رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

د. منى الجرف.. الرئيس الأسبق لجهاز حماية المنافسة: «الإنتاج».. مفتاح تعافى الاقتصاد المصرى


10-5-2025 | 16:33

الدكتورة منى الجرف، الرئيس الأسبق لجهاز حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية

طباعة
حوار أجرته: أميرة جاد - عدسة: ناجى فرح

سيطرت حالة من عدم اليقين على الاقتصاد العالمى عقب قرارات الرئيس الأمريكى دونالد ترامب المتعلقة بفرض رسوم جمركية على السلع الواردة للسوق الأمريكى من الأسواق الخارجية، ورغم تعليق تطبيق القرارات الصادرة فى الثانى من أبريل المنقضى لمدة 90 يومًا، فإن التصعيد الأمريكى ضد الصين على وجه الخصوص، بالإضافة إلى حالة الانقسام داخل أمريكا نفسها حول قرارات الرئيس الأمريكى، والتى دفعت 12 ولاية لتقيم ضده دعوى قضائية بسبب فرض الرسوم الجمركية، يستلزم إعمال فكر إدارة الأزمات فى إدارة المشهد ويتطلب التحوط على كافة الأصعدة.

«المصور»، التقت الدكتورة منى الجرف، الرئيس الأسبق لجهاز حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية، وأستاذ الاقتصاد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة، وتحدثت معها حول ما يجب أن تفعله مصر حيال تداعيات التطورات الدولية فى التجارة العالمية وكيف يمكن أن تؤثر على السوق المحلى والاقتصاد المصرى؟.. فإلى نص الحوار:

 

كيف ترين المشهد الاقتصادى العالمى على خلفية قرارات «ترامب» الخاصة بـ«التعريفة الجمركية»؟

ما يحدث من قبل الإدارة الأمريكية كان متوقعًا على خلفية فترة حكم «ترامب» الأولى وكذلك برنامجه الانتخابى وسياساته المعلنة حتى قبل توليه الرئاسة، ولكن ما هو غير متوقع أن يتم اتخاذ قرارات بهذه الحدية والعنف والعنجهية والأحادية، ولكن فهم صعوبة المشهد الاقتصادى العالمى الحالى يستلزم قراءة المشهد الاقتصادى العالمى فى السنوات القليلة السابقة لتولى «ترامب»، فعلى الصعيد السياسي، فقد اتسم الوضع بالتعقيد على أصعدة مختلفة سواء داخل العالم العربى أو خارجه سواء الحرب على غزة أو الحرب الروسية الأوكرانية والمناوشات الهندية الباكستانية، وعلى الصعيد الاقتصادى فلم يكن الوضع بأفضل حال حيث يعانى الاقتصاد العالمى من نقص سلاسل الإمداد واضطرابات مناخية وتخوفات من تباطؤ النمو الاقتصادى وكذلك أزمة ديون تضرب العالم كله، وكذلك ارتفاع سعر الفائدة، بالإضافة إلى ارتفاع معدل التضخم فى أمريكا نفسها، هذا هو المشهد قبل ولاية ترامب الذى جاءت قراراته كصفعة للنظام التجارى العالمى ليس كونها نظاما حمائيا للصناعات المحلية الأمريكية، ولكن فى المنهج المعلن عنه لتنفيذ هذه الإجراءات، إذن الاقتصاد العالمى لم يبدأ المشهد من بداية جيدة، ولكن من بداية صعبة، ولذا فالمشهد الأخير أصعب، حيث تُظِهر توقعات المؤسسات الدولية المعنية بالاقتصاد تخوفات متباينة من تباطؤ حركة التجارة العالمية وحالة من الكساد العالمي. 

