رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

أنا و«هى» والحياة


23-2-2025 | 22:56

أنا و هى والحياة

طباعة
بقلم: د. وفاء على

لا شك أن الإنسان يتلمس مكانه فى الحياة، النبض يرتفع يوماً بعد يوم، ويحاول أن يمتلك أدوات لصياغة المستقبل، وفى نفس الوقت يخاطب الماضى من أجل بناء الجسور، وهنا يبحث الكاتب أو الصحفى أو الأكاديمى أيضاً عن كيفية ضبط البوصلة الإيجابية للتأثير على منْ حوله، وتكون له نافذة ذات عمق؛ لتصل آراؤه إلى الوعى الجمعى.

 

والمعروف أن الاقتصاد عنوان عريض وبوابة لأى دولة، وينفى كثرة المجاهيل أمام الرأى العام والحرص والدلالة على مرئيات الحالة المصرية والعالمية والوعى والاستعداد، فحماية الأوطان كما يقول الرئيس عبد الفتاح السيسى شرف عظيم خصوصاً عندما تتاح لك الفرصة على صفحات وطنية كـ«المصور» العريقة للتحدث عن الوطن وأولوياته بمعايير الجودة العالية واحترافية تبادل الآراء والأفكار.

لم تلتقط «المصور» أنفاسها خلال مائة عام فى مخاطبة العقول، ولم تتخلَ يوما عن حالة الزخم، بالرغم من أن خوارزميات الفكر فى العالم تتغير بسرعة، وهناك حالة من خلط الأوراق فى العالم، لذلك بنت «المصور» على مدى قرن كامل كيانا كبيرا للشراكة مع القارئ والشعب المصرى ووعيه الفكرى والجمعى، وأصبحت منصة مهمة تجمع كبار السياسيين والاقتصاديين وأبناء الأقلام الفاخرة التى دائما تستشرف المستقبل وتقديم نموذج للحلول المبتكرة للتحديات العالمية الحالية وتوسيع آفاق أرحب؛ ليسع الوعى الجمعى المصرى لكافة القضايا .

 

تتابع بانطلاقة جديدة بمئوية تكرارية فى متابعة المشهد العالمى حيث تتشابك التهديدات، مما يجعل الأمور أكثر صعوبة ولكن النفاذ إلى القلوب قبل العقول يستحق، لذلك تنطلق «المصور» بقوة وتفتح رادار الأداء والأفق الزمنى للمرحلة القادمة؛ لتصبح شجرة وارفة للمائة عام القادمة فى نطاق واسع من المقاربة والتشاركية مع كتابها لمستهدفات جديدة فى «رالٍى» عالمى نحو المعلومة وكسر الغموض بشأن الفكر بكل أنواعه، فالتغلغل إلى الوعى الجمعى ليس سهلاً والانخراط فيه يتطلب دلالات قطعية والإجابة عن الأسئلة التى يطرحها الرأى العام وتنظيم دولاب الفكر العربى والمصرى. فنحن نشترى المستقبل ولا أحد فى كتيبة العمل داخل «المصور» يغرد خارج السرب، وإنما هناك خزان بشرى من الخبرات والتجارب والصور الفنية الأوسع يراها القارئ والمتابع، وإطلاق العنان الشحنة الدلالية لهذا الصرح الشامخ على مدار قرن سابق وقرن لاحق؛ لتبقى روح «المصور» العريقة ماضية فى طريقها.

 

ومن هنا أرجو أن يسمح لى القارئ والمتابع أن أروى رحلتى مع أروقة «المصور» العريقة، فأنا أكاديمية فى الاقتصاد ولكن لى فى «المصور» العريقة تجربة حياة.

