رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

فواتير «التعريفات الجمركية» بين أمريكا والصين.. «الجميع سيدفع الثمن»


18-4-2025 | 09:31

.

طباعة
تقرير: سلمى أمجد

جولة جديدة يشهدها الاقتصاد العالمى فى الحرب التجارية الدائرة بين الصين والولايات المتحدة بعد قرار الرئيس الأمريكى دونالد ترامب «المفاجئ» بالتراجع عن خطته الشاملة لفرض الرسوم الجمركية على غالبية الدول لمدة 90 يومًا فى خطوة أنعشت الأسواق العالمية بعد الخسائر الفادحة، حيث استثنى «ترامب» الصين من قرار التعليق بل ورفع معدل الرسوم على الواردات الصينية ليصل إلى 145 فى المائة نظرًا «لعدم احترامها الأسواق العالمية»، حسب تعبيره، فى تصعيد غير مسبوق يعكس مخاوف أمريكا الواضحة من أن يهدد النمو المذهل والمستدام للاقتصاد الصينى هيمنتها على الأسواق العالمية.

وفى المقابل، وتحت شعار «لا للتنمر»، رفعت الصين الرسوم الجمركية على السلع الأمريكية إلى 125 فى المائة متعهدة بالقتال حتى النهاية ضد الابتزاز الأمريكى، وأصبح السؤال: من يتراجع أولًا؟.. لا سيما أن منظمة التجارة العالمية حذرت من أن التوترات التجارية المتصاعدة بين الولايات المتحدة والصين يمكن أن تخفض حتى 80 فى المائة من تجارة السلع بين أكبر اقتصادين فى العالم، وفقًا للتقديرات الأولية للمنظمة، كما يمكن أن يؤدى تقسيم الاقتصاد العالمى إلى كتلتين إلى انخفاض طويل الأجل فى الناتج المحلى الإجمالى الحقيقى العالمى بنسبة 7 فى المائة تقريبًا.

وذكر بيان «التجارة العالمية»، أن «الآثار السلبية لن تقتصر على الولايات المتحدة والصين، بل ستمتد إلى اقتصادات أخرى، لا سيما أقل الدول نموًا وهو ما يثير القلق بشكل خاص».

يُشار هنا، إلى أنه قد بلغ حجم التبادل التجارى بين الصين والولايات المتحدة نحو 582.4 مليار دولار عام 2024، وشملت أبرز الصادرات الأمريكية إلى الصين كلا من النفط والغاز وفول الصويا وأشباه الموصّلات، فى المقابل كانت الهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر المحمولة وبطاريات الليثيوم-أيون، والملابس والمنسوجات، أكبر الواردات الأمريكية من الصين. وبناء على ذلك، قررت إدارة «ترامب» إعفاء الأجهزة الإلكترونية، مثل الهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر المحمولة ومحركات الأقراص الصلبة ومعالجات الكمبيوتر وشرائح الذاكرة، من الرسوم الجمركية المتبادلة، فى خطوة تهدف إلى تخفيف الأعباء عن المستهلكين ودعم شركات التكنولوجيا الكبرى، بما فى ذلك «آبل» و«سامسونج»، وفقًا لما نقلته وكالة «بلومبرج».

فى هذا السياق، وصف الدكتور خالد الشافعى، خبير الاقتصاد والاستثمار، ما يحدث بـ«الإرهاب الاقتصادى» الذى يتبنّاه «ترامب» على العالم أجمع كأداة للتنمّر والتلاعب بالأسهم لصالح الولايات المتحدة الأمريكية على حساب بقية الدول، مضيفًا أنه «رغم فكر ترامب بأن ما يحدثه من تغييرات سيحقق مكاسب ومصالح لأمريكا، فإن البورصة الأمريكية خسرت أكثر من 6 تريليونات دولار فى يومين بعد قراراته، وبعد قراره بفرض رسوم جمركية بنسبة 145 فى المائة على الواردات الصينية، لن تقف بكين مكتوفة الأيدى، وقد شاهدنا الصين بالفعل ترد بالمثل على الرسوم المفروضة عليها من الولايات المتحدة، مما سيؤثر سلبًا على حجم التبادل التجارى بين الدولتين، علمًا بأن الميزان التجارى كان دائمًا لصالح الصين خلال العقود الماضية، فرغم رخص السلع الصينية، تعتبر من أجود ما تتم صناعته بمواصفات تتناسب مع استهلاك المواطن الأمريكي».

