الأربعاء 29 مايو 2024

لماذا ارتبطت أغاني فريد الأطرش بالحزن؟ .. وفريد فى حوار نادر "أنا مطرب عاطفى"

16-5-2017 | 09:44

تقرير: عمرو والى

يعد الموسيقار فريد الأطرش واحداً من جيل العمالقة الذين كان لهم العطاء المميز والبارز في الساحة الموسيقية العربية، ومرت حياته بعدة أحداث درامية مثيرة، كان لها أثرها الملموس على تكوينه الموسيقي، فجاءت معظم ألحان وأغنيات فريد مصبوغة بصبغة الحزن والشجن والألم والإحساس بالمرارة والعذاب، وكانت منبعاً للإبداع، الذي أطرب وأسعد الملايين من عشاقه عبر العالم، ولا تزال حتى اليوم، حتي أن البعض لقبه بـ"الأمير الحزين"، و"الصوت الباكي"... "الكواكب" تطرح تساؤلاً حول فكرة ارتباط أغاني الأطرش بالحزن أو البكاء، وماهي أسبابه؟ وأبرز الخصائص المميزة لألحانه وأغانيه؟، وذلك عبر المتخصصين من خلال السطور القادمة.

لقاء نادر

فى لقاء تليفزيوني نادر للفنان فريد الأطرش، سألت الإعلامية، ليلى رستم، عن نغمة الحزن المصاحب للأغاني التي قدمها قائلة: "أستاذ فريد لماذا دائماً نغمة الحزن الموجودة لديك دائماً ما نقول المطرب الحزين ذات الصوت الباكي، وهي ملحوظة هامة عن صوتك وأدائك؟"، ليرد الأطرش قائلاً" ممكن أعلق على هذا الاتهام بأنني مطرب عاطفي، والمطربون ألوان، وأنا أقدم هذا اللون وبالتالي لابد أن أعبر عن العواطف، والكلمات التي أقوم بتلحينها أو غنائها، وبالعكس قدمت الكثير من الأغاني المرحة لي ولغيري من الزملاء".

" أنا عاطفي للغاية، وفي حياتي الخاصة نعم أنا حزين، وهذا الأمر قد لايظهر للجمهور، ولكن دائماً أشعر بنوع من الحزن، وموت المرحومة أسمهان هانم شقيقتي، أحدث نوعاً من الانقلاب فى حياتي، وقبل وفاتها لم تكن هناك تلك اللمحة الحزينة، فهي كانت بمثابة أخت وصديقة، وفنانة، وتألمت كثيراً نفسياً من موتها، وهو بمثابة جرح كبير من جروحي" هكذا واصل الأطرش رده على سؤال الإعلامية ليلي رستم.

ويواصل الأطرش حديثه عن أسباب حزنه قائلاً" البعض يكتب أشياء فى الصحف غير صحيحة، ويوجهون اللوم والنقد، تعاونت مع كثيرين، ولم أعط أي مطرب لحن وفشل، وهو دليل على موهبتي التي أعطاني الله إياها، والتي يجب أن أحافظ عليها".

واعتبر الأطرش خلال اللقاء نفسه بأنه غير محظوظ في علاقاته مع زملائه الفنانين رغم أنه كان ودوداً معهم، ولايفهم الكثير من تصرفاتهم تجاهه، لاسيما عبد الحليم حافظ وأم كلثوم، فقد كان يتمنى أن يغنيا من ألحانه راوياً قصة عرضه لبعض ألحانه عليهما، وإجراء اتفاق معهما على أعمال معينة، لكنها ظلت مشاريع معلقة لم تكتمل، ولايعرف الاسباب وراء توقفها.

حوادث مختلفة

يرى الدكتور أشرف عبد الرحمن، الناقد الموسيقي بمعهد الموسيقى العربية، إن وفاة الفنانة أسمهان شقيقة الفنان فريد الأطرش كانت السبب الرئيسي فى وجود الألحان والأغاني الحزينة التي أصبحت سمة مميزة له، لافتاً إلى أنها كانت فاجعة كبرى له، لاسيما وأنها شكلت بالنسبة له مشروعاً غنائياً فنياً ضخماً للغاية.

