الأربعاء 22 مايو 2024

قراءة في عروض الدورة الــ 12 لمهرجان المسرح الحر الدولي بالاردن : العنف والتطرف .. قبول الاخر.. التحرش ضد المرأة وزيف العلاقات الانسانية

28-5-2017 | 10:12

رسالة الادرن : نورا أنور

تنوعت القضايا الي حملتها العروض المسرحية الثماني التي شاركت في فعاليات الدورة الثانية عشرة لمهرجان المسرح الحر الدولي الذي اقيم بالعاصمة الاردنية عمان خلال الفترة من 12 الي 18 مايو 2017 حيث تناولت العروض قضايا العنف والتطرف والارهاب وهو الشعار الذي رفعه المهرجان هذا العام وتناولت عروض اخري فكرة قبول الاخر والتعايش والعلاقات الانسانية والتحرش الجنسي ضد المرأة وايضا زيف العلاقات الانسانية .. وقد ضم المهرجان عروضاً مسرحية من 8 دول هي السلطنة وتشيلي وبولندا والمكسيك وفرنسا وتونس ومصر والكويت.

وقد جاء العرض التشيلي"الملجأ"- اخراج باولا كالديرون وكتابة تيترو كيوربولمايت وتمثيل مايرا كاودرا، وبنجامين جورونو،وبابلو جويرا، وباولا هوفمان، وكارلوس سانشيز - والذي حصد الجائزة الكبرى ليؤكد علي فكرة ضرورة التواصل الانساني، وبناء علاقات انسانية في مناخ صحي وأيضا قبول الاخر حتى بتشوهاته النفسية .

"يا سم" المصرية

أما العرض المسرحي المصري" يا سم" الذي حصد الجائزة الفضية للمسرح الحر لأفضل عرض مسرحي متكامل فقد كان لفرقة دوم تاك وتأليف صابرين الحسامي، وشيرين حجازي التي شاركت بالتمثيل الى جانب نغم صلاح عثمان وأماني عاطف والملابس من تصميم ندى منير وإخراج شيرين حجازي وقد قدم نموذجا للمرأة التي تدافع عن كيانها بالايقاع والرقص، ولما كان الرقص مرتبطا بالانوثة والغواية وبيان جمال المرأة فإن عرض "يا سم" يتضمن كثيرا من اللحظات التى تبدأ من تلك الفكرة فهو عبارة عن مجموعة من الرقصات الاستعراضية تقوم بها مجموعة من الفتيات يستعرضن من خلالها ظاهرة التحرش الجنسي بالمرأة، والنظرة الشهوانية لها من قبل الرجال في الشارع المصري، في محاولة منهن لمحاربة فكرة النظر إليهن على أنهن أجساد فقط.. وقد استمر العرض علي خشبة المسرح 45 دقيقة دون كلام ولا ثرثرة حوارية عدا بعض الكلمات في مقطع قصير لا يتجاوز الدقيقتين، حيث تلفّظت الفتيات الثلاث ببعض الكلمات التي تعوّدن سماعها من رجل الشارع الذي لا يتورّع عن مغازلة الفتاة، أي فتاة مارة بأفظع الكلمات ويكشف العرض من خلال الرقص ولا شيء غيره الطريقة التي يُنظر بها إلى المرأة في المجتمعات العربية عامة والمجتمع المصري خاصة، الذي تفشت فيه ظاهرة التحرّش الجنسي بالمرأة بشكل لافت، وسط مجتمع ذكوري يعيش العديد من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي أخرت سن الزواج بسبب ارتفاع تكاليفه وحالة البطالة التي يعاني منها، حيث تقول آخر الإحصائيات إن 8 ملايين شاب مصري جاوزوا سن الخامسة والثلاثين بلا زواج لتنتهي المسرحية بالرقص دائما وأبدا، في رمزية كونية تؤكّد أن المرأة ليست مصدر شهوة وإغواء، بل هي أصل الحياة وأساسها.

