تمثال لرمسيس الثاني- متحف تورينو بإيطاليا
يرى البعض أن رمسيس الثاني (1301—1235 ق.م تقريباً) الفرعون الأكثر شهرة والأقوى طوال عهد الدولة المصرية الحديثة، وهي الفترة في تاريخ مصر القديمة بين القرن السادس عشر قبل الميلاد والقرن الحادي عشر قبل الميلاد (1570 – 1077ق.م)، وتغطي الأسرات المصرية الفرعونية: الثامنة عشرة، والتاسعة عشرة، والأسرة العشرين.
كان رمسيس الثاني هو الفرعون الثالث من حكام الأسرة التاسعة عشر، هو ابن سيتي الأول، نصّبه والده وهو في سن الرابعة عشر وليًا للعهد، جلس على العرش وهو في أواخر سنوات المراهقة، وقبل في سن 31 عاماً، فلو صحَّ أنه تولى الحكم في 1279 ق.م كما يعتقد معظم علماء المصريات اليوم، لكان قد تولى العرش في عمر 31. وحكم مصر منفرداً 67 عاماً، يعتقد بأنه وكما ويعرف بأنه حكم مصر في الفترة من 1279 ق.م إلى 1213 ق.م تزوج من خمس أو ست زوجات عُظمَيَات، وكان أباً لأكثر من مائة "ولد ملكي" ولهذا سمَّاه خلفاؤه والحكام اللاحقين له بالجد الأعظم. واحتفل رمسيس الثاني بأربعة عشر عيد "سِد" (يُحتفل به لأول مرة بعد ثلاثين عامًا من حكم الفرعون، ثم كل ثلاث سنوات) خلال فترة حكمه، وبذلك يفوق أي فرعون أخر.
قاد رمسيس الثاني عدة حملات عسكرية إلى بلاد الشام وأعاد السيطرة المصرية على كنعان.. كما قاد كذلك حملات جنوبًا إلى النوبة حيث ذهبا معه اثنين من أبنائه كما لوحظ منقوشًا على جدران معبد بيت الوالي.
شيَّد رمسيس الثاني كثيراً من المدن الكبيرة في جميع أنحاء مصر، وأقام عدداً كبيراً من التماثيل الضخمة، وتحمل آثار تانيس (صان الحجر- محافظة الشرقية)، وجميع أنحاء الدلتا، ومنف، وكثير من أماكن مصر الوسطى، وأبيدوس وطيبة (في الكرنك والرامسيوم)، وستة معابد صخرية في النوبة، اسم رمسيس الثاني مكتوباً ومنقوشاً على نحو متكرر في دأب بالغٍ وتباهٍ بسلطانه الملكي. ناهيك عما اغتصبه من آثار من سبقوه.
وخلَّد رمسيس الثاني انتصاره في "قادش" في نص طويل، بل هو أطول النصوص في الأدب المصري، ومع ذلك لم يكن هذا الانتصار سوى إفلاتاً من كارثة كادت تقضي عليه، فلم تثمر حرب الستة عشر عاماً، التي شنها على الحيثيين في سوريا، سوى العودة إلى ما كان الأمر عليه قبل نشوبها.
قيل عن رمسيس الثاني أنه قد عاش 99 عاماً، ولكن المُرجح أنه توفي في عمر 90 أو 91، ودفن في مقبرة في وادي الملوك؛ تم نقلت موميائه لاحقاً إلى الخبيئة الملكية في الدير البحري حيث اكتُشفت عام 1881، ونقلت إلى المتحف المصري بالقاهرة بعد خمس سنوات، وهي الآن معروضه بالمتحف القومي للحضارة المصرية.
صنع هذا التمثال، الذي يقتنيه المتحف المصري في تورينو بإيطاليا، من حجر الدايوريت الأسود، نفس الحجر الذي صنع منه تمثال خفرع الشهير، من مقتنيات المتحف المصري بالقاهرة، وكذلك حجر رشيد من مقتنيات المتحف البريطاني في لندن، وهو من الأحجار النارية الشديدة الصلادة، لونه يتراوح ما بين الرمادي إلى الرمادي الداكن.
والتمثال يمثِّل تحفة من روائع فن النحت المصري، يمثله فى صورة مختلفة عن الهيئات الملكية الرسمية التي كانت مألوفة من قبل، جالساً على كرسي العرش مستندا بظهره على عمود عليه كتابات، مرتدياً لباساً فضفاضاً، وعلى رأسه تاج الخبرش (خوذة القتال والحرب)، ويمسك بصولجان الحقا (السلطة) في يده، بينما يرتدى فى قدميه حذاء ذا سيور "صندل" يدهس به أعداء مصر المحيطين بها الممثلين في شكل تسعة أقواس.. تأكيداً لهيمنة الملك المطلقة على مصر والبلاد الأجنبية وعلى يمين الملك بجوار ساقه من أسفل تمثال صغير لزوجته المفضلة "نفرتاري" مكتوب تحتها "المحبوبة من إلهة طيبة" وعلى الجانب الأيسر تمثال صغير لابنه "آمون حرخبشف".
ارتفاع التمثال 194سم ويعدُّ من أجمل الأعمال الفنية النحتية في عصر الرعامسة في مثالية وجماله ودقة تنفيذه.
ويتضح في هذا التمثال، على الرغم من انتمائه إلى فترة الرعامسة (الأسرة العشرين) وما اتصف فيها فن النحت من التضخيم والتجسيد، أن هناك تأثير واضح لأسلوب واقعية العمارنة في تجويف العينين ووجود الجفنين، والأنف الكبير المعقوف والفم الصغير نسبياً والذقن المدلاة؛ وجميع هذا خارج على تقاليد العصر التي لا يظهر منها سوى قطع الحاجبين والخطوط التجميلية ربما لأنه نفذ في بداية عهد رمسيس وفي شبابه ومع ذلك فهو يحتفظ بالملامح النمطية لملوك الرعامسة وما اتصفوا به من قوة وهيبة.