فى خضم الأحداث الجارية على صعيد كرة القدم المصرية، لا سيما قطبيها «الأهلى والزمالك»، وصراعهما المستعر على اللاعبين، الذى ربما ينذر بكارثة أو فتنة كبرى تسىء لسمعة الرياضة المصرية، ينتابنى تساؤل مشروع عن أسباب غياب الأجهزة الرقابية ممثلة فى وزارة الشباب والرياضة بوصفها الجهة الوحيدة، التى خولها القانون رقم 71 لسنة 2017 حق التدخل أو فض الاشتباك المحتمل بين هذين الناديين الكبيرين، والتى من حقها أيضًا مراقبة ومحاسبة مجالس إداراتها عن هذه المليارات المهدرة فى تعاقدات غير معقولة أو مقبولة مع لاعبين قد لا تصل قيمتهم السوقية الحقيقية إلى تلك الأرقام الخزعبلية، نتيجة مزايدات أشعل نارها سماسرة لا همّ لهم سوى «لهف» عمولات بملايين الجنيهات وربما الدولارات إذا كان اللاعبون أجانب، حتى خيل لى أن هذين الناديين الكبيرين المملوكين للدولة يداران وكأنهما عزب خاصة بلا حسيب أو رقيب !
إن ما يحدث حاليًا من قيام ناد بخطف لاعبى النادى المنافس بشكل مباشر أو غير مباشر، بمزايدة مقصودة وغير منطقية تحت مسمى التعاقد معهم فى زمن الاغتراف قبل الاحتراف ليس قضيتي، لكن ما أغضبنى حقيقة تلك المليارات التى دفعت وما زالت تدفع بعضها فى صفقات مضروبة للاعبين لم يضيفوا جديدًا على المستوى الرياضي، فضلًا عن سمسرة بالملايين تملأ الكروش بشكل استفزنى واستفز ملايين المصريين الكادحين!
وفى أغلب الأحيان ولأنه لا أحد يسألهم أو يحاسبهم، تكون المكايدة قبل المنافسة، أو الرغبة فى إضعاف المنافس وتفريغه من قواه الضاربة، كما حدث مع النادى الإسماعيلى من قبل ويحدث الآن مع نادى الزمالك، وليس الاحتياج الفعلى، هم الهدف من تعاقدات أحد القطبين مع لاعبين جدد، وجلها تصرفات غير مسؤولة تقع تحت مسمى إهدار المال العام !
فكم شهدت السنوات الماضية إبرام الناديين الكبيرين صفقات مضروبة، كبدتهما خسائر مادية فادحة دون أن تضيف قيمة فنية حقيقية أوتترك بصمة «مثلما جاءوا مثلما ذهبوا»، تبودلت فيها الاتهامات بين مجالس الإدارات والأجهزة الفنية المتعاقبة نتيجة سوء الاختيار والتقييم إذا كُنا «حَسنى» النية بفتح الحاء!
والأمثلة على ذلك كثيرة، يكفى أن لاعبا متواضع المستوى مثل البولندى ميشالاك البولندى الذى جاء إلى نادى الزمالك فى تعاقد مشبوه يثير الكثير من علامات الاستفهام على سبيل الإعارة من ناد سعودى بدورى الدرجة الثانية، لم يشارك مع الفريق إلا لدقائق معدودة، ويطالب بـ1.2 مليون دولار(700 ألف دولار يستحقها و500 ألف على سبيل التعويض) ومن قبله اللاعب السنغالى إبراهيما نداى الذى انضم للزمالك فى موسم 2022- 2023 مقابل 3 مليونات دولار تسدد على 3 مواسم! ولا ننسى أن انضمامه للزمالك تسبب فى أزمة، أسهمت فى إيقاف القيد، بعد حصول ناديه السابق «وادى دجلة» على حكم ضد القلعة البيضاء لعدم سدادها 7 آلاف يورو، كحق رعاية للاعب الذى أنهى تعاقده نهاية العام الماضى بناء على رغبة الجهاز الفنى ومجلس الإدارة لسوء مستواه، فتقدم نداى بشكوى رسمية للفيفا، حتى يحصل على مستحقاته المتأخرة، التى بلغت 750 ألف دولار، ناهيك عن التعويض بداعٍ إخلال الفريق الأبيض ببنود التعاقد، بعد فشل المحاولات الودية لإقناعه بجدولة مستحقاته المتأخرة!
وعلى مستوى التعاقدات المحلية حدث ولا حرج، لعل أغربها على الإطلاق صفقة اللاعب زياد كمال الذى انتقل لصفوف الزمالك، خلال فترة الانتقالات الشتوية الماضية، على سبيل الإعارة لمدة موسمين ونصف، قادما من نادى إنبي، بقيمة مالية تقترب من 35 مليون جنيه.
