يوافق اليوم ذكرى اغتيال المناضل والأديب الفلسطيني غسان كنفاني؛ وقد كان أحد أهم المناضلين والسياسيين الذين اهتموا بالقضية الفلسطينية وعالجها حتى في أدبه وبحوثه الأدبية؛ فقد وظف قلمه ونفسه من أجل الدفاع عن قضية وطنه وجذوره حتى تم اغتياله غدرًا.
ولد غسان كنفاني في عكا بفلسطين في التاسع من أبريل لعام 1936 لأسرة متوسطة وكان والده حقوقي ويعمل في بعض الصحف في تصحيح وتعديل المقالات وعاش مع عائلته في يافا حتى أتم عامه الثاني عشر؛ وقتها أجبر مع عائلته على النزوح عن بلدهم ووطنهم، وكان لهذا عظيم الأثر في نفس غساني حتى أغتيل، فقد نجرع لأول مرة مرارة التهجير واللجوء من وطنه إلى دول أخرى.
واستقرت عائلة كنفاني في سوريا تحديداً دمشق واستكمل تعليمه الثانوي هناك ثم ألتحق بالجامعة لكنه لم يكمل سوى عامين دراسيين فقط، بعدها وتحديداً في عام 1953 أنصم غساني إلى حركة القوميين العرب ليبدأ طريق نضاله من أجل وطنه الأول فلسطين.
في عام 1955 سافر غسان إلى الكويت ليعمل بالتدريس، وقتها ربما توفر إليه بعض الوقت منحه فرصة الإطلاع على أكبر عدد من الكتب، فتكونت لدية رغبة وشغف متفرد في التحصيل الأدبي بشكل عام، وقد بدأ في الوقت نفسه كتابة المقالات التي لفتت أنظار الجميع لها، لكنه كان يكتب تحت أسم مستعار "أبو العز".
وبعد خمس سنوات من إقامة غسان بالكويت، سافر إلى بيروت ليكتب ويناضل من هناك، فقد عمل في مجلة الحرية وزادت مقالاته عن القضية الفلسطينية وكان لها أثر كبير على كل المناضلين والمناصرين للقضية في كل مكان.
وبسبب معايشة غسان للتهجير واللجوء من وطنه وبسبب معرفته بكافة تفاصيل القهر الذي يتعرض له الفلسطيني فقد ظهرت رواياته تجسد وتغوص هذا الواقع، تشرح تفصيلًا عمق مايشعر به الفلسطيني من قهر ومن حكايات لايرويها إلا المهاجرين قصرًا، فقد تناول في روايته "عائد إلى حيفا" حكاوي الفلسطينون حول العودة إلى عكا مكان ولادته؛ كذلك في روايته "أرض البرتقال الحزين" تناول ذكرياته الخاصة في التهجير، وهكذا كان غسان كنفاني أقرب إلى المواطن الفلسطيني في كل تفاصيله.
وعمل غسان كنفاني عدد كبير من الساعات يوميًا سواء في كتابة المقالات أو في أبحاثه الأدبية أو من أجل المقاومة، مما كان سبب رئيسًا في إصابته بمرض السكر بل ومكوثه في المستشفى لفترات وقد كتب روايته "موت سرير رقم 12" عن هذه الأيام.
ولم يكن كنفاني متفائلًا بمستقبل القضية الفلسطينية لكنه أيضًا لم يكن مستسلمًا حتى أخر لحظات حياته؛ أراد غسان أن يكن الفلسطيني هو وحده محرر وطنه ألا تضيع قضيته أو يعتادها فتصبح مجرد قضية حياة يومية يقابلها في الصحف والعناوين الإخبارية ويعتاد الوضع.
وكتب أيضاً غسان كنفاني رواية "رجال تحت الشمس" متأثرًا بعودته من الكويت إلى دمشق في شاحنه قديمة وقد تحولت الرواية فيما بعد إلى فيلم سينمائي، كذلك تعتبر روايته "ما تبقى لكم" هي إمتداد للرواية السابقة وقد حصل على جائزة أصدقاء الكتاب في لبنان عنها ، ونرى فكر كنفاني واضحًا صريحًا ناضجًا بالفكرة في روايته "عالم ليس لنا".
وشعر غسان كنفاني بمكانة المرأة الفلسطينية والأم تحديداً في شد عزم أسرتها وأهمية دورها النضالي وقد ظهر هذا الرأي واضحًا في روايته "أم السعد"، كذلك كما ذكرنا أن غسان كنفاني اهتم بالبحوث الأدبية وجعلها أيضًا أداة لخدمة قضيته، فكتب عن الشعراء في فلسطين في كتاب بعنوان "شعراء الأرض المحتلة" كذلك كتب عن الأدب الصهيوني، وكتب أيضًا بعض المسرحيات المهمة منها؛ "الباب" و"القبعة والنبي" و"جسر إلى الأبد".
وجدير بالذكر عن حياة غسان كنفاني الشخصية فقد تزوج وأنجب طفلين هما فائز وليلى وكان أب عظيم مهتم بأسرته على أكمل وجه رغم إنشغاله الدائم، بعد فترة من زواجه وقع كنفاني في غرام الأديبة غادة السمان ولعل قصة حبهم لا تخفي على أحد فقد جسد وجود غادة السمان في حياته جانب الحب والعشق العاطفي الذي وثقه كنفاني برسائل غاية في الرقي والحب نقرأها بشغق وغرام حتى يومنا هذا.
وفي مثل هذا اليوم لعام 1972 تم اغتيال أيقونة النضال الفلسطيني غسان كنفاني بعد تفخيخ سيارته من قبل عملاء إسرائليين بسبب كتاباته ونضاله وكونه واحد من أهم المدافعين عن القضية الفلسطينية، فرحل غسان لكن كتاباته باقية شاهده على حبه لوطنه إلى منتهى الأعوام.