رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

محاكمة سقطت سهوا من الذاكرة الوطنية! لويس عوض أمام محاكم التفتيش الأزهرية!


8-5-2025 | 23:01

.

طباعة
بقلـم: حمدى رزق

آفة حارتنا النسيان، ميلاده مرّ دون أن يتذكره أحد (ولد فى 15 يناير 1915)، وتاريخ وفاته لا يلفت أحداً (توفى فى 9 سبتمبر 1990)، هكذا سقط اسم الدكتور الأديب والناقد والمترجم والمثقف الموسوعى المصرى الشهير «لويس عوض» من الذاكرة الوطنية، فلم يعد يذكره أو يتذكره أحد.

 

ولد لويس عوض فى شمال الصعيد، محافظة المنيا تحديدا، تلك التى يصل إليها القطار من القاهرة متجها نحو الجنوب فى 3 ساعات ونصف الساعة تقريبا، أهل المنيا – ومنهم على سبيل المثال د. طه حسين عميد الأدب العربى – محسوبون على الصعيد، هكذا ينظر إليهم أهل الدلتا – الشماليون – والقاهريون أيضا، لكن أهل الصعيد ينظرون إليهم بوصفهم «أنصاف صعايدة»، ليسوا بشماليين ولا بجنوبيين، ولعل فى هذا ميزة مهمة.. فهم يجمعون تفتح الشماليين إلى عناد الجنوبيين، وبهذا تولد فى هذا الإقليم شخصيات ثقافية متعددة تُعرف بالانفتاح على الآخر – الشمال تحديدا – وتُعرف بالصلابة والعناد فى نفس التوقيت..!

 

د. طه حسين عميد الأدب العربى، كان منحازا لفترة طويلة لأدب البحر المتوسط وحضارته وثقافته، حتى عُرف بأنه من دعاة «المتوسطية»، ولويس عوض كان كذلك أيضا.. وهذا العنصر المؤثر فى الثقافة المصرية – العنصر المتوسطى – عادة ما ينتج مثقفا ليبراليا، وسطيا فى تفكيره وإن كان يميل إلى الانفتاح أكثر، وبهذا المنطق – الذى لا يعرفه سوى المثقفين – حاول لويس عوض أن يُفهم المحققين معه فى «جهاز المباحث» المصرى قبل 55 عاما أنه ليس ماركسيا وإن كان قرأ كثيرا فى الاشتراكية وتعجبه بعض جوانبها، لاسيما فكرة «العدل الاجتماعي»، لكن أحدا منهم لن ينصت إليه، لأن أحدا منهم لم يفهمه بالأساس!

كان سهلا على لويس عوض أن يدعى «الماركسية» بعد خروجه من المعتقل (1964)، فالماركسية فى منتصف الستينيات لم تكن توجب الاعتقال، كما كانت قبل ذلك بسنوات قليلة، ولكنه أبى ادعاء ذلك، على ما فيه من مكاسب.. فبعض الماركسيين فى الستينيات اكتسبوا مناصب من هذا الانتماء، ثم سرعان ما انقلبوا إلى يمينيين فى عصر السادات، وفق توجهات الدولة آنذاك..!

لكن عناد لويس عوض أبى عليه أن يفعل هذا، وشرفه الفكرى ونصاعته الثقافية أبت عليه أن يتجه هذا الاتجاه البراجماتي، مثلما أبى أن يبيع انتماءه الفكرى المنفتح على «المتوسط» لقاء أن يشترى النقد الماركسى الذى كان رائجا فى الستينيات، وأبى أن «يعربن» - من العروبة- اتجاهاته النقدية، ليتوافق مع ما كان ذائعا فى نفس الحقبة، فى الوقت ذاته وبالتوازى.

تابع لويس عوض الخط المتسامح – وبقوة- طوال حياته، حتى لو أتت المغالاة من النظام ذاته، ففى عصر السادات دافع عوض عن نظام عبد الناصر الذى كانت وسائل الإعلام الرسمية لا تكف عن الهجوم عليه وقتها، ودافع عن الاستنارة فى مواجهة الدولة التى كانت تحالفت آنذاك مع «الإخوان» - الجماعة الإرهابية – فى مواجهة اليسار المصري.. تلك اللعبة التى أدمن السادات عليها وأتت على حياته هو شخصيا فى نهاية الأمر، وكان باستطاعة لويس عوض أن يكسب أرضا كبيرة فى عصر عبد الناصر، وأن يكسب أرضا أكبر فى زمن السادات، لكنه لم يكسب هذا ولا ذاك.. واكتفى فقط بمكانته السامقة فى الأوساط الأدبية، مدافعا عن «شرف النقد”..!

