تحتل الجريمة مكانة خاصة فى سيرة وتفكير جماعة حسن البنا الإرهابية، هناك جرائم يخططون لها ويرتكبونها وهى كثيرة فى تاريخهم إلى يومنا هذا، وهناك جرائم لا يقومون بها لكنهم يجيدون توظيفها واستغلالها فى بثّ الشائعات وإثارة موجات من الغضب تمهيدا لحالة الفوضى.
فى مجال الجرائم التى يرتكبونها، تاريخهم حافل بالاغتيالات وعمليات التخريب والتدمير وصولا إلى السرقات.. يكفى أن نذكر اغتيال المستشار أحمد الخازندار والنقراشى باشا وسليم زكى حكمدار العاصمة، أما محاولات الاغتيال فحدّث ولا حرج، من محاولة اغتيال حامد جودة زمن الملك فاروق وهو أبرز رموز مجلس الشيوخ، وصولا إلى محاولة اغتيال جمال عبدالناصر سنة 1954، وكان من المفترض أن تعقبها موجة اغتيالات أخرى لعدد من أعضاء مجلس قيادة الثورة، لولا أن هذه الحادثة فشلت وكشف أمر خلية الاغتيالات.
الغريب فى هذا الجانب أن الجماعة لم تكن تسعى إلى اغتيال خصومها فقط والذين يتصدرون لمخططاتها، بل كانت تلجأ إليها ضد بعض أعضائها الذين ترى وجوب التخلص منهم، من ذلك ما حدث حين جرت محاولة اغتيال قائد التنظيم الخاص الذى اختاره حسن الهضيبى المرشد الثانى بديلا عن عبدالرحمن السندى وكان الأخير هو الذى قام بالمحاولة.
غير الاغتيالات هناك محاولات تفجير بعض الشركات التى نافست شركات الجماعة ودور السينما وغيرها، بل وحتى حارة اليهود، رغم أن الحارة لم يكن يسكنها يهود فقط، كان أغلب سكانها من المسملين، وفى الثمانينيات شاعت جرائم السرقة، التى يقوم بها أعضاء الجماعة، خاصة محلات الصاغة لبيع المجوهرات والإنفاق منها على عملياتهم الإرهابية، وضعوا فى ذلك نظرية اسمها نظرية الاستحلال بمقتضاها يستحلون السطو على ممتلكات الآخرين ويسرقون ما شاءوا من المحلات.
جرائم الجماعة يمكن تناولها فى مجلدات، لكن ما يعنينا اليوم هى الجرائم التى لا ترتكبها الجماعة، بل جرائم عادية تقع فى المجتمع وبين الناس، ثم تقوم الجماعة باستغلالها ومحاولة توظيفها لصالحها، وذلك عبر بث الشائعات والتأويلات التى يسمح بها جو الجريمة، أو بمحاولة إشعال الفوضى وإثارة الفتنة، فتحقق بالجريمة التى وقعت فوائد وأهداف أخرى تخصها هى كجماعة وتخص كوادرها وعلاقاتها بالعالم فضلا عن محاولة الضغط على الحكومة وابتزاز المجتمع، فى النهاية إثارة الغضب وخلق حالة من التحفز داخل المجتمع ضد مؤسسات الدولة.
والمجتمع المصرى، شأنه شأن كل المجتمعات الحية والمزدحمة، تقع فيه الجرائم يوميا، المهم أن جهات الأمن تتابع والقضاء يحقق ويحاكم، وهناك مراكز الدراسات والأبحاث تقوم على دراسة وتحليل الجرائم التى تقع، فضلا عن وجود جهات ومراكز إحصاء متخصصة ترصد بدقة كل مخالفة أو جريمة، سواء فى وزارة الداخلية أو المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية، لكن جماعة حسن البنا تريد أن تجعل من بعض الجرائم حالة فساد مطلق، يضرب أركان المجتمع والدولة.. آخرها الجريمة النكراء التى وقعت فى إحدى مدارس البحيرة مؤخرا، لكن قبل هذه الجريمة هناك جرائم أخرى كثيرة حاولت الجماعة البغيضة توظيفها لخلق حالة الفوضى.
لا يهم نوعية الجريمة ولا أطرافها، سواء الجانى أو المجنى عليه، المهم أن تؤدى القضية الغرض الذى يتطلعون إليه.
فى صيف سنة 2018 ألقت الجهات الرقابية القبض على رئيس مصلحة الجمارك، كان الرجل قد انتدب إلى ذلك المنصب قبل أقل من شهر، لكن سجله كان متخما بقضايا الفساد، وبدأت التحقيقات وأدين.
على الفور تناول إعلام الجماعة القضية، بزعم أن القضية ملفقة وأن الرجل تم انتدابه خصيصا للإيقاع به، وانطلقت الشائعات وهم يغذونها.
