، رئيس السلطة الفلسطينية، فى البيت الأبيض فى ٣ مايو الجارى وعد، وبصفة شخصية أنه سيعمل على التوصل لاتفاق بين الفلسطينيين والإسرائيليين دون الدخول فى تفاصيل أو الإعلان عن الدعوة لإسرائيل وللسلطة الفلسطينية باستئناف مفاوضات السلام بينهما المتوقفة من أبريل عام ٢٠١٤.

لكن يلاحظ أن الرئيس الأمريكى تقدم بطلبات محددة للجانب الفلسطينى للوفاء بها مثل وقف صرف مساعدات مالية لعائلات الأسرى الفلسطينيين الذين نفذوا «عمليات إرهابية»، وهو طلب إسرائيلى بحت، كما طلب من رئيس السلطة الفلسطينية أن تتوقف وسائل الإعلام التابعة للسلطة عما تصغه دوائر البيت الأبيض نقلا عن الإسرائيليين عن التحريض ضد إسرائيل، ولم يكن هناك أية إشارات إلى السياسة الاستيطانية الإسرائيلية فى الضفة الغربية .

والأمر الآخر الذى يؤثر على المصالح القومية المصرية بصورة مباشرة كالقضية الفلسطينية هو ما تمخض عنه الاجتماع الرابع فى الأستانة يوم ٤ الجارى القاضى بإنشاء أربع مناطق آمنة فى سوريا وبضمان كل من روسيا وإيران وتركيا، ولمدة ستة أشهر قابلة للتمديد حتى يتم التوصل إلى صيغة تنفيذية تقبلها كل الأطراف المعنية بالصراعات المسلحة فى سوريا لوضع خطة الطريق الواردة فى قرار مجلس الأمن ٢٢٥٤ لديسمبر ٢٠١٥ موضع التنفيذ.

ثم هناك موضوع العراق ما بعد تحرير مدينة الموصل من قبضة تنظيم « داعش»، وكذلك طرد عناصر التنظيم من مدينة «الرقة» فى سوريا عما قريب. ومصر لا تريد أن تتوجه هذه العناصر إلى ليبيا ومنها تتسلل إلى الأراضى المصرية للتوجه إلى سيناء أو لشن عمليات إرهابية فى سائر ربوع مصر.

توجه السيد رئيس الجمهورية إلى القادة الخليجيين بعدة رسائل على قدر كبير من الخطورة والأهمية من خلال جولته الخليجية الأولى، وهى رسائل لا تتعلق بالأمن القومى المصرى فقط وإنما بالأمن الخليجى أيضا.

الرسالة المصرية من خلال هذه الجولة هى ترابط وتتداخل القضايا العربية وبالتالى على الدول العربية وفى مقدمتها مصر وغالبية الدول الأعضاء فى مجلس التعاون الخليجى أن تأخذ هذا فى الاعتبار عند تعاطيها مع القادم من تغييرات وتطورات فى المشرق ومنطقة الخليج، وإنه إذا كان البعض فى الخليج يريد الدخول فى تحالفات استراتيجية مع قوى إقليمية سواء كتركيا أردوغان وقوى أقليمية أخرى تحت المظلة الأمريكية، فهذا شأنها، لكن مصر لن تقبل أن تدفع ثمن هذه التحالفات التى تمليها مصالح آنية.