الأربعاء 15 مايو 2024

الشارع التونسى يشكو البطالة ويرفض المصالحة مع الفاسدين «مانيش مسامح»

17-5-2017 | 14:27

بقلم –  نجوان عبداللطيف

تونس هى نوارة ثورات الربيع العربى، هى « الياسمين» ، هى المبتدأ وحتى الآن هى الخبر.. أعطت إشارة البدء وأنهت حكم رئيسها السابق زين العابدين بن على، وتوالت بعدها الثورات ثم قدمت النموذج فى إمكانية تداول السلطة ديمقراطيًا، وحتى إخوانها المسلمون «حزب النهضة» الذين صعدوا فى البداية إلى سدة الحكم، ليسوا مثل «إخوانا» أو على الأقل تعلموا الدرس مما حدث فى مصر، وأدركوا أن التجاوب مع رغبات الشعوب لا الجماعة هو الذى يمنحهم البقاء، ولكن هل التجربة التونسية التى صمدت أمام أنواء السياسة يمكن أن تنكسر أمام عواصف الأزمة الاقتصادية؟

شهدت تونس فى الأيام الأخيرة، ومازالت اضطرابات ومظاهرات فى عدة مناطق يرفع خلالها المواطنون مطالب اقتصادية واجتماعية يطالبون بتحقيق أهداف الثورة (خبز.. حرية.. كرامة وطنية) ومرة أخرى يظهر «بوعزيزى» جديد، ليفعل كما فعل محمد البوعزيزى البائع المتجول عندما أشعل النار فى نفسه احتجاجًا على منع شرطية له لمزاولة عمله فى الشارع وإهانتها له، فكانت النار التى أشعلها فى نفسه، وأفقدته حياته هى الشعلة التى أضاءت طريق الثورة، البوعزيزى الجديد بائع الفراولة المتجول أيضًا أشعل النار فى جسده يوم الأربعاء الماضى أمام قسم الشرطة لمنعه من البيع فى الشارع، ولكن تم إنقاذه ودخل المستشفى مما أطلق احتجاجات ومواجهات مع الشرطة، فى بلدة طبرية، الواقعة على بعد ٣٥ كيلومترًا من العاصمة تونس حيث خرج مئات الشبان الغاضبين إلى الشوارع، وأشعلوا النار فى إطارات السيارات ورشقوا أفراد الأمن بالحجارة. وأطلقت قوات الأمن قنابل الغاز لتفريقهم.

وتعيش تونس حالة من الاضطراب بسبب تزايد الاحتجاجات فى عدة مناطق، مثل محافظة «تطاوين»، حيث توجد منشآت للغاز لشركة إينى الإيطالية وشركة أخرى نمساوية، حيث يطالب المحتجون بفرص عمل وبرفع حصة الشعب التونسى من عائدات إنتاج المصادر الطبيعية، خاصة البترول والفوسفات، وامتدت الاحتجاجات إلى محافظة «قبلي».

وعلى إثر هذه الاحتجاجات التى هى الأقوى منذ ثورة الياسمين، قرر الرئيس التونسى الباجى قائد السبسى دعوة الجيش إلى حماية المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية، بعد اجتماع لمجلس الأمن القومى. مع الأخذ فى الاعتبار أن حالة الطوارئ معلنة فى البلاد منذ نوفمبر ٢٠١٥ عقب تعرض حافلة أمن الرئيس لهجوم إرهابى.

السبسى أشار فى خطاب ألقاه أمام ممثلى الأحزاب والمجتمع المدنى فى نهاية الأسبوع الماضى: إلى أن المسار الديمقراطى فى البلاد بات محل تهديد جدى، بسبب المظاهرات والاحتجاجات وتوقف الإنتاج فى عدة شركات فى قطاعات الطاقة، وإن إضرابات العام الماضى فى قطاع الفوسفات كلفت تونس عدة مليارات من الدولارات. وأضاف الرئيس «أن الإضراب والاحتجاج مسموح بالقانون لكنه لم يعد مسموحا إيقاف الإنتاج وقطع الطرق.. والدولة مطالبة بحماية موارد الشعب».

نزول الجيش فى الشوارع لقى ترحيبًا من حزب «نداء تونس» الذى يترأسه نجل الرئيس السبسى، وعلل الحزب موقفه بحتمية اتخاذ هذا القرار بسبب الضرورات الاقتصادية، بينما أيد حزب النهضة القرار، حيث قال راشد الغنوشى «إن النهضة تؤيد نزول الجيش للشارع لحماية مؤسسات الدولة ومؤسسات الإنتاج والطرقات ولنا ثقة كبيرة فى جيشنا ، والجيش تولى الدفاع عن الثورة، ويتمتع بشرعية عالية فى البلاد، ونحن كما ذكر الرئيس فى دولة قانون».