بهذا يكون أول عنصر أساسى فى شخصية لويس عوض بارزا للعيان: الصعيدى فى أفضل صورة، الصلب المتسامح معا..!

 

كان من رأى لويس عوض أن أى لغة فى الدنيا هى «طبقات جيولوجية متراكمة ليست منعزلة مقدسة فى «جيتو» خاص غير قابلة للتلاقح مع اللغات الأخرى، إنما هى فى علاقة تأثير وتأثر، واللغة العربية ليست استثناء، والجذر والأصول والعلاقة موجودة مع اللغات الهندية والأوروبية، وأتى عوض – مصداقا لقوله – بأدلة على هذه الفرضية، مستفيداً من علوم لغوية كثيرة صارت مفرداتها مستقرة فى العالم كله، كان للشيوخ رأى آخر فهم يعتبرون اللغة العربية مقدسة غير قابلة للتأثر، فهى صافية نقية وأى لعب فى هذه البديهية المقدسة سيعرض القرآن الكريم نفسه للتلاعب والشك، وكانوا متوجسين من إيقاظ فكر «المعتزلة» بخلق القرآن وبالتالى عدم قدم اللغة السرمدى وصفائها الماسى الشفاف غير القابل للتلوث باللغات الأرضية! وهكذا بدت الصورة فى مصادرة كتاب لويس عوض الشهير «مقدمة فى فقه اللغة العربية»، الذى صدر فى العام 1981 ثم سرعان ما اختفى من الأسواق، لا لشيء إلا لمصادرته..

وهمٌ وخيالٌ سكن تلك العقول عند حد التوهم أو التوجس وكتابة نقد لاذع أو بحث مفحم يُخرس لويس عوض – الرجل الذى بدا مختلفا طوال الوقت - و»انتهى الموضوع»، لكنهم لجأوا إلى الحل السهل وهو «المصادرة»، تصرفت المحكمة فى البداية تصرفاً بديهياً يليق بمشكلة تتعلق باللغة العربية بالعرض على المختص وهو «مجمع اللغة العربية»، فتكونت لجنة ثلاثية من (أستاذ الفلسفة توفيق الطويل والكاتب الكبير عبدالرحمن الشرقاوى والشيخ الجليل أحمد حسن الباقورى)، وجاء تقرير اللجنة فى صالح الكتاب ومُديناً للمصادرة، وكان أكثرهم إدانة ورفضاً للمصادرة الشيخ «الباقورى”.

المدهش ما حدث بعد ذلك وهو إصرار «مجمع البحوث الإسلامية» بالأزهر على المصادرة وتصريح سكرتير المجمع الشيخ «عبدالمهيمن الفقى» بأن المجمع هو جهة الاختصاص الوحيدة، وللأسف رضخت المحكمة لهذا التعنت الكهنوتى، وأمرت بمصادرة الكتاب فى واحدة من أكثر الأيام سواداً على الثقافة المصرية، اغتيل لويس عوض معنويا،ً وظل يعيش بهذا الجرح النازف إلى أن رحل عن عالمنا وهو لا يعرف كيف لبلد أن يحارب الثقافة والرأى والفكر بهذا الشكل، وكيف لمحاكم التفتيش التى انتهت من العالم أن تظل متحكمة ومهيمنة على العقول فى القرن العشرين؟!

وتساءل: «ما جدوى كليات الآداب وأقسام اللغة العربية إذا كانت المناقشة العلمية لجذور اللغة» قضية أمن دولة وتكفير؟”

ولعلنا اليوم ونحن نقرأ تفاصيل تلك القضية نتعلم من «درس لويس عوض» ألا نمنح سلطات مقدسة لهيئة أو مؤسسة مهما كانت، وألا نجعلها دولة داخل الدولة فنمنحها الوصاية على عقولنا وفكرنا، وإلا سيكون الحديث عن تجديد الخطاب الدينى مجرد حرث فى البحر!

 

 

 

 

أخبار الساعة

الاكثر قراءة