الأحد 12 مايو 2024

السيسى.. سياسة مصرية جديدة فى العالم العربى

24-5-2017 | 13:55

بقلم: السفير حسين هريدى

فى كتابه « فلسفة الثورة « حدد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر ثلاث دوائر للسياسة الخارجية المصرية، وهم الدائرة العربية والدائرة الأفريقية والدائرة الإسلامية، ، بمعنى آخر الامتداد الجغرافى، الذى تشمله هذه الدوائرة المتداخلة يمثل الفضاء الحيوى أو الفضاء الإستراتيجى لمصر، فمصر تؤثر وتتأثر بكافة التطورات والتغييرات التى تحدث فى هذا الفضاء، كما أن كافة التهديدات لسيادتها ولأمنها القومى ووحدتها الإقليمية تأتى من داخل هذا الفضاء سواء بطريقة مباشرة، أى دولة أو مجموعة من الدول من داخله، أو بطريقة غير مباشرة، أى تحالف ما بين دولة أو دول من داخل هذا الإقليم الواسع وقوى دولية مثلما حدث فى العدوان الثلاثى على مصر فى ١٩٥٦ عندما تحالفت إسرائيل، دولة من داخل الإقليم، مع دولتين من خارجه، بريطانيا وفرنسا، للاعتداء على مصر ومحاولة قلب نظام الحكم فيها.

وهو نفس النمط الذى تكرر فى حرب يونيه ١٩٦٧ عندما تحالفت إسرائيل مع الولايات المتحدة من أجل تحقيق هدفين أساسيين ألا وهما إسقاط نظام حكم ثورة ٢٣ يوليو، الهدف الذى لم يتحقق فى ١٩٥٦، والثانى ارتبط بالمرحلة الثانية فى تحقيق المشروع الصهيونى فى فلسطين والشرق الأوسط.

وفى هذا السياق المشهد الإقليمى الحالى له علاقة غير مباشرة بتنفيذ المرحلة الثالثة فى هذا المشروع الاستعمارى الاستيطانى ألا وهى ترسيم الحدود الجغرافية لدولة إسرائيل، الدولة العضو الوحيدة بالأمم المتحدة التى ليس لها حدود معترفا بها دوليا حتى الآن.

أثارت الجولة الخليجية للسيد رئيس الجمهورية فى منطقة الخليج العربى، زار خلالها المملكة العربية السعودية فى أبريل الماضى ثم الإمارات العربية والكويت والبحرين خلال العشرة أيام الأولى من شهر مايو الجارى، أثارت تساؤلات عن أهدافها، وهو الموضوع، الذى تناولته فى مقالة لى تكرمت مجلة «المصور” العريقة بنشرها فى الأسبوع الماضى.

جولة السيد الرئيس أكدت مجددا أن محور السياسة العربية لمصر فى الحقبة الحالية، التى تتزامن مع بدء ما عرف باسم «الربيع العربى»، محور هذه السياسة هى العلاقات المصرية -الخليجية فقد أصبحت منطقة الخليج هى محور الحركة فى النظام العربى بسبب الخلل غير المسبوق، الذى شهده النظام العربى على صعيد موازين القوى بداخل النظام، هذا الخلل الذى بدأ بالغزو الأنجلو- أمريكى للعراق فى ٢٠٠٣، وازداد بمعدلات متسارعة بسقوط النظام الليبى واختراق سوريا واندلاع الحرب على النظام السورى وتمكين تنظيم إرهابى يرفع رايات الإسلام من احتلال ثانى أكبر مدينة عراقية فى أقل من أربع وعشرين ساعة فى ١٤ يونيه ٢٠١٤ وهروب قادة وضباط وجنود أربع فرق عسكرية للجيش العراقى أمام عناصر إرهابية.. وذلك بعد أن تمكن هذا التنظيم – « القاعدة فى العراق وبلاد الشام»- من الاستيلاء على مدينة «الرقة» فى سوريا، وأغلب أراضى محافظة دير الزور السورية، حيث تتركز معظم الحقول البترولية فى سوريا.

بالإضافة إلى ما تقدم، كانت مصر بدورها تمر بفترة عصيبة فى تاريخها الحديث والمعاصر تعرضت خلالها لمحاولات غزوها من الداخل فى لعبة دومينو غربية -إقليمية بدأت من ليبيا وما زالت.