وعلى جانب آخر ظهرت المعارضة، ومن بين هؤلاء المعارضين الرئيس السابق منصف المرزوقى الذى أكد دعمه للتظاهر ضد قانون المصالحة الاقتصادية، والذى وصفه بقانون تبييض الفساد، داعيًا جموع الشعب التونسى لممارسة حقهم الدستورى فى التظاهر السلمى.

قانون المصالحة الاقتصادية الذى ذكره المرزوقى هو الذى أشعل المظاهرات مؤخرا فى عدة محافظات فى تونس، وهو القانون الذى طُرحته الرئاسة التونسية عام ٢٠١٥ ولكن المواجهة الشعبية له أجهضته، إلا أن الحكومة والرئيس عادا لطرحه من جديد، وخلال الفترة الماضية شهد البرلمان التونسى حالة من الجدل حوله، وجاء ذلك بالتزامن مع مظاهرة الألف شاب فى محافظة «تطاوين» للمطالبة بإتاحة فرص عمل، وانتشرت الاحتجاجات فى جنوب ووسط تونس وفى ٢٥ إبريل كانت مظاهرة حاشدة فى محافظة قفصة جنوب تونس لتعلن رفض الجماهير للردة على الثورة من خلال هذا القانون وبعدها بأيام تصاعدت الاحتجاجات فى العاصمة فى شارع الحبيب بورقيبة، وأعلنت حركة النهضة رفضها للقانون بصيغته الحالية، وطالبت بإجراء تعديلات عليه، ثم مؤخرًا مظاهرات طبرية.

ومازال المجتمع التونسى يشهد تصعيدا ضد قانون المصالحة، من بين الأحزاب الرافضة للقانون حزب «حراك تونس» حيث يقول أمينه العام عدنان منصر إن الحراك سيسعى لإسقاط مشروع قانون المصالحة الاقتصادية بالقانون، كما اتهم مستشارى الرئاسة بانتهاج نفس ممارسات بن على، واعتبر أن قانون المصالحة الجديد سيخدم أصدقاء الرئيس ومن قاموا بتمويل حملته الانتخابية، وانتقد الاتحاد العام للشغل العمل على إصدار هذا القانون ودعا إلى الاهتمام بمطالب المواطنين وعلى رأسها البطالة، ودعا الحزب الجمهورى فى بيان رئيس الجمهورية إلى سحب مشروع قانون المصالحة، خاصة فى هذا الظرف واعتبر الحزب أن المشروع المعروض يكرس الإفلات من المساءلة عبر عفو عام يشمل كل المسئولين الذين تورّطوا وساعدوا فى الاستيلاء على المال.

واعتبرت ٢٠ منظمة حقوقية واجتماعية أن رئاسة الجمهورية تعتمد على الأغلبية الحاكمة فى البرلمان لمحاولة تمرير قوانين لا يرضاها الناس منها هذا المشروع الذى يهدد مسار الانتقال الديمقراطى التونسى ومبادئ العدل والإنصاف.

ودعت حملة « مانيش مسامح» إلى التصعيد والنزول فى مظاهرات لرفض القانون داخل وخارج تونس، تلك الحملة التى تشكلت عام ٢٠١٥ كرد فعل رافض من قبل نشطاء تونسيين.

هذا القانون يهدف إلى العفو عن ٤٠٠ من رجال الأعمال المحسوبين على نظام الرئيس التونسى الأسبق زين العابدين بن علي، والموظفين العموميين المتهمين بالفساد المالى وتبديد المال العام. ومؤخرا فى نهاية شهر إبريل تمت المصالحة بين محمد الطرابلسى شقيق ليلى الطرابلسى زوجة الرئيس السابق بن على، وبين المواطن عبدالرازق بن عزيزة، حيث أعاد له منزله الذى استولى عليه، من خلال لجنة التحكيم والمصالحة التى تعمل حتى قبل أن يصدر القانون، والتى قررت حفظ القضية بعد التصالح..

القانون والأزمة الاقتصادية هما طرفا الأزمة فى تونس

حيث يعانى التوانسة من ضيق الحال وعدم توفر فرص للعمل، حيث وصلت نسبة البطالة إلى ١٥.٥٪ وبين حملة المؤهلات العليا ٣٠٪ وانخفاض معدل النمو فيها إلى حوالى١.٥٪ خلال الخمس سنوات الأخيرة بحسب معهد الإحصاء الحكومى.

النشطاء التوانسة دشنوا حملات جديدة على مواقع التواصل الاجتماعى (كى نتحاسبوا تو نتصالحوا) بمعنى الحساب والعقاب أولًا.

«لا لداعس» مختصر (لا لدولة الفساد وعصابة السراق) والسراق هو «بن على».

السياسة لم تستطع أن تكسر تونس الثورة، ولكن الأزمة الاقتصادية وقانون المصالحة يهددانها.

 

    Dr.Radwa
    Egypt Air