جاء التطور المستمر للتكنولوجيا وخاصة التواصل بين الحاسبات عن طريق الشبكة الدولية والتى أصبحت أكبر آلية عرفها العالم لتبادل المعلومات، ليؤدى بدوره إلى زيادة الصعوبات والمشكلات التى تواجهها الدول فى حماية حق المؤلف والحقوق المجاورة وخاصة فى الوطن العربي، فكان لابد من التوسع فى التشريعات والقوانين التى تحمى حق المؤلف والحقوق المجاورة لحق المؤلف سواء فى الاتفاقيات الدولية أو القوانين المحلية.
فقد أدى التقدم التكنولوجى إلى استحداث وسائل جديدة لنشر الإبداعات بمختلف طرق الاتصال العالمية مثل البث عبر القمر الاصطناعى أو الأقراص المدمجة، بجانب حقوق المؤلف المعروفة والتى تتمتع بالفعل بالحماية وهى الحقوق المتاحة للمؤلفين والمبدعين على مصنفاتهم الأدبية والفنية والتى تشكل جميع صور الإبداع الفكري، وأوردت جميع التشريعات الداخلية وكذا الاتفاقيات الدولية قائمة بأنواع المصنفات القابلة للحماية وذلك على سبيل المثال وليس الحصر تاركا المجال مفتوحا لأى مصنفات جديدة قد تظهر مستقبلا.
كما أن شبكة الإنترنت بوصفها طريقة اتصال تتيح تبادل المعلومات ونقلها بكافة صورها، مكتوبة ومرئية ومسموعة، وباعتبارها فضاء لا نهائى من الصفحات التى تتضمن الاخبار والمعلومات والابحاث والمقالات وكل صفحة من هذه الصفحات بها العديد من البث المرئى والتسجيل الصوتى والاعلان التجاري.
هنا يثار التساؤلات حول مدى القدرة على حماية حق المؤلف على ما تتضمنه المواقع والذى قد يكون مادة تأليفية أو مادة اعلان فنية أو رسما أو صورة أو..الخ، وحيث لا يخفى على الباحثين مدى أهمية الحق المالى للمؤلف، ولهذا كان من حق المؤلف أو المبتكر أن يحمى مؤلفه من القرصنة بما يستتبعه قيام هذا الحق من عائد مالى أو أدبي.
فالأعمال المقرصنة تؤثر على مصالح المبدعين ودور النشر والمؤسسات الإنتاجية وتعرضها لخسائر كبيرة، الأمر الذى يؤثر سلباً على إيقاع العطاء الفكرى لهؤلاء المبدعين. أما المستفيد من وراء القرصنة فيجب ملاحقتهم ومحاكمتهم وفق نظام واضح وقوانين لا تقبل الجدل. أضف إلى ذلك كون القرصنة تسئ إلى اقتصاد الدولة وتكبد المؤسسات والشركات المنتجة والممولة خسائر مادية جسيمة، كما أن المبدعين والمؤلفين جزء حيوى من المجتمع ويجب على الدولة حماية إنتاجهم.
وبالاطلاع على القانون المصرى رقم ٨٢ لسنة ٢٠٠٢ لحمایة حقوق الملكیة الفكریة نجد أن المشرع المصرى فرض أسلوبا تقنیا جدیدا للحمایة الجنائیة الفعلیة لأصحاب الحقوق على المصنفات وذلك بمنع أى اعتداء على أى حق أدبى أو مالى من حقوق المؤلف أو الحقوق المجاورة فى هذا القانون. فقد نصت المادة (١٨١) على أنه" مع عدم الإخلال بأیة عقوبة أشد فى قانون آخر یعاقب بالحبس مدة لا تقل عن شهر وبغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنیه ولا تتجاوز عشرة آلاف جنیه أو بإحدى هاتین العقوبتین كل من ارتكب إحدى الأفعال الآتیة:
- التصنیع أو التجمیع أو الاستیراد بغرض البیع أو التأجیر لأى جهاز أو وسیلة أو إدارة معدة للتحایل على حمایة تقنیة یستخدمها المؤلف أو صاحب الحق المجاور كالتشفیر وغیره.
- الإزالة أو التعطیل أو التخریب بسوء نیة لأیة حمایة تقنیة یستخدمها المؤلف أو صاحب الحق المجاور كالتشفیر وغیره.
وبالرجوع لنصوص القانون رقم ٨٢ لسنة٢٠٠٢ الخاص بحمایة الملكیة الفكریة المصرى نجده قد خلا من تجریم أفعال الاعتداء على معلومات إدارة حقوق المؤلف وهو ما یؤخذ على المشرع المصرى فلا بد من النص على جزاءات فعالة تتماشى مع ما نصت علیه اتفاقیة الوابیو سنة ١٩٩٦ فى شأن جریمة الاعتداء على معلومات إدارة الحقوق، حیث نصت المادة (٣١) من الدستور المصرى الصادر عام ٢٠١٤ على الآتي: "أمن الفضاء المعلوماتى من منظومة الاقتصاد والأمن القومى وتلتزم الدولة باتخاذ التدابیر اللازمة للحفاظ علیه على النحو الذى ینظمه القانون".
لذلك تدارك المشرع المصرى الفراغ التشریعى ونص على هذه الحمایة بالقانون رقم ١٧٥لسنة ٢٠١٨ بشأن مكافحة جرائم تقنیة المعلومات، ونص فى المادة (١٣) من هذا القانون على الآتي: "یعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر وبغرامة لا تقل عن عشرة آلاف جنیه ولا تجاوز خمسین ألف جنیه أو بإحدى هاتین العقوبتین، كل من انتفع بدون وجه حق عن طریق شبكة النظام المعلوماتى أو إحدى وسائل تقنیة المعلومات بخدمة اتصالات أو خدمة من خدمات قنوات البث المسموع أو المرئي". كما نصت المادة (١٤) من ذات القانون على الآتي: "یعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة وبغرامة لا تقل عن خمسین ألف جنیه ولا تتجاوز مائة ألف جنیه أو بإحدى هاتین العقوبتین كل من دخل عمدا أو دخل بخطأ غیر عمدى وبقى بدون وجه حق على موقع أو حساب خاص أو نظام معلوماتى محظور الدخول علیه".
وفى النهاية لا بد من تعزيز مفاهيم حق المؤلف خاصة فى البيئة الرقمية وتفعيل واستحداث التدابير التكنولوجية والتقنية لمواجهة جريمة القرصنة، ولا يجب أن نغفل أهميتها بالنسبة لاقتصاديات الدول، وضمان المنافسة وجذب الإستثمار فى اقتصاديات مبنية على العلم والمعرفة.