فى الفترة من ٢٠١١ إلى ٢٠١٤ لم تكن هناك سياسة عربية لمصر بمعنى الكلمة، سواء فى الفترة، التى تولى فيها المجلس الأعلى للقوات المسلحة مقاليد الأمور فى البلاد، أو فترة حكم «الجماعة» ممثلة فى مندوبها وممثلها فى «الرئاسة» باسم محمد مرسى، وهى فترة لو كانت قد امتدت- حاشى الله- لكانت اختفت تمامًا السياسة العربية لمصر وتحولت إلى سياسة دينية الأبعاد والمنطلقات والأهداف.. ففى بداية عهده عاد من السعودية، عقب أول زيارة له فى الخارج، وأعلن أن مصر والسعودية سيدافعان عما وصفه بـ”الإسلام السنى».. وقبل اندلاع ثورة ٣٠ يونيه قرر قطع العلاقات الدبلوماسية مع سوريا وطلب من الجيش المصرى أن يقوم بتدريب عناصر من «الجيش السورى الحر”، وهو الطلب الذى قوبل بالرفض من القيادة العامة للقوات المسلحة.

فى ذات الفترة الممتدة من ٢٠١١ وحتى يونيه ٢٠١٤ تراجع الدور المصرى فى التأثير على مجرى الأحداث فى المشرق العربى وبصورة أقل فى ليبيا .وهو التراجع الذى كان له تأثيره الخطير فيما بعد على الأمن القومى المصرى.. على سبيل المثال كانت مصر عضوًا فى مجموعة «دول أصدقاء سوريا»، وكان السؤال الذى يشغل المتابعين للسياسة الخارجية المصرية يتعلق بطبيعة الدور المصرى داخل هذه المجموعة، التى اندثرت الآن .هل التواجد المصرى كان مرتبطا بالرغبة فى الحضور فقط لمراقبة التطورات فى المشهد السورى؟، أم أن مصر كانت موافقة- ولو ضمنيا- على الهدف الحقيقى من وراء تشكيل هذه المجموعة، وهو قلب نظام الحكم فى دمشق؟ وهو الأمر الذى أثار بدوره تساؤلا آخر عن الأسباب وراء عدم استئناف العلاقات الدبلوماسية مع دمشق بعد يونيه عام ٢٠١٤.

فكما هو معلوم وفقا للقانون الدولى العام، الاعتراف الدبلوماسي هو فى الأساس الاعتراف بالدولة، وليس بنظام حكم معين، بغض النظر عن الموقف من هذا النظام.. ويلاحظ فى هذه المرحلة أم مصر لم تعارض قرار الجامعة العربية بتعليق عضوية سوريا بالجامعة، ولم تعترض حسب علمى على قرار الجامعة منح جماعة معارضة سورية يطلق عليها « ائتلاف الدوحة» إعلاميا، حق شغل مقعد سوريا فى سابقة تخل بالعمل العربى المشترك، وتعتبر انتهاكا صارخًا لميثاق جامعة الدول العربية.

وإذا أردنا الحديث عن السياسة العربية لمصر بعد يونيه ٢٠١٤ لابد للباحث فى هذا الموضوع الجد الخطير أن يجتهد فى الإجابة عن السؤال المطروح فى الفقرة السابقة.. لماذا لم تستأنف العلاقات الدبلوماسية مع سوريا؟ والسؤال فى واقع الأمر يثير بدوره سؤالا مشروعا عن ماهى أهداف السياسة العربية لمصر فى هذه المرحلة، وما علاقة هذه الأهداف بوجود أو عدم وجود إستراتيجية عربية لمصر تجاه النظام العربى ومستقبله.

ما لاشك فيه أن الأوضاع الاقتصادية والسياسية الحرجة، التى تشهدها مصر تجعل من خياراتها وهامش حركتها فى الساحة العربية محدودة ومقيدة بهذه الأوضاع، وأدت إلى انتهاج سياسة أمر واقع بالتركيز على العلاقات مع الخليج بصورة مكثفة والتعامل مع الوضع فى ليبيا لما له من تأثير لا شك فيه على الأمن القومى المصرى.