سم هاملت

أما العرض المكسيكي" سم هاملت" المأخوذ عن تراجيديا شكسبير، التي تتحدث عن الأمير الدنماركي هاملت، الذي ظهر له شبح أبيه الملك، يطالبه بالإنتقام لمقتله، وبعد سلسلة من عمليات التصفية لعائلته، ينجح الأمير المُتعب في الإنتقام لوالده، إلا أنه يُصاب في إحدى المواجهات بجرح قاتل من سيف مسموم وفي خضم كل هذا الصراعات التراجيدية، تموت شخصية جرترود، عقب إقامتها علاقة محرمة، بعد أن شربت نبيذاً مسموماً عن طريق الخطأ، كان يقصد قتل هاملت بالأساس، ليقوم هاملت بعد موتها بانتقامه الأخير بقتل عمه وقطع ذراعيه ووضع السم في فمه يموت هاملت بعد أن جرحه "لارتيس"، غدراً بسيف مسموم، بعد اتفاق عدد من الشخصيات الرئيسية على قتله والتخلص منه.. وعلى الجانب الآخر، يقدم العرض حبيبة هاملت "أوفيليا" التي يرفض والدها حبها له، إلي جانب تعرضها إلى الإعياء والتعب النفسي جراء الإضطرابات التي يعيشها هاملت، وادعائه للجنون، بسبب ما يخفيه من محاولته لكشف حقيقة مقتل والده، ونواياه التي يضمرها للانتقام وعمل المخرج على إضفاء النكهة المكسيكية على العرض، عبر تحويله بكامله إلى حالة محلية، من أسماء وثقافة ورقص وغناء تقليدي، وعبر الأزياء الفلكلورية التي ارتداها الممثلون، حيث ألبسوا العرض هوية جديدة مختلفة تماماً عن هويته الأصلية، مع بقاء الأحداث على حالها. وقد حصد العرض جائزتين الاولي الجائزة البرونزية للمسرح الحر لأفضل عرض مسرحي متكامل والثانية جائزة المسرح الحر لأفضل ممثل فاز بها الفنان المكسيكي مارسيد جارسيا عن نفس المسرحية.

انتقام الضحية من الجلاد

وعن الفترة الانتقالية في تونس عقب ثورة الياسمين، قدمت المخرجة التونسية سميرة بو عمود،عرضها المسرحي "الصبية والموت"،المقتبس عن عمل ارييل دوفرمان والتي حصدت عنه جائزة ذهبية المسرح الحر لأفضل ممثلة للفنانة (هناء شعشوع) عن دورها في المسرحية ويحكي العمل التونسي قصة فتاة تم اغتصابها والاعتداء عليها قُبيل ثورة الياسمين، من قبل أحد الأطباء الحكوميين في البلاد، ولأنها كانت مُعصّبة العينين، عَلِقَ صوت ذلك الطبيب الجلاد في ذاكرتها، على الرغم من مرور أكثر من 15 عاماً على الحادثة تتزوج هذه الفتاة محامياً مشهوراً، كان قد ساعدها في قضيتها وعاشا معاً قصة حب قبل الزواج، وخلال الفترة الانتقالية للبلاد، يُصبح زوجها واحداً من المرشحين لاستلام إحدى الحقائب الوزارية، لكن الصدفة تسوق أحد أصدقائه ليلاً إلى منزلهما، وتتمكن الصبية من التعرف إلى صوته جيداً، فقد كان الطبيب الذي اغتصبها قبل 15 عاماً، وتقرر الانتقام، وعلى الرغم من عدم وجود أي دليل حقيقي بين يديها سوى أنها تعرفت على صوته، تتمكن من إقناع زوجها المحامي، ويحتجزانه معاً في المنزل، حتى تأتي تلك اللحظة التي تنتقم لنفسها وتقتله انتقاماً لماضيها وقدمت المسرحية متعة بصرية خالصة، وحالة مسرحية عالية المزاج في جميع عناصر العرض، بدءاً من السينوغرافيا، ومروراً بأداء الممثلين وتمكنهم من أدواتهم المسرحية، وصولاً إلى العزف على الجوانب الحساسة بمختلف قضايانا السياسية والإجتماعية والإنسانية.

توبا دي والملائكة

أما العرض البولندي"توبا دي والملائكة"الذي فاز بجائزة ذهبية المسرح الحر لأفضل سينوغرافيا فهو عرض يحكي عن أسطورة عمرها 600 عام، تم تحويلها الى عرض بصري مدهش، استعرضت فيه مهارة تحريك العرائس، والرسوم المتحركة، والممثلين،والبانتيموم، ففي عمق المسرح ستارة تم توظيفها لأغراض كثيرة، حيث استخدم مستويان منها" العلوي والسلفي" لتحريك العرائس، وايضا شاشة للعرض، ومكانا للاختباء، وتبادل المواقع. الأحداث تمت في مدينة بولندية تسمى تورون،يعيش اهلها الحياة الهادئة، وكل شيء يتحرك بشكل طبيعي، لكن التاجر، وتلك المرأة القادمة من خارج المدينة، التي تحمل بضاعتها لتبيعها في المدينة، يجدان في السائح صيدا ثمينا من أجل الحصول على فلوسه وتصريف بضاعتهما، لكن السائح لاتستهويه بضاعتهما، ويشتري فقط الجنزبيل من مكان آخر في المدينة. النزعة الشريرة تدفع التاجر والمرأة الى التخطيط لسرقة نقود السائح، كونهم يستهدفون الغرباء، وبالفعل ينفذون خطتهم، لكن الملاك يشاهدهم ويخبر حاكم المدينة بامر السرقة، فيدعو مجلس المدينة والحكماء للاجتماع وتداول الامر، خاصة وأن حكيم المدينة أخبرهم بأن شرور الدمار والموت ستحل بالمدينة اذا لم يعاقبوا هذين الشريرين، ويكون القرار بإعادة النقود المسروقة، وبناء اكبر جرس كنيسة في اورويا، وعقابا للتاجر والمرأة، يتم الزامهما بمهمة قرع هذا الجرس الثقيل على مر الايام، لتعيش المدينة في حالة من السلام. بعيدا عن الحكاية الفلكلورية،وماتحمله من ثنائية الخير والشر،والبعد الديني في بعض جوانبها وما ضاع منها بسبب اللغة، فقد قدمت الفرقة عرضا بصريا مدهشا، وباتقان في الحركة، وتوافق إيقاعي، وتناغم مابين الممثلين، بهذا التركيز الشديد، والمزج بين الرسوم المتحركة، والعرائس

