رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

عُمان ... خطوات متقدمة في قطاع طاقة المستقبل وتصدير الهيدروجين المُسال إلى أوروبا


13-5-2025 | 22:20

.

طباعة
بقلم/ أحمد تركي ... خبير الشؤون العربية

خطوات منهجية مدروسة تتخذها سلطنة عُمان في طريق السعي إلى تنفيذ استراتيجية الحياد الصفري الكربوني 2050 والتي اعتمدها السلطان هيثم بن طارق، ﻓﻲ ﺷﻬﺮ أﻛﺘﻮﺑﺮ 2022، كأحد أهم مكونات الاستراتيجيات القطاعية الوطنية وتحقيق مستهدفات رؤية "عُمان 2040".

والمؤكد أن تحقيق الحياد الصفري الكربوني سيسهم في تنويع مصادر الدخل، وإيجاد فرص للنمو الاقتصادي والاجتماعي المستدام مع تحقيق التوازن بين التنمية المستدامة والحدّ من تداعيات تغير المناخ، وبناء اقتصاد المعرفة، والاستفادة من التكنولوجيا النظيفة لتحقيق التنمية المستدامة، وإيجاد مزيج متنوع من مصادر الطاقة.

وفي هذا السياق قطعت عُمان خطوات متقدمة في قطاع طاقة المستقبل من خلال محطات استراتيجية مترابطة ضمن خطة وطنية طموحة، فقد وقّعت اتفاقية التطوير المشترك لإنشاء أول ممر تجاري عالمي لتصدير الهيدروجين المُسال من الدقم إلى أوروبا، وأعلنت عن النسخة الرابعة من "قمة عُمان للهيدروجين الأخضر"، فضلًا عن إطلاق الجولة الثالثة من المزايدات على الأراضي المخصصة لمشروعات الهيدروجين في الدقم، وتعد هذه الخطوات بمثابة التزام سلطنة عُمان بأن تصبح رائدة في مجال الهيدروجين والطاقة النظيفة.

ولا أدل على ذلك مما كشفته وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار، بأن حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة في سلطنة عُمان تجاوز حتى نهاية عام 2024 أكثر من 30 مليار ريال عُماني، بزيادة نحو 4.58 مليار ريال عُماني مقارنة بالربع الرابع من عام 2023، وهي أرقام تترجم الجهود المتواصلة منذ سنوات لترسيخ مكانة عُمان كنقطة جذب محورية للاستثمارات الأجنبية، وسط توقعات بمزيد من الاستثمارات، في ظل المساعي الحثيثة لاستقطاب رؤوس الأموال.

ولا ريب أن الدبلوماسية الاقتصادية العُمانية ستظل قادرة على تحقيق الطموحات بحنكةٍ واقتدار، وهنا تجدر الإشارة إلى الأبعاد والمضامين الاقتصادية في الزيارات الأخيرة التي قام بها سلطان عُمان إلى كل من هولندا وروسيا والجزائر، وهي زيارات استهدفت في الأساس تعزيز العلاقات الاقتصادية وتمتين عُرى الشراكة الاستثمارية مع هذه الدول، ففي ختام زيارة هولندا، تم الإعلان عن شراكة عُمانية هولندية لإنشاء أول ممر تجاري بحري في العالم لنقل الهيدروجين المسال، في ربطٍ مباشرٍ بين ميناء الدقم وميناءي أمستردام ودويسبورج في هولندا، بمشاركة 11 شركة، ما يعكس الجهود المتواصلة لترسيخ مكانة عُمان كمركز عالمي لإنتاج وتصدير الهيدروجين الأخضر.

فضلًا عن كون هذا الممر بمثابة نقطة تحول استراتيجي نحو شراكة اقتصادية تدعم التنويع الاقتصادي، وتعزز الابتكار، وتضمن أمن الطاقة العالمي، ويؤكد دور عُمان في بناء مستقبل أكثر استدامة، ليس فقط لعُمان، ولكن للعالم أجمع؛ حيث إن استخدام طاقة الهيدروجين الأخضر تُعزز من جهود خفض الانبعاثات وتقليل البصمة الكربونية.

