25-10-2025 | 11:57
إيهاب سلامة
في عصر تتسارع فيه ضربات الحياة أكثر من ضربات القلوب، أصبح الإنسان مهددًا بمرض لا يرحم.. هو الذبحة الصدرية، والذبحة ليست مجرد ألم صدري عابر يمكن أن نتجاوزه بمسكن أو راحة قصيرة، بل هي لغة خاصة للقلب يخاطب بها صاحبه قائلاً: «إنني اختنق»، وفي كل عام، تفاجئ الذبحة ملايين البشر حول العالم، لتصبح من أكثر الأسباب شيوعًا لدخول غرف الطوارئ، بل وأحد أهم أسباب الوفاة المفاجئة.
ولتقريب الصورة إليك عزيزي القاريء، تخيل موظفًا عاد من يوم عمل مرهق، جلس إلى مائدته، شعر بثقل في صدره، تجاهله معتقدًا أنه عسر هضم، لكن بعد دقائق امتد الألم إلى ذراعه الأيسر، بدأ يتصبب عرقًا، وأصبح عاجزًا عن التنفس، تلك ليست قصة خيالية، بل مشهد قد يتكرر يوميا في المستشفيات، وغالبًا ما ينتهي بمأساة إذا لم يتم التدخل السريع.
فى البداية يوضح الدكتور أسامة جلال، استشاري أمراض القلب، أن الذبحة ليست مرضا في ذاتها، وإنما هي عرض شديد الدلالة على مرض الشرايين التاجية. ويضيف أن القلب يحتاج إلى تدفق مستمر من الدم المحمل بالأكسجين عبر الشرايين التاجية، وعندما تضيق هذه الشرايين بسبب ترسب الدهون والكوليسترول، تقل كمية الدم التي تصل إلى عضلة القلب، هنا يشعر المريض بالذبحة، وهو ألم ضاغط أو حارق في منتصف الصدر، يمتد أحيانًا إلى الكتف أو الذراع أو الفك.
ويشرح أن الذبحة تنقسم إلى نوعين رئيسيين: «المستقرة، وهي التي تحدث عند بذل مجهود كالرياضة أو صعود السلم، وتزول بالراحة أو الدواء، وغير المستقرة، وهي الأخطر، إذ تحدث حتى في أوقات الراحة أو أثناء النوم، وتستمر لفترات أطول ولا تستجيب للأدوية المعتادة، وقد تتحول إلى جلطة قلبية خلال ساعات.
لكن أعراض الذبحة الصدرية، ليست دائمًا واضحة كما يؤكد الدكتور أسامة أن مرضى السكري والنساء وكبار السن قد لا يعانون من ألم الصدر التقليدي، قائلاً: «قد يأتينا مريض يشكو من ضيق تنفس شديد أو إرهاق أو غثيان أو دوخة، فيتبين بعد الفحوص أنه يعاني من ذبحة. هذا ما يجعل التشخيص أحيانا صعبا، ومن الخطورة بالطبع إهمال أي عرض غير معتاد».
يؤكد الدكتور وائل صلاح، استشاري الحالات الحرجة، أن الذبحة الصدرية تمثل سباقًا مع الزمن، «المريض الذي يصل إلى الطوارئ خلال الدقائق الأولى من النوبة وتكون لديه فرصة نجاة عالية جدًا، أما من يتأخر فقد يدخل في مضاعفات خطيرة مثل جلطة حادة في الشريان التاجي، أو توقف مفاجئ لعضلة القلب».
ويضيف أن التشخيص السريع هو كلمة السر، حيث يعتمد الأطباء على رسم القلب الفوري، وقياس الإنزيمات القلبية في الدم، وأحيانا نضطر لإدخال المريض إلى القسطرة العلاجية خلال دقائق إذ أن هناك قاعدة ذهبية في طب الطوارئ تقول إن كل دقيقة تمر دون تدخل تعني موت مزيد من الخلايا القلبية.
ويحذر الدكتور وائل من سلوكيات شائعة قد تودي بحياة المريض موضحاً أن بعض المرضى عند شعورهم بألم الصدر يتناولون مسكنات أو ينامون انتظارًا لزواله، وهذه تعد مشكلة فالألم الصدري المستمر لأكثر من عشر دقائق، خاصة إذا كان مصحوبا بعرق بارد أو دوخة أو ضيق تنفس، يستوجب الاتصال بالإسعاف فورًا.
أما الدكتور مصطفى الشقنقيري، استشاري أمراض الباطنة، فيركز على أن الذبحة ليست قدَرًا محتوما، بل يمكن تجنبها بخطوات عملية تبدأ قبل ظهور المرض، كاشفًا أن الوقاية هنا ليست شعارات، بل أسلوب حياة، والنظام الغذائي هو الركيزة الأولى، كلما قللنا الدهون المشبعة والأطعمة المقلية، وأدخلنا الخضراوات والفواكه والحبوب الكاملة إلى وجباتنا، حافظنا على شرايين أنظف وأقوى.
يعتقد الشقنقيري أن النشاط البدني لا يقل أهمية عن العلاج والتدخل الطبي السريع، حيث إن المشي نصف ساعة يوميًا قد يبدو بسيطًا، لكنه يقلل خطر أمراض القلب بنسبة كبيرة، أما التدخين فهو القاتل الصامت، كل سيجارة تضيق شرايينك أكثر، ولا يوجد ما يسمى بالتدخين الآمن، فالإقلاع الفوري هو العلاج الحقيقي.
وينبه مصطفى الشقنقيري إلى أن السيطرة على الأمراض المزمنة هي السلاح الأقوى، فالمريض الذي يهمل علاج ضغطه أو سكره يضع قلبه على حافة الخطر كل يوم، لكن من يلتزم بعلاجه، ويقيس سكره وضغطه بانتظام، يضاعف فرص نجاته من الذبحة، الوقاية لا تعني الحرمان، بل تعني الحياه بوعي.
ويشدد على البعد النفسي أيضا قائلًا : إن التوتر المزمن، والغضب، والقلق المستمر كلها عوامل تضغط على القلب مثلها مثل التدخين والدهون، لذلك أنصح مرضاي بالاسترخاء، وممارسة اليوجا أو التنفس العميق، وتجنب الضغوط قدر المستطاع.
في النهاية، يتفق الأطباء الثلاثة على أن الذبحة الصدرية ليست مجرد وجع، بل ناقوس خطر لا يجوز تجاهله، هي لحظة مواجهة بين الإنسان وقلبه، إما أن يغيّر نمط حياته ويستجيب لنداء الوقاية، أو يصر على تجاهل الألم حتى يدفع حياته ثمنا لإهمال صوت العقل ونبضات القلب.