 

أن تكتب مقالاً فى «المصور» العريقة تجربة مختلفة ليست سهلة، وأن ترويها فهذا أصعب، فهى كالكنز المملوء بالتجارب وتستحق الوقوف كثيراً لأنها تجربة عامرة بالدروس، لأنها تجعلك تسأل نفسك سؤالا مهما: هل تريد أن يفهمك الناس؟ فافهم نفسك أولاً ماذا تريد أن تكتب وسط هؤلاء العمالقة ومن لديهم خبرات صحفية والوصول إلى السردية؛ لتضع قدمك وأن تحقق نجاحا بين من يجيدون قواعد اللعبة إن جاز التعبير، وأن تكون صائباً وصاحب قلم ولك محصلة وألا تكون نمطياً أو روتينياً، فصناعة الإعلام والصحافة والكتابة ليست سهلة لها قواعد وقوانين يجب أن يتبعها الجميع ليصل إلى مقاصد الكنز، وهى عقول القراء وكيف تتفارض مع قلمك وصفحاتك بالشكل الصحيح ويكون لك نقطة انطلاق بلغة جزلة سهلة يحسن فيها الوصف والتوصيف فى عالم مملوء بآراء متعددة، وهنا نروى الرحلة الممتعة فى أروقة «المصور» العريقة .

 

الكتابة هى مبدأ ومرجعية ليست كلمات منمقة أو حروفا من الممكن رسمها، ولكنها فكرة وقناعة فى ذهن منْ يكتب ويتحاور مع الأوراق ومع القارئ، والمهم أن ما يكتب يصل إلى القلب قبل العقل، وأن تمتلك وعى القارئ ومداركه، وأن تكون ككاتب سببا من أسباب البحث والفكر، فقد تكون صاحب فقرة قصيرة أو طويلة، المهم أن تصل فى نهاية رحلتها إلى عقل القارئ، وعندما بدأت الكتابة مع «المصور» وكانت تجربتــى ليست الأولى مع الكتابة، ولكنها الأولى فى المقال المطول والسردية الفنية واختيار موضوعات بعينها، فهذا المكان العريق كان به رواد الفكر أصحاب الأجراس الكلامية والتدفق المتسلسل فأين يقع قلمى بجانب هؤلاء العظماء الذين كتبوا لـ «المصور» ودار الهلال العريقة، ليست حروفاً كتبوها بل ذهب وفيض من العقلانية، وكيف وصولوا إلى عقل القارئ دون مشقة بسلاسة مصهورة، وعندما أتيحت الفرصة للكتابة فى «المصور» العريقة لم أتوانَ، وسرحت بأفكارى، كيف أنسق كلماتى بين العمالقة، ولكن دفعنى اهتمام كل القائمين على هذا الإصدار الراقى إلى الإجادة، وتعلقت بالصفحات فقد أعطوا لى المساحة لأضع أفكارى خصوصاً أننى أكتب فى الاقتصاد وهى مادة ثقيلة وليست سهلة، فأين أكون بين هؤلاء من النخبة وتجربتـــى بسيطة وهى فى إطار اقتصادى وأضع حلولا قد تفيد متخذ القرار وبعيداً عن أي أيديولوجيا وإنما ما استقر فى عقلى ويقينى؟

 

وفردت لى «المصور» وأبناؤها قلوبهم قبل صفحاتهم، وبدأت البحث عن العنوان الجيد للموضوع المفيد للعامة، وكيف أن يكون لدىّ معلومة وأبحث عن لغة التعبير والمكونات اللغوية؟ وأن يكون لى نفس طويل من البحث عن المحسنات اللفظية، وتعلمت العنوان الأبرز وصياغته وكيف لا أجعل القارئ يلهث ورائى وإنما يبحث عن ورقة بحثية وليس مقالا، فالاقتصاد كما قلنا هو محور السياسة ومحرك كبير لأعمدة السياسة .

 

لقد ساعدتنى «المصور» وتجربتــــى فيها أن أقف على شرفات الزمن وأرى سردية الأحداث الدائرة سواء محلياً وعالمياً، وأتاحت لى حرية الكتابة أن أحاول الوصول إلى كاريزما الكتابة بحكمة الرأى وصواب الرؤية والكتابة بقلب مصرى خالص، يرى من شرفات العالم كيف تدور الملفات الاقتصادية بالكرة الأرضية وما رد فعلها علينا وكيف تؤثر على الجميع؟

 

لقد تعلمت لغة الصحافة من تجربتى فى «المصور» وأنا من المفروض أكاديمية، لكن وجدت قلمى على الأوراق يتحاور ويرى عين الحقيقة فى مختلف القضايا الاقتصادية، وأقول وجهة نظرى ووجهة نظر المحللين، وأين يقف العالم بروح المسئولية، وعند نشر أول مقال لى فى «المصور» كنت سعيدة بدرجة بالغة أن أدخل محاضراتى على طلابى وأقول لقد أصبحت لى تجربة مع «المصور» التى كتب لها يوما فكرى باشا أباظة وغيره من العمالقة، وأصبحت أفكر طوال الأسبوع عن الموضوع الذى يحمل قضية اقتصادية بغلاف دسم يناسب حجم «المصور» والمعروض المعلوماتى فيه ودرجة الوعى الجمعى والرسالة والأهداف.