وأضاف عبد الرحمن أن فريد قام بتلحين الأغاني الأفضل لأسمهان فى مشوارها الفني، لافتاً إلى أن لمحة الحزن التي اتسمت بها أغاني وألحان الأطرش كان من ضمن أسبابها العراقيل الكثيرة والحياة البائسة التي لم تكن وردية على الإطلاق عندما جاء إلى مصر تاركاً بلاده، خاصة وأنه كان ابن أمير، بالإضافة إلى أسرته نفسها والتي عانت الأمرين لأن الموسيقي والغناء للأسر الأرستقراطية كان بمثابة الترفيه والمتعة وليس مهنة يمكن من خلالها العيش وكسب الرزق.

"والدته هي سر تفوقه فى العود، حيث تعلم منها العزف فى سن صغيرة، وأصبح واحداً من أمهر عازفي العود على مستوى العالم، وتأثر بها فريد بشدة" هكذا يكشف عبد الرحمن السبب في تفوق الأطرش فى العزف، لافتاً إلى أنها كانت تتمتع بصوت عذب للغاية، حيث قامت بالغناء فى الحفلات الخاصة لكبار الأسر والعائلات عندما ضاقت بهم الحال وجاءوا إلى مصر.

وأكد عبد الرحمن أن تجربة المرض وتضخم عضلة القلب كان لها دور فى وجود الحزن فى ألحانه وصوته، موضحاً أن كل هذه العوامل شكلت لديه رواسب مختلفة، وتسببت في نوع من الألم داخله انعكس حتى على عزفه، فجاءت الأغاني والألحان والغناء كنوع من تفريغ العاطفة الحزينة والأليمة التي مر بها، وبالتالي لم يصل إلى العبقرية التي تمتع بها بسهولة.

ويواصل قائلاً : "على الرغم من الانطباع السائد من أن الحزن مسيطر بشكل عام على نتاج فريد الأطرش، غير أنه قدم مجموعة كبيرة من الاعمال التي لا تخلو من البهجة والسرور. نتوقف بشكل خاص عند أغنيته الشهيرة جدا "جميل جمال"، فهي طقطوقة تنوعت مقاماتها ضمن مساحة زمنية صغيرة نسبياً وإيقاع مقسوم يراوح بين سريع في اللوازم الموسيقية يتباطأ في الكوبليهات الثلاثة التي ربط فريد الاطرش بينها بلوازم ثلاث عزفت بنفس الطريقة والتكنيك والروح لكن بثلاثة مقامات مختلفة صاغ منها الكوبليهات البياتي في الأول، والحجاز في الثاني، والصبا في الثالث، يعود بعد كل منها الى مرجّع النوى أثر ليسلّم المذهب الى الكورال"، موضحا بقوله "لكن اللافت في هذا العمل البهيج هو كيفية استخدامه البديع لمقام الصّبا في الكوبليه الأخير واعطائه بعداً جديداً غير مألوف. هذا المقام الحزين حدَّ النحيب، بدا في هذه الأغنية الرشيقة، بطعم الفرح الشجيّ".

ويربط عبد الرحمن بين الأطرش وعبد الحليم حافظ فى عدد من العوامل التي شكلت تميزهما وهي التجارب العاطفية، والمرض، والفقد، مؤكداً أنهما عاشا واقعاً مريراً ساعد فى تشكيل السمات الشخصية لأصواتهما، وتحديداً الإحساس والألم والشجن الذي ظهر فى أغانيهما، بالإضافة إلى تجربتهما السينمائية، حيث أعطا ثقلاً للسينما الغنائية بجانب محمد فوزي، إلا أنه يرى أن عبد الحليم حافظ كان حالة جديدة ووراءه جيش من الملحنين والشعراء.

خصائص مميزة

وفى نفس السياق يفند الموسيقار هاني شنودة بعض الخصائص الفنية التي تميز بها أسلوب فريد الأطرش ومنها إخلاصه الشديد للموسيقى الشرقية، وامتلاكه للرؤية الثاقبة فى دمج موسيقى الأندلس مع الأغاني التي قدمها، موضحاً أن هناك 4 أغان تركها الأطرش ومازالت تحصل على أعلي إيرادات فى جمعية المؤلفين والملحنين للورثة وهي الربيع، ونجوم الليل، وبنادي عليك، ومن أول همسة.