أهداف السياسة العربية لمصر حاليًا هى مجموعة من الأهداف المرتبطة بالأوضاع الأمنية والعسكرية الآنية فى المشرق العربى وشبه الجزيرة العربية وليبيا، وهو أمر ضرورى ومفهوم، لكن ما يجب التركيز عليه فى نفس الوقت هو الربط بين أهداف المرحلة الحالية وأهداف أعمق وأبعد مدى تتعلق بشكل النظام العربى مستقبلا بعد أن تهدأ العواصف المدمرة الراهنة. ولعل حديث السيد رئيس الجمهورية فى جولته الخليجية عن الوقوف فى وجه التدخلات الخارجية فى الشأن العربى بداية مطلوبة على هذا الطريق.

كانت القضية الفلسطينية فى قلب السياسات والتوجهات العربية لمصر، ومرت المواقف المصرية فى هذا الشأن بعدة مراحل منذ تأسيس إسرئيل فى عام ١٩٤٨.وواقع الأمر أن شرعية السياسة العربية لمصر داخل العالم العربى ارتبطت بصورة عضوية بموقف مصر من القضية الفلسطينية، فكلما دافعت مصر وبصلابة عن الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطينى، كلما انعكس ذلك إيجابيا على الدور والتأثير المصرى فى النظام العربى على المستويين الرسمى والجماهيرى.

وكلما تولد الانطباع لدى الشارع العربى بالعكس خبا الدور والتأثير المصرى فى العالم العربى.. فى مايو من العام الماضى وخلال كلمته بمناسبة عيد العمال فى مدينة أسيوط، فوجئ المستمعون للكلمة بخروج السيد الرئيس عن نص الكلمة التى كان يلقيها، موضحا أنه يريد التحدث عن موضوع آخر، وكان الحديث عن القضية الفلسطينية، ومن أن الظروف مهيأة للتوصل إلى تسوية سلمية لهذه القضية المصيرية.. وهو إن دل على شىء فهو أن قضية الشعب الفلسطينى ودفاع مصر عن الحقوق الوطنية الفلسطينية، وكذلك توظيفها لعلاقاتها مع كافة القوى الدولية والأمم المتحدة لخدمة هذا الهدف، الذى تجمع عليه الأمتان العربية والإسلامية قاطبة لتحقيق آمال الشعب الفلسطينى فى قيام دولة فلسطين المستقلة يجب أن تكون المحور الأساسى ليس فقط للسياسة العربية لمصر، وإنما لسياستها الخارجية برمتها.. فى هذا السياق، اسمحوا لى أن أعرج قليلا إلى موضوع له حساسيته بسبب الأوضاع الأمنية فى سيناء، ألا وهو معبر رفح.. وكما ترون هو يرتبط بمصالح الشعب الفلسطينى بصورة مباشرة وبصورة مصر فى الشارع الفلسطينى وفى العالمين العربى والإسلامى . الكل يعلم أن إسرائيل فرضت حصارا خانقا على قطاع غزة منذ استيلاء منظمة حماس على الحكم فى القطاع فى يونيه ٢٠٠٧، وهو ماترتب عليه انهيار الاتفاق الموقع بين السلطة الفلسطينية من جانب والاتحاد الأوربى وإسرائيل من جانب آخر حول المعابر بما فى ذلك معبر رفح، وانسحاب فريق المراقبين الأوربيين من الإشراف عليها.. وهو المر الذى وضع مصر فى موقف دقيق أمام الشعب الفلسطينى، وسمح لبعض الدول العربية والقوى الإقليمية وجماعات مناهضة لمصر فى الداخل والخارج من النيل من الدور المصرى بالنسبة للقضية الفلسطينية، وذهب البعض إلى حد اتهامنا بحصار القطاع بالتعاون مع إسرائيل، وهو اتهام باطل بدون أدنى شك، لكن هذا لا يعفينا من إيجاد حلا دائما لمشكلة معبر رفح، حتى لو اتفقنا مع جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامى على إيفاد مراقبين دائمين فى المعبر لتحقيق التوازن المطلوب والمأمول بين متطلبات الأمن القومى المصرى والتزامات ومسئوليات مصر التاريخية تجاه الشعب الفلسطينى .