ووفقا لبنود عقده الذى يجب أن تلف يد كاتبه فى حديد، يحصل نادى إنبى من الزمالك على مبلغ 5 ملايين جنيه، فى أول ستة أشهر، وفى الموسم التالى 10 ملايين والموسم الأخير على 20 مليون جنيه، فضلًا عن حصول نادى إنبى على امتيازات أخرى، منها 150 ألف دولار بعد فوز الزمالك بالكونفدرالية ومبلغ آخر بعد التتويج بالسوبر الإفريقى، ولم يتضمن العقد بند شراء اللاعب، بشكل نهائي، أو التصرف فيه من دون الرجوع إلى النادى البترولى! والسؤال الذى جاءت إجابته مدهشة، ماهى إنجازات اللاعب الفذ مع الزمالك؟ زياد لعب 9 مباريات فقط فى جميع البطولات، بواقع 179 دقيقة، لم يحرز خلالها أي أهداف، الأمر الذى دفع المدرب السويسرى فى ذلك الوقت كريستيان جروس إلى المطالبة برحيله فعاد إلى إنبى مرة أخرى!
كذلك الحال فى النادى الأهلى الذى أبرم هو الآخرعدة صفقات مضروبة أحدثها مع المهاجم الفرنسى أنتونى موديست، الذى تم التعاقد معه لمدة عام واحد فى صفقة انتقال حر بعد انتهاء عقده مع نادى كولن الألمانى، لكن اللاعب المتواضع فنيًا وبدنيًا، لم ينجح فى تقديم أي إضافة بل بات “عالة” على الفريق ولم يسجل فى كل مشاركاته سوى هدف وحيد «استروبيا»، فى مرمى نادى إنبى، الكرة كانت فى طريقها لخارج الشباك لولا اصطدامها بمدافع الفريق البترولى تعيس الحظ فتغير اتجاهها وتسكن الشباك كلف النادى الأهلى مليونا وسبعمائة وخمسين ألف دولار!
ومن قبله اللاعب الأنجولى جيرالدو دا كوستا، الذى تعاقد معه المارد الأحمر فى مطلع عام 2019 قادمًا من فريق أنجولى مغمور، لكنه رحل دون أن يقدم أى شيء يذكر مع القلعة الحمراء بنهاية الموسم بعدما لهف مليونا ونصف المليون دولار!
أيضا اللاعب السنغالى آليو بادجى الذى تعاقد معه الأهلى فى يناير 2020 قادما من صفوف رابيد فينا النمساوى لمدة 4 سنوات ونصف فى صفقة كلفت خزينة الأحمر 2.5 مليون دولار، لكنه رحل سريعا بعد عدة إعارات دون أن يترك بصمة تذكر مع الفريق!
وعلى المستوى المحلى تأتى صفقة اللاعب صلاح محسن الذى انتقل إلى «القلعة الحمراء»، فى يناير 2018، قادمًا من نادى إنبى وأحدثت ضجة كبيرة فى الوسط الرياضي، كأغلى صفقة انتقال فى تاريخ مصر وقتها، بسبب قيمتها التى بلغت 40 مليون جنيه! وفى نهاية تعاقده، تركه النادى الأهلى «ببلاش»، بعد أن شارك فى 100 مباراة، تمكن خلالها من تسجيل 18 هدفًا فقط ثمن كل هدف 2 مليون جنيه!
كل تلك الصفقات السابقة، على سبيل المثال لا الحصر، تدفعنى إلى هذا التساؤل المنطقي: «كيف تعاقد قطبا الكرة المصرية مع هؤلاء اللاعبين ودفع فيهم تلك المليارات الضخمة، وعلى أى أساس؟!
أعود إلى الصفقة التى أحدثت دويًا، بل انقلاب فى الوسط الرياضى المصرى.. صفقة الانتقال الحر لـ اللاعب أحمد مصطفى زيزو إلى النادى الأهلى قادمًا من نادى الزمالك، مقابل 400 مليون جنيه يقبضها على مدى 4 مواسم (مبلغ ضخم بجد)، قطعًا من حق زيزو أن يتعاقد مع أى ناد دون الرجوع إلى ناديه الحالى الذى تركه «ببلاش» بعد فشل مجلس الإدارة فى تمديد عقده، لكن خطأ مجلس لبيب، كانت فشله الذريع فى تسويقه والاستفادة منه رغم عروض البيع الكثيرة ذات المقابل المادى الضخم التى تواترت عليه من السعودية والإمارات وقطر قبل حلول الستة الأشهر المتبقية فى عقده والتى تجاوز بعضها مبلغ 6 ملايين دولار كانت ستدخل خزينة النادى «المفلس».
إذن أين المكاشفة؟ أين الشفافية؟ من قبل الأندية الرياضية من ناحية وأين المحاسبة من قبل وزارة الشباب والرياضة تحديدًا؟ وهى الجهة الوحيدة المناط بها اتخاذ كل الإجراءات القانونية المناسبة التى تكفل الحفاظ على أموال الأندية التى تحصل على دعم سنوى، وتتمتع بالإعفاء من كثير من الضرائب والجمارك والرسوم، وتعتبر أموالها أموالًا عامة خاضعة لأحكام قانون العقوبات بموجب المادة التاسعة من قانون الرياضة رقم 71 لسنة 2017، ورغم ذلك، وبكل أسف لم نسمع عن إحالة من أبرموا كل تلك الصفقات المضروبة، وأهدروا ملايين الدولارات إلى التحقيق رغم توافر أركان جريمة إهدار المال العام علمًا بأن هذه الرقابة لا تشكل ولا تعد نوعًا من التدخّل الحكومى فى النشاط الرياضى، المحظور طبقًا للوائح الاتحاد الدولى لكرة القدم (فيفا)؟!