ولم تكن نتائج الزيارة العُمانية إلى روسيا ببعيد عن أهدافها الاقتصادية، والتي كان من ثمارها، التوقيع على اتفاقية وبروتكول تعاون و9 مذكرات تفاهم، منها: الإعفاء المُتبادل من التأشيرات لمواطني البلدين، وهي خطوة هائلة تخدم جهود جذب الاستثمارات، واستقطاب السُيّاح الروس، في إجراء يدعم بقوة جهود التنويع الاقتصادي. فضلاً عن إنشاء لجنة اقتصادية مشتركة بين عُمان وروسيا، تتولى مهمة التنسيق في مختلف القطاعات الاقتصادية، والتي يُتوَقّع لها أن تشهد نقلة نوعية خلال المرحلة المقبلة، خاصة مع بدء التباحث حول تنفيذ مشروعات مشتركة في قطاعات حيوية.

وأسفرت نتائج زيارة الجزائر، عن إنشاء صندوق استثماري عُماني جزائري مشترك بقيمة 115.4 مليون ريال، والاتفاق على التعاون في مجالات الطاقة المتجددة والصناعات الدوائية والزراعة والثروة السمكية.

وتواصل عُمان تنفيذ استراتيجتها في مجال الطاقة النظيفة، حيث انطلقت يوم 12 مايو الجاري، فعاليات معرض ومؤتمر عُمان للبترول والطاقة وأسبوع عُمان للاستدامة لعام 2025، بمركز عُمان للمؤتمرات والمعارض، كمنصة متكاملة تُجسد أهمية تأمين الطاقة واستدامتها.

أقيم أسبوع عُمان للاستدامة بعنوان " التنمية المستدامة: تحقيق التوازن بين التقدم والحفاظ على البيئة" ، أما معرض ومؤتمر عُمان للبترول والطاقة، فقد أقيم بعنوان: "توجيه عملية التحول في مجال الطاقة من خلال الابتكار في قطاع البترول والغاز: ، وذلك لتعزيز الحوار الاستشرافي حول استدامة الموارد والحفاظ على البيئة والتقدم في مجال الطاقة.

يتضمن أسبوع عُمان للاستدامة جلسات تركز على ممارسات الاستدامة الناشئة، والابتكارات الرائدة، واستراتيجيات الاقتصاد الدائري، مُزوِّدةً المشاركين برؤى عملية تُمكّنهم من مواكبة المشهد العالمي المتطور للاستدامة.

أما معرض ومؤتمر عُمان للبترول والطاقة فيركز على موضوعات التحول في مجال الطاقة، والتكامل المتجدد، ورقمنة العمليات، ومستقبل الغاز الطبيعي المسال في سلطنة عُمان؛ بمشاركة الرؤساء التنفيذيين العالميين وكبار القادة الحكوميين ورواد قطاع الطاقة.

يشهد المعرضان إقبالًا كبيرًا يتجاوز 30 ألف زائر من أكثر من 50 دولة، بمشاركة أكثر من 350 شركة عارضة تمثل قطاعات متنوعة، ما يُبرز المكانة المتنامية لسلطنة عُمان كمركز للحوار الدولي حول الطاقة والاستدامة.

وأشار خبراء الطاقة إلى مجموعة من التحديات التي تواجه مشروع إنشاء ممر الهيدروجين، أولاها: أن المشروع يتطلب تمويلًا ضخمًا يُقدّر بمليارات الدولارات، حيث تشمل التكاليف المكونات الرئيسية مثل محطة التسييل في الدقم التي تتراوح تكلفتها بين 500 مليون إلى مليار دولار، بالإضافة إلى سفن النقل المتخصصة التي قد تصل تكلفتها إلى 100 مليون دولار لكل سفينة، إلى جانب البُنى الأساسية المشابهة في أوروبا.