رغم صعوبة المشهد السابق لـ«ترامب» والتالى لقراراته الاقتصادية إلا أن هناك انقساما داخل الإدارة الأمريكية نفسها حول هذه الإجراءات حتى أن هناك 12 ولاية رفعت دعاوى قضائية ضد الإجراءات.. تفسيرك؟

نعم هناك انقسام «أمريكى _ أمريكي» حول الإجراءات الأخيرة، حيث يرى فصيل أن أمريكا أضيرت من العولمة وأضيرت من تحرير التجارة وأصبحت اقتصادا مستهلكا أكثر منه منتج، ما أدى لتزايد العجز فى الميزان التجارى لأمريكا، وهو ما يجعل لأمريكا الحق فى اتخاذ الإجراءات الحمائية لأسواقها وصناعتها المحلية، حتى أننا فى مصر نطالب ونسعى لنفس الشيء وهو إحلال المنتج المحلى بديلا عن المستورد، ولذا تبدو القضية حقا مشروعا، ولكن المشكلة فى منهج التطبيق، وهذا سبب الانقسام داخل الإدارة الأمريكية حول القرارات؛ إذ يرى الفصيل المعارض للقرارات أن ما يحدث هو هدم لأسس النظام التجارى العالمى الذى وضعته أمريكا نفسها بالشراكة مع الاتحاد الأوروبي، وهو النظام الذى نسير فى كنفه منذ أكثر من 5 عقود.

كما يرى الفصيل المعارض أن منهج القرارات أحاديا بما يخالف سياسة منظمة التجارة العالمية التى تقوم على التعاقد والتفاوض بشأن كل ما يخص مسألة التجارة، فلا يجب تغيير الجمارك فجأة دون تفاوض، وإذا حدث يتم تعويض الدول المتضررة من أى إجراء حمائى يخالف التعاقدات، ولكن ما حدث من «ترامب» يخالف ذلك، وحتى أن أحادية القرار ليست على مستوى الدول فقط ولكن على مستوى إدارته الداخلية؛ حيث استغل قانون الطوارئ الأمريكى لسنة 1977 بإصدار هذه القرارات، وهذا سبب إضافى للانقسام حول القرارات داخل أمريكا.

لماذا إذن تسعى إدارة «ترامب» إلى هدم نظام التجارة العالمى الذى أسسته؟ 

تعاظم قوة الصين سبب رئيسى فى رغبة أمريكا لتغيير المشهد التجارى العالمي، وبنظرة سريعة على مؤشر اقتصادى واحد للصين وهو معدل الادخار يمكن أن نكتشف كيف تخطط الصين للنمو، حيث بلغ معدل ادخار الصين للناتج الإجمالى المحلى نحو 40 فى المائة، وهو المؤشر الذى يقودنا إلى حجم استثمارات الصين الحالية والمستقبلية، بينما يبلغ معدل الادخار فى أمريكا 18 فى المائة فقط، والفارق كبير جدا بين البلدين، وهو مؤشر أيضا على أن الصين دولة منتجة أكثر منها مستهلكة، بينما أمريكا على النقيض من ذلك، ولذا كان للصين النصيب الأكبر من التعريفة الجمركية على السلع الواردة منها إلى الولايات المتحدة، وتفاقم الأمر لدرجة أنه كلما ترد الصين بإجراء حمائى مضاد، ترفع أمريكا نسبة التعريفة، وهذا أمر أشبه بحرب تجارية معلنة.

وما توقعاتك للصراع التجارى بين الصين وأمريكا والذى يتحدد على أساسه المشهد الاقتصادى العالمى على المدى القصير؟

تراجع «ترامب» عن بعض قراراته بشأن التعريفة الجمركية وكذلك بدء محادثات «صينية _ أمريكية» تشير إلى احتمالية الوصول إلى حل لإنهاء الصراع والرغبة فى تهدئة الأمر، وخاصة أن الاقتصاد الآسيوى قوى جدا، وإذا حدث نوع من التكامل بين الاقتصادات الآسيوية ستكون بالطبع فى غير صالح أمريكا، وأعتقد أن هناك جدية فى إتمام هذا التكامل فى ضوء ما هو متداول عن إنشاء منطقة تجارة حرة بين الصين واليابان وكوريا، وهذا سوق لا يمكن أن تتجاهله أمريكا التى بدأت تتحوط من تعاظم الاقتصادات الآسيوية الكبرى، فبدأت تهدئة الأوضاع فى أوكرانيا للحصول على بعض المواد الخام للصناعات الأمريكية حال وصول الوضع مع الصين لطريق مسدود. 

وما تبعات هذه الحرب على مصر فى ضوء التحديات السياسية والاقتصادية الحالية؟

لا يمكن إنكار التغيرات التى شهدها العالم فى السنوات القليلة الماضية والتى تؤدى إلى إعادة تشكيل القوى الكبرى على المستوى العالمي، من خلال إعادة تشكيل النظم العالمية والمؤسسات الدولية القائمة سواء على المستوى السياسى أو الاقتصادي، وكذلك إعادة تشكيل سلاسل التوريد، لذا المشهد الحالى للاقتصاد العالمى سينعكس على الاقتصاد المصرى بأكثر من صورة مباشرة وغير مباشرة، حيث من المتوقع تراجع معدلات النمو على مستوى العالم بسبب تباطؤ التجارة العالمية وانخفاض معدلات الطلب عالميا، وبالتالى تراجع معدلات الصادرات المصرية للخارج ليس فقط لأمريكا ولكن للعالم كله نتيجة تراجع معدلات الطلب العالمية فى المجمل وهذه النتيجة غير المباشرة، المشكلة الأكبر أن فرض قيود حمائية على دول إنتاجها كبير مثل كمبوديا وفيتنام وبنجلاديش والصين، سيضطر لتصريف هذا الإنتاج من خلال إغراق دول أخرى لديها تعريفات جمركية منخفضة أو ليس لديها إحكام قوى على حدودها، ولذا يجب الانتباه إلى ضرورة وجود إنذار مبكر للإفراط فى الاستيراد / الإغراق وكل هذه نتائج تضر بالمنتج المصرى.

وماذا عن الميزان التجارى «المصرى _ الأمريكى»؟

التعريفات الجمركية على مصر غير مقلقة لأن الميزان التجارى بين مصر وأمريكا شبه ثابت منذ عشرين عامًا وأغلبه يتمحور حول اتفاقية الكويز والتى تدور حول رقم المليار دولار سنويًا.

هل يمكن استغلال قرارات «ترامب» فى فتح أسواق جديدة لمصر أو جذب استثمارات أجنبية للسوق المصرى؟

يمكن أن يحدث ذلك على مستوى الشركات فى المدى القصير وليس على مستوى الدولة، بمعنى أنه يمكن للشركات استغلال الفرصة الحالية بعقد صفقات فى الأسواق المضارة، لكن على مستوى الدولة فذلك يتطلب زيادة الإنتاجية العامة، وهو الأمر الذى يحتاج لوقت، وقد تكون الفرصة قد ضاعت، هذا بالنسبة للصادرات والأسواق الجديدة، أما بالنسبة لجذب استثمارات من الدول المتضررة للتصنيع داخل مصر والتصدير بتعريفة جمركية منخفضة لأمريكا مقارنة بباقى الدول، فهذا منطق غير علمى نظرًا لضرورة توافر «قواعد منشأ للسلعة» حتى يتمكن المنتج من تصديرها للولايات المتحدة، بالإضافة إلى أن الولايات المتحدة سابقًا كانت تعترض على التصدير لها من خلال الكويز عن طريق استثمارات أجنبية كانت تشترط استثمارات مصرية، ففكرة جذب استثمارات بحجة التصدير بتعريفة جمركية منخفضة ليست موفقة بسبب قواعد المنشأ وإدراك الولايات المتحدة لهذه الحيلة.

إذن ما اقتراحاتك للتعامل مع المشهد الاقتصادى الحالى؟

مبدئيًا لا يجب الانسياق كثيرًا خلف القرارات العشوائية على المستوى الدولى، فى الوقت نفسه من الضرورى توجيه كل الجهد للعمل داخل الساحة المحلية لاستكمال الخطط القائمة والمعلنة، وكل ما يفرضه الوضع حاليًا هو السرعة فى تنفيذ هذه الخطط التنموية، وخاصة مع القدر العالى من الطموح والآمال لدى المجموعة الوزارية الحالية، والتى تعرض خططًا لتشجيع الاستثمار وتطوير الجمارك وتسهيل التجارة وتشجيع التصدير، ولذا أرى أن المطلوب هو تسريع تنفيذ هذه الخطط فى ضوء ما تفرضه التطورات الدولية الأخيرة التى تعد أداة ضغط لإنجاز هذه الخطط والطموحات. 

الصناعة من القطاعات الرائدة للنمو، والتى حظيت بأكثر من خطة واستراتيجية مؤخرا أين وصلنا فى هذا الملف؟ 

 تبلغ مساهمة القطاع الصناعى فى الناتج الإجمالى المحلى نحو 16 فى المائة فقط، وهذه مساهمة ضعيفة لاقتصاد يستهدف معدلات نمو 8 فى المائة، ونأمل أن تتراوح بين 25 فى المائة لـ30 فى المائة من الناتج الإجمالى المحلى، ويرجع ضعف مساهمة الصناعة فى الناتج المحلى لما يسمى مرحلة التفكك الصناعى المبكر، بمعنى أن نبدأ فى تنفيذ فكرة ما وننتقل إلى أخرى دون جنى ثمار الأولى بسبب التباطؤ فى تنفيذها، فمثلا حينما قررنا الإحلال محل الواردات لم نركز على الصناعات التى نمتلك فيها ميزة تنافسية، فتحنا الباب لتشجيع التجارة استوردنا ولم نصدر، توجهنا مع الخدمات ولكن ركزنا على الخدمات ذات القيمة المضافة المنخفضة، لذا أرى أن حل هذه التشوهات الهيكلية هو الصناعة التى تخلف القوة العاملة الماهرة؛ لأن الصناعة ليست فقط إنتاجا وإنما هى بيئة للمجتمع بقيم ومفاهيم مثل قيمة العمل والمواصفات والوقت، لذا الصناعة سياق كامل للمجتمع؛ ولذا لا مخرج لمصر سوى الصناعة، وتحديدا الصناعة الموجهة للتصدير وليس للإنتاج المحلى فقط.

هل يمكن تنفيذ هذه المخططات التنموية فى ظل حالة عدم اليقين الحالية؟

فى المشهد الحالى الأمور واضحة على المستويين العالمى والمحلى وإدارة المشهد المأزوم دور مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار ووزارة التخطيط، وهى الجهات التى ينبغى أن تكون جاهزة بسيناريوهات مختلفة لتطبيق المخططات التنموية فى ضوء الظروف الراهنة.

ما الروشتة المقترحة لتعافى الاقتصاد المصرى فى ضوء الظروف الحالية؟

من الضرورى العمل على كل الملفات فى نفس الوقت من خلال سياسات متكاملة، فعلى سبيل المثال تتم الإصلاحات المالية مع النقدية بالتزامن مع الإصلاح الهيكلى للإنتاج فى سياق إعدادات تشريعية تؤهل حدوث كل هذه الإصلاحات، بالإضافة إلى الإصلاح المؤسسى الذى يعتمد على فكرة التراكم، يضاف إلى ذلك العمل على بناء قاعدة بيانات حقيقية، فى الاستثمارات - أى استثمارات- تحتاج للبيانات للوقوف على أرض صلبة فى الأسواق التى تعمل بها، الاستثمارات تحتاج أيضًا إلى تمويل، وسعر الفائدة بالرغم من التخفيض الأخير الذى تم ولكنه لا يزال مرتفعا إذا ما قورن بمعدل التضخم، حيث يصل سعر الفائدة الحقيقى نحو 17 فى المائة وهو سعر مرتفع للمستثمرين، والاستثمار هو أساس الإنتاج الذى يمثل كلمة السر فى تعافى الاقتصاد المصرى، ومن هذا المنطلق يجب أن تهيئ الدولة سياستها وتشريعاتها المناخ الذى يسمح بوجود شركات عملاقة لأنها هى القادرة على الصمود وسط الصراعات المحتدمة على مستوى العالم، جيد الاهتمام بالصناعات الصغيرة والمتوسطة ولكن الشركات العملاقة ضرورى الاهتمام بها لضمان الاستدامة التنموية.

أخبار الساعة

الاكثر قراءة