و أوضح شنودة أن صوت فريد الأطرش كان له طابع مميز فى أنه يغني الفرحة بحزن، ويغني الحزن بشكل باك، مرجعاً الأمر بأن العالم العربي بالكامل يعتبر الحزن والدراما أعمق من الفرح والسعادة أو أبقي فى الوجدان، وهي جزئية مرتبطة فى أذهان الجمهور بالبكائية فى حياتهم الواقعية التي تمس مشاعرهم وقصصهم، بالإضافة إلى التجارب الحياتية الخاصة للفنان من فقد وخسارة، وألم والتي تلمس الفنان عن الإنسان العادي بشكل خاص هذه كلها شكلت فريد الأطرش وظهرت واضحة فى ألحانه وأغانيه، وعزفه على العود.

ما فعله فريد الأطرش يجب أن يظل نصب أعيننا جميعاً لأنه شخص موهوب حتى النهاية" هكذا يشرح شنودة تميز فريد الأطرش فى العزف على آلة العود، موضحاً أنه تميز بأسلوب ومذاق خاص لاخلاف عليه، فكان من أمهر العازفين فى وقته، وكان لا يعترف بأي عازف مثلما كان يتعامل الجمهور مع مهارة عزف العود لدى الأطرش، وكثيراً ما كان الجمهور ينفجر بالتصفيق بمجرد ظهور عود فريد الأطرش على المسرح حتى قبل ظهوره، ومع العزف تتفاعل معه حتى أصبحت بالفعل شغوفة بتلك الآلة.

وقال شنودة إن الأطرش استطاع تقديم الأغاني الفرحة بأسلوبه وصوته الخاص، كما قام ببعض الإضافات على الغناء العربي فكانت في اطار الشرقية البحتة، حيث التزم بشرقيته وبدرجة كبيرة، وبرع فى الغناء الفردي أو الأوبريت الاستعراضي، فكان يستعرض حلاوة صوته وأدائه، بالإضافة إلى أفلامه السينمائية التي قدمها، وشملت كافة أنواع الفنون.

تنوع وتجديد

فيما أكد الموسيقار منير الوسيمي، نقيب الموسيقيين الأسبق، أن فلسفة فريد الأطرش في التلحين كانت تقوم على أن الألحان هي ترجمة مطابقة للكلمات، وهو ما يفسر تميزه فى أداء جميع الألوان التي قدمها لاسيما التعبير عن الحزن والشجن، موضحاً أنه استخدم الموسيقي الغربية كقالب لتلحين القصائد العربية الفصحي وهو ما اعتبر فى وقتها ثورة عارمة على التقليد.

ويرى الوسيمي أن مساهمة فريد في الغناء العربي امتدت إلى جبهة واسعة جدا، شملت كل الألوان..من الأغنية القصيرة إلى الطويلة، إلى الاستعراضية، الى الشعبية، إلى الاوبريتات، لافتاً إلى أن الأغنية الطويلة عند فريد كثيرة وخالدة من بينها أغنية "الربيع" و"بنادي عليك"و"حبيب العمر"، حيث كان فريد بخلفيته التلحينية الكبيرة قادر على إعادة الجملة بإضافات جيدة وجميلة وممتعة.

ويواصل نقيب الموسيقيين الأسبق حديثه قائلاً" تميز الأطرش بالإيقاع الشعبي الراقص، والبساطة في التلحين، في أغاني مثل "يا مقبل يوم وليلة" في فيلم "انت حبيبي"، أو أغنية "ما قالي وقلتله" و" نورا يا نورا" و"قلبي ومفتاحه" أو"يا ابو ضحكة جنان"، وغيرها، مشدداً على أن ألحان فريد الأطرش التي قدمها لغيره من المطربين استطاع أن يترك فيها بصمته الواضحة كما تمكن من استغلال الأصوات التي تعامل معها بالشكل الأمثل ليظهر جمال الألحان.