ثانيها: التقلبات في السوق العالمية تشكّل مخاطر كبيرة، حيث إن السوق لا تزال في طور التشكل، وقد تؤثر التغيرات في السياسات أو التطورات التقنية في بدائل الطاقة على الجدوى الاقتصادية للمشروع، فالمعضلة هنا تكمن في ضرورة الحفاظ على الجدوى الاقتصادية مع تقلبات أسعار الطاقة والتطورات التكنولوجية السريعة في مجالات إنتاج ونقل الهيدروجين، بالإضافة إلى احتمالية ظهور دول منافسة في المنطقة أو على المستوى الإقليمي، من هنا فإن الأمر يقتضي ضرورة تطوير القدرات والكفاءات الوطنية العُمانية لضمان استدامة التشغيل وتقليل الاعتماد على الخبرات الأجنبية، إلى جانب تعزيز البحث والتطوير وإنشاء شبكات نقل وتخزين موثوقة، والاندماج الفعلي مع الأسواق الدولية.

ثالثها: إن نجاح المشروع يعتمد بشكل كبير على ضمان استمرار الطلب، وهو ما يستلزم توقيع اتفاقيات شراء طويلة الأمد مع المستهلكين الأوروبيين، خاصة في القطاعات التي تتطلب الهيدروجين مثل صناعة الصلب والطاقة والكيماويات.

ووفقاً لخبراء الطاقة، فإن اتفاقية إنشاء أول ممر تجاري عالمي لتصدير الهيدروجين المُسال تُعزّز مكانة سلطنة عُمان في قطاع الطاقة، وتضعها على خارطة الطاقة العالمية، خاصة أن الموقع الجغرافي لسلطنة عُمان وبنيتها الأساسية المتطورة، خاصة ميناء الدقم، يمنحها ميزة تنافسية كبيرة في تصدير الطاقة إلى أسواق أوروبا وآسيا وسط الطلب المتزايد على الطاقة منخفضة الكربون.

يعكس مشروع الممر التجاري، نضج البيئة الاستثمارية في سلطنة عُمان ويُعزّز مصداقيتها كشريك موثوق في سلاسل القيمة العالمية للطاقة النظيفة، ويُؤكّد التزام سلطنة عُمان بجذب الاستثمارات النوعية بما يتوافق مع "رؤية عُمان 2040"، والذي بدوره يُسهم في التشجيع على دخول الشركاء الدوليين في مشاريع مشتركة في قطاع الهيدروجين والطاقة المتجددة.

ويتوقّع خبراء الطاقة أن مشروع إنشاء ممر الهيدروجين سيُعزّز الناتج المحلي العُماني من خلال تطوير صناعات جديدة مرتبطة بالهيدروجين، بالإضافة إلى ظهور فرص عمل نوعية للكوادر الوطنية، فضلًا عن الدعم في التنويع الاقتصادي عبر تقليل الاعتماد على النفط الخام وفتح أسواق جديدة للطاقة النظيفة.

والمؤكد أن تأسيس ممر تجاري لنقل الهيدروجين يُمثّل تحولًا استراتيجيًا يضع سلطنة عُمان في مقدمة الدول الساعية للاستفادة من التحولات العالمية في قطاع الطاقة، وسيسهم المشروع بشكل كبير في تعزيز مؤشرات الاقتصاد الكلي في سلطنة عُمان، لأنه يُعد من المحفزات الكبرى للنمو الاقتصادي طويل الأجل، حيث من المتوقع أن تُسهم الاستثمارات الأجنبية المتدفقة على مراحل، خاصة خلال مرحلة البناء (2028-2030)، في زيادة الإنفاق الرأسمالي وتحفيز النشاط الاقتصادي بشكل عام.

فضلاً عن أن المشروع يُعد من أبرز المبادرات الطموحة في المنطقة، وأن توقيع اتفاقية هذا المشروع يعكس جاهزية بيئة الاستثمار في عُمان وجاذبيتها للشركات العالمية الكبرى، ويعكس ثقة متزايدة في الإطار القانوني والتنظيمي العُماني، وأن هذا المشروع يُشجّع جذب المزيد من الاستثمارات في قطاع الطاقة النظيفة، خصوصًا أن المشروع سيمر بعدة مراحل تتطلب شراكات تقنية وتمويلية واستشارية متقدمة.

يبقى القول أن المشروع يُعزّز التوجه الاستراتيجي العُماني نحو اقتصاد منخفض الكربون، ويدعم تحوّل سلطنة عُمان إلى مركز إقليمي رئيسي لإنتاج وتصدير الطاقة النظيفة.

أخبار الساعة