بقلم : نبيلة حافظ
الأرقام وحدها تتحدث عن الواقع المؤلم الذي نعيشه لتعلن وبقوة عن حجم الكارثة التي نواجهها على الطرق وكم الدم الذي يسال على الأسفلت ليلا ونهارا، عشرات الضحايا يوميا ما بين قتلى ومصابين والسبب حوادث الطرق التي أصبحت قدرنا ونصيبنا من الحياة، وللأسف المأساة تتصاعد حدتها وأعداد الضحايا في تزايد مستمر عاما بعد عام، لنصبح ــ وبلا فخرــ أولى الدول على مستوى العالم في حوادث الطرق، ويبقى دائما السؤال من المسئول عن تلك الحوادث؟ وتأتي الإجابة غير شافية لتتوزع المسئولية على أطراف عدة، ولكن المحزن حقا أن نجد جميع تقارير الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء على مدى السنوات الأخيرة كلها تؤكد على أن قائدي السيارات هم السبب وراء أغلب هذه الحوادث، وبلغة الأرقام أخطاء العنصر البشري تمثل أكثر من سبعين بالمائة من هذه الحوادث، نعم يا سادة يا كرام البشر هم المسئولين عن كل هؤلاء الضحايا بتصرفاتهم المندفعة وغير المسئولة وغير المحسوبة التي تصدر منهم على الطرق، فنجد شبابا متهورا في قيادته للسيارات وقائدي حافلات وسائقي نقل يتعاطون المواد المخدرة أثناء القيادة غير مبالين بأرواح المواطنين الأبرياء الذين يدفعون أرواحهم ثمنا لتصرفاتهم هذه.
عشوائية وتهور هؤلاء تجعلنا ندفع ثمنا باهظا ما بين قتلى وجرحى بالآلاف وعشرات المليارات من الجنيهات يتكبدها اقتصادنا من جراء حوادث الطرق، ولكن يبقى السؤال والذي طرحناه مرارا وتكرارا وعلى مدى سنوات طويلة ماضية ألا وهو كيف تواجه الدولة هذه المشكلة وتحد من نزيف الأسفلت؟
البعض يعول على القانون كحل قوي وفعال, وينتظر بفارغ الصبر إقرار مجلس النواب لقانون المرور الجديد بعد إجراء بعض التعديلات علي بعض المواد والتي من خلالها تضع قيودا جديدة على منح تراخيص القيادة وتغلظ العقوبات على قائدي السيارات.
والبعض الآخر يطالب بمنظومة كاملة تشارك فيها الإدارة العامة للمرور بوزارة الداخلية وهيئة الطرق بوزارة النقل فهما الجهتان المنوط لهما تحقيق الأمن والسلامة على الطرق وبالتالي الحد من الحوادث، فوزارة الداخلية مسئولة عن وضع المواد اللازمة بقانون المرور وتنفيذها على أرض الواقع، وهيئة الطرق مسئولة عن تمهيد الطرق طبقا للمعايير العالمية لشروط الأمن والسلامة.
ولكن هل هذا هو الحل الأمثل والعلاج الجذري لتلك المشكلة أم تبقى كما هي دون علاج؟ الإجابة بالطبع لا.. لأن الواقع يؤكد على أن نزيف الأسفلت سوف يظل بحجمه وخطورته قائما ما دام البشر كما هم، بنفس سلوكياتهم وأفعالهم الخاطئة، فماذا تفعل القوانين أمام المستهترين ومعتادي الانفلات على الطرق؟
القضية تحتاج إلى إعادة بناء جديد للشخصية المصرية والتي اعتادت في العقود الأخيرة على التسيب وعدم الالتزام، البناء يأتي من البداية منذ الصغر من مرحلة الطفولة الأولى التي يجب أن تغرس فيها لدى الطفل معني الانضباط والالتزام واحترام الطريق والقوانين الخاصة بالمرور، وفي ذات الوقت تغلظ العقوبات على المخالفين في قانون المرور الجديد على أن تطبق بقوة وبحزم على الجميع دون تمييز أو تفرقة أو محاباة أو استثناء لأي فئة، وقتها من الممكن أن نحلم بطريق آمن ونوقف نزيف الأسفلت!