لم يكن المسئول الذى ضبط عضوا بالجماعة ولكنهم أرادوا شيئا واحدا، هو اتهام الأجهزة الرقابية والتشكيك فيما تقوم به، والسبب أن تلك الأجهزة نفسها هى التى رصدت جرائم الجماعة وفساد قادتها حين آل إليهم الحكم، وكان الهدف التشكيك لأقل فى كل ما تقوم به الدولة، فضلا عن إسباغ حماية وحصانة على الفساد والمفسدين وهم فى سجلهم الكثير من وقائع الفساد واستغلال النفوذ.
لم تتوقف الجماعة عند قضايا بعينها مثل الفساد المالى والإدارى فقط، لكن ذهبوا إلى أى قضية يمكن أن تكون مصدر لغط وإثارة لدى رجل الشارع.
وفى سنة 2019 وصبيحة يوم عيد الأضحى المبارك قام أب بذبح أطفاله، وزعم أنه تم ذبحهم ولا يعرف مَن الفاعل، أجهزة الأمن ألقت القبض على الأب بعد أن تبين تضارب أقواله وعجزه عن الرد على المحققين، وذهبت الشكوك إليه، وتم التحقيق معه واعتراف بالواقعة وتم توجيه الاتهام له وإحالته إلى المحاكمة الجنائية.
الذين درسوا علم النفس يعرفون أن بعض الحالات المرضية يمكن أن تدفع الأب أو الأم لقتل الأبناء والبنات الصغار بزعم حمايتهم من شرور قادمة تنتظرهم أو عن تصور أن هناك نداء علويا لهم بذبح الأطفال ليكونوا قرابين إلى عوالم أخرى، ومن يتابع صفحات الحوادث يجد أمثال هذه الجرائم تقع بين حين وآخر.
على الفور حولت الجماعة الجريمة إلى قضية قتل الأطفال فى مصر وأن هناك عصابات وأن أطرافا من المسئولين تساند تلك العصابات للاتجار فى الأعضاء وتلفيق التهمة للأب.. قنواتهم ومنصاتهم والذباب الإلكترونى التابع لهم جعلها قضية كبرى، فى محاولة لتسييسها والغرض القفز منها لاتهام كافة أجهزة الدولة.. وجرت المحاكمة تحت ضغط اجتماعى عنيف، حتى وصل الأمر إلى القول إن الأب ورث عن والده ثروة تقدر بخمسة ملايين جنيه، فلماذا يقتل؟ وكأن القتل جريمة تقع من الفقير فقط وكل مَن لديه ثروة محصن من ارتكاب هذه الجريمة.. فى النهاية اقتنع الجميع بالمحاكمة وأحيلت أوراق الأب إلى المفتى ونفذ فيه حكم الإعدام.
الجريمة وقعت فى إحدى قرى المنصورة وكان الهدف إثارة الفوضى فى الأقاليم بعيدا عن العاصمة التى حوصروا فيها، وكان اختيار المنصورة لأن خلاياهم كانت عديدة هناك من أيام ثورة 30 يونيو - لو أن أجهزة الدولة تهاونت وقتها لحدث ما لا تُحمد عقباه، خاصة أننا كنا لا نزال فى ذروة مواجهة الإرهاب فى شمال سيناء.
وفى أثناء امتحانات نهاية العام الجامعى سنة 2022 أقدم طالب من جامعة المنصورة- كلية الأداب- هو محمد عادل على ذبح زميلته نيرة أشرف فى الشارع أمام باب الجامعة، بسبب أزمة عاطفية يعانيها نحوها، كان يحبها ويريد الارتباط بها وهى لم تكن تحمل له نفس المشاعر، كانت الجريمة فى وضح النهار وفى الشارع العام على مرأى من الجميع، وفى التحقيق اعترف الطالب بكافة التفاصيل، ثم ذهب مع رجال البحث الجنائى والنيابة العامة إلى موقع الجريمة وأعاد تمثيلها هناك.. كان الشارع غاضبا من هول الجريمة، وبدأت المحاكمة.
هنا تحركت كوادر الجماعة لتبرئة القاتل، رغم اعترافه جمعوا مبلغ 12 مليون جنيه كى يقدموها لأحد كبار المحامين للترافع عنه، ثم شنوا حملة سوداء على الفتاة الضحية، القتيلة، يشككون فى أخلاقها وينهشون عرضها وهى مقتولة بما يوحي أن القاتل كان مدفوعًا بضغوط معينة، تبنت الجماعة القضية بهدف تبرئة القاتل أو البحث عن مخرج يخفف الحكم، وصلوا إلى حد جمع عدة ملايين الدولارات وعرضوا على أسرة الفتاة أن يدفعوا لهم تعويضا أو «الدية» وراحوا يؤصلون مفهوم الدية وظروفها وأفضلية اللجوء إليها والقبول بالتعويض عن الدم.
ولما يئسوا من تحقيق ذلك شنوا حملة على سلوك القناة القتيلة، وسارع بعضهم إلى أن القتل يصبح أقل هونًا وجرماً إذا كان بسبب الشك فى السلوك أو أن الفتاة «لعوب» وهذا ذروة الاستهزاء بالقانون وبحياة الفتيات، بل والإنسانية عموماً، فهو لم تكن له ولاية عليها.
