ظهر مُصطْلح الحرب الباردة سنة 1945 على لسان الكاتب جورج أورويل فى إحدى مقالاته، وصُدِقْ عليه فى إعلان مبدأ (ترومان) المُصاغ من قِبْل برنار باروخ المستشار الرئاسي الأمريكي والذى القاه فى قصر الدولة فى مدينة كولومبيا عام 1947.
حيث بدأ التوتر وحالة العداء بين الغرب والمنظومة الاشتراكية منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية وخروج الدول الأوروبية منها ( أقطاب النظام القديم - دول المحور ودول الحلفاء )- منهكة اقتصاديًا وعسكريًا وسياسيًا وتراجع دورها فى خريطة القوى الدولية؛ مما مهد لظهور قطبين عالميين جديدين؛ هما الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوڤيتى بسياسات تحكم فى مُجريات العالم حيث تناقضْت المصالح وتباينت المُعتقدات الأيديولوجية بين الكُتلتين فأنقسم العالم إلى قسمين الأول يدعُم الرأسمالية والثانى حليف للشيوعية وسط مناخ عالمى ملئ بكل أسباب الصراع العقائدى والتوتر السياسى والدبلوماسى متبوعًا بحرب نفسية وضغوط إقتصادية بالتوازى مع سبْاق التسلُح بشكل واضح.
ولعل من أهم أسباب طول مُدة تلك الحرب الباردة هى تلك الحروب النائية التى خاضتها الكتلتين على مبعدة من أراضيها؛ مستغلة الشعوب الفقيرة حيث أنتقلت الحرب لشعوب العالم الثالث بتخطيط استراتيچى كما فى فيتنام وكمبوديا ولاوس والهند وباكستان والشرق الأوسط؛ مما أفقد العالم نظام الأمن الجماعى وبات من الصعب التوصل لاتفاق دولى مُشترك لتأمين التوازن ضد أخطار العدوان فظهرت الأحلاف والتحالفات على نطاق واسع كوسيلة من وسائل الحرب مثل الحلف الأطلسى (الناتو) وحلف جنوب شرق آسيا فى بانكوك وحلف بغداد وأخيرًا حلف (وارسو) كردة فعل سوڤيتية على التحالفات التابعة للولايات المتحدة الأمريكية وظهر مُصطلح (نظام القطبية الثنائية).
وتغيرت أدوات الحرب بدءًا من الدعاية الإعلامية والتجسس والانقلابات العسكرية المدعومة من المخابرات الأمريكية والسوڤيتية مع إثارة الحروب الإقليمية والثورات الأهلية.
وبتتبع محاولات إيقاف تلك الحرب الباردة نجد أن البادرة الأولى جاءت من الرئيس الأمريكى ريتشارد نيكسون حيث استخدم الأسلوب الدبلوماسي بدلاً من العسكرى وحنثْ رونالد ريجان بعده ببعض بنود وقف الحرب الباردة ولكن قدوم الرئيس الروسى جورباتشوف وقيامه بإعادة بناء العلاقات الروسية مع الدول الأخرى كَفِل الانفتاح الاقتصادى والسياسى عند توليه السلطة عام 1985 ومهد لنهاية الحرب الباردة 1990 بسقوط الاتحاد السوڤيتى.
لكن هل انتهت الحرب الباردة بالفعل؟ ظنْ العالم أنها انتهت وتصور أن السلام سيعُم بقدوم القرن الحادى والعشرين لكنه أتى ولم يحمل السلام معه؛ حيث وقعت أحداث سبتمبر 2001 مما منح الولايات المتحدة الأمريكية فرصًا أوسع لتحقيق ما تضمره من استراتيجية تجاه الشرق الأوسط فبدأت باحتلال أفغانستان ثم العراق وظهر التعايش السلمى ظاهريًا بينما التناحر خفيا.
ظهر ذلك جليًا فى تناقض مواقف الفريقين فيما يخص العديد من القضايا أبرزها ملف التسليح النووى الإيرانى، بل إن بعض الدول دخلت دائرة الحرب ؛ بأسلحة الدعاية والدعاية المضادة وكذلك بضغوط نفسية ودبلوماسية واجتماعية ودفاعية وسياسية واقتصادية وتوسعية نشأ عنها بالتبعية العُنف والإرهاب فى صورة دعم لجماعاته وتمكينها من أراضى معينة، وتسابقت تلك الدول على تطوير سلاحها وأدواتها؛ وتجلى التحدي الأكبر من قِبل إيران فى إصرارها على تخصيب اليورانيوم والتصميم على صنع سلاح نووى مما يؤجج عودة الحرب الباردة فى ثوب ساخن فى صورة مباراة على اقتناء السلاح التقليدى والاستراتيجى والنووى فى تحدِ واضح، منها باكستان والهند وإسرائيل وهكذا كوريا والصين واليابان وتم غزو العراق بدعوى سلاح الدمار الشامل ولا زال الاتهام موجه لسوريا باقتنائها لهذا السلاح.
الحرب الباردة مستمرة ولم تنتهى بسقوط الاتحاد السوڤيتى بل استبدلت هيئتها وعادت أكثر سخونة وتعددت فرقها وأطرافها ولم تعد مقصورة على قوتين عظميتين وسيطرت عليها قوى إقليمية بأدوات الردع المتبادل وحروب الوكالة فى ظل وجود الرعب النووى فانحصرت فى حروب الجيل الرابع فى مجال الإعلام واتخذت شكل العقوبات الاقتصادية، ولعل ذروتها تجسد فى مخطط الشرق الأوسط الجديد ومحاولة استغلال الشعوب العربية وتأجيج ثوراتها تحت مُسمى الربيع العربى.
حيث نجح هذا المُخططْ فى العديد من الدول المحيطة بمصر فى تفتيت جيوشها وشعوبها مما عاد بالنفع على أطراف الصراع الذى أتصف بالتعددية بل إن مطامع المتصارعين على منطقة الشرق الأوسط فاقت مطامع الدول الأربع - إنجلترا ،وفرنسا وأمريكا والاتحاد السوڤيتى - على تقسيم الكعكة الألمانية إبّان الحرب العالمية الثانية 1945 حيث ازدادت المصالح تعقيدًا وحيث بدأت الحرب الباردة التى لم تنتهى حتى الآن .
بقلم ....دكتوة / شيرين الملوانى