 

لقد سمحت «المصور» بفكر قيادتها لكاتبة اقتصادية أن تسرد أرقامها والصورة الفنية للإخراج الفنى للعدد يعبر بلا حدود، ووجدت أننى ضمن هذا الفريق للعريقة «المصور» نقدم شيئاً مفيداً للقراء. وتدرك «المصور» دوماً أن الموهبة تفرض نفسها، وهو ما يدفع الكاتب إلى مزيد من الإبداع وامتلاك ناصية للكلمات والبحث فى التجارب، وأن أجعل هناك روحا فى المقال الاقتصادى، لذلك جعلتنى «المصور» أبحث عن المعنى، وأدلف كثيراً إلى مراجعة الإحصاءات والتحليلات؛ لأكون مختلفة بين قامات «المصور»، ولا أنسى أول مقال كتبته عن الصناعة منذ عدة سنوات، وعندما نظرت إلى العدد بعد النشر كنت أقول لنفسى لابد أن أجيد لابد أن يكون هناك أسلوب استثنائى للاقتصاد. صحيح لست أدبية ولكن ما الضرر أن أتعلم الكتابة الأدبية، بل دفعتنى «المصور» إلى تجربة أخرى وهى الكتابة فى السياسة التى تندمج بالاقتصاد، وامتزجت الأفكار فـــى ذهنى بفضل سلاسة كل القائمين على هذا الإصدار الراقى الذى يحتفل بالمئوية، وأقول للقارئ شريكنا فى التوثيق إنها تجربتى وتجربتك الإنسانية ورسالة ووعود عبر الشرح والتحليل لمناحى الاقتصاد وبعيداً عن كل آراء التنظير أو أصوات المتشككين، وكيف أن الطموحات والآمال العريضة تزاحم وسط المنافسة الشريفة وسط مدارس الاقتصاد المتعددة التى تقدمها «المصور» ومن لحظة انطلاقها من مائة عام حتى الآن، فهــــى تمس حياة الناس بكل فروعها وتعكس أفكارهم وأحلامهم وتحديات المستقبل والانتصارات وتعلم كيف تعرف الماضى وتقرأ الحاضر وترى المستقبل، فالأمر لا يقف على نقل الخبر، وإنما مشاركة القارئ فى قضايا الوطن وكيف تترك الآثار والبصمات وترسم ملامح المستقبل مع القارئ. إنها رحلة طويلة تعلمت فيها الكثير من زملائى فى «المصور»، تعلمت كيف أصوغ الإطار المعلوماتى وكيف يكون الأبرز فيه والخطوط العريضة؟ وكيف أصور المشهد الاقتصادى حاضراً ومستقبلاً وكأن القارئ یراه؟ ولاشك أن كتاباتى فى «المصور» لعبت دوراً هاماً فى حياتى وكانت علامة فارقة وحلما تحول إلى واقع فى مشوار عمرى، ورغم أن لى تابات خارج «المصور» وفى صحف قومية وعالمية إلا أن تجربتى لـ«المصور» مختلفة، وفى كل أسبوع وأنا أرصد الأفكار، أفكر فى معادلة شخصية، وهى أن قارئ المجلة ينتظر دوماً الجملة المفيدة والتناغم، وأن يكون الملف الاقتصادى الذى أعنى به يحمل المعلومة والتنوع والتركيبة التى تنصهر بالعقل لإثراء تباين الأفكار مع هذا الإبهاج الفكرى والتعدد المنضبط والتخطيط المسبق لأهم تجربة فى حياتى وهى كتاباتى فى «المصور العريقة».

 

كل عام و«المصور» وأروقتها وكتيبة الأحلام والآمال العريضة والانتماء بألف خير..

عاشت بلادى.