وعندما نتحدث عن القضية الفلسطينية نتحدث تلقائيا عن العلاقات المصرية -الإسرائيلية وعلاقات مصر مع القوى الدولية المناصرة والداعمة لإسرائيل .وتحديدا علاقاتنا مع الولايات المتحدة الأمريكية.طبيعة هذه العلاقات لها تداعياتها على السياسة العربية لمصر، بل هى فى القلب منها .ماهو الموقع الذى تشغله القضية الفلسطينية على سلم الأولويات الإستراتيجية لمصر فى إطار هذه العلاقات، هذا السؤال سيلح علينا فى الفترة المقبلة وبصورة ملحة فى ضوء التحركات الأمريكية والإسرائيلية الحالية لدفع السلطة الفلسطينية للموافقة على استئناف التفاوض مع إسرائيل دون قيد أو شرط، لكن وفقا للشروط والإملاءات الإسرائيلية والأمريكية.

فى مؤتمر عقد فى الولايات المتحدة فى الأسبوع الماضى، صرح صديق شخصى للرئيس الأمريكى دونالد ترامب أن الأخير يعتقد انع بمقدوره إقناع الرئيس محمود عباس بالعودة إلى المفاوضات و” تقديم تنازلات”، وجاءت تصريحات الصديق الأمريكى بعد أيام قليلة من القمة الأمريكية -الفلسطينية بالبيت الأبيض يوم ٣ مايو الجارى.

جدير بالذكر، أن رئيس السلطة الفلسطينية صرح فى ٨ مايو بانه على استعداد للجلوس على مائدة المفاوضات مع نتنياهو تحت رعاية الرئيس ترامب.

كان رد الفعل المصرى على الوثيقة السياسية الجديدة لحركة حماس التى أعلنها خالد مشعل من الدوحة فى الأول من مايو ٢٠١٧ مثيرا للتساؤل. فنحن أمام أول اعتراف للحركة بفكرة أنشاء دولة فلسطين داخل حدود يونيه ١٩٦٧، ولأول مرة فى تاريخها تحرص الحركة على التفرقة بين موقفها من الديانة اليهودية والحركة الصهيونية، وتؤكد أنها لا تعادى اليهودى لديانته، وإنما تنتصر لحقوق الشعب الفلسطينى فى مواجهة «الاحتلال» الإسرائيلى للأراضى الفلسطينية، ولأول مرة تسقط الإشارة إلى ارتباطها بجماعة «الإخوان المسلمين».. قوبلت الوثيقة الجديدة بهجوم إعلامى مصرى متسرع وغير مفهوم، وحتى كتابة هذه السطور لا يوجد رد فعل رسمى من جانب الحكومة المصرية، على حد علمى، وأرجو أن أكون مخطئًا.

فى ٢٣ مايو الجارى سيقوم الرئيس الأمريكى بزيارة رسمية للمملكة العربية السعودية فى أول زيارة رسمية له منذ توليه الرئاسة الأمريكية، سيتوجه بعدها لزيارة إسرائيل ثم «رام الله”، وعقب ذلك يغادر المنطقة متوجها لأوربا. خلال وجوده فى السعودية سيشارك فى قمة عربية -إسلامية -أمريكية ستتركز حسب مصادر البيت الأبيض على سبل مواجهة إيران ومكافحة الإرهاب بصفة عامة وتنظيم «الدولة الإسلامية» والمنظمات المنبثقة عن «القاعدة» بصفة خاصة . لاحظ الغياب التام لقضية السلام فى الشرق الأوسط.

ما هو الموقف المصرى من هذه التحركات التى تتمحور حول إعادة تشكيل الشرق الأوسط والتمهيد لهيمنة إسرائيلية على مصائر المنطقة؟

بطبيعة الحال مصر لا ينبغى أن تكون شريكا فى مثل هذا المشروع الأمريكى -الإسرائيلى، وهى مطالبة، وبغض النظر عن التحديات الاقتصادية والأمنية الخطيرة التى تتصدى لها حاليا، ان تساير مثل هذه المشاريع التى تمهد فى حقيقة الأمر إلى دخول الشرق الأوسط إلى المرحلة الثالثة فى تنفيذ الحلم الصهيونى فى الأراضى الفلسطينية والعربية. لعل الجولة التى قام بها السيد رئيس الجمهورية فى الخليج فى الفترة من أبريل ومايو ٢٠١٧ إشارة البدء لاستعادة مصر لدورها فى العالم العربى، ولعودة السياسة العربية كمكون أساسى فى السياسة الخارجية المصرية، بمعنى آخر عودة لكى تكون التحالفات المصرية- العربية هى محور التحالفات الدولية والإقليمية لمصر.

    Dr.Radwa
    Egypt Air