التطرف والارهاب

أما فرقة مسرحية"العيد"من سلطنة عمان والتي حصدت جائزة لجنة التحكيم الخاصة في التمثيل وفاز بها الفنانان نهاد الحديدي ويوسف الخروصي .. والعرض تأليف الكاتب العماني بدر الحمداني وإخراج الفنان محمد المعمري، وقام ببطولتها مجموعة من الفنانين العمانيين هم: الفنانة نهاد الحديدي والفنان علي المعمري وزاهر السلامي وحاتم الحراصي وعبدالله الفارسي وهشام الحراصي ويوسف البلوشي، وتتحدث المسرحية عن معاناة الشاب "عياد" عندما قرر أخيرا أن يحتفل بيوم العيد بطريقته الخاصة، وبعد أن سرد لنا حكايته المأساوية منذ أن كان طفلا وحرم من حنان الأب، وذلك بسبب أنه غرر بأبيه لطلب الشهادة المزعومة من قبل بعض المتشددين باسم الدين والإنسانية الذي ذهب لها دون رجعة، ليتركه مع أمه يصارعان قسوة الحياة وطمع الطامعين وتتكالب عليهما المصائب في زحمة الأحداث المأساوية الأكثر صرامة، وبعدها تعرضت الأم لمواقف توضح فيها جشع وطمع الانسان وتغلب المصالح الشخصية على المعنى الحقيقي لمفهوم الإنسانية إلى أن تصل المعاناة ذروتها لتموت الأم وتبقى المعاناة مستمرة لدى بطل العمل عياد الذي فكر أن يحتفل بالعيد بطريقته الخاصة لتنتهي الحكاية من وجهة نظره.

العائلة الحزينة

وقدمت فرقة مسرح الخليج العربي بالكويت مسرحية "العائلة الحزينة" تأليف بلانسيلاف نوشيتش وإعداد وإخراج الفنان عبدالعزيز صفر وبطولة كل من فاطمة الصفي وميثم بدر وخالد المظفر وإبراهيم الشيخلي الذي حصد جائزة لجنة التحكيم الخاصة - ومريم حسن وتدور فكرة المسرحية حول شخصية برجوازية تمتلك الكثير من الأموال، وبعد وفاته تتجمع العائلة بعد الأسبوع الأول من الوفاة وانتهاء أول قداس، وتبحث عما لديه من أموال ويكشف أفرادها عن وجوههم الحقيقية ولا يكون لديهم ما يشغلهم سوى الميراث وكيفية الحصول عليه وتمضي الأحداث، حيث يتم في كل لحظة اكتشاف شيء ما، إذ تعتمد أحداث المسرحية لغة الانتظار في عملية كشف صريحة لطباع البشر المادية وصراعهم من أجل المال والسلطة وأيضاً الكرسي... شخصيات تبدأ بالتحول لحظة بعد أخرى، حيث تكشف وجوههم الحقيقية دون تزييف، حتى عندما يكتشفون أن الأموال التي يبحثون عنها قد كتبت في وصية لابنة غير شرعية للمتوفي، يحاولون ابتكار حيلة لتزويج الفتاة بطريقتهم ليكونوا قريبين منها ومن ثروتها.

سويتي سويتي

أما العرض الفرنسي «سويتي سويتي»، بإمضاء الفرنسية جوانا زيريرز ،فيقدم تجربة في فضاء حكائي يسعى لكشف زيف العلاقات الانسانية وانحطاطها من خلال السخرية السوداء أو الكوميديا، وتطرح فعل المقاومة بشكل آخر يحكي قصة ممثلة كانت نجمة هوليودية ولها حضورها، الا انها فجأة اختفت او ابعدت عن الاضواء فبدأت تشعر بحالة نفسية مرضية وبدأت تستغل عدداً من الشباب الباحث عن الشهرة الهوليوية، ووسط هذه السخرية السوداء أو الكوميديا يظهر فعل المقاومة بشكل آخر ، حيث يتم الكشف عن زيف العلاقات الانسانية.