لم يكن الشاب محمد عادل منتميا للجماعة، هو من مواليد سنة 2001، ولا كانوا متعاطفين مع الفتاة، لم يشفع لها عندهم أنها كانت محجبة، لم يكن الشاب بحد ذاته يهمهم ولا تعنيهم حياته، كان يعنيهم شيء آخر، وهو أن قاتلا ارتكب جريمة الذبح فى الشارع، وأمام الكافة، واعترف بالتفاصيل، لم ينكر شيئا، ثم بعد ذلك ينال البراءة أو الحكم المخفف أو يدفع دية وينتهى الأمر عند هذا الحد، وتصبح سابقة قضائية وقانونية، يتم التأسيس والبناء عليها فى قضايا أخرى مشابهة، من حيث شدة الجرم وهذا هو بيت القصيد لديهم، أعضاء الجماعة من الإرهابيين الذين ارتكبوا الجرائم فى عز النهار بحق أبرياء، مثل جريمة اغتيال النائب العام المستشار هشام بركات وعشرات من رجال الشرطة والجيش والمواطنين المدنيين تم قتلهم، وضبط أفراد الجماعة متلبسين ومنهم من اعترف بكل شيء، ومع ذلك يريدون لهم البراءة أو الحكم المخفف أو العفو، والمجتمع يرفض ذلك، لكن إذا وقع فى جريمة نكراء مثل مقتل «نيرة أشرف» أن نال القاتل براءة أو حكما مخفف يصبح التكرار واردا، بل من حق المجرمين والإرهابيين من أعضاء الجماعة.
أحدث القضايا التى حاولت الجماعة أن تستغلها وتوظفها هى التى عرفت باسم «حق ياسين»، الطفل الذى تم الاعتداء عليه فى المدرسة الخاصة، من كهل يعمل بها، والمشكلة أن الكهل الوغد، مسيحى والطفل مسلم، على الفور أرادت الجماعة أن تحولها إلى مسألة طائفية.. الثغرة التى نفذوا منها تباطؤ المدرسة فى اتخاذ أى إجراء يحفظ حق الطفل البريء ويدين الوغد.. القضاء قال كلمته وحكم بالسجن المؤبد وتم نزع فتيل الأزمة.
وقد يتساءل البعض لماذا الآن..؟
الجماعة تحاول البحث عن ثغرة تنفذ منها إلى المجتمع مرة ثانية وتثير طوفان الغضب الذى تعمل الجماعة على إثارته، وجهت الجماعة نداءات عديدة للمواطنين للنزول إلى الشوارع فى مظاهرات، هل تذكر دعوة 11/11، وكل هذه الدعوات فشلت، كانت محصلتها جميعا صفرا وفقدان الجماعة مصداقيتها تماما هنا يتم البحث عن ثغرة، وها هى الثغرة طفل مسلم يتم الاعتداء عليه جنسيا من كهل مسيحى، وحقه يضيع.. وتصبح المسألة مسلم/ مسيحى، تشتعل الطائفية، فتظهر كوادرهم الإرهابية ويعود الغضب والاحتدام إلى الشارع.
نحن فى دولة مؤسسات وقانون، المتهم لا بد أن يحاسب ويحاكم طبقًا للقانون، وفى القانون لا تمييز.. سيف العدالة بتار، هم يريدون الفوضى أولا وإهدار قيمة القانون والمؤسسات، تلك هى اللحظة التى يريدونها ويحاولون استعادتها، سرعة الحكم القضائى وقرار وزارة التربية والتعليم بحق مديرة المدرسة، وإقالتها، أكد أننا فى دولة القانون والقضاء العادل.
الواضح أمامنا أن جماعة حسن البنا، تبحث عن أى ثغرة تنفذ منها، شائعة أو خبر كاذب، وقائع مختلقة أو مفبركة، لإثارة الغضب وإحداث الفوضى، هذا ما تريده الجماعة وتسعى إليه.
للتذكرة فقط، راهنت الجماعة باستمرار على الأزمات الطائفية، عن تصور أن «الأقباط» يمكن أن يكونوا قاعدة المجتمع الضعيفة ونقطة ابتزاز للدولة، لذا وجدناهم مبكراً يبادرون سنة 1948 بإحراق كنيسة فى الزقازيق ثم سنة 1950 كنيسة فى السويس وتهديد سكان وكنائس شبرا، وصولا إلى ما جرى أيام حكم الإخوان من حرق مقر الكاتدرائية بمنطقة غمرة، ثم إحراق 56 كنيسة فى يوم واحد، هو يوم فض بؤرة رابعة الإرهابية.
واقعة مدرسة دمنهور لن تكون الأخيرة فى الحوادث التى تحاول الجماعة اللعب بها والتلاعب بالمشاعر والنفوس، حتى الآن تبين أن الوعى الاجتماعى بأهداف الجماعة فوق أى تصور، وسرعة المؤسسات وكفاءة الأداء ودولة القانون تحسم الأمور.. لكن الحذر واجب فى قادم الأيام من مكر وألاعيب الجماعة.