«الشافعى»، أكد أنه لن يكون لمنظمة التجارة العالمية دور حاسم فى الصدام بين الصين والولايات المتحدة؛ لأن الدولتين أكبر من منظمة التجارة العالمية، وبالتالى الحرب مستمرة ومشتعلة إلى أن تتم التهدئة اقتصاديًا وسياسيًا بين الدولتين أو التوافق على آلية معينة يتم التنسيق السياسى ثم التنسيق الاقتصادى فيما بينهما، وحتى الآن لا تزال الأسواق غير مستقرة، والاضطراب يتخلل حركة التبادل التجارى بين دول العالم وسلاسل التوريد العالمية فى تباطؤ نتيجة قرارت «ترامب» العشوائية والفورية التى يتخذها.

وفى أول تعليق علنى له على تصاعد الحرب التجارية مع الولايات المتحدة، أكد الرئيس الصينى «شى جين بينج» خلال لقائه رئيس الوزراء الإسبانى «بيدرو سانشيز» فى بكين، أن بلاده «ليست خائفة»، مشددًا على أنه «لا يوجد رابح فى الحرب التجارية، ومعاداة العالم لن تؤدى إلا إلى العزلة الذاتية».

وأضاف الرئيس الصينى، أنه «على مدى أكثر من 70 عامًا، اعتمدت تنمية الصين على الاعتماد على الذات والعمل الجاد، ولم تتكل يومًا على المعونات أو المساعدات من الآخرين» فى رسالة ضمنية إلى واشنطن.

من جانبها، صرحت كارولين ليفيت، المتحدثة باسم البيت الأبيض، بأن الرئيس ترامب «متفائل» بإمكانية التوصل إلى اتفاق تجارى مع الصين، وأوضحت أن «أكثر من 75 دولة طلبت إبرام صفقات، بما فى ذلك كوريا الجنوبية واليابان وفيتنام»، وذلك قبل إشارتها إلى أن «حلفاء الولايات المتحدة وأعداءها على حد سواء يحتاجون إلى الولايات المتحدة للبقاء، والرئيس يستغل هذا النفوذ للمصلحة الأمريكية».

وعلى الصعيد الأوروبى، أكدت رئيسة المفوضية الأوروبية، فون دير لاين، التزام الاتحاد الأوروبى بالتجارة الحرة العالمية وإصلاحات السوق الداخلية، كما أعلنت تعليق فرض الرسوم الانتقامية المقررة بقيمة 23 مليار دولار على الولايات المتحدة، وذلك لمدة 90 يومًا لإتاحة فرصة للتفاوض، ومع ذلك حرص الاتحاد الأوروبى على التأكيد أنه إذا لم تكن المفاوضات مرضية، فسيتم تطبيق تدابير مضادة بجانب مواصلة إعداد التدابير المستقبلية، والتى قد تستهدف التكنولوجيا والخدمات، وكان الاتحاد الأوروبى قد قدم اقتراحًا «صفر مقابل صفر» لإلغاء التعريفات الجمركية الصناعية، بما فى ذلك الرسوم الجمركية على السيارات، لكن «ترامب» رأى أن العرض الأوروبى غير كافٍ.

وكان القلق المتزايد داخل وزارة الخزانة بشأن تطورات سوق السندات عاملًا محوريًا فى قرار «ترامب» بإيقاف نظام الرسوم الجمركية «المتبادلة»، وفقًا لما ذكرته مصادر لشبكة «سى إن إن»، حيث شهدت أسواق سندات الحكومة الأمريكية، التى تعد عادة ملاذًا آمنًا للمستثمرين موجة بيع حادة. وعلى الرغم من أن تعليق «ترامب» للرسوم تسبب فى إنعاش الأسواق، فإن انخفاض قيمة الدولار وارتفاع العائدات على سندات الحكومة الأمريكية لمدة 10 سنوات كان بمثابة إشارة إلى اهتزاز ثقة العالم فى الاقتصاد الأمريكى جراء الحرب التجارية التى شنها «ترامب» على الصين، حيث بدا أن العديد من المستثمرين يتجهون إلى سندات الحكومة الألمانية كملاذ آمن، فضلًا عن تحليق الذهب، الملاذ الآمن التقليدي، لمستويات قياسية متجاوزًا 3200 دولار للأونصة.

وبينما فرضت بكين قيودًا على 18 شركة أمريكية ذات صلة بالصناعات الدفاعية فى ظل تهديدات إدارة «ترامب» بإزالة شركات الصين من البورصة الأمريكية، تزايدت التكهنات حول ما إذا كانت الصين ستبيع مخزونها الضخم من سندات الخزانة الأمريكية ردًا على سياسة «ترامب» الحمائية، حيث تمتلك الصين سندات خزانة أمريكية بقيمة 761 مليار دولار حتى نهاية يناير الماضي، وهى ثانى أكبر حائز أجنبى بعد اليابان التى تمتلك 1.08 تريليون دولار.

وتعليقًا على ما سبق، أوضح الصحفى الصينى نادر رونج هوان، أن «الصين ترى فى التحركات الأمريكية تنمرا وابتزازا اقتصاديا وتجاريا، بحانب مخالفتها قواعد منظمة التجارة العالمية، مما يخرب النظام التجارى المتعدد الأطراف»، مشيرًا إلى أن «الرسوم الجمركية تشكل سياجا أو حائطا فاصلا بين التبادل التجارى بين الصين والولايات المتحدة، وخاصة تجارة السلع بين البلدين، وهو ما يأتى بالأضرار على الأسواق العالمية، وسيشهد العالم مزيدا من الركود والانكماش الاقتصادى».

«هوان» أكد أن الصين منذ 8 سنوات قامت بتنويع أسواق لمنتجاتها، وتعزيز الشراكة التجارية مع بقية دول العالم مثل الاتحاد الأوروبى، ودول أمريكا اللاتينية، ودول الشرق الأوسط وإفريقيا، وآسيا الوسطى، وروسيا، ودول الآسيان، من أجل إيجاد أسواق بديلة للسوق الأمريكى وتقليل الاعتماد عليه، فضلًا عن توسيع الطلب الداخلى والاستهلاك المحلى وجعله الدافع الرئيسى للنمو الاقتصادى الصينى بدلًا من التصدير، هذا إلى جانب وضع سياسات مرنة لدعم الاستقرار المالى. وإعادة شراء وامتلاك للأسهم من قِبل شركات مملوكة للدولة، وصناديق الثروة السيادية لضمان استقرار الأسواق المالية، وذلك فضلا عن اتخاذ إجراءات مضادة لكى تدرك الولايات المتحدة أنه لا يوجد فائز فى الحرب التجارية التى تأتى بالأضرار على جميع الأطراف.

وأضاف: كذلك الصين تضع قيودا على تصدير المعادن النادرة التى تعد أهم المواد المستخدمة فى الصناعات العسكرية الأمريكية، كما تملك الصين أيضًا سندات خزانة أمريكية يمكن استخدامها، أما بالنسبة لتحذير المواطنين الصينيين للسفر للولايات المتحدة، فهذا أيضًا أحد آثار تصعيد الحرب التجارية بين البلدين، وتدهور الأوضاع الأمنية داخل الولايات المتحدة.

وتابع «هوان»: الصين أكدت أن باب التفاوض سيظل مفتوحًا أمام الولايات المتحدة؛ ولكن ليس بطرق التهديد والضغط والابتزاز، فالصين تريد إجراء المفاوضات لحل النزاعات التجارية مع الولايات المتحدة على أساس الاحترام المتبادل والمساواة، والمنفعة المتبادلة، مع الحرص على عدم انتهاك مصالحها.

وعن المخاوف المحيطة بالأسواق العالمية، أوضح شريف عثمان، مؤسس ورئيس شركة «بويز» للاستثمار، من واشنطن، أن «الأسواق عادةً ما تبالغ فى رد الفعل الأولى لأى إعلان كبير، ثم تعود للاستقرار بعد فترة قصيرة»، مؤكدًا أن الرسوم قد تنجح على المدى القصير كأداة تفاوض أو لدعم بعض الصناعات، لكنها على المدى الطويل تهدد تنافسية الاقتصاد الأمريكى، وتؤدى بلا شك إلى ارتفاع كبير فى الأسعار وضغط تضخمى واسع، يتحمله المستهلك والمستثمر.

«عثمان» أشار إلى أنه «بالنظر إلى التصعيد الحالى والتدابير الانتقامية المتبادلة، إذا استمرت هذه التوترات دون حلول دبلوماسية فعالة، فقد يؤدى ذلك إلى تأثيرات سلبية على الاقتصاد العالمى، بما فى ذلك تباطؤ النمو الاقتصادى واضطرابات فى سلاسل التوريد العالمية، لكنه مع ذلك تخلق مثل هذه التغيرات الجذرية فى السياسة التجارية الأميركية فراغات وفرصًا استراتيجية للدول الأخرى، وخاصةً فى الشرق الأوسط وآسيا».

وأضاف: «كما يمكننا الإشارة إلى أنه بينما تنشغل أمريكا فى صراعات الرسوم وفرض السياسات الحمائية، يمكن للدول الأخرى أن تتحرك بذكاء لتعزيز مواقعها اقتصاديًا من خلال تحول سلاسل التوريد العالمية، فالشركات متعددة الجنسيات التى تعتمد على التوريد من الصين وأمريكا ستبحث عن بدائل أكثر استقرارًا، حيث قد تنقل الشركات مصانعها أو توزع استثماراتها فى دول ذات اتفاقيات تجارية أكثر انفتاحًا، أو من تلك التى فرض عليها ترامب رسومًا جمركية أقل، كذلك البحث عن أسواق بديلة، ما يفتح فرصًا للتعاون التجارى بين دول الجنوب العالمي. والابتعاد عن الاعتماد على الدولار فى التبادل التجارى والاتجاه إلى تسوية المعاملات التجارية بالعملات المحلية والإقليمية، فضلًا عن تطوير الصناعات المحلية لتحقيق الاكتفاء الذاتى الصناعي. كما سيشهد العالم تكتلات جديدة كرد فعل على السياسات الحمائية الأمريكية. وستصبح التحالفات مثل RCEP فى آسيا أو اتفاقيات إفريقيا الحرة أكثر جاذبية».

على الصعيد المحلى، أكد الدكتور عادل عامر، الخبير الاقتصادى، أن «الرسوم الجمركية الجديدة تركز على السلع الصينية وتأثيرها على الاقتصاد المصرى محدود، لكنها قد تؤثر بشكل كبير على التجارة الدولية والطلب على الطاقة وأسعار النفط، مما يهدد اقتصاد العالم بالركود أو التباطؤ، ورغم أن تأثير هذه الرسوم على الاقتصاد المصرى غير مباشر، فإن هذا لا يقلل من أهميتها، خاصة أن الصين والولايات المتحدة تعدان من أهم الشركاء الاقتصاديين للدولة، والصين من أكبر المصدّرين للدولة المصرية».

 

أخبار الساعة

